ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

الجزء الأول

النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله

٤١
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٤٢
 &

الأِهْدَاء

اليك يا جداه .. يا محمد بن عبد الله

اليك سيدي يا رسول الله

أرفع هذه الملحمة الشعرية (قوافل النور)

المفعمة بالحب والولاء ... لك ولأهل بيتك الاطهار ..

والعابقة بشذا الاصرار ، والايمان برسالتك الحية التي لا تموت ..

راجياً ان تكون بضاعة مزجاة ، تنفعني يوم الورود على الله ..

وهو حسبنا ونعم الوكيل.

٤٣
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٤٤
 &

إضاءة

بسم الله نفتتح ملحمة « قوافل النور » الشعرية بهذا القسم الأول المخصص لشخصية النبي المصطفى الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيرته العطرة ، هذا الرجل العظيم الذي بدأ يتيماً ، فقيراً ، شريداً ، مهاجراً ، ولكنه استطاع بقوة ارادته وتسديد ربه أن يصنع أمة ، ويبعث نهضة ، ويغير وجه التاريخ.

إن شخصية النبي الاكرم صلى‌الله‌عليه‌وآله تمثل خلاصة المضامين الربانية لرسالات السماء عبر المسيرة البشرية الطويلة بما تنطوي عليه من تجارب ومواقف ، وأحداث ، وتحولات ضخمة ، تشكل بمجموعها تراث الانسانية ، وحركتها المستمرة نحو الأفضل.

إن مسيرة الرسول الاعظم صلى‌الله‌عليه‌وآله تمثل الانطلاق الاكبر نحو بناء واقع انساني موحد ، تذوب فيه فوارق العرق واللون والانتماء ، وتمتزج كلها في اطار الاسلام الذي اراده الله تعالى ديناً خاتماً للبشرية ، ومنهجاً شاملاً ينظم سلوكها ومواقفها ، في بناءٍ تتكامل فيه الامم والشعوب ، والاقوام ، وتحكم شريعته حياتهم من أجل ان تنتهي قرون الظلام والعذاب ، ويشرق نور الاسلام الساطع أملاً دائماً ، وحقيقة ممتدة.

ولقد كان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دائب الحركة ، كثير العطاء ، حتى لقد عبر عنه علي عليه‌السلام في أحدى كلماته الرائعة :

٤٥
 &

« طبيبٌ دوارٌ بطبه قد أحكم مراهمه ، وأحمى مواسمه ، يضعُ ذلك حيث الحاجة اليه ».

و « مؤسسة دار الاسلام » إذ تشرع في اصدار هذه الملحمة المباركة بحياة النبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وتتلوها الأقسام الاخرى في حياة وسيرة الائمة الطاهرين من اهل البيت عليهم‌السلام ، إنما تهدف الى تقديم التراث الاسلامي الاصيل بعيداً عن شوائب التشويه وغبار السنين ، وذلك من خلال الأسلوب الأدبي الذي يجمع بين أصالة التاريخ ، واللغة المعاصرة ، وجزالة المفردة الحديثة ، الى أجيال المسلمين من اجل ان يكون لهم وقوداً في معركة المصير والحضارة ، وهم يواجهون تحديات العصر وصراع الهوية.

نسأل الله تعالى ان يجعلنا من المقتدين برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والمعتصمين بسنته المطهرة ، والثابتين على خطه وهديه ، إنه ولي التوفيق.

٤٦
 &

في البدء (١)

أبدأُ باسم الخالق الرحمنِ

ملحمةً سامية المعاني

واحمدُ الله على نعمائهِ

وما حباني فيه من آلائهِ

مصلياً على النبيّ الهادي

وآله ائمة .. الرشادِ

والشكرُ لله على الهداية

والبعدُ عن مسالك الغوايه

__________________

(١) بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد ، وعلى آله الطيبين الطاهرين ، واصحابه المنتجبين ، ومن دعا بدعوته الى يوم الدين وبعد :

فقد عقدت العزم على نظم ملحمة شعرية في سيرة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله واهل بيته عليهم‌السلام متوكلاً على الله في ذلك ، تتضمن اهم فصول التأريخ الاسلامي ومحطاته الفاصلة منذ بدء البعثة النبوية الشريفة وحتى غيبة الامام المهدي عجل الله تعالى فرجه ، مروراً بكل المراحل والوقفات التأريخية في حياة الرسول والأئمة عليهم‌السلام.

