ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

ـ ملحق

رسالة الحقوق

للامام زين العابدين علي بن الحسين عليه ‌السلام

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيْمِ (?)

المقدّمة

إعلم ـ رحمك الله ـ أنّ لله عليك حقوقاً محيطةً في كلّ حركةٍ تحرّكْتَها أو سكنةٍ سكنْتَها [ أو حالٍ حُلْتَها ] أو منزلةٍ نزلْتَها أو جارحة قَلَّبْتها أو آلةٍ تصرّفْتَ بها ( بعضُها أكبرُ من بعض ) :

[أ] فأكبر حقوق الله عليك :

ما أوجبهُ لنفسك تبارك وتعالى من حقّه الذي هو أهل الحقوق ( ومنه تُفَرّع ).

[ب] ثمّ ما أوجبه الله عزَّوجلّ لنفسك ، من قَرنك إلى قدمك ، على اختلاف جوارحك :

__________________

(?) لقد ذكرت رسالة الحقوق في العديد من المصادر المعتبرة مثل كتاب مَن لا يحضره الفقيه للشيخ علي بن الحسين الصدوق رضي ‌الله ‌عنه وكتاب تحف العقول لابن شعبه الحراني وغيرهما من مصادر الحديث الشريف. ولمزيد الفائدة فأننا نثبتها بنصّها الكامل في هذا الملحق.

٣٤١
 &

فجعل للسانك عليك حقاً ولسمعك عليك حقّاً ، ولبصرك عليك حقّاً ، وليدك عليك حقّاً ، ولرجلك عليك حقاً ، ولبطنك عليك حقاً ، ولفرْجكَ عليك حقاً.

فهذه الجوارح السبعُ التي بها تكون الأفعال.

[ج] ثمّ جعل عزّوجلّ لأفعالك عليك حقوقاً :

فجعل لصلاتك عليك حقّاً ولحجّتك عليك حقاً ، ولصومك عليك حقاً ، ولصَدَقتك عليك حقاً ، ولهدْيك عليك حقاً ، ولأفعالك عليك حقاً.

ثمّ تخرج الحقوق منك إلى غيرك ، من ذوي الحقوق الواجبة عليك ، وأوجبها عليك : حقوق أئمّتك ، ثمّ حقوق رعيّتك ، ثمّ حقوق رحمك ، فهذه حقوق يتشعّبُ منها حقوق.

[د] فحقوق أئمّتك ثلاثه :

أوجبُها عليك حقُّ سائسك بالسلطان ، ثمّ حقّ سائسك بالعلم ، ثمّ حقّ سائسك بالمِلْك. وكلُّ سائسٍ إمامٌ.

[هـ] وحقوق رعيّتك ثلاثة :

أوجبها عليك حقُّ رعيّتك بالسطان. ثمَّ حقُّ رعيّتك بالعلم. فإنّ الجاهل رعيّته العالم ، ثمَّ حقّ رعيّتك بالمِلْك : من الأزواج وما ملكت الأيمانُ.

[و] وحقوق رَحمِكَ كثيرة ، متّصلةٌ بقَدَر اتّصال الرحم في القرابة. فأوجبها عليك :

حقُّ اُمّك ، ثمَّ حقّ أبيك ، ثمَّ حقّ ولدك ، ثمَّ حقّ أخيك ، ثمّ الأقرب فالأقرب ، والأوّل فالأوّل.

٣٤٢
 &

[ز] ثمَّ [ حقوق الآخرين ] :

حقّ مولاك المُنعم عليك ، ثمَّ حقّ مولاك الجارية نِعمتُك عليه ، ثمَّ حقّ ذي المعروف لديك ، ثمّ حقّ مُؤذنك لصلاتك ، ثمَّ حقّ إمامك في صلاتك ، ثمَّ حقّ جليسك ، ثمَّ حقّ مالِك ، ثمَّ حقّ غريمك الذي يُطالبُك ، ثمَّ حقّ خليطك ، ثمَّ حقّ خصمك المدّعي عليك ، ثمَّ حقّ المُشير عليك ، ثمَّ حقّ مُستنصِحك ، ثمّ حقّ الناصِح لك ، ثمَّ حقّ مَن هم أكبر منك ، ثمَّ حقّ مَنْ هم أصغر منك ، ثمَّ حقّ سائلك ، ثمَّ حقّ من سألتَهُ ، ثمَّ حقّ من جرى لك على يديه مساءةٌ بقولٍ أو فعل ، عن تعمدٍ منه أو غير تعمّد ، ثمَّ حقّ من جرى على يديه مسرّة من قول أو فعل ، ثمَّ حقّ أهل ملّتك عامّة ، ثمّ حقّ أهل ذمّتك.

