ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

جون يُدافع عن الحسين عليه‌السلام

وكانَ « جونٌ » يرقبُ المشاهِدا

جرّدَ سيفَهُ لكي يُجاهدا

خاطَبهُ الحسينُ قدْ صَحِبْتَنا

لا كَيْ تموتَ اليومَ في مِحْنَتِنا

وإنَّما صحبْتَنا للعافيَهْ

فسِرْ الى تلكَ الوهادِ الخافيَهْ

فأنتَ في حِلّ منَ القتالِ

فخاطبَ الحسينَ في سؤالِ

أفي الرخاءِ ألْحَسُ القِصاعا

وفي الشدادِ أهربُ امتناعا ؟!

واللهِ لا حتّى يطيحَ مخذَمي

وقدْ تخالطَتْ دماكُم بدَمي

ثمّ مضى يطاردُ الكفّارا

وينشدُ الالحانَ والأشعارا

« كيفَ ترى الكفّارُ ضربَ الأسْوَدِ

بالسيفِ ذبَّاً عنْ بَني محمّدِ

أذبُّ عنهُمْ باللسانِ واليَدِ

أرجو بهِ الجنةَ يومَ المورِدِ »

وصارَ للسيوفِ والرماحِ

نَهْباً وللسهامِ والصفاحِ (١)

وجاءَ دورُ « ابنِ نبيهِ الكاهلي »

وكانَ شيخاً ذا قوام ناحلِ

__________________

(١) جون : شيخ كبير السن هو مولى لأبي ذر الغفاري ، أذن له الحسين عليه‌السلام بالانصراف فقال له : لا والله لا افارقكم حتى يختلط هذا الدم الاسود مع دمائكم اهل البيت ، فأذن له الحسين عليه‌السلام بالقتال حتى قتل رحمه الله. فدعا له الامام الحسين « اللّهمّ بيّض وجهه وطيّب ريحه واحشره مع محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ».

٢٤١
 &

قدْ كانَ صاحَبَ النبيِّ الهادي

هيئتُهُ أبكتْ أبا السجادِ (١)

وبعدَه « عَمْرو » فتى « جنادَهْ »

يُنسَبُ للأنصارِ في السيادَهْ

لم يبلُغِ الحلمَ ولمْ يقاتِلِ

مِنْ قبلِ هذا اليومِ في الأوائِلِ

فردَّهُ الحسينُ حُبّاً فيهِ

كيْ لا يذوقَ القتلَ معْ أبيهِ

لكنّهُ مَضى يشدُّ العَزْما

مُرتجزاً بطولةً وحَزْما

وحينَ صارَ رأسُهُ لأُمِّهِ

تمسَّحَتْ بجرحهِ ودمهِ

وارتجزَتْ وأخذَتْ عَمودا

تُقاتلُ الجموعَ والحُشودا

« إني عجوزٌ في النسا ضعيفَة

خاويةٌ بالِيَةٌ نحيفَة

أضربكُمْ بضربة عنيفَة

دونَ بني فاطمةَ الشريفة »

فردَّها الحسينُ للخيامِ

وقالَ : دافعتِ عنِ الذمامِ (٢)

وعندها قدْ غَضبَ « ابنُ الجعفي »

فشدَّ في الرجالِ دونَ خوفِ

__________________

(١) أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي : شيخ كبير كان صحابياً رأى رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وشهد معه بدراً ، وحنين ، وكانت له منزلة في أهل الكوفة بحكم صحابته للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، برز للقتال وهو يرفع حاجبيه بعصابة ، فبكى الامام الحسين عليه‌السلام حينما رآه بهذه الهيئة وقال له : شكراً لله لك يا شيخ ، ثم قاتل حتى قتل.

(٢) هو عمرو بن جنادة بن الحارث الأنصاري ، قُتل أبوه في المعركة ، فدفعته أمّه كي يقاتل دون الحسين عليه‌السلام لكن الحسين عليه‌السلام اشفق عليه وقال : هذا شاب قُتِل أبوه ، ولعلّ أمّه تكره خروجه ، فقال : إن أمِّي هي التي أمرتني ، ثم برز وهو يرتجز ويقول :

أميري حُسينٌ ونِعْمَ الأمير

سرور فؤادِ البشير النذير

عليٌّ وفاطمةٌ والداه

فهل تعلمونَ له من نظير

ثم قاتل حتى قُتِل ، فرموا رأسه الى معسكر الحسين عليه‌السلام فأخذته أمّه ، ومسحت عنه الدم والتراب ، وأخذت عموداً وهجمت به على الأعداء ، فردّها الحسين عليه‌السلام الى الخيام ...