وقد استوحيتُ فكرتها من خلال اسفاري خصوصاً سفرات الحج الى الديار المقدسة ، وكان الهدف منها تقريب صورة التأريخ لاذهان الشباب المسلم من خلال استعراض ملاحم البطولات التأريخية بالاسلوب الشعري الذي يداعب الاحاسيس ، ويستقر في الذاكرة بدون عناء.

فاستعنت الله في ذلك وبدأت النظم في احدى ليالي الجمعة من عام ١٤١٩ هـ رغم زحمة الاعمال والاشغال ، كما قد شرحتُ ملحمة قوافل النور بهوامش موجزة مستقاة من اهم مصادر التأريخ الاسلامي وكتب التراث.

فالحمد لله على توفيقه لاكمال هذه الملحمة التي أرجو أن تكون نقطة مضيئة في سجل اعمالي وأن تنفعني يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون.

٤٧
 &

واستعينهُ على مسائلي

فهو الذي يُجيبُ كل سائل

فقد دعوته بكلِّ همّه

ان اذكر النبيَّ والائمة

فهم حماةُ الدين والايمانِ

والعلم والسنةِ والقرآنِ

بهم عرفنا الله والآياتِ

نبراسُنا المنيرُ في الحياةِ

ما خاب من والاهمُ واتبعا

فهم تراجم لوحيٍّ شُرعا

اهل التقى والحلم والرشادِ

والعلم والجهد والسدادِ

ومن هم قام عمودُ الدين

وشيدَ صرحُ الحقِّ واليقينِ

من لدنِ النبي حتى المهدي

فمنهم يسطعُ نورٌ ... يهدي

بدأتها احدى ليالي الجُمعه

وحيثُ ابوابُ الدعاءِ مُشرعه

* * *

٤٨
 &

العرب قبل الاسلام

بذكر أحوالِ جزيرةِ العرب

ترنو الى نور النبيّ المرتقب

وحيثُ كان الرومُ في طغيانِ

والفرسُ في صوامع النيرانِ

والعربُ عكّفٌ على الاصنامِ

في حمأة الضلالِ ... والحرامِ

عادتهم وأدُ البناتِ جهلا

مستسهلين دفنها والقتلا

الخمرُ فيهم والربا قد شاعا

بجهلهم قد ألفوا الضياعا (١)

__________________

(١) كان العرب في الجاهلية ، وهي المرحلة التي سبقت بعثة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله يعيشون حياة قاسية خشنة ، فلم تكن تحكمهم نظم سياسية او مدنية ، انما كانت حياتهم العامة تقوم على تحكيم المقاييس الجاهلية والصراعات والقهر والغلبة.

كان النظام الغالب على حياتهم ، هو التنقل طلباً للمرعى والماء ، مما كان يدفعهم الى التقاتل من اجل هذين المطلبين ، لان فيهما حياتهم واستمرار معيشتهم.

وفيما كانت حياتهم تقوم على هذا النمط الصعب ، كانت تحيط بهم دول قوية مستقرة ، ابرزها دولة فارس في الشرق ، ودولة الروم في الشمال ، وهاتان الدولتان كانتا تتمتعان بقوة ونظام مدنيّ متين.

كان العرب يعبدون الاصنام ، وكان لكل قبيلة وثنها الخاص. وقد سرت هذه العبادة في بني اسماعيل بعدما تكاثروا وضاقت بهم مكة ، فقد تفرقوا في البلاد ، وحمل كل واحد منهم حجراً من حجر الحرم ، كانوا يطوفون به حيثما ينزلون ، ومع مرور الزمن نسوا دين آباءهم ، وعبدوا الاوثان ، وذكر ابن اسحاق في سيرته واليعقوبي في تأريخه :

ان عمر بن لحي وهو شيخ خزاعة ، سافر الى الشام ، ورأى هناك ان الناس يعبدون الاصنام ، فأخذ منهم « هبل » ونصبه على الكعبة.