ثمَّ الحقوق الجارية بقدَر عِلَل الأحوال وتصرُّف الأسباب.

فطوبى لِمَن أعانه الله على قضاء ما أوجب عليه من حقوقه ، ووفّقهُ لذلك وسدّده.

[أ] حقّ الله

[١] فأمّا حقّ الله الأكبر عليك :

ـ فأنْ تعبدَهُ لا تُشركَ به شيئاً ، فإذا فعلت ذلك بإخلاصٍ جَعل لك على نفسه أن يكفيك أمَر الدنيا والآخرة ( ويحفظَ لك ما تحبُّ منها ).

[ب] حقوق الأعضاء

وأمّا حقّ نفسك عليك : أنْ تستعملها في طاعة الله : فتؤدّي إلى لِسانك حقّه ، وإلى سمعك حقّه ، وإلى بصرك حقّه ، وإلى يدك حقّها ، وإلى رجلك حقّها ، وإلى بطنك حقّه ، وإلى فرجك حقّه ، وتستعينَ بالله على ذلك.

٣٤٣
 &

[٢] وأمّا حقّ اللسان :

ـ فإكرامه عن الخَنا.

ـ وتعويده على الخير [ والبرّ بالناس ، وحسن القول فيهم ].

ـ وحمله على الأدَبِ.

ـ وإجمامهُ إلّا لموضع الحاجة والمنفعة للدين والدنيا.

ـ وإعفاؤهُ عن الفضول الشنيعة ، القليلة الفائدة التي لا يؤمَنُ ضررُها مع قِلّة فائدتها.

ـ ويُعدّ شاهدَ العقل ، والدليل عليه ، وتزيُّن العاقل بعقله حسنُ سيرته في لسانه. ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

[٣] وأمّا حقّ السمع :

ـ فتنزيهُهُ عن أن تجعله طريقاً إلى قلبك إلّا لفوهةٍ كريمة تُحدِث في قلبك خيراً ، أو تكسب خلقاً كريماً ، فإنّه باب الكلام إلى القلب ، يؤدّي إليه ضروبَ المعاني على ما فيها من خيرٍ أو شرَّ. ولا قوة إلّا بالله.

[٤] وأمّا حقّ بصرك :

ـ فغضّهُ عمّا يحلّ لك.

ـ وترك ابتذاله إلّا لموضع عِبرةٍ تستقبلُ بها بَصَراً ، أو تستفيد بها عِلماً فإنّ البَصر بابُ الاعتبار.

[٥] وأمّا حقّ يدك :

ـ فأن لا تبسطها إلى ما لا يحلّ لك فتنال بما تبسطها إليه من الله العقوبة في الآجل ، ومن الناس بلسان اللائمة في العاجل.

ـ ولا تقبضها عمّا افترضَ الله عليها.

٣٤٤
 &

ولكن توقّرها : بقَبْضِها عن كثير ممّا يحلّ لها ، وبسطها إلى كثيرٍ ممّا ليس عليها ، فإذا هي قد عُقِلَت وشُرّفت في العاجل وَجَبَ لها حُسنُ الثواب من الله في الآجل ).

[٦] وأمّا حقّ رِجْلِك :

ـ أن لا تمشي بها ما لا يحلّ لك. [ فبها تقف على الصراط فانظر أن لا تَزِلّ بك فتردى في النار ].

ـ ولا تجعلها مطيّتك في الطريق المستخفّة بأهلها فيها ، فإنّها حاملتُك وسالكةٌ بك مسلك الدين ، والسبق لك. ولا قوة إلّا بالله.

[٧] وأمّا حقّ بطنك :

ـ فأن لا تجعله وعاءً لقليل من الحرام ولا لكثير.

ـ وأن تقصدَ له في الحلال ، ولا تُخرجه من حدّ التقوية إلى حدّ التهوين وذهاب المروءة.

ـ وضبطه إذا هَمّ بالجوع والعطش.

ـ [ ولا تزيد على الشَّبَع ] فإنّ الشَّبَع المنتهي بصاحبه إلى التخم مَكسلةٌ ومَثبطة ومَقطعة عن كلّ برّ وكرم وإنّ الريّ المنتهي بصاحبه إلى السُّكر مَسخفةٌ ومَجهلة ومَذهَبة للمروءة ).

[٨] وأمّا حقّ فرجك :

ـ فحفظه ممّا لا يحلّ لك أن تُحصِنَه عن الزنا ، وتحفظه من أن يُنظر إليه والاستعانة عليه بغضّ البصَرَ ، فإنّه من أعون الأعوان ، وكثرة ذكر الموت ، والتهدّد لنفسك بالله والتخويف لها به. وبالله العصمة والتأييد ، ولا حول ولا قوّة إلّا به.