٢٤٢
 &

مُرتجزاً بصوتهِ دَوِيّا

« اليومَ القى جدَّكَ النبيا

ثمّ أباكَ ذا الندى عليّا

ذاكَ الذي نعرفُهُ الوصيّا »

حتّى توارى صوتُهُ في المعركَهْ

وحولَهْ سيوفُهم مشتبكَهْ (١)

وبعدَهُ راحَ « سوارُ الفهمي »

مقاتلاً بقوة وعزمِ

فكثرَتْ في جسمه الجراحُ

ومزقَتْ أعضاءَهُ الرماحُ

فأسرُوهُ غيلةً وغَدْرا

فسبَّ فيهم « عُمراً وشِمْرا »

وقدْ تشفَّعَ رجالُ قومهِ

أنْ يُطلِقُوا سراحَهُ منْ يومهِ

فعاشَ بعدَها شهوراً ستَّهْ

وماتَ فخراً يا لَها مِنْ موتَهْ (٢)

* * *

__________________

(١) ابن الجعفي : هو الحجاج بن مسروق الجعفي ، احد المقاتلين الشجعان.

(٢) سوار الفهمي : هو سوار بن ابي حمير من ولد فهم بن جابر الفهمي الهمداني ، قاتل قتالاً شديداً حتى اثخن بالجراح ، واُخذ اسيراً الى عمر بن سعد ، فأراد قتله ، لكن قومه تشفعوا له ، وأخذوه عندهم ، فمات متأثراً بجراحه بعد ستة اشهر من واقعة الطف.

٢٤٣
 &

إستغاثة الحسين عليه‌السلام

وبعدَ أنْ توالَتِ الاصحابُ

الى الردى والكلُّ لا يَهابُ

مُضرَّجينَ بدمِ الشهادَهْ

فالقتلُ كانَ للرجالِ عادَهْ

صاحَ الحسينُ يا ليوثَ الثارِ

يا خيرةَ الاصحابِ والأنصارِ

ما لي أناديكُمْ فلمْ تُجيبوا

أنا الذي مِنْ بعدِكُم غريبُ

لم يبقَ لي غيرُ حماةِ أهلي

وإخْوَتي ونِسوَتي وطِفْلي (١)

فسمعَتْ نداءَهُ الإخوانُ

آلُ أبي طالبِ الشجعانُ

* * *

__________________

(١) قضى اصحاب الحسين مضرجين كالاضاحي بعد ان ادوا دورهم البطولي ، واستشهدوا بين يدي ابي عبد الله عليه‌السلام فنظر الحسين عليه‌السلام الى معسكره فلم يجد الا اهل بيته ، وشباب بني هاشم ، ونساءهم ، واطفالهم وهم يتهامسون وسط المعركة ، فاستغاث الحسين عليه‌السلام بأعلى صوته : هل من ناصر ينصرنا ، هل من مغيث يخاف الله فينا.

ثم خاطب اصحابه : يا حبيب ، يا مسلم ، يا برير ، ما لي اناديكم فلا تسمعون ، وأدعوكم فلا تجيبون.

٢٤٤
 &

شهادة عليّ الأكبر

أوّلهُمْ نجلُ الحسينِ الأكبرُ

عليٌّ الفتى المُهابُ الأنورُ

أشبَهُ آلِ بيتهِ بالمصطفى

ووارثُ المكرمينَ الشُّرَفا

سبعٌ وعشرونَ لهُ أعوامُ

ووجهُهُ بدرٌ بَدا تمامُ

يستأذنُ الحسينَ للقتالِ

يذبُّ عنْ دينِ الهدى والآلِ

فضمَّهُ الحسينُ شوقاً وبكى

وهزَّ دمعُ مُقلَتيهِ الفَلَكا

وقالَ يا ربّاه ذا غلامي

ضحيةٌ لنصرةِ الاسلامِ

كنّا اذا اشتَقْنا الى النبيّ

نراهُ خلفَ وجههِ البهيّ

تقدّمَ الاكبرُ للميدانِ

مُرتجزاً للضربِ والطِّعانِ

« أنا عليُّ بنُ الحسينِ بنُ عليّ

نحنُ وبيتِ اللهِ أولى بالنبيّ

تَاللهِ لا يحكمُ فينا « ابنُ الدَّعِي

أضربكُم بالسيفِ أحمى عنْ أبي

ضَربَ غلام هاشميٍّ عَلويّ »

مُذكِّراً إيّاهُمُ ضربَ الوصيّ

وعادَ بعدَ جولة عطشانا

مِنْ شدةِ الحربِ وما قَدْ عانى

يقولُ : هَلْ منْ شربة مِنْ ماءِ

أقوى بها اليومَ على الاعداءِ

أجابَهُ الحسينُ ردّ واصْبِرِ

فسوفَ تُروى بكؤوسِ الكَوثرِ

وعادَ للميدانِ مُسْتَميتا

فالشبلُ لا يخشى بأنْ يموتا

٢٤٥
 &

وواصلَ القتالَ مثلَ جدِّهِ

مُهرولاً بسيفهِ لِندِّهِ

فجاءَهُ مِنْ خلفهِ « ابنُ العبدي »