=

٤٩
 &



__________________

=

وكان العرب يخضعون لعادات وتقاليد خاصة بهم ، منها وأد البنات ، وهي عادة بشعة كانت منتشرة بينهم ، حيث يعمد الاب الى دفن الانثى التي تولد له ، لانه يرى فيها عاراً عليه ، او انها ستلحق به العار في المستقبل ، فيما لو سقطت بيد اعدائه خلال الحروب المستمرة فيما بين القبائل ، حتى قال شاعرهم :

سمّيتها إذ ولدت تموتُ

والقبرُ صهرٌ ضامنٌ زمّيتُ

وكان الخمر شائعاً بين العرب في الجاهلية ، الى جانب دور البغاء. كما كان الربا شائعاً في معاملاتهم التجارية ، وكان من مصادر الثراء عند القلة منهم ، لكنه في المقابل كان سبب دمار وعبودية للكثرة الكاثرة.

٥٠
 &

المولد المبارك

ثمَّ بدا نور النبيِّ (احمدا)

يحملُ للناسِ مشاعل الهدى

فهو بشيرُ الحقِ والنذيرُ

لم ينطفىء سراجهُ المنيرُ

يُعرفُ باسمِ الصادق الامينِ

في كلِّ موطن وكلِّ ... حينِ

وهو (لابراهيم) قدماً ينتسب

ثم (لهاشم وعبد المطلب)

اشرق من ضيائه (حراءُ)

ونُورت بهديه الصحراءُ

يدعو الى التوحيد والصلاةِ

فانهار من صداهُ عرشُ (اللاةِ)

وانطفأ اللظى بنار (كسرى)

واضطرب الروم بأرض (بُصرى)

يقول لا اله الا اللهُ

الهُنا لا تعبدوا سواهُ

مصدقاً بشارةَ (التوراةِ)

وما حوى (الانجيلُ) من آياتِ

فقد دعا من (آلِ عبد المطلب)

رجالَهم والكلُّ منهم مضطرب

يدعوهمُ لنصرة العقيده

فهم وجوهُ اسرةٍ حميده (١)

__________________

(١) تتفق الروايات في كتب التأريخ والسيرة ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ولد عام الفيل ، اي في سنة ٥٧٠ للميلاد ، لكن هناك خلافاً في يوم ولادته ، والارجح انه ولد في اليوم السابع عشر من شهر ربيع الاول.

ولم يرَ عبد الله بن عبد المطلب ابنه ، فقد توفي في طريق عودته من الشام ، وهكذا شاء الله ان يعيش الرسول حالة اليتم ، فتكفله جده عبد المطلب ، ثم عمه ابو طالب « رض ».

=

٥١
 &



__________________

=

عاش النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله خمسة اعوام بين قبيلة بني سعد ، حيث تعهدت برضاعته حليمة السعدية ، وكانت تلك من عادات العرب لينشأ الاولاد على الفصاحة والفروسية.

كان النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله منذ طفولته يتمتع بسجايا وصفات وخلق رفيع يختلف عن اخلاق مجتمعه ، مما جعله يتميز في محيطه ، لذلك كان يُعرف بالصادق الامين.

وقد كان النبي قبل بعثته ، يذهب الى غار حراء في جبل النور ، وهو جبل خارج مكة ، ولكنه يطل على البيت الحرام ، حيث كان يتفرغ للعبادة والتأمل. فقد كان الله سبحانه يعدّه لتحمل الرسالة الخاتمة ، وكانت ملامح النبوة ظاهرة عليه ، وفي لحظة حبس فيها التاريخ أنفاسه ، وفي غار حراء نزل جبرئيل عليه‌السلام على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وألقى اليه كلمة الوحي والبدء بالنبوة ، وكانت اولِ كلمات نزلت عليه هي الآيات الخمس الاولى من سورة العلق والتي اولها ( اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ) ثم توالى بعد ذلك نزول الوحي عليه صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وقد وردت البشارة بالنبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله بالتوراة والانجيل ، وكان اليهود والنصارى يعرفون ان الله سبحانه سيبعث نبياً الى البشرية ، يكون دينه خاتم الاديان ، وكان علماؤهم يعرفون اوصافه ، وعلاماته ، وتذكر كتب التأريخ ، ان اليهود ارادوا اغتيال النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله قبل بعثته ، وقد نصح احد الرهبان عمه ابا طالب ان يحرسه من غدر اليهود. لذلك كان عمه شديد الحرص عليه ، وقد جاءت البشارة بالنبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في القرآن الكريم على لسان عيسى عليه‌السلام في قوله تعالى : ( وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ ).