٣٤٥
 &

[ج] ثمَّ حقوق الأفعال

[٩] فأمّا حقّ الصلاة :

ـ فأن تعلم أنّها وفادة إلى الله ، وأنّك قائمٌ بها بينَ يدي الله ، فإذا علمتَ ذلك كنتَ خليقاً أن تقومَ فيها مقامَ العبد ، الذليل [ الحقير ] ، الراغب ، الراهب ، الخائف ، الراجي ، المسكين ، المتضرع وخشوع الأطراف ، ولين الجناح ، وحسن المناجاة له نفسه ، والطلب إليه في فكاك رقبتك التي أحاطت بها خطيئتك ، واستهلكتها ذنوبك.

ـ وتُقبل عليها بقلبك.

ـ وتقيمها بحدودها وحقوقها. ولا قوّة إلّا بالله.

[١٠] وحقّ الحجّ :

ـ أن تعلم أنّه وفادة إلى ربّك ، وفرارٌ إليه من ذنوبك ، وفيه قبول توبتك ، وقضاء الفرض الذي أوجبه الله عليك.

[١١] وأمّا حقّ الصوم :

ـ فأنْ تعلم أنّه حجابٌ ضربه الله على لسانك وسمعك وبصرك وفرجك وبطنك ، ليسترك به من النار ، فإن تركت الصوم خرقتَ سِتَر الله عليك.

( وهكذا جاء في الحديث : « الصوم جُنَّةٌ من النّار » فإنْ سكنتْ أطرافك في حجبتها رجوتَ أن تكون محجوباً ، وإن أنتَ تركتها تضطرب في حجابها ، وترفع جنبات الحجاب فتطّلعَ إلى ما ليس لها ، بالنظرة الداعية للشهوة ، والقوّة الخارجة عن حدّ التُّقْية لله ، لم تأمن أن تخرق الحجابَ وتخرجَ منه. ولا قوة إلّا بالله ).

٣٤٦
 &

[١٢] وأمّا حقّ الصدقة :

ـ فأنْ تعلم أنّها ذخرك عند ربك ، ووديعتك التي لا تحتاج إلى الإشهاد [ عليها ] فإذا علمتَ ذلك كنتَ بما استودعته سِراً أوثق [ منك ] بما استودعته علانيةً ، وكنتَ جديراً أن تكون أسررت إليه أمراً أعلنته ، وكان الأمر بينك وبينه فيها سراً على كلّ حال ، ولم تستظهر عليه في ما استودعته منها بإشهاد الأسماع والأبصار عليه بها كأنّك أوثق في نفسك لا كأنّك لا تثق به في تأدية وديعتك إليك.

ـ وتعلم أنّها تدفع البلايا والأسقام عنك في الدنيا ، وتدفع عنك النار في الآخرة.

ـ ثمّ لم تمتَنَّ بها على أحدٍ ، لأنّها لك ، فإذا امتننتَ بها لم تأمن أنْ تكون بها مثل تهجين حالك منها إلى مَنْ مننت بها عليه ، لأنّ في ذلك دليلاً على أنّك لم تُرد نفسك بها ، ولو أردت نفسك بها لم تمتَنَّ بها على أحدٍ. ولا قوّة إلّا بالله.

[١٣] وأمّا حقّ الهَدْي :

ـ فأن تُخلِصَ بها الإرادة إلى ربّك ، والتعرُّض لرحمته وقبوله ، ولا تريد عيون الناظرين دونه ، فإذا كنت كذلك لم تكن متكلّفاً ولا متصنّعاً ، وكنت إنّما تقصد إلى الله.

[١٤] وأمّا حقّ عامّة الأفعال :

ـ واعلم أنَّ الله يُراد باليسير ، ولا يُراد بالعسير ، كما أراد بخلقه التَّيسير ولم يُرد بهم التَّعسير.

ـ وكذلك التذلّل أولى بك من التَّدَهقُن ، لأنّ الكُلفة والمؤونة في المتدهْقِنين ، فأمّا التذلُّل والتمسكن فلا كُلفة فيهما ، ولا مؤونة عليهما لأنّهما الخِلقة ، وهما موجودان في الطبيعة. ولا قوّة إلّا بالله.

٣٤٧
 &

[د] ثمّ حقوق الأئمّة

[١٥] فأمّا حقّ سائسك بالسُّلطان :

ـ فأن تعلم أنّك جُعِلتَ له فتنةً ، وأنّه مُبتلىً فيك بما جعله الله له عليك من السّلطان.