وسدَّدَ الرمحَ لهُ عنْ بُعْدِ

بطعنة جبانة قَتّالَهْ

أفجَعَ فيها المصطفى وآلَهْ

فأَسرعَ الحصانُ فيهِ للعِدا

فقطعوهُ بالسيوفِ بدَدا

فصاحَ يا أبي سلامٌ مِنّي

عليكَ ، هذهِ جنانُ عدنِ

هذا رسولُ اللهِ قدْ سَقاني

بشربة نِلْتُ بها الأماني

فجاءَهُ الحسينُ يَبكي حُزْنا

يَقولُ : قَدْ فُزْتَ بها وفُزْنا

لَهْفي على النساءِ لما سمِعَتْ

قلوبُها منْ حُزْنها تقطّعَتْ

فصِحْنَ وا جَدّاهُ وا محمّدا

هذا عليٌّ نهبُ أسيافِ العِدا

فاحتسبَ الحسينُ في بكاءِ

أولَ مقتول منَ الأبناءِ (١)

* * *

__________________

(١) علي الأكبر : هو علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليه‌السلام وُلد في الحادي عشر من شهر شعبان عام ٣٣ هـ.

كان آية في الهيبة والجمال ، وكان أشبه الناس برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يُكنّى بأبي الحسن ، وقيل انّه كان متزوِّجاً من أمِّ ولد ، وأمّه ليلى بن أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي ، وهو أوّل مَن قُتِلَ من بني هاشم ، وله من العمر سبعة وعشرون سنة.

٢٤٦
 &

بطولة عبد الله بن مسلم

وكانَ عبدُ اللهِ وابنُ مسلمِ

يحرسُ ثقلَ الوحيِ عندَ الخيمِ

وحينَ ضاقَ صبرُهُ تهادى

الى الحسينِ يطلبُ الجِهادا

سارَ الى الميدانِ في رجُولَهْ

مُذكّراً بمسلمِ البطولَهْ

مُرتجزاً ، مُجرّداً لسيفهِ

يقولُ غيرَ راهب مِنْ حتفهِ

« اليومَ ألقى مُسلِماً وهوَ أبي

وعصبَةً بادوا على دين النبي

ليسوا بقوم عُرفوا بالكذبِ

لكنْ خيارٌ وكرامُ النسبِ »

فقاتلَ الرجالَ مثلَ حيدَرهْ

وكالَ فيهم ضرباتٍ مُنْكَرهْ

حتّى انتحى لهُ « يزيدُ الجُهَني »

بسهمِهِ ورمحِهِ المسنّنِ

فصاحَ يا للهِ مِنْ عصابَهْ

تقتلُ أهلَ البيتِ والقرابَهْ

فلتصلهِمْ يا ربّ يومَ الآخرَهْ

بنارِها فهمْ جموعٌ خاسرَهْ (١)

* * *

__________________

(١) عبد الله بن مسلم بن عقيل بن أبي طالب عليه‌السلام وأمّه رقية بنت علي بن أبي طالب عليه‌السلام. قاتل يوم عاشوراء قتالاً بطولياً ، حيث هجم على الأعداء في ثلاث حملات ، قتل منهم جماعة قبل أن يرميه « يزيد بن الرقاد الجهني » بسهم في جبهته فاستشهد « رحمه الله ».

٢٤٧
 &

قتالُ آل أبي طالب

وبعدَ قتلهِ مشى الرجالُ

آلُ أبي طالبِ الأبطالُ

إلى الوغى مُسْتسهلينَ الصَّعْبا

ومُشعلينَ بالسيوفِ الحَرْبا

صاحَ الحسينُ يا بني عُمومَتي

فلا رأيتُمْ بعدَها مِنْ ذلَّةِ

صبراً على الموتِ فلا ترتَعِدُوا

فيكُم « عليُّ » ولكمْ « محمّدُ »

فوقعوا على السيوفِ نَهْبا

منْ بعدِ أنْ شدُّوا عليهِم ضَرْبا

فمِنهُم ابنُ جعفرِ الطيارِ

محمدٌ وعونُ حامي الجارِ

مُرتجزاً في ساحةِ القتالِ

مشمّراً يدعو على الرجالِ

« أشكو الى اللهِ منَ العدوانِ

مقالَ قوم في الردى عميانِ

قدْ بدَّلُوا معالمَ القرآنِ

ومحكمَ التنزيلِ والتبيانِ

وأظهرُوا الكفرَ معَ الطغيانِ

واتبعوا نهجَ أبي سفيان »

وبعدَهُ أخوهُ « عونُ » الثائرُ

مُرتجزاً بشعرهِ يُفاخرُ

« إنْ تُنكروني فأنا ابنُ جَعفَرِ

شهيدُ صدق في الجنانِ أزهَرِ

يطيرُ فيها بجناح أخضَرِ

كفى بهذا شرفاً في المحشَرِ »

