ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &



__________________

=

الذي عُذّب طويلاً لعدم قوله بذلك في أيام المعتصم العباسي ، وكذلك قُتل « أحمد بن نصر الخزاعي » ايام الواثق العباسي لعدم قوله بذلك ، إضافة الى حبس العالم « ابي يعقوب بن يوسف البويطي » من أصحاب الامام الشافعي ، حتى مات في حبسه أيام الواثق ، ويبدو أن هذه الفتنة الكبرى قد أستفحلتْ أيام إمامة الهادي عليه‌السلام ولقد كان للإمام الهادي دور كبير في التصدي لها ، وكشف زيفها بين شيعته وأصحابه ، وربطهم بالقرآن والعترة ، وأن هذه لعبة سياسية إبتدعتها السلطة ، حيث نقل الشيخ الصدوق أن الامام عليه