ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

وكلاء الامام عليه‌السلام واصحابه

لكنما الامام كان مثقلا

بهمِّ مشروع نظام الوكلا

ممهداً لنجله المهديِّ

وحافظاً لأمره السريِّ

أولهم عروةُ ثم الثاني

علي بن جعفر الهمّانٍ

وجعفر الصيقلِ وابن العُمري

وبعده محمد بن الجعفري

وأخرون غيرهم أكفاءُ

حفَّ بهم في المحنةِ البلاءُ

أصحابهُ بن روح النوبختي

ومن غدا مستهزئاً بالموتِ

ثم ابو طالب بن جعفرِ

ثم ابو القاسم وابنُ العُمري

وغيرهم من خيرةِ الرواةِ

والبعض من أفاضل الدعاةِ (١)

__________________

(١) إنّ نظام الوكلاء إنما هو جزء من خطة متكاملة وضعها الامام العسكري عليه‌السلام للتمهيد لغيبة ولده المهدي عليه‌السلام من قبل مشروع متكامل عمل به الأئمة المتأخرون للتمهيد لفكرة الغيبة الكبرى ، حيث قام الامام العسكري عليه‌السلام أولاً بلاحتجاب عن الناس إلّا لبعض خواصه المقرّبين ومن ثم عمل نظام الوكلاء حيث جعلهم طريقاً للإتصال بقواعده الشعبية ، وعن طريقهم قضاء حوائج الشيعة ، وكذلك استلام الاموال الواصلة إليه من الحقوق الشرعية ، وكانت رسائله وتوقيعاته الى قواعده وبالاخص الشيعية منها إنما يتمّ عن طريق وكلائه ، وكان عليه‌السلام قد أصدر عدة كتب ورسائل عيّن أسماء هؤلاء الوكلاء ووثّقهم وعين مناطق خاصة بهم.

وهذا النظام الذي هو جزء من خطة متكاملة وصفها الأئمة ومنهم العسكري عليه‌السلام إنما بدأت بعدّة خطوات منها التمهيد لقضية الغيبة إعلامياً وفكرياً يتلوها الاحتجاب عن الناس ، ومن ثم وضع الوكلاء ليكونوا حلقة إتصال بين الامام وشيعته ، وسيكون هذا

=

٦٨١
 &

__________________

=

النظام لاحقاً مُمهداً لفكرة السفراء في ايام الغيبة الصغرى لولده الامام المهدي عليه‌السلام وقد نقلت لنا المصادر الامامية جملةً من النصوص المتواترة عن وكلائه وأسمائهم ، وبعض مناطقهم ، والكتب الصادرة منه بخصوص توثيقهم ، وأنهم موضع أمانته وثقته ولعن والبراءة ممّن انحرف منهم ، ولعل ابرز وكلائه عثمان بن سعيد العمري ، الذي وثّقه الامام بنصٍ خارج منه ، كما نقل المسعودي ذلك في إثبات الوصية ، وتُشير المصادر الى أن الامام جعل هؤلاء الوكلاء في أكثر المناطق الشيعية لأخذ الحقوق من الناس ، ثم صرفها للمستحقين من الضعفاء ، إضافة الى مسؤلياتهم في حل مشاكل الناس ، وكان الامام يراقبهم ويؤيد أفعالهم ، كما فعل مع علي بن جعفر الهمّان ، الذي وكل إليه صرف الاموال في موسم الحج ... وتُشير المصادر أن وكيله المطلق في بغداد هو عثمان بن سعيد العمري. ونودّ الاشارة هنا أنه لا توجد ملازمة بين وكلائه وأصحابه وثقاته بل لكل منهم صفته ومسؤوليات عمله ومقامه عند الامام ، لذا لا يجب الخلط في هذا المجال ، ولعل ابرز وكلاء الامام هم :

ـ ابراهيم بن عبدة النيسابوري ، وكيله في مدينة نيسابور .

ـ جعفر بن سهيل الصقيل.

ـ عثمان بن سعيد العمري ، ويلقّب بالزيّات أو السّمان ، لعمله تمويهاً في تجارة الزيت. ولا بد من الاشارة هنا ان هناك خلط بين الرواة بين هذا الوكيل وآخر إسمه حفص بن عمرو العمري المُلقب بالجمّال ، وهو من أصحابه ، أما الاول فهو من وكلائه.