و « ابنُ عقيل » قاتلَ الرجالا

مُرتجزاً يكتسحُ الأبطالا

« أبي عقيلٌ فاعرِفوا مكاني

مِنْ هاشم وهاشمٌ اخواني

هذا حسينٌ شامخُ البنيانِ

وسيدُ الشيبِ معَ الشبّانِ »

ثمَّ اخوهُ « جعفرُ » المظفرُ

ذاكَ الشجاعُ الهاشميُّ الأطهرُ

٢٤٨
 &

« أنا الغلامُ الأبطحيُّ الطالبيّ

منْ معشر في هاشم مِنْ غالبِ

ونحنُ حقاً سادةُ الذوائبِ

هذا حسينٌ أطيبُ الأطايبِ »

وبعدَه « محمدُ بنُ مسلمِ »

مُقتحماً للخصمِ ليسَ يَحْتَمي

وقدْ أُصيبَ « الحسنُ المثنّى »

وقُطعِتْ منهُ الذراعُ اليُمنى

واستشهدَ ابنُ حيدرِ الكرارِ

وهوَ « أبو بكر » فتى نزارِ

قتلَهُ « زحرُ بنُ بدرِ النخَعِي »

فصاحَ وا أخاهُ عندَ المصرعِ

وبعدَهُ شدَّ بَنُو عقيلِ

في موقف ملتهب مهُولِ

وكانَ « عبدُ اللهِ » في المقدّمَهْ

يسطّرُ العِجابَ عندَ الملحمَهْ

حتّى هوى بطعنَةِ الأثيمِ

« عثمانَ بنِ خالدِ التميمي » (١)

* * *

__________________

(١) بعد استشهاد عبد الله بن مسلم ، خرج فتيان آل أبي طالب في حملة واحدة قاتلوا فيها قتالاً شديداً ، يحكي ملاحم بطولات أمير المؤمنين علي عليه‌السلام فاستشهد منهم :

عون بن عبد الله بن جعفر الطيّار ، وأخوه محمد ، وعبد الرحمن بن عقيل ، وأخوه جعفر ، ومحمد بن مسلم بن عقيل ، ومحمد « أبو بكر » بن علي بن أبي طالب ، وعبد الله بن عقيل ، وقُطعت اليد اليمنى للحسن المثنّى ابن الإمام الحسن ولم يستشهد.

٢٤٩
 &

شهادة القاسم

وضاقَ صدرُ « القاسمِ بنِ الحسَنِ »

نَجلِ الامامِ الصابرِ المُمتَحنِ

جاءَ ويَمشي معهُ أخوهُ

الى الحسينِ كيْ يودّعوهُ

فانتحَب الحسينُ إذْ رآهُما

نحوَ الجهادِ جُرِّدا سيفاهُما

فارْتَجزَ القاسمُ ثمَ كَرّا

يقولُ : والمهجةُ منهُ حَرّى

« إنْ تُنكِروني فأنا نجلُ الحسَنْ

سبطُ النبيِّ المصطفى والمؤتَمنْ

هذا حسينٌ كالأسيرِ المرتَهنْ

بينَ أُناس لاسقُوا صوبَ المزَنْ »

وشتَّتَ الجموعَ وهيَ تَترى

فانقطعَتْ لهُ النِّعالُ اليُسرى

أهوى يشدُّ نعلَهُ ما هابا

لا كثرَةَ الطعنِ ولا الضّرابا

فناشَهُ بضربة عن عمدِ

« عَمْرو بنُ سعدِ بنِ نفيلِ الأَزْدي »

فصاحَ يا عماهُ ثمّ أهوى

فجاءَهُ الحسينُ ليس يَقوى

عزَّ على عمِّكَ أنْ تدعوهُ

فَلا يُجيبُ عندما ترجُوهُ

واحتملَ الحسينُ جسمَ الشِّبلِ

ورجلُهُ تخطُّ فوقَ الرَّمْلِ

فاستقبلَتْهُ زينبُ العقيلَهْ

تصيحُ يا ضياغمَ القبيلَهْ

هذا الحسينُ مُفردٌ في كربلا

أحاطَهُ جيشُ العِدا مُتّصِلا (١)

* * *

__________________

(١) القاسم ابن الامام الحسن بن علي بن أبي طالب ، اشترك في المعركة وهو غلام لم يبلغ الحلم ومعه أخوه عبد الله الاكبر ويكنى بأبي بكر. ويذكر ابو خنف في مقتله ـ كما نقل الطبري ـ ما مضمونه : ان القاسم وهو الشبل الشجاع انقطع شسع نعله في المعركة وانها اليسرى فابى ان يواصل القتال حافياً فنزل يشدّها فتجمع حوله الاعداء فقطعوه إرباً إرباً فلحق بموكب الشهداء السعداء.