ـ وأن تُخلص له من النصيحة.

ـ وأن لا تماحكه ، وقد بُسِطَتْ يدُه عليك ، فتكونَ سبب هلاك نفسك وهلاكه.

ـ وتذلل وتلطّف لإعطائه من الرضا ما يكفّه عنك ولا يضرّ بدينك ، وتستعين عليه في ذلك بالله.

ـ ولا تعازّه ولا تعانده ، فإنّك إن فعلتَ ذلك عققه ، وعققته نفسك ، فعرّضْتها لمكروه ، وعرّضتهُ للهلكة فيك ، وكنت خليقاً أن تكون مُعنيناً له عليه نفسك ) وشريكاً له في ما أتى إليك [ من سوء ]. ولا قوّة إلّا بالله.

[١٦] وأمّا حقّ سائسك بالعلم :

ـ فالتعظيم له.

ـ والتوقير لمجلسه.

ـ وحسن الاستماع إليه ، والإقبال عليه.

ـ والمعونة له على نفسك في ما لا غنى بك عنه من العلم ، بأن تفرّغ له عقلك ، وتحضره فهمك ، وتذكي له قلبك ، وتجلي له بصرك ؛ بترك اللذات ، ونقص الشهوات.

٣٤٨
 &

ـ وأن تعلم أنّك ـ في ما ألقى إليك ـ رسولُه إلى من لَقِيَك من أهل الجهل ، فلزمَك حسنُ التأدية عنه إليهم ، ولا تُخنْهُ في تأدية رسالته ، والقيام بها عنه إذا تقلّدها.

ـ وأن لا ترفع عليه صوتك.

ـ وأن لا تجيبَ أحداً يسأله عن شيء حتّى يكونَ هو الذي يُجيب.

ـ ولا تحدّثَ في مجلسه أحداً.

ـ ولا تغتابَ عنده أحداً.

ـ وأن تدفعَ عنه إذا ذكر عندك بسوء.

ـ وأنْ تستر عيوبه.

ـ وتُظهر مناقبه.

ـ ولا تُجالس له عدوّاً.

ـ ولا تُعادي له وليّاً.

فإذا فعلت ذلك شهدت ملائكةُ الله عزّوجلّ بأنّك قصدتَهُ وتعلّمتَ علمه لله جلّ وعزّ اسمه ، لا للناس. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

[١٧] وأمّا حقّ سائسك بالمِلك :

ـ فنحوٌ من سائسك بالسطان ، إلّا أنّ هذا يملك ما لا يملكه ذاك تلزمك طاعته في ما دقَّ وجلّ منك إلّا أن تخرجَك من وجوب حقّ الله ، فإن حقّ الله يحول بينك وبين حقّه وحقوق الخلق ، فإذا قضيته رجعتَ إلى حقّه فتشاغلت به. ولا قوة إلّا بالله.

٣٤٩
 &

[هـ] ثمّ حقوق الرعيّة

[١٨] فأمّا حقّ رعيّتك بالسُّلطان :

ـ فأن تعلمَ أنّك إنّما اسْترعيته بفضل قوّتك عليهم ، فإنّه إنّما أحلّهم محلّ الرعية لك ضعفهم ، وذلّهم ، فما أولى مَن كفاكَهُ ضعفُهُ وذلّه.

ـ حتّى صيّره لك رعيّةً ، وصيّر حكمك عليه نافذاً ، لا يمتنع عنك بعزّةٍ ولا قوّةٍ ، ولا يستنصر في ما تعظمه منك إلّا بالله ـ بالرحمة والحياطة والأناة !.

ـ فيجب أنْ تعدلَ فيهم ، وتكونَ لهم كالوالد الرحيم.

ـ وتغفر لهم جهلهم.

ـ ولا تعاجلهم بالعقوبة.

وما أولاك ـ إذا عرفت ما أعطاك الله من فضل هذه العزّة والقوّة التي قهرت بها ـ أنّ تكون لله شاكراً ! وتشكر الله عزّ وجل على ما آتاك من القوّة عليهم ومَنْ شكر الله أعطاه في أنعم عليه. ولا قوّة إلّا بالله.

[١٩] وأمّا حقّ رعيّتك بالعلم :

فأن تعلم أنّ الله جعلك قيّماً لهم في ما آتاك من العلم ، وولّاك من خزانة الحكمة.

ـ فإن أحسنتَ في تعليم الناس ما ولّاك الله من ذلك ، ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، وقمتَ لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده ، الصبر المحتسب الذي إذا رأى إذ حاجةٍ أخرج له من الأموال التي في يديه [ زادك الله من فضله ] كنت راشداً ، وكنتَ لذلك آملاً معتقداً. وإلّا كنتَ له خائناً ، ولخلقه ظالماً ، ولسلبه وغِرّه متعرّضاً.