ـ علي بن جعفر الهمّاني ، وقد سبق وأن تعرّض للسجن أيام المتوكل العباسي

ـ القاسم بن العلاء ، وهو وكيل الامام في أذربيجان.

ـ عروة بن يحي ، ويُلقب بالنخّاس ، وقد إنحرف هذا الرجل بعد أن كان وكيلاً للإمام في بغداد فتبرأ منه الامام ولعنه ثم دعا عليه بالهلاك فهلك ، ويُحتمل أن الامام قد عيّن بعده في مكانه في بغداد العمري. ونودّ الاشارة هنا الى وجود ؛ عروة الوكيل القمّي وهو من اصحاب الامام ، وقد ذكره الطوسي في أصحاب الامام في كتابه الرجال.

ـ محمد بن أحمد بن جعفر ، يلُقب بالعطّار.

ويبدو أن كل وكيل له يُعدّ من ثقاته ، وأمّا اصحابه فهم كثر ومن المفيد هنا أن نشير الى ابرزهم :

=

٦٨٢
 &



__________________

=

ـ الحسين بن روح النوبختي ، وقد ذكره ابن شهرآشوب ضمن اصحابه في المناقب.

ـ إسماعيل بن علي النوبختي ، وكنيته ابو سهل ، وهو من كبار متكلمي الشيعة في بغداد ، وله كتاب « الانوار في تاريخ الائمة الاطهار » وقد ذكره ابن النديم في كتابه « الفهرست » وقال عنه أنه فيلسوف متكلم ، وهو خال ابي محمد الحسن بن موسى النوبختي صاحب كتاب « فرق الشيعة ».

ـ ابو طالب الحسن بن جعفر الفاقاي وقيل « الفأفأي » البغدادي ، وقد ذكره ابن شهرآشوب في المناقب.

ـ ابو القاسم سعد بن عبد الله الاشقري القمّي وهو عالم فقيه ذكره الطوسي في رجاله.

٦٨٣
 &

الاعداد للغيبة

وكان من نهج الامام العسكري

يهيءُ الامة بالمنتظرِ

بحيث أخفى عنهم الولادة

ولم يشاهد مرة كالعادة

الا لبعضٍ من رجال الشيعة

بلمحةِ خاطفةٍ سريعه

فقد روى الصدوقُ والكليني

رواية تملأ كل عينِ

عن الولادة التي قد أُخفيت

روايةً صادقة قد رويت

بأنهُ أخرُ آل طه

والخلف الذي به تباهى

وخاتم المطهرين الأصفيا

والصالحين من ذراري الانبيا

يَملأ كلَ الارض منهُ عدلا

يظهرُ فيها عملا وقولا

من بعد ان قد مُلئت بالظلمِ

وشرعةٍ منهارةٍ وهدمِ

فقد رأهُ من رجال عصرهِ

بعضٌ وقد تزودوا من بدره

منهم محمد بن عثمان ومن

حافظ في حديثه على السنن

ثم ابن أيوب الفتى محمدُ

ومن غدا في كل نادٍ يُحمدُ

وابن حكيم واسمهُ معاويه

ويا له من ثقةٍ وراويه

قالوا دخلنا منزل الامامِ

ونحن اربعون في الظلامِ

فقد دُهشنا بفتى كالبدرِ

بطلعةٍ مليئةِ بالبشرِ

وقد ذُهلنا لجميل المنظر

اذ كان يُشبه الامام العسكري

فقال ذا خليفتي عليكمُ

وهو الذي بحكمةِ يحتكمُ

٦٨٤
 &

فلا تَفرّقوا عليه بعدي

فتهلكوا نحساً بغير سعدِ

ولا ترونه سواها أخرى

لأنهُ سوف يَغيبُ دَهرا (١)

__________________

(١) لا شك ولا ريب أن الامام العسكري عليه‌السلام كان على علمٍ بتعلّق الارادة الالهية بغيبة ولده المهدي (عج) من بعده ، ثم ظهوره ليقيم دولة العدل في الارض ، وهذا الامر إنما يُلقي على عاتقه مسؤولية التمهيد لهذه الغيبة والاعداد لها عملياً ، كون الامة آنذاك لم تعرف هذا الامر من قبل رغم معرفتها له نظرياً عن طريق النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والائمة عليهم‌السلام من خلال أقوالهم والتي روتها كتب جمهور المسلمين ، لذلك عمد الامام العسكري عليه‌السلام رغم قسوة الوضع السياسي آنذاك الى ربط الامة بهذه الفكرة عملياً ، وذلك عن طريق إقناعهم أولاً بفكرة ولادته ، ثم مهد لذلك الامر بعد ذلك الى إقناعهم بغيبته ، وقد سلك لهذه الامر عن طريق جملة من الاجراءات يُمكن تلخيصها بما يلي :