٢٥٠
 &

بطولة العبّاس

فسمعَ العباسُ صوتَ زينبِ

وهوَ يرى في غربةٍ سبطَ النبي

قالَ لإخوان لهُ : تقدَّمُوا

فقاتَلُوا في عزة لم يُحْجِموا

همْ جعفرُ الفذُّ وعبدُ اللهِ

وثمَّ عثمانُ فتى الدواهي

إذْ واجَهوا الموتَ رجالاً بررَهْ

مُشبّهينَ بأبيهم حيدرَهْ

فلمْ يكُ العباسُ بَعْدُ يصبرُ

فجاءَ للحسينِ وهوَ يزْأَرُ

يسمعُ صوتَ الصبيةِ العطاشى

حاشاهُ أن يغضَّ طَرْفاً حاشا

يقولُ : يا أَخاهُ ضاقَ صدري

أُريدُ أنْ آخُذَ منهُم ثَأْري

فدمعَتْ عينُ الحسينِ واكتوى

وقالَ : أنتَ أنتَ صاحبُ اللِّوا

إنْ شِئتَ فاطلُبْ للنساءِ ماءا

وصبية باتُوا لنا ظِماءا

فحملَ القربةَ نحوَ المشرعَهْ

وقدْ أُحيطَتْ بالرماحِ المُشْرعَهْ

لم يَرْهَبِ العباسُ ذاكَ الجَمْعا

إلّا وقدْ أثارَ فيهِ النَّقْعا

مُرتجزاً يهدرُ وهوَ يضربُ

يقولُ : هلْ مِنْ فارس يا عربُ

« لا أرهبُ الموتَ اذا الموتُ زقا

حتى أُوارى في المصاليتِ لقى (١)

اِنّي أنا العباسُ أغدو بالسِّقا

ولا أَهابُ الموتَ يومَ المُلْتقى »

وراحَ في قتالهِ يجالدُ

وعنْ بناتِ المصطفى يجاهدُ

__________________

(١) المصاليت : القبور. لقى : مطروح.

٢٥١
 &

حتّى اِذا ما اقتحمَ الفُراتا

وأسكتَ الضجيجَ والأصواتا

مدَّ يداً للماءِ كيْ يغْتَرِفا

ففي فؤادهِ لهيبٌ ما انطَفى

تذكَّرَ الحسينَ والنساءا

وكيفَ ظلُّوا بعدَهُ ظِماءا

فقالَ والدمعةُ في العيونِ

« يا نفسُ مِنْ بعدِ الحسينِ هُوني

وبعدَهُ لا كُنْتِ أو تَكوني

هذا الحسينُ واردُ المَنونِ

وتشربينَ باردَ المَعِينِ

تاللهِ ما هذا فِعالُ دِيني »

فتركَ الماءَ وظلَّ عاطِشا

وملأَ القِربةَ ماءً ومَشى

فاختَبأوا لهُ وراءَ نخلَهْ

يحاولونَ منعَهُ أوْ قتلَهْ

ونَصبوا بغِيلة كَمِيناً

حتّى بَروا من زندِهِ اليَمِينا

فقالَ : « إنْ قطعتمُ يَميني

إنّي أحامي أبداً عَنْ ديني

وعنْ إمام صادقِ اليقينِ

نجلِ النبيِّ الطاهرِ الأمينِ »

ولمْ يزلْ يضربهمْ ضُلّالا

فقطَعوا ذراعَهُ الشِّمالا

وجاءَتِ السِّهامُ مثلَ المَطرِ

فصدَّها بصدرهِ والمنحَرِ

وقدْ أصابتِ السقاءَ الأسهُمُ

أُريقَ ماؤُها وطاحَ العلَمُ

مُذْ ضُرِبَ العباسُ بالعمودِ

وجسمُهُ مُزِّقَ بالحديدِ

فصاحَ يا حسينُ يا غريبُ

أُخيَّ يا مظلومُ يا حبيبُ

عليكَ منْ جِراحي السلامُ

قدْ قالَها وانقطعَ الكلامُ

جاءَ الحسينُ هاتِفاً بصيحةِ

انكسرَ الظهرُ وقلَّتْ حِيلتي

وشُمتَتْ بغُربتي الأعداءُ

مذْ طاحَ مِنكَ السيفُ واللِّواءُ

وعادَ نحوَ خيمةِ الاطهارِ

يُكفكِفُ الدموعَ بانكسارِ

فَسمعَتْ سُكينةٌ وزينبُ

فكثرَ المُعوِلُ والمُنتَحِبُ

وصرختْ زينبُ وا ضيْعَتنا

بعدَك يا عمادَنا وبيتَنا

٢٥٢
 &

وندبت فاطِمَ والنبيا

وجعفرَ الطيارَ والوصيّا

هذا الحسينُ مفردٌ في الطّفِّ

وحولَهُ النسا غدَتْ في خوفِ

ونجلُهُ السجادُ في خيمتهِ

يعالجُ المحنةَ في علّتهِ

وعندَها صاحَ الحسينُ مُعلِنا

هلْ مِنْ مُغيث صادق يُغيثُنا

هلْ مَنْ يخافُ النارَ أو يَؤوبُ

فسكتَ القومُ ولم يُجيبوا

وعندَها استعدَّ للمَماتِ

وكانَ آيِساً مِنَ الحياةِ (١)

* * *

__________________

(١) العباس بن علي بن أبي طالب ، وأمّه فاطمة بنت حزام الكلابية وتُكنّى بأمِّ البنين ، وكنيته أبو الفضل. لُقِّب بقمر بني هاشم.