٣٥٠
 &

كان حقاً على الله عزّ وجلّ أن يسلبك العلم ، وبهاءَهُ ، ويُسقطَ من القلوب محلّك.

[٢٠] وأمّا حقّ رعيّتك بالملك :

وأمّا حق رعيّتك بملك النكاح :

ـ فأن تعلم انّ الله جعلها سكَناً ومستراحاً وأُنْساً وواقيةً

ـ وكذلك كلّ واحد منكما يجب أن يحمد الله على صاحبه ويعلم أنّ ذلك نعمة منه عليه ووجب أنْ يُحسن صحبه نعمة الله.

ـ فتكرمها وترفق بها.

ـ وإن كان حقّك عليها أوجب وطاعتك لها ألزم في ما أحببتَ وكرهتَ ، ما لم تكن معصيةً فإنّ لها عليك حقّ الرحمة والمؤانسة أن ترحمها ، لأنها أسيرك.

ـ وتطعمها ، وتسقيها ، وتكسوها.

ـ فإذا جهلتْ عفوت عنها.

ـ موضع السكون إليها قضاءُ اللذة التي لابدّ من قضائها ، وذلك عظيم. ولا قوّة إلّا بالله.

وأمّا حقّ رعيّتك بملك اليمين :

ـ فأن تعلم أنّه خلقُ ربّك وابن أبيك واُمّك ولحمك ودمك ، وأنك تملِكُهُ ، لا أنتَ صنعته دونَ الله ، ولا خلقتَ له سمعاً ولا بصراً ، ولا أجريتَ له رزقاً ، ولكنّ الله كفاك ذلك ، ثمّ سخّره لك ، وأُتمنَكَ عليه ، واستودَعَكَ إيّاه لتحفظه فيه ، وتسير فيه بسيرته ، فتطعمه ممّا تأكل ، وتلبسه ممّا تلبس ، ولا تكلّفه ما لا يُطيق.

٣٥١
 &

ـ فإنْ كرهته ( خرجت إلى الله منه ) استبدلت به ، ولم تعذّب خلق الله عزّ وجلّ. ولا قوّة إلّا بالله.

[و] وأمّا حقّ الرحم

[٢١] فحقّ أُمّك :

ـ أنْ تعلم أنّها حملتْك حيث لا يحمل أحدٌ أحداً ، وأطعمتْك من ثمرة قلبها ما لا يُطعم أحدٌ أحداً ، وأنّها وقْتَك بـ ( سمعها وبصرها ويدها ورجلها وشعرها وبشرها ) وجميع جوارحها مُسْتبشرةً بذلك فَرِحةً ، موابلةً محتملةً لما فيه مكروهها وألَمها وثقلها وغَمّها ، حَتّى دفعتها عنك يدُ القدرة ، وأخرجتك إلى الأرض.

ـ فرضيت أن تشبَع وتجوع هي ، وتكسوك وتعرى ، وترويك وتظمأ ، وتظِلّك وتضحى ، وتُنعمك ببؤسها ، وتلذذك بالنوم بأرَقها ، وكانَ بطنُها لك وعاءً ، وحِجْرها لك حواءً ، وثديُها لك سقاءً ، ونفسُها لك وقاءً تباشر حَرّ الدنيا وبردها لك ودونك.

ـ فتشكرها على قدر ذلك فإنّك لا تطيق شكرها ولا تقدر عليه إلّا بعون الله وتوفيقه.

[٢٢] وأمّا حقّ أبيك :

ـ فتعلم أنّه أصلُك ، وأنّك فرعُه ، وأنّك لولاه لم تكن ، فمهما رأيتَ في نفسك ممّا يُعجبك فاعلم أنّ أباك أصل النعمة عليك فيه.

ـ فاحمد الله واشكره على قدر ذلك. ولا قوّة إلا بالله.

[٢٣] وأمّا حقّ ولدك :

ـ فتعلم أنّه منك ، ومضاف إليك في عاجل الدنيا بخيره وشرّه.

٣٥٢
 &

ـ وأنّك مسؤول عمّا ولّيتهُ من حُسن الأدب ، والدلالة على ربّه ، والمعونة له على طاعته فيك وفي نفسه ، فمثابٌ على ذلك ومعاقب.

ـ فاعمل في أمره عمل مَنْ يعلم أنّه مثابٌ على الإحسان إليه ، معاقب على الإساءة إليه المتزيّن بِحُسن أثره عليه في عاجل الدنيا المعذِر إلى ربّه في ما بينك وبينه بحسن القيام عليه ، والأخذ له منه. ولا قوّة إلّا بالله.