ـ التمويه على السلطات الحاكمة وأجهزتها داخل المجتمع بشأن ولادته ، لا سيما وأن السلطات كانت عارفة بأن هناك مَن سيُنهي طغيانها ووجودها بظهور هذا المخلّص الاعظم وهو من ذريته ، لذلك عمد الامام الى إخفاء ولادته والتكتّم عليه بأقصى درجات الحيطة والحذر ، ولم يصدر أو يصرّح بأي شيء لهذه الولادة الّا لخُلّص شيعته ، وبهذا الصدد يقول الشيخ الطبرسي : وكان العسكري قد أخفى مولد ولده المهدي لشدة طلب السلطان له ، وإجتهاده في البحث عن أمره ، فلم يره إلّا الخواص من شيعته. اعلام الورى ٢ / ١٥١.

ـ اعلانه بعرضه عليه‌السلام على الخواص من شيعته ومَن يأمن به حتى يكون الامر معلوماً وليس أسطورة كما يتبادر الى الاذهان ، وفي هذا المجال كان العسكري عليه‌السلام يبثُّ بين خواصه وشيعته صفات ولده المهدي ، وماذا سيفعل اذا خرج بعد غيبته الكبرى.

ـ مهّد الامام العسكري عليه‌السلام لغيبة ولده ، ثم قيامه بعدّة إجراءات ، ومنها مسألة الاحتجاب عن الناس ، وكذلك عمله بنظام الوكلاء ـ كما مر ذكره ـ وهذا الاجراء إنما هو تمهيد مسبّق كما سيمرّ به ولده من بعده من غيبةٍ صغرى وعمله بنظام السفراء. قال الصدوق بسند متصل الى أبي غانم الخادم قال : لمّا ولد لأبي محمد عليه‌السلام ولدً سمّاه محمد ، ثم عرضه على أصحابه في اليوم الثالث وقال لهم : هذا صاحبكم من

=

٦٨٥
 &



__________________

=

بعدي وخليفتي عليكم ، وهو القائم الذي تمتدّ إليه الاعناق بالانتظار فاذا أمتلأت الارض جوراً وظلماً خرج فملأها قسطاً وعدلا. اكمال الدين ٢ / ٤٣٤.

إضافة الى ذلك الطبرسي بسد الى جعفر بن محمد بن مالك الفرازي البزاز ، عن جماعة عددهم اربعين نفراً من شيعة الامام عليه‌السلام وخلّص أصحابه منهم : علي بن بلال ، أحمد بن هلال ، معاوية بن حكيم ، وابنه محمد بن معاوية بن حكيم ، الحسن بن أيوب بن نوح ، وأخوه محمد بن أيّوب بن نوح ، عثمان بن سعيد العمري ، وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري وغيرهم قالوا : قدمنا الى سامراء وحضرنا في بيت ابي محمد العسكري عليه‌السلام لنسأله عن الحجّة من بعده وكنّا اربعين رجلاً فقام إليه عثمان بن سعيد العمري وقال له : يا ابن رسول الله أريد أن أسألك عن أمرٍ أنت اعلم به منّي ، فقال له الامام عليه‌السلام : إجلس يا عثمان ، فقام عثمان غاضباً ليخرج ، فقال الامام عليه‌السلام : لا يخرجنّ أحد منكم ، حتى كان بعد ساعة صاح الامام عليه‌السلام : يا عثمان هل أخبركم بما جئتم به ؟ قالوا : نعم يا ابن رسول الله. قال : جئتم تسألونني عن الحجّة من بعدي. قالوا : نعم.

فإذا بالامام كأنه قطعة قمر أشبه الناس بأبي محمد. فقال الامام عليه‌السلام : هذا إمامكم من بعدي وخليفتي عليكم أطيعوه ولا تتفرّقوا من بعدي فتهلكوا في اديانكم ، ألا وإنكم لا ترونه من بعد يومكم هذا حتى يتمَّ له عمر. اعلام الورى ٢ / ٢٥٠.

٦٨٦
 &

شهادة العسكري

قالوا فما مضت سوى أيامِ

حتى فُجعنا نحنُ بالامامِ

اذ سمَّ من طاغية الزمان

وغادر الدنيا الى الجنانِ

فعمت الأحزان في سامرا

مذ علمت شهادة ابن الزهرا

وضجت الجموع في البكاء

وناحت الشيعة بالعزاءِ

فيا لها من حيرة خطيرة

ومحنةٍ كبيرةٍ عسيرة

فليس للشيعة من امام

يقودهم في محنة الاسلامِ

سوى الامام الغائب المنتظرِ

محمد المهدي وابن العسكري

ولم يزل مقامهُ مشهودا

فيه الحشودُ تتبعُ الحشودا

وقبة سامية مذهبة

لكل نفسٍ حرةٍ محببة

تشمخ بالعلياء في سامرا

وقد طوت تحت التراب سرا

مثابة للشيعة الثوارِ

علامة التاريخ للاحرارِ (١)

__________________

(١) لقد تعرّضَ الامام العسكري عليه‌السلام طيلة حياته القصيرة الى عدة محاولات للقتل قام بها ثلاثة من طواغيت عصره للتخلص منه جرياً على عادة مَن سبقهم ضد الائمة من أهل البيت عليهم‌السلام ولعل سجنه المتكرر في عهودهم من هذه المحاولات التي عمدت لها السلطات آنذاك لغرض تصفيته ، إضافةً الى الضغط الشديد والمراقبة. لكن الامام عليه‌السلام كان شديد الحذر في التعامل مع هؤلاء الطواغيت ، إضافة الى حذره الشديد في التعامل مع حوادث عصره من ثورات العلويين ضد هذه السلطات ، وأخيراً وبعد فشل كل هذه المحاولات عمد المعتمد العباسي الى سرعة التخلص من الامام لا سيما وهو يشكل بوجوده خطراً عظيماً على السلطة فقام بدسّ السم له.

=

٦٨٧
 &

__________________

=

وهكذا رحل الامام عليه‌السلام شهيداً مسموماً على يد المعتمد العباسي في الثامن من ربيع الاول سنة ٢٦٠ هـ عن عمر أمده ٢٨ سنة ودُفن بجوار ابيه الهادي عليه‌السلام بداره بسامراء وكانت مدة إمامته ٦ سنوات ، وكان لرحيله وقع عظيم في زمانه بحيث حدثت ضجّة كبيرة في سامراء.

وفي هذا الصدد ينقل ابن الصبّاغ المالكي : لمّا رُفع خبر وفاة الامام عليه‌السلام حدثتْ ضجّة كبيرة في سامراء ، وعُطّلت الاسواق ، وغُلّقت ابواب الدكاكين ، وركب بنو هاشم ، والكتّاب ، والقوّاد ، والقضاة وسائر الناس الى أن حضروا جنازته فكانت سامراء يومئذ كأنها القيامة.

ويبدو من خلال المألوف ان الامام إذا مات يغسّله ويصلّي عليه إمام معصوم بعده يحلّ محلّه وهكذا صلّى إمامنا المهدي « عج » على ابيه.

قال الراوي : وبعد وفاة العسكري أخذ أخوه جعفر المُلقب بـ « الكذّاب » تركته ، وسعى الى السلطان في حبس جواريه ، وشنّع على الشيعة في إنتظارهم لولده المهدي ، وأدعى أنه الامام وسبّب لورثة الامام وشيعته كل بلاء ومحنة من حبس واعتقال ، وإجتهد الكذّاب في القيام مقامه في الامامة فلم يقبله أحد من الطائفة ، بل تبرأوا منه ولقّبوه بالكذاب.

وبعد رحيل الامام عليه‌السلام ترك للأمة الاسلامية تراثاً غزيراً في أغلب مجالات العلوم والمعارف وفي هذا المجال نُشير الى ما يلي :

ـ ترك تفسيراً للقرآن بإسم « تفسير العسكري ».

ـ مجموعة من الاحكام الفقهية تشبه رسالة المقنعة.

ـ أقواله ، وقصار حكمه ، وأدعيته ، ومواعظه.

ـ رسائله ، وتوقيعاته ، وإرشاداته الطبية.

ان الامام العسكري عليه‌السلام لم يترك بعده من الذرية سوى محمد ولده القائم « عج » الذي سيملأ الارض قسطاً وعدلا بعد فسادها ، وعلى هذا الاساس فأنه لا عبرة ولا اهتمام بمَن يقول بغير ذلك كمن زيادة أو نقصان أو تعدّد في ذريته ، وتُشير المصادر الى أن جعفر الكذّاب أخو الامام الحسن العسكري عليه‌السلام قد أشاع بعد إستشهاد العسكري أنه لا خلف للعسكري من بعده لكي تنتقل الإمامة له ، ولكن خابت مساعيه كما ذكرنا ذلك من قبل ، وهناك آراء أخرى لا أساس لها من الصحة ويغلب عليها ضعف الدليل تقول بوجود ذرية له متعدّدة غير الامام المهدي « عج ».

وهكذا انتقلت الامامة من الحسن العسكري عليه‌السلام الى ولده الحجّة القائم « عج » سنة ٢٦٠ هـ.

٦٨٨
 &

فاجعة سامراء

لكنّ طالتها يد الارهابِ

حقداً على الائمة الاطيابِ

ففجرتها غيلة وإثما

وارتكبت كفراً بها وظلما

عصابةٌ يقودها « الزرقاوي »

يقود كل خارجي غاوي

يكفّرون أمة الاسلامِ

بالجهل والتضليل والآثامِ

الف سلامٍ للامام العسكري

الهاشمي الطاهرِ المطهرِ (١)

__________________

(١) إن الحسد والحقد المتوارث من قبل النواصب والتكفيريين وبقايا فلول النظام البعثي المجرم أدّى الى قيام فئة ضالّة تكفيرية بتخريب قبرهما ظلماً وعدواناً وبغضاً لمدرسة اهل البيت عليهم‌السلام في شباط عام ٢٠٠٦ ومرقدهما الآن طور التعمير والبناء الجديد ، فلا حول ولا قوة الّا بالله العلي العظيم. وفي مرقدهما يقول الاربلي في كشف الغمّة هذه الابيات الخالدة وهو يخلعها تحت أذيال هذا المكان المقدس.

عرّجْ بسامراءَ والثمْ ثرى

أرض الامام الحسن العسكري

عرّجْ على مَنْ جِدُّهُ صاعدٌ

ومجدُهُ عالٍ على المُشتري

على الامام الطاهر المُجتبى

على الكريم الطيبِّ العُنصرِ

على وليّ الله في عصرهِ

وابنُ خيارِ الله في الاعصرِ

على كريمٍ صوبُ معروفهِ

يربي على صوبِ الحيا المُمطرِ

على إمامٍ عدلٍ أحكامَهُ

يُسلّطُ العرفَ على المُنكرِ

وبلّغا عن عبدِ آلائه

تحيّةً أزكى من العنبرِ

وقُلْ سلامُ الله أوقف على

ذاك الجنابِ المُمرعِ الاخضرِ

دارٌ بحمد الله قد أُسّستْ

على التُقى والشرفِ الاظهرِ

=

٦٨٩
 &



__________________

=

حلَّ بها شخصان من دوحةٍ

أغصانُها طيّبةُ المكسرِ

العسكريان هما ما هما

فطوّلْ التقريض أو قصّرِ

غصنا علاءٍ قمرا سُدفة

شمسا نهارٍ فارسا مِنبرِ

من مشعرٍ فاقوا جميعَ الورى

جلالة ناهيك من معشر

يا سادتي اِنَّ ولائي لكم

من خير ما قدّمتُ للمحشرِ

أرجو بكم نيلَ الاماني غداً

في مبعثي والامنِ في مقبري

والحمد لله

٦٩٠
 &

القسم الرابع عشر

الامام محمد بن الحسن المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه )

٦٩١
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٦٩٢
 &

الأِهْدَاء

الى الامام المهدي .. المنتظر .. الموعود

الى البقية الباقية من أئمة الهدى .. وأعلام الورى

الى الامل .. المشرق .. الغائب الذي لا بد ان يجيء

الى المصلح العالمي ، الذي يتطلع اليه المستضعفون بشغف وشوق

أختم هذه الملحمة من ( قوافل النور )

وكل ما ارجوه ..

ان تكون محط رضاه .. وموضع عنايته

وذلك حسبي .

٦٩٣
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٦٩٤
 &

اضاءة

الحمد لله على توفيقه ، حيث وصلت « ملحمة قوافل النور » الى ما تريد تحقيقه محطتها الاخيرة ، الامام المهدي الموعود ، الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً.

الامام الغائب .. الأمل ، الذي بشرت به الديانات السماوية ، وأشارت الى قضيته كل الاتجاهات الفكرية ، والسياسية ذات النزعة الاصلاحية العامة.

فلم يعد الايمان بالمهدي المنتظر مقتصراً على الشيعة الامامية ، أو المسلمين ، أو اصحاب الديانات ، بل تشكل قضية المصلح العالمي نزعة فطرية انسانية عامة يتطلع اليها بشغف وشوق ، كل المعذبين ، والمحرومين في الارض.

ولو توقفنا عند حديث واحد لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وهو حديث يجمع التعبير كله في هذه القضية .. الأمل. حيث قال صلى‌الله‌عليه‌وآله :

« لو لم يبقَ من الدنيا الا يومٌ واحد لطوّل الله ذلك اليوم حتى يخرج رجل من ولدي اسمه اسمي يملأ الارض قسطاً وعدلا ، كما ملئت ظلماً وجورا ».

ويدل هذا الحديث دلالة واضحة لا لبس فيها ولا غموض وعلى مستوى التحدي بان قضية المهدي هي من سنن الله في التاريخ ، ولا شك ان الله تعالى لا يغلب في سننه ولا في قوانينه التاريخية.

وهذا الجزء الاخير من « قوافل النور » يواكب هذه القضية عبر سياقه الادبي والتاريخي بكل انسياب وشفافية ، فيعرض الادلة والبراهين الشرعية والعقلية التي تثبت هذه القضية ، ثم يقف مع قصة الولادة المباركة ودور الامام العسكري عليه‌السلام في اخفائها عن عيون السلطة ، وفي نفس الوقت يبشر عليه‌السلام بها الثقاة من شيعته والمخلصين المقربين ، من اجل ان يكونوا شهوداً عدولاً على هذا الحدث التاريخي في حياة الانسانية.

٦٩٥
 &

وهكذا تمضي « قوافل النور » عبر نظم القوافي في تحديد الغيبة الصغرى والكبرى ومهمات الامام المهدي والحاجة اليه رغم الغيبة ، ثم تشير الملحمة الى علامات الظهور ، وملامح المستقبل المشرق المنشود من خلال ما ترسمه من خيوط للفجر الذي لا بدّ ان يجيء.

ثم تتوقف الملحمة قليلاً على اعتاب دولة العدل الإلهي الموعودة ، بعد فصول المحنة الطويلة ، الرهيبة ، وبعد مسيرة جهادية لاحبة لكل المؤمنين المخلصين والمستضعفين في الارض ، الذين يواصلون طريقهم الصعب وسط الصخور والمعاناة.

فالحمد لله على ما أنعم ، وله الشكر على ما ألهم ، والحمد لله الذي وفقني على إكمال هذه الملحمة الطويلة المباركة ، التي بدأتها في خضم معاناة الهجرة في المنافي الثلجية ، وأكملتها بعد العودة الى العراق الحبيب ، وأنا الى جوار جدنا الامام موسى بن جعفر الكاظم ، وحفيده الامام محمد الجواد عليهما‌السلام.

والحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لو لا ان هدانا الله.

( رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ )

( رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ )

وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين.

٦٩٦
 &

تاريخ الامام المهدي

في الفجرِ يومَ النصفِ منْ شعبانِ

أشرَقَ نورُ صاحبِ الزمانِ

من بعدِ قرنينِ وخمسينَ سنه

وخمسةٍ في الامةِ الممتحنه

حلَّ لكي يُزيحَ عنها الظلما

وينشرَ الامنَ بها والسلما

فهو ابنُ هاديها الامامِ ( العسكري )

وشبلُ ( نرجسِ ) التي كالدُررِ

وفي روايةٍ اتتنا مسندهْ

في كتبٍ صحيحةٍ معتمدهْ

قال صدوقُ القول في ( الاكمالِ )

والشيخُ في ( الغيبةِ ) في مقالِ

عن ( بشرٍ النخاسِ ) مولى العسكري

بسندٍ مسلسلٍ معتبرِ

بأن ( نرجساً ) من الله هبهْ

للعسكري زوجةٌ مهذبهْ

بنتُ ملوكِ الرومِ والنصارى

في شرفِ المحتدِ لا تُجارى

كل تحملَ الامامَ في كرامهْ

وتُنجبَ الموعودَ للامامهْ

ليس له من الامامِ أُخوه

فهو فريدُ أهلهِ والصفوه (١)

__________________

(١) أتّفق عدد كبير من العلماء المؤرخين على ولادة الامام المهدي عليه‌السلام في فجر يوم النصف من شهر شعبان المبارك من عام ٢٥٥ هـ حيث أفاضتْ المصادر بولادته لينقذ الارض ممّا حلَّ بها فسادٍ وظلم على طول التاريخ.

وأن خبر ولادته ، وما أحاط بها من سرّية كبيرة قد استفاض نقله في مصادر المسلمين ممّن عاصر تلك المرحلة وما بعدها ، وقد أوردها جملة من الاعلام والثقات من المؤرخين.

وجاء في اعلام الهداية في الجزء الخاص بالامام المهدي المنتظر عليه‌السلام : يستفاد من الروايات الواردة بشأن كيفية ولادته عليه‌السلام ان والده الامام الحسن العسكري عليه‌السلام احاط الولادة بكثير من السرية والخفاء ، فهي تذكر ان الامام الحسن العسكري قد طلب من عمته السيدة

=

٦٩٧
 &

__________________

=

حكيمة بنت الامام الجواد عليه‌السلام ان تبقى في داره ليلة الخامس عشر من شهر شعبان واخبرها بأنه سيولد فيها إبنه وحجة الله في أرضه ، فسألته عن امه فأخبرها أنها نرجس ، فذهبت اليها وفحصتها فلم تجد فيها أثراً للحمل ، فعادت للامام واخبرته بذلك ، فابتسم عليه‌السلام وبين لها ان مثلها مثل أم موسى التي لم يظهر حملها ولم يعلم به احد الى وقت ولادتها ، لان فرعون يتعقب اولاد بني اسرائيل خشية من ظهور موسى المبشر به فيذبح ابناءهم ويستحي نساءهم ، وهذا الامر جرى مع الامام المهدي عليه‌السلام ايضاً ، لان السلطات العباسية كانت ترصد ولادته إذ قد تنبأت بذلك طائفة من الاحاديث الشريفة. اعلام الهداية ١٤ / ١١٣.

ان ولادة الامام المهدي عليه‌السلام كانت بعناية خاصة من الله تعالى ، مكنت نرجس من ولادته رضوان الله عليها من وضعه دون ان يظهر عليها اثر الحمل ، الا في آخر ساعة حتى لا يكتشف الجهاز العباسي امر هذه الولادة المنتظرة.

غير ان السرية التامة لم تنسجم مع طبيعة الدور الذي ينتظر الامام المهدي عليه‌السلام باعتباره الامام الثاني عشر كما نص الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله في احاديث عديدة ، فلا بدّ للامة الاسلامية عموماً ولشيعة اهل البيت عليهم‌السلام ان يكونوا على علم بولادة الامام الثاني عشر وانه ابن الامام العسكري عليه‌السلام دون سواه.

إن هذه المسألة من المسائل الاساسية في عقائد المسلمين الشيعة ، ولا بد من ايضاحها بصورة ثابتة لا تقبل التشكيك ، وذلك منعاً لأي محاولة انحراف جديدة قد تطرأ في الوسط الشيعي نتيجة الاختلاف في شخصية الامام الذي يخلف سابقه بعد وفاته.

ولقد تعرض الوسط الشيعي نتيجة هذه المسألة الى انشقاقات عديدة ، ونشأت عدة فرق في فترات مختلفة ، مثل الكيسانية ، والزيدية ، والاسماعيلية ، والواقفية وغيرها.

لقد اعتمد الامام العسكري عليه‌السلام منهجية التعريف السري بولادة ابنه المنتظر وذلك في نطاق محدود جداً من اصحابه حتى يكونوا شهود عيان على ولادة المهدي عليه‌السلام فيتولون مهمة تعريف جماهير الشيعة بوجود امامهم الثاني عشر في الوقت المناسب ، كما يمارسون عملية التصدي لاي انحراف يطرأ في الوسط الشيعي حول شخصية الامام.

وفي هذا الخصوص اقدم الامام العسكري عليه‌السلام على خطوات متتالية اتسمت بالهدوء والمنهجية الدقيقة ، ففي اليوم الاول للولادة يأمر عليه‌السلام اخص أصحابه عثمان بن سعيد العمري ان يعق عن المولود وان يوزع الخبز واللحم بهذه المناسبة.

=

٦٩٨
 &



__________________

=

والامام المهدي عليه‌السلام هو الابن الوحيد ولا يوجد غيره للإمام الحسن العسكري عليه‌السلام وقد أشرنا الى ذلك ممّا تقدم في حياة إمامنا العسكري عليه‌السلام ضمن اجزاء هذه الملحمة المباركة.

وأمّا والدته فقد نقلتْ بعض مصادر الاقدمين جملة من أسمائها مثل : صقيل ، ريحانة ، سوسن ، مريم ، نرجس ، ولعل أشهر أسمائها هو « نرجس ».

وقد أشار الشيخ الصدوق فـي كتابه « إكمال الدين » والشيخ الطوسي في كتابه « الغيبة » الى رواية النخاس ، وهذه الرواية طويلة متواترة معتبرة مسندة الى بشر بن سليمان النخاس وهو من ولد ابي ايوب الانصاري الصحابي ، وفيها يشرح النخاس حال السيدة نرجس والدة الامام المهدي عليه‌السلام وكيف وصلت الى أسرة الامام الحسن العسكري عليه‌السلام بعد ان كانت رومية نصرانية ، وكيف إبتاعها من سوق الرقيق ببغداد لتصبح بعد ذلك وعاءً صالحاً للامامة.

نكتفي بهذا التلميح عن هذه الرواية لشهرتها ولطولها ويبقى ان نذكر ما ورد في كتب السير والتأريخ من أن نرجس هي بنت يشوعا بن قيصر ؛ ملك الروم وأمها من ولد أحد الحواريين المنتسب الى شمعون الصفا ، وصيّ المسيح عيسى بن مريم عليه‌السلام وقد عُرفت نرجس بالفضل ، وجلالة القدر ، وطول العبادة ، وشدة الصبر ، وطول المجاهدة.

٦٩٩
 &

الولادة المباركة

وفي مساءَ المولدِ المنوّرِ

أوصى الامامُ الهاشميُ العسكري

عمّتَه ( حكيمةَ ) النقيهْ

بأن تبيتَ عندهُ العشيهْ

لكي ترى ولادةَ المهدي

شاهدةً على الفتى السني

قالت : ومن ذا يا رعاكَ اللهُ

فقال : نجلُ نرجسٍ أراهُ

قالت : فلم يظهر عليها حملُ

فقال : لا يردُ مني قولُ

فمكثتْ حتى حلولَ السحرِ

وهي تصلي بانتظارِ القمرِ

حيث أحست بالمخاضِ ( نرجسُ )

وخفَّ منها صوتُها والنفسُ

فانتبهتْ ساعتَها حكيمهْ

للطلعةِ المضيئة الكريمهْ

إذا بهِ على الصعيدِ يسجدُ

والعسكريُ هاتفاً : محمدُ !!

وهو يقول ناوليني عمّهْ

فتاي في الاضلاع كي أضمّه

مقبلاً إياهُ في عينيهِ

ليقرأ الأذانَ في أذنيهِ

مستبشراً به نفاذَ الوعدِ

بأنهُ المصلحُ وهو المهدي

يحملُ أعباءَ الرسالات الغُررْ

مكملاً سيرةَ سيدِ البشرْ

امامةٌ جاءت له في المهدِ

كمثل ( عيسى ) في الهدى والرشدِ

حكمتهُ وعلمهُ ( كيحيى )

وهو صبيٌ مفردٌ في الدنيا (١)

__________________

(١) قال الحسين بن حمدان : وحدثني من اثق اليه من المشايخ عن حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليه‌السلام قال : كانت تدخل على ابي محمد عليه‌السلام فتدعو له ان يرزقه الله ولداً وانها قالت : دخلت عليه فقلت له كما اقول ، ودعوت كما ادعو فقال : يا عمه اما ان الذي

=

٧٠٠