عُرف عنه الشجاعة ، وشدّة البأس ، وقوّة الجسم ، وكان مخلصاً غاية الاخلاص لأخيه الإمام الحسين عليه‌السلام حمل لواءه يوم الطف ، وأبلى بلاءً حسناً. هدّ مقتله الحسين فقال عليه‌السلام في نعيه : « الآن انكسر ظهري ، وقلت حيلتي » وشخصية العباس حاضرة بقوة في الضمير الاسلامي الشيعي ولا تغيب عن الذاكرة فلا تسعها هذه السطور والاشعار ، وهو آخر من استشهد من أصحاب الحسين وأهل بيته عليهم‌السلام.

٢٥٣
 &

وداع الحسين عليه‌السلام الأخير

فودَّعَ النساءَ والعِيالا

وقبَّلَ الصغارَ والأطفالا

مُوصياً بالصبرِ والسكونِ

إنْ صارَ نَهْباً لظبى المَنُونِ

فصرخَتْ سكينةُ يا أبتي

مَنْ لي إذا النارُ أحاطَتْ خَيمتي

فرُدَّنا لحرمِ النبيِّ

وقبرِهِ المنوَّرِ القُدسِيِّ

أجابَها هيهاتَ لنْ أُلاما

لَو تركَ القطا غَفا وناما

فارتفعَ الضجيجُ والبكاءُ

وأعولَتْ بحزْنِها النساءُ

وصاحَ يا زينبُ يا اُخيَّتي

تصبَّري قدْ قرُبَتْ منيَّتي

ثمَّ دعا يُريدُ ثوباً خَلِقا

غيرَ جدير لبسهُ ممزَّقا

يضعهُ تحتَ الثيابِ كيْ لا

يَسلبَهْ الأوباشُ منهُ لَيلا (١)

* * *

__________________

(١) لحظات الوداع من اصعب اللحظات على ذوي النفوس الكبيرة والضمائر الحرة فها هو الحسين بين أطفاله وعائلته يودعهم الوداع الاخير من اجل ان يرسم للاجيال طريق الحرب والكرامة والعزة والتحرر من ضعف الارادة من سطوة الطواغيت.

٢٥٤
 &

الطفل الرضيع

ثمَّ دعا بطفله الرضيعِ

مُودّع إيّأه بالدموعِ

ما جاوزَ العامَ وهدّهُ الظما

ما ذنبهُ يا قومِ ماذا أجْرَما ؟

مخاطباً تلكَ الجموعَ الجاهلَه

يسألُها باللهِ أنْ تباهلَه

قدَّمَ طفلَهُ لكي يسقُوهُ

لكنّهُم بنبلةٍ رموهُ

أوّلُهم « حرملةُ بنُ كاهلِ »

ذاك الذي لم يرَ غيرَ الباطلِ

فذبحَ الرضيعَ دونَ ذنبِ

فذا أبوهُ شاكياً يا ربِّ

هَوَّنَ بي واللهِ ما قّدْ نزَلا

كلٌّ بعينِ الله جلَّ وعَلا

ثمَّ ملا كفَّيهِ بالدماءِ

وقدْ رَمى بالدمِ للسماءِ

عادَ وغطّى طفلَهُ المصابا

مخاطباً زوجتهُ « الرَّبابا »

استَرْجِعي وادّرعي بالصبرِ

فذا شفيعُ الناسِ يومَ الحشرِ

* * *

٢٥٥
 &

دُعاء الحسين عليه‌السلام قبل مقتله

ورفعَ اليدينِ بالدعاءِ

الى إِلهِ الكونِ والسماءِ

يا ربِّ لا يكنْ عليكَ أهونا

هذا الذي قدْ حلَّ غدرةً بنا

مِنْ ناقة تُقتلُ في « ثمودِ »

ومِنْ فصيلها طريِّ العُودِ

فإنْ تكنْ حبسْتَ عنّا النصرا

فهَبْ لنا ثوابَهُ في الأُخرى

وأنتَ شاهدٌ على ما فَعلوا

وأرعَبوا وأحْرَقوا وقتلُوا (١)

* * *

__________________

(١) بقي الحسين عليه‌السلام وحيداً بعد استشهاد أصحابه وفتية أهل بيته فأراد أن يودع طفله الرضيع واسمه عبد الله من زوجته الرّباب ، وعندما حمله طالباً له الماء اختلف جيش عمر بن سعد في إعطائه الماء ، فحسم نزاع القوم حرملة بن كاهل الأسدي بسهم ذبح الرضيع وهو بين يدي والده ، فرمى الحسين الدم الى السماء ثم خضب وجهه بيده وقال : هكذا ألقى الله وأنا مخضب بدمي.

والحسين انما يفعل هذا ليس ضعفاً واستسلاماً للموقف الصعب ، انما يريد ان يعمق الجانب العاطفي من مسيرة الثورة في ذاكرة الاجيال لكي تظل مشعلاً وهاجاً ونبراساً يضيء طريق الشعوب وهي تكافح من اجل العدالة والحرية.

٢٥٦
 &

الحسين عليه‌السلام يهزم الجموع

وأَصْلَتَ الحسينُ سيفَ الحقِّ

يَلمعُ في يُمناهُ مِثلَ البرقِ

وقدْ دَعا الناسَ الى القتالِ

فارتعبَتْ أشاوسُ الابطالِ

مُرتجزاً يكرُّ نحوَ الميمنَهْ

مُقتحماً رماحَها المسنّنَهْ

يصيحُ يا عصابةَ الاشرارِ

« الموتُ أولى مِنْ ركوبِ العارِ

والعارُ أولى مِنْ دخولِ النارِ

واللهِ ما هذا وهذا جارِ »

وشدَّ بعدَ ذاكَ نحوَ الميسرَهْ

فأَحْجمَتْ جموعُها المنكسرَهْ

مُردّداً « أنا الحسينُ بنُ علي »

وأنني « آليتُ ألّا أنْثَني »

وها أنا « أحمي عِيالاتِ أبي

بعزمة « أمضي على دينِ النّبي »

يضربُ في جموعهمْ كحيدرَهْ

حتّى غدَتْ فرسانُهمْ منتشرَهْ

تخافُ تَدنُو نحوهُ وتقربُ

فهوَ الشّجاعُ البطلُ المُجرّبُ

فصاحَ « عمرُ بنُ سعد » فيهمُو

أتعرفونُ قدرَهُ ويلَكُمو

فإنهُ ابنُ الأنزعِ البطينِ

وقاتلِ الأبطالِ في « صِفِّينِ » (١)

أعرفهُ هذا ابنُ قَتّالِ العرَبْ

لا يعرفُ الموتَ ولا يرجُو الهرَبْ

شُدُّوا عليهِ وافصُلوا رحالَهْ

عنهُ وروِّعوا بها عِيالَهْ

فأُمْطرَتْ سهامهُم آلافا

لكن أبيُّ الضيمِ لَنْ يخافا

__________________

(١) الأنزع البطين : المقصود به الإمام علي بن أبي طالب عليه‌السلام حيث كان حاسر الرأس ، مهيب الطلعة ، ضخم الجسم ، قويّ البُنية ، مفتول العضلات.

٢٥٧
 &

فصاحَ يا جمعَ أبي سفيانِ

ويا مسوخَ البغيِ والطغيانِ

إنْ لم يكنْ خُلقٌ لكم ودينُ

فراجِعوا الاحسابَ مَنْ تَكونوا

هلْ عربٌ أنتم وهلْ أحرارُ

أمْ أنكمْ عصابةٌ أشرار ؟

فصاحَ « شمرُ » ما الّذي تقولُ

إنّكَ بعدَ ساعة مقتولُ

قالَ أنا الذي لكمْ يقاتلُ

لا يقربِ النساءَ منكُمْ جاهلُ

ليسَ عليهنَّ بها جُناحُ

فلتقصدُوني فدَمي مُباحُ

فردَّ شمرُ لكَ ما تُريدُ

فأنتَ كفؤٌ سيّد عميدُ

واشتدَّ بالحسينِ حَرُّ العطَشِ

فكَرَّ في جموعهمْ لا يختَشي

واقتحمَ الفراتَ ثمَّ اغْترَفا

بكفّهِ ماءً ليُطْفي اللَّهفا

فقيلَ : هلْ تلذُّ شربَ الماءِ

وقصدَ احاطَ القومُ بالنساءِ

فانتفضَ السبطُ وعافَ الماءا

وقصدَ الخِيامَ والنساءا

وقدْ رماهُ « ابنُ نميرِ الأَزْدي »

بنبلة في حلقهِ والزنْدِ

فتَمْتمَ الحسينُ بالدعاءِ

وطرفهُ يُشيرُ للسماءِ (١)

* * *



__________________

(١) تعجز الكلمات عن وصف المشهد الذي تتشابك فيه الصور والاحداث ، حيث يقف الحسين وحده امام جيش الاعداء بكل شجاعة ورباطة جأش فيقف التاريخ معه حابساً أنفاسه ليبدأ منعطفاً جديداً في مسيرة الشعوب ، ومن هنا أترك أي تعليق بعد ان ذرفت الدموع.

٢٥٨
 &

الوداع الثاني

ربِّ انتقِمْ مِنْ هؤلاءِ الظَّلمَهْ

واُمَّة بغَتْ علينا مُجرمَهْ

غَدا فودّعَ العيالَ ثانيا

مُوصيا نساءَهُ مُواسيا

يقولُ : صبراً واستعِدُّوا للبَلا

إذا القضاءُ فيكُم قدْ نزَلا

فربُّكم ينجيكُم بالرحمَهْ

مِنْ بعدِ أنْ يكشفَ هذي الغمَّهْ

ويُغدقُ النعمةَ بالعطاءِ

كرامةً منْ خالقِ السماءِ

فلا تقولُوا ما يحطُّ قدرَكُمْ

ولا تُبيحوا للطغاةِ سرَّكمْ

فأَنتُم ودائعُ النبيِّ

وانتُم أمانةُ الوصيِّ

وعندَها قالَ « ابنُ سعد » ويْحَكُم

شدُّوا عليهِ قبلَ أنْ يفجأَكُم

ما دامَ مشغولاً بأمرِ الحرمِ

وقلبُه معلقٌ بالخيمِ

واللهِ إنْ يكُنْ لكمْ قَدْ فَرغا

لعادَ جيشُكم دَماً مُصطبغا

واختلطَتْ ميمنةٌ بميسرَهْ

فهو ابنُ قاتلِ الرجالِ حيدرَهْ

فحمَلُوا عليهِ بالسهامِ

حتّى تخالفَتْ على الخيامِ

وأُرعِبَ النسوةُ والأطفالُ

وصرخَتْ مِنْ خوفِها العِيالُ

فحملَ الحسينُ لَيْثاً غضبا

وسيفُهُ صاعقةٌ تلهبا

يضربُ فيهم والفؤاد ظامِ

وعنْ بناتِ المصطفى يُحامي

فقالَ للقومِ : ألا مِنْ ماءِ

أُطفي لهيبَ الجمرةِ الحمراءِ

فقالَ شمرٌ لا تذوقُ البارِدا

حتّى تَرى النارَ إليها وارِدا

٢٥٩
 &

وقالَ بعضٌ صُدَّ للفراتِ

كأنّه يمموجُ كالحيّاتِ

لا تشربنَّ منهُ أو تقضي ظَما

أو تقبَل الأمرَ وأنْ تَسْتسلما

فأَغمضَ الحسينُ طَرفاً ومَشى

وقالَ يا ربِّ أَمِتْهُ عَطَشا

ثمَّ رمى سَهْماً « أبو الحُتوفِ »

نحوَ الحسينِ في ثرى الطفُوفِ

فوقَع السهمُ على جبهتهِ

وسالَتِ الدما على لحيتهِ

فهتفَ الحسينُ ربِّ قَدْ تَرى

ما أنا فيهِ والذي ما قَدْ جَرى

ربِّ احصهمْ بينَ يَديك عَددا

ولا تذَرْ في الأرضِ منهُم أحَدا

ورفعَ الصوتَ لهُم يُنادي

يا أُمّةً خانَتْ وصايا الهادي

فَبئسما خلفتُمُ محمّدا

في أهلهِ وما حفظتُمْ وَلدا

لا تَقتلُونَ بعدَ قَتلي رجُلا

فيهِ تخافونَ الإِلهَ والمَلا

لكنْ يهونُ كلُّ قتل بَعدي

فأبشِروا بذلّة وبُعْدِ

فإنّني أطمعُ بالشهادَهْ

وهيَ لدينا غايةُ السعادَهْ

وأسألُ الباري بأنْ يَنتقما

منكُم لما سفكتموهُ مِنْ دِما

قالَ « الحُصينُ » : وبماذا ينتقِمْ

مِنا لكُم والسورُ منكُم ينهدِمْ ؟

فقالَ : يُلقي بأسَكُم بينَكُمُ

وعندَها ويلَكُمُ ويلَكُمُ

وضَعُفَ الحسينُ عنْ قتالِهم

فأفرغُوا عليهِ مِنْ نبالِهمْ

ورشَقُوهُ ثُمَّ بالحجارَهْ

فَهُم لعمري أُمَّةٌ غدّارَهْ

فحجرٌ أصابَهُ في جبهتهِ

أسالَ منهُ دمَهُ في وجنتهِ

فأَخذَ الثوبَ ليمسحَ الدِّما

رَماهُ آخرٌ بسهم سُمِّما (١)

__________________

(١) ودع الحسين عليه‌السلام عياله الوداع الاخير وأوصى أهله بالصبر والحلم حيث قال : استعد واللبلاء واعلموا ان الله حاميكم وحافظكم وسنجيكم من شر الاعداء ويجعل عاقبة امركم

=

٢٦٠