٥٢
 &

بدء الدعوة

لكنهم قد واجهوهُ بالغضب

وكان في اولهم (ابو لهب)

مستهزأً بجمعهِ هذا العدد

ملوّحاً لهُ بحبلٍ من مسدْ

لكنما الاطيابُ منهم آمنوا

والكلُّ منهم للنبي ضامنُ

اولُ من صدقهُ (عليُّ)

الوارثُ الخليفةُ الوصيُّ

وزوجهُ (خديجةُ) الغنيّه

البرّةُ الطاهرةُ الوفيّه

والصفوةُ الابرارُ (آلُ ياسرِ)

وكلُّ حرٍّ طاهرٍ وصابرِ

كالثائرِ البرّ (ابي ذرٍّ) ومن

لم ترتجف خطاه ايام المحن

وآخرون جُلّهم شبابُ

بفضلهم قد نطق الكتابُ

وآمنت به جموعُ الضُعفا

وبعضهم قد نصروهُ بالخفا

مثل ابي طالب شيخ البطحا

في السر داوى للنبي جرحا

يقيه بالنفس وبالبنين

ويكتم الايمان في يقين

فاشتدَّ من اعدائهِ العنادُ

ونُصبت لذلك الاوتادُ

وعُذّبَ الصحبُ على الهجيرِ

بالنار والقيودِ والصخورِ

لكنما الدعوةُ ظلت تسري

بكل قوة وكلِّ .. صبرِ

ينزلُ (جبرائيلُ) بالقرآنِ

يفتحُ آفاقاً من المعاني

فحوصرت اذ ذاك (آلُ هاشمِ)

(بالشِعبِ) رافضين كلَّ ظالمِ

مرّت ثلاث من سني القهرِ

وذاك للرسول اقسى العُمرِ

موسومة بالحزن والعذاب

اذ فقدوا جمعاً من الاصحابِ

=

٥٣
 &

فيها ابو طالب صبراً قد قضى

وعندها ضاق على (طه) الفضا

وزوجه (خديجه) الكبيره

وهي له الاهلون والعشيرة

لله صبرٌ لا يجاريه احدْ

تاريخُ (احمدٍ) به قد انفردْ (١)

__________________

=

(١) امر الله نبيه ان يدعو عشيرته ، وذلك عندما نزل عليه قوله تعالى : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) فبدأ بدعوة بني عبد المطلب ، كما روى ذلك اهل الحديث والسير ، كالطبري وابن الاثير ، وابن عساكر وابن كثير وغيرهم. فقد روي الطبري عن الامام علي بن ابي طالب عليه‌السلام قال :

« لما نزلت هذه الآية على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : ( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) دعاني رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال لي : يا علي ... اصنع لنا طعاماً ، واجعل عليه رجل شاة ، واملأ لنا عسّاً من لبن ثم اجمع بني عبد المطلب ، حتى اكلمهم ، وابلّغهم ما أُمرتُ به. ففعلت ما امرني به ... فلما أراد رسول الله ان يكلمهم ، بدرهُ ابو لهب الى الكلام فقال : لهدّما سحركم صاحبكم. فتفرق القوم ولم يكلمهم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال الغد يا علي ... ففعلت ... ثم تكلم رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فقال : يا بني عبد المطلب اني والله ما اعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل مما قد جئتكم به ، اني قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة وقد امرني الله ان ادعوكم اليه فأيكم يؤازرني على هذا الامر على ان يكون اخي ووصيّي وخليفتي فيكم ؟.