[٢٤] وأما حقّ أخيك :

ـ فأن تعلم أنّه يدك التي تبسطها ، وظهرك الذي تلتجىء إليه ، وعزك الذي تعتمد عليه ، وقوّتك التي تصول بها.

ـ فلا تتّخذه سلاحاً على معصية الله.

ـ ولا عُدَّة للظلم لخلق الله.

ـ ولا تدع نصرته على نفسه ، ومعونته على عدوّه ، والحؤول بينَهُ وبين شياطينه ، وتأدية النصيحة إليه ، والإقبال عليه في الله.

ـ فإن انقاد لربّه وأحسن الإجابة له ، وإلّا فليكن اللهُ آثرَ عندك وأكرم عليك منه. ولا قوّة إلّا بالله.

[ز] حقوق الآخرين

[٢٥] وأمّا حقّ المنْعِم عليك بالولاء :

فأن تعلم أنّه أنفق فيك ماله ، وأخرجك من ذُلّ الرِقّ ووحشته إلى عزّ الحرّية واُنسها ، وأطلقك من أسرْ الملكة ، وفكّ عنك قيد العبوديّة وأوجدك رائحة العزّ وأخرجك من سجن القَهر ودفعِ عنك العُسر ، وبسط لك لسانَ الإنصاف ، وأباحك الدنيا كلّها ) فملّكَك نفسَك ، وحلّ أسْركَ وفرّغَكَ لعبادة ربّك واحتملَ بذلك التقصير في ماله.

٣٥٣
 &

ـ فتعلم أنّه أولى الخلق بك ( بعد اُولي رحمك ) في حياتك وموتك ، وأحقّ الخلق بنصرك ( ومعونتك ، ومكانفتك في ذات الله ، فلا تُؤثِر عليه نفسك ) ما احتاج إليك.

[٢٦] وأمّا حقّ مولاك الجارية عليه نعمتُك :

ـ فأن تعلم أنّ الله جعلك حاميةً عليه ، وواقيةً ، وناصراً ، ومعقلاً ، وجعله لك وسيلة وسبباً بينك وبينه ، فبالحريّ أنْ يحجبك عن النار ، فيكون ذلك ثوابك منه في الآجل.

ـ ويحكم لك بميراثه في العاجل ـ إذغ لم يكن له رَحِمٌ ـ مكافأةً لما أنفقته من مالك عليه وقمت به من حقّه بعد إنفاق مالك ، فإن لم تقم بحقّه خيف عليك أن لا يطيب لك ميراثه. ولا قوّة إلّا بالله.

[٢٧] وأما حقّ ذي المعروف عليك :

ـ فأن تشكره.

ـ وتذكر معروفه.

ـ وتنشر له المقالة الحسنة.

ـ وتُخلص له الدعاء في ما بينك وبين الله سبحانه. فإنك إذا فعلتَ ذلك كنتَ قد شكرتَه سرّاً وعلانيةً.

ـ ثمّ إن امكنك مكافأته بالفعل كافأته ، وإلّا كنتَ مُرْصداً موطَّناً نفسك عليها.

[٢٨] وأمّا حقّ المؤذن :

ـ فأن تعلم أنّه مذكّرك بربّك ، وداعيك إلى حظّك ، وأفضل أعوانك على قضاء الفريضة التي افترضها الله عليك.

ـ فتشكره على ذلك شكرك للمحسن إليك.

٣٥٤
 &

ـ وإنْ كنتَ في بيتك مهتمّاً لذلك ، لم تكن لله في أمره متّهماً ، وعلمت أنّه نعمة من الله عليك ، لا شك فيها ، فأحسن صحبة نعمة الله بحمد الله عليها على كل حال. ولا قوّة إلا بالله.

[٢٩] وأمّا حقّ إمامك في صلاتك :

ـ فأن تعلم أنّه قد تقلّد السفارة في ما بينك وبين الله ، والوفادة إلى ربّك.

ـ وتكلّمَ عنك ولم تتكلّمْ عنه.

ـ ودعا لك ولم تدعُ له.

ـ وطُلِبَ فيك ولم تُطْلَب فيه.

ـ وكفاك همّ المقام بين يدي الله ، والمسألة له فيك ، ولم تكفه ذلك ، فإن كان في شيء من ذلك تقصير كان به دونك ، وإن كان تماماً كنت شريكه ، وإن كان آثماً لم تكن شريكه فيه.

ـ ولم يكن له عليك فضل ، فوقى نفسك بنفسه ، ووقى صلاتك بصلاته.

ـ فتشكر له على [ قدر ] ذلك. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله ).

[٣٠] وأمّا حقّ الجليس :

ـ فأن تُلين له كنفك ، وتطيّب له جانبك.

ـ وتُنصفه في مجاراة اللفظ.

ـ ولا تُغرق في نزع اللحظ إذا لحظت.

ـ وتقصد في اللفظ إلى أفهامه إذا لفظت.

٣٥٥
 &

ـ وإن كنت الجليس إليه كنت في القيام عنه بالخيار ، وإن كان الجالس إليك كان بالخيار ، ولا تقوم إلّا بإذنه.

ـ وتنسى زلّاته

ـ وتحفظ خيراته

ـ ولا تُسمعه إلّا خيراً ، ولا قوّة إلّا بالله.

[٣١] وأمّا حقّ الجار :

ـ فحفظه غالباً.

ـ وإكرامه شاهداً.

ـ ونصرته ومعونته في الحالين جميعاً إذا كان مظلوماً.

ـ ولا تتّبع له عورةً ولا تبحث له عن سوأة لتعرفها ، فإن عرفتها منه ـ من إرادة منك ولا تكلف كنت ـ لما علمتَ حصناً حصيناً وستراً ستيراً ، لو بحثت الأسنّة عنه ضميراً لم تتّصل إليه لانطوائه عليه.

وإن علمت انّه يقبل نصيحتك نصحته في ما بينك وبينه

ـ لا تستمع عليه من حيث لا يعلم.

ـ ولا تسلّمه عند شديدة.

ـ ولا تحسده عند نعمة.

ـ وتُقبل عثرته ، وتغفر زلته ، ولا تدّخر حلمك عنه إذا جهل عليك.

ـ ولا تخرج أن تكون سلماً له ، تردّ عنه لسان الشتيمة ، وتُبطل فيه كَيْدْ حامل النصيحة.

ـ وتعاشره معاشرةً كريمة. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

٣٥٦
 &

[٣٢] وأمّا حقّ الصاحب :

ـ فأن تصحبه بالفضل ما وجدت إليه سبيلاً ، وإلّا فلا أقلّ من الإنصاف.

ـ وأن تكرمه كما يكرمك ، ولا يسبقك في ما بينك وبينه إلى مكرمة ، فإن سبقك كافأته.

ـ وتودّه كما يودّك ، ولا تقصّر به عمّا يستحقّ من المودّة.

ـ تلزم نفسك نصيحته وحياطته.

ـ ومعاضدته على طاعة ربّه.

ـ ومعونته على نفسه في ما لا يهمّ به من معصية ربّه.

ـ ثمّ تكون عليه رحمة ، ولا تكون عليه عذاباً. ولا قوّة إلّا بالله.

[٣٣] وأمّا حقّ الشريك :

ـ فإنْ غاب كفيتَه.

ـ وإن حضر ساويتَه.

ـ ولا تعزم على حكمك دون حكمه.

ـ ولا تعمل برأيك دونَ مناظرته.

ـ تحفظ عليه ماله.

ـ وتنفي عنه خيانته في ما عزّ أو هانَ فإنه بَلغَنَا « أنّ يد الله على الشريكين ما لم يتخاونا ». ولا قوّة إلّا بالله.

[٣٤] وأمّا حقّ المال :

ـ فأن لا تأخذَه إلّا من حِلّه.

٣٥٧
 &

ـ ولا تُنفقه إلّا في حلّه ولا تحرّفه عن مواضعه ، ولا تصرفه عن حقائقه ، ولا تجعله ـ إذا كان من الله ـ إلّا إليه ، وسبسباً إلى الله.

ـ ولا تُؤثر به على نفسك مَنْ لا يحمدك وبالحريّ أن لا يُحسن خلافته في تركَتِك ، ولا يعمل فيه بطاعة ربّك ، فتكون مُعيناً له على ذلك ، أو بما أحدث في مالك أحسن نظراً ، فيعمل بطاعة ربّه فيذهب بالغنيمة.

ـ فاعمل فيه بطاعة ربّك ، ولا تبخل به ] فتبوء بالإثمِ وبالحسرة والندامة مع التبعة. ولا قوة إلّا بالله.

[٣٥] وأمّا حقّ الغريم الطالب لك :

ـ فإن كنتَ موسراً أوفيتَه ، وكفيتَه وأغنيتَه ، ولم تردُدْه وتمطله ، فإنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « مطلُ الغنيّ ظلم ».

ـ وإن كنتُ مُعسِراً أرضيتَه بحُسن القول ، وطلبت إليه طلباً جميلاً وردَدْته عن نفسك ردّاً لطيفاً.

ولم تجمع عليه ذهاب ماله ، وسوء معاملته ، فإنّ ذلك لؤمٌ. ولا قوّة إلّا بالله.

[٣٦] وأمّا حقّ الخليط :

ـ فأن لا تغُرَّه.

ـ ولا تغشّه.

ـ ولا تكذّبه.

ـ ولا تغفله.

ـ ولا تخدعه.

ـ ولا تعمل في انتفاضِةِ عمل العدوّ الذي لا يُبقي على صاحبه.

٣٥٨
 &

ـ وإن اطمأنَّ إليك استقصيت له على نفسك ، وعلمت : « أنّ غبن المسترسل ربا ».

ـ وتتّقي الله تبارك وتعالى في أمره. ولا قوّة إلّا بالله.

[٣٧] وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليك :

ـ?فإن كانَ ما يدّعي عليك حقاً كنت شاهده على نفسك لم تنفسخ في حُجَّته ولم تظلمه ، ولم تَعمل في إبطال دعوته وأوفيته حقّه ، وكنتَ خصم نفسك له ، والحاكم عليها ، والشاهد له بحقّه ، دون شهادة الشهود ، فإن ذلك حقّ الله عليك.

ـ وإن كان ما يدّعيه باطلاً رفّقتَ به ، وردعَعته وناشدته بدينه ، ولم تأتِ في أمره غير الرفق ، ولم تُسخط ربّك في أمره ، وكسرتَ حدّته بذكر الله ، بل تبوء بإثمه ، وبه يشحذ عليك سَيف عداوته ، لأنَّ لفظة السوء تبعث الشرّ ، والخير مَقمَعةٌ للشرّ. ولا قوّة إلّا بالله.

[٣٨] وأمّا حقّ الخصم المدّعي عليه :

ـ فإن كانَ ما تدّعيه حقّاً أجملتَ في مقاولته بمخرج الدعوى فإنّ الدعوى غلظةٌ في سمع المدّعي عليه ، ولم تجحَدْ حقه.

ـ وقصدت قصد حجّتك بالرفق ، وأمهل المهلة ، وأبين البيان ، وألطف اللطف.

ـ ولم تتشاغل عن حجّتك بمناعته بالقيل والقال ، فتذهب عنك حجّتُك ، ولا يكون لك في ذلك دَرْكٌ.

وإن كنتَ مبطلاً في دعواك اتّقيتَ الله عزّ وجلّ ، وتُبتَ إليه ، وتركتَ الدعوى. ولا قوّة إلّا بالله.

٣٥٩
 &

[٣٩] وأمّا حقّ المستشير :

ـ فإنْ حضرك له وجه رأي ، جهدتَ له في النصيحة ، اشرت عليه ( بما تعلم أنّك لو كنتَ مكانه عملتَ به.

ـ وذلك ليكن منك في رحمةٍ ، ولينٍ ، فإنّ اللين يؤنسُ الوحشةَ ، وإنّ الغلظ يوُحش موضع الاُنس.

ـ وإن لم يحضرك له رأي ، وعرفتَ له مَن تثقُ برأيه وترضى به لنفسك ، دلّلته عليه ، ارشدته إليك فكنت لم تألُه خيراً ، ولم تدّخره نصحاً. ولا حول ولا قوّة إلّا بالله.

[٤٠] وأمّا حقّ المُشير عليك :

ـ أن لا تتّهمه في ما لا يوافقك عليه من رأيه إذا أشارَ عليك فإنّما هي الآراء وتصرُّف الناس فيها واختلافهم ، فكن عليه في رأيه بالخيار ، إذا اتّهمتَ رأيه ، فأمّا تهمتُهُ فلا تجوزُ لك ، إذا كان عندكَ ممّن يستحقّ المشاورة.

ـ ولا تدعْ شُكره على ما بدا لك من إشخاص رأيه ، وحُسن وجه مشورته.

ـ فإذا وافقك حمدتَ الله ، وقبلت ذلك من أخيك بالشكر والإرصاد بالمكافأة في مثلها ، إن فزع إليك. ولا قوّة الا بالله.

[٤١] وأمّا حقّ المستنصِح :

ـ فإنّ حقّه أن تؤدّيَ إليه النصيحةَ على الحقّ الذي ترى له أنّه يحمل ، وتُخرج المخرجَ الذي يلين على مسامعه ، وتكلّمه من الكلام بما يُطيقه عقله ، فإنّ لكلّ عقلٍ طبقةً من الكلام يعرفه ويجتنبه.

ـ وليكن مذهبُك الرحمة له والرفق به. ولا قوّة إلّا بالله.

٣٦٠