قال : فأحجم القوم عنه جميعا وقلت : انا يا نبي الله اكون وزيرك عليه. فأخذ برقبتي ثم قال : ان هذا اخي ووصيي وخليفتي فيكم فاسمعوا له واطيعوا ».

بقي النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو الناس الى الاسلام ، بطريقة سرية لمدة ثلاث سنوات ، فكان المؤمنون الاوائل يخفون ايمانهم خوفاً من بطش قريش. وقد اتخذ المسلمون من دار ابن ابي الارقم المخزومي مقراً سرياً لهم ، حيث كانوا يقرأون القرآن الكريم ويتعلمون احكام الاسلام ويتدارسون شؤون الدعوة ، وكان أول من آمن به الشباب ، والرجال الأحرار ، أمثال : مصعب بن عمير ، وعمار بن ياسر ، وأبيه ، وأمه سمية ، وكانوا حلفاء لبني مخزم.

كما امن به : ابو ذر الغفاري « جندب بن جنادة » وغيرهم كثير من الشباب والفقراء والمستضعفين.وعندما بدأ الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله دعوته العلنية ، كان يعلن دعوته الى عامة الناس ، ويبلغ رسالته في مواسم الحج ، روى ابن اسحاق : « كان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على ذلك من امره ، كلما اجتمع له الناس بالموسم اتاهم يدعو القبائل الى الله والى الاسلام ».

=

٥٤
 &

__________________

=

واجهت قريش مشكلة كبيرة ، فقد كانت دعوة الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله تؤثر في محيط مكة ، وحاول زعماء قريش ان يمنعوا الرسول من نشر دعوته ، ففاوضوه على ان يترك امر دعوته ، مقابل ان يعطوه ما يريد ، لكنه رفض عروضهم بكل حسم ، حتى قال قولته الشهيرة : « والله يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في شمالي على ان اترك هذا الامر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه » وحاولوا ان يضغطوا على عمه ابي طالب من اجل ان يمنعه عن دعوته ، لكنهم لم يجدوا تجاوباً منه ، فقد كان ابو طالب يدافع عن الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ويعلن حمايته له ، وفي ذلك يقول ابو طالب :

والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتى أُوسد في التراب دفينا

ولقد علمتُ بأنّ دينَ محمدٍ

من خيرِ اديان البرية دينا

وعندما وجدت قريش انها لا تستطيع ان تثني الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عن مهمته الرسالية ، لجأت الى اسلوب الضعفاء ، وذلك بأن اخذت تعذب المسلمين بأقسى انواع العذاب الجسدي ، لكن المسلمين ضربوا المثل الاعلى في الصمود ، حتى استشهد منهم ياسر وسمية ، والدا الصحابي الجليل عمار وقد كان يقول لهم كلما مرّ على ساحة تعذيبهم :

« صبراً آل ياسر ان وعدكم الجنة ».

كان القرآن مشكلة قريش الكبرى ، فقد كان لسحر بيانه الاثر الواضح في النفوس ، وقد ادرك سراة قريش ان العرب وهم اهل البيان ، سوف يتأثرون بالرسول من خلال القرآن الكريم ، لذلك حاولوا ان يمنعوا الناس من الاستماع الى قراءة القرآن. فكانوا ينهالون بالضرب على كل من يقرأ القرآن في المسجد الحرام ، كما حدث مع الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود. ومن اجل ان تنجح قريش في خطتها كانت تمنع الناس القادمين الى مكة من اللقاء بالرسول والاستماع الى حديثه او قراءته للقرآن. يروى ابن هشام في سيرته ، قصة اسلام الطفيل بن عمر الدوسي يقول :

« كان الطفيل بن عمر الدوسي يحدث : أنه قدم الى مكة ورسول الله بها ، فمشى اليه رجالٌ من قريش ، وكان الطفيل رجلاً ، شريفاً ، شاعراً ، لبيباً ، فقالوا له : يا طفيل انك قدمت بلادنا وهذا الرجل ـ يقصدون الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ الذي بين اظهرنا قد اعضل بنا ، وقد فرّق جماعتنا ، وشتتَ أمرنا ، وإنما قوله كالساحر يفرق بين الرجل وبين أبيه ، وبين الرجل وبين أخيه ، وبين الرجل وبين زوجته ، فلا تسمعنّ منه شيئا ، قال : فوالله ما زالوا بي حتى

=

٥٥
 &

__________________

=

اجمعت إن لا أسمع منه شيئاً ، ولا أكلمه ، حتى حشوت أذني حين غذوتُ الى المسجد كرسفاً ، فرقاً من أن يبلغني شيء من قوله ، وأنا أريد أن اسمعه. قال : فغدوت الى المسجد فإذا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قائمٌ يصلي عند الكعبة ، فقمت منه قريباً فأبى الله إلا ان يسمعني بعض قوله ، فسمعت كلاماً حسنا ، فقتل في نفسي : والله اني رجلٌ لبيب ، شاعر ، ما يحفي عليّ الحسن من القبيح ، فما يمنعني ان اسمع من هذا الرجل ما يقول ، فإن كان الذي يأتي به حسناً قبلته ، وان كان قبيحاً تركته. فمكثتُ حتى انصرف رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى بيته فاتبعته حتى اذا دخل بيته دخلتُ عليه فقلت : يا محمد قالوا لي كذا وكذا للذي قالوا ، فوالله ما برحوا يخفونني أمرك حتى سددت أُذني بكرسف لئلا أسمع قولك ، فأبى الله إلا أن يسمعني قولك ، فسمعته قولاً حسناً ، فاعرض عليّ أمرك. قال : فعرض عليّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الإسلام وتلا عليّ القرآن ، فلا ولله ما سمعتُ قولاً احسن منه ولا امراً أعدل منه. فأسلمت وشهدتُ شهادة الحقِ ». سيرة بن هشام ١ / ٤٠٧.

كانت مثل هذه الحوادث تثير قلق قريش وخوفها ، فلقد كانت تواجه خطر القرآن الذي يأخذ بالعقول الى عالم الحقيقة المطلق ، دون ان تقف امامه سياط قريش وعناد جبابرتها.

وعندما اخذ عدد المسلمين يتزايد ، وعجزت اساليب قريش عن تحجيم الدعوة الاسلامية قررت ان تقدم على خطوة كبيرة تمنع فيها التطورات الحاصلة في مكة وغيرها. فاجتمع زعماء قريش في دار الندوة ، ووقعوا ميثاقاً فيما بينهم ينص على مقاطعة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وانصاره ، مقاطعة تامة ، فلا يزوجوهم ولا يتزوجون منهم ، ولا يبيعوهم ولا يشترون منهم شيئاً ، وان لا يكلموهم ولا يؤاكلوهم. وعلقوا هذا الميثاق « الصحيفة » في جوف الكعبة.

على اثر هذا الميثاق الظالم ، قرر عمّ الرسول ابو طالب ان يجمع بني هاشم وبني عبد المطلب ، في « شعب ابي طالب » بين جبال مكة ، وذلك تحفظاً على الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وحذراً من حدوث اي طارىء قد تقدم عليه قريش ، وقد بالغت قريش في حصارها ، حيث كانت تبث عيونها لرصد الشِعب ، فتمنع وصول اي طعام اليه. وكانت تحذر العرب القادمين الى مكة من بيع الطعام الى بني هاشم ، فمن خالفهم انتهبوا ماله.

استمرت المحاصرة ثلاث سنوات ، انتهت عندما اخبر الله نبيه صلى‌الله‌عليه‌وآله بأن صحيفة المقاطعة وقد اكلتها حشرة « الارضة » لكن آثار المقاطعة كانت قاسية على النبي وعلى المسلمين ، وكان من ابرز آثارها وفاة عمه وحاميه ابي طالب ووفاة زوجته وناصرته خديجة « رض ».

٥٦
 &

الهجرة الى الحبشة

حتى اذا ضاقت بلادُ (الحرمِ)

بكلِّ مؤمنٍ وكلِّ مسلمِ

هاجر بعضُ الصحبِ (للنجاشي)

ميمّمين وجهةَ (الاحباشِ)

يقودُهم (جعفرٌ الطيارُ)

البطلُ المجاهدُ المغوارُ

اذ لاحقتهم زمرةُ المعاصي

يقدمهم من مكة (ابنُ العاصِ)

يريدُ ان يخادع النصارى

من اجل ان يرجعَ بالأُسارى

لكن موقفاً (لجعفرِ) الأبيّ

قد انقذ الثلةَ من صحب النبيّ

ورابطت بقيةٌ مجاهده

ظلّت على كفر قريش شاهده

تحتضنُ الرسولَ في اخلاصِ

تطمعُ بالنجاةِ والخلاصِ

فحدثت حادثة (الاسراءِ)

اذ عرجَ الرسولُ للسماءِ

من مكة أسرى لبيت (المقدسِ)

اسرى بغير ناقةٍ او فرسِ

(بُراقهُ) تحملهُ الى العُلى

معجزةً منه ليؤمنَ الملا

فكذبوه حسداً وجهلا

وقد سما قولاً به وفعلا

وهكذا ظل يؤدّي دوره

حتى أراد الله منه الهجره

فهاجر النبيُّ نحو (الطائفِ)

يتبعه (زيدٌ) بقلب خائفِ

لكن اهلها أبوا ان يسمعوا

قولاً وان يعترفوا أو يخشعوا

وامتدت الدعوةُ نحو (يثربِ)

فصافحت اكفُها كفَّ النبيّ

وبايعته ثلة مقرَّبه

في موسوم الحجيج عند (العَقَبه)

فأرسل النبيُّ فيهم (مصعبا)

معلماً وواعظاً .. مؤدبا

٥٧
 &

وهو فتىً من اسرةٍ منعّمه

معروفةٍ في (مكة المكرّمه)

فوطئوا للدعوةِ المجيده

في بقعة صالحة جديده

فأصبحت مهاجرَ النبيِّ

ومهبطاً للكلمِ العليِّ

من بعد ان ضاق عليه الموطنُ

وحاصرتُهُ (مكةٌ) والمحنُ (١)

__________________

(١) بعد ان رأى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ان قريش تزيد اضطهادها للمسلمين ، امرهم بالهجرة الى الحبشة ، وذلك في السنة الخامسة من البعثة. وقد كانت هناك هجرتان الاولى بقيادة عثمان بن مظعون ، وضمت عشرة رجال واربع نسوة ، ثم كانت بعدها الهجرة الكبيرة ، بقيادة جعفر بن ابي طالب « رض ».

وتذكر كتب التأريخ والسيرة ان قريش سارعت الى ارسال عمرو بن العاص الى النجاشي ملك الحبشة ، في محاولة لتسليمهم الى قريش ومنع اقامتهم عنده ، لكن جعفر بن ابي طالب ، وقف موقفاً بطولياً عرض فيه مفاهيم الاسلام وتعاليمه على النجاشي ، وعرفه بالاسلام خصوصاً فيما يتعلق بنظرية القرآن حول قصة ولادة سيدنا عيسى المسيح واصطفاء أمه مريم العذراء وكونهما آيتين من آيات الله ، فقبل النجاشي اقامتهم ، ورفض طلب قريش.

وقد روى ابن هشام في سيرته تفصيل المناظرة التي جرت بين النجاشي واساقفته ، وبين جعفر بن ابي طالب ، وكيف ان جعفر « رض » تحدث له بثقة وقوة عن الاسلام ، وقرأ عليه من القرآن ما جعله يبكي هو واساقفته تأثراً وقناعة بما ورد في القرآن الكريم.

سيرة ابن هشام ١ / ٣٥٩.

ويذكر اليعقوبي في تاريخه : ان جعفر بن ابي طالب عاد من الحبشة الى المدينة في السنة السابعة من الهجرة في فترة غزوة خيبر حتى قال رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قولته المشهورة : « لا ادري بأيها انا اسرُ بفتح خيبر ام بقدوم جعفر ». تاريخ اليعقوبي : ٢ / ٥٦.

بعد وفاة ابي طالب ، فقد الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله المحامي الكبير الذي كان يدفع عنه كيد قريش ، وقد روى ابن الاثير : ان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « ما نالت قريش مني شيئاً اكرهه حتى مات ابو طالب ». الكامل في التاريخ ٢ / ٩١.

نتيجة هذا الواقع الجديد وجد النبي ان مكة لم تعد مكاناً آمناً لرسالته ، فأراد ان يبحث عن

=

٥٨
 &



__________________

=

بلد جديد ، ينشر فيه الرسالة ، فهاجر الى الطائف وعرض الاسلام على قبائلها ، لكنهم واجهوه بالرفض ، واساءوا الى شخصه المقدس صلى‌الله‌عليه‌وآله حيث رموه بالحجارة ، واستخفوا بدعوته ، فاضطر الى العودة الى مكة.

هناك اختلاف في قصة الاسراء ، متى حدثت وهل كانت في اليقظة ام في المنام ، والصحيح ان الله سبحانه اسرى بالرسول بروحه وجسده الى المسجد الاقصى ومنه عرج به الى السماء العُلى ، ليرى آيات ربه الكبرى ، وقد حدث ذلك قبل هجرته الى المدينة.

وقد حاول كفار قريش ان ينالوا من هذه الحادثة ويطعنوا بصدق الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فطلبوا منه ان يأتيهم بالادلة ، فاخبرهم صلى‌الله‌عليه‌وآله بأنه رأى قافلة متجهة الى مكة يتقدمها جمل اورق وحدد لهم وقت وصولها. فوصلت في الوقت المحدد. ثم طلبوا منه ان يصف بيت المقدس ، ولم يكن قد زاره من قبل ، فوصفه لهم وصفاً دقيقاً.

واصل النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله دعوته للناس ، في موسم الحج ، وفي موضع يدعى العقبة ، التقى بسبعة رجال من الخزرج قادمين الى مكة للحج ، فعرض ‌عليهم الاسلام. وكان اهل يثرب يسمعون من اليهود بقرب ظهور نبي من العرب. فآمن هؤلاء بالرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله وعادوا الى يثرب يبلغون رسالة الاسلام.

وفي العام التالي التقت جماعة مسلمة من اهل يثرب بالرسول وبايعته في العقبة ، وسميت هذه البيعة بيعة العقبة ، فأرسل معهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابي الجليل مصعب بن عمير ، ليعلمهم القرآن ومبادىء الاسلام. واخذت رسالة الاسلام تنتشر بقوة في يثرب حتى قال مصعب للرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله حينما لقيه : « ما تركت بيتاً الا وللاسلام فيه اسم ».

٥٩
 &

الهجرة الى يثرب

فأزمع الهجرةَ والرحيلا

ليثربٍ يبني هناك جيلا

وبات في فراشهِ (اخوهُ)

خشيةَ ان يأتوا ويقتلوهُ

وذاك قمة الوفا والتضحية

ان يغدوَّ الموتُ الرهيبُ أُمنيه

غادر في المساء (ثاني اثنين)

من غير ان تراهُ أيُّ عينِ

وبعد لأي وصل (المدينة)

فاستقبلته الصفوةُ الامينه

يتبعهُ الامام بالفواطمِ

وهنَّ طاهراتُ (آلِ هاشمِ)

حيث بنى النبيُّ صرحَ الحقِّ

بكلِّ ايمانٍ وكلِّ صدقِ

فاتخذَ المسجدَ للقياده

والحكم والتوجيه والعباده

مستعذباً وعورةَ الطريقِ

وساعياً للهدف الحقيقي

ورُفعَ الآذان للصلاةِ

اُنشودةً في شفة الدعاةِ

أولُ من صاح به (بلالُ)

ومن به قد ضجت الاغلالُ

بلُغةٍ جميلةِ الالحانِ

(فسينهُ) (كالشين) في المعاني

وشرعت هنالك العباده

وفتحتْ ابوابها الشهاده

فاعلن الاخاءَ للابرارِ

بين المهاجرين والانصارِ

كي يشحذ الايمانُ والاُخوه

قلوبَهم بالحبّ والفتوّه

فأصبح الغبيُّ والفقيرُ

في الدين والكبيرُ والصغيرُ

جميعُهم في اسرةُ الايمانِ

في نسبٍ من الاخاء ثانِ

٦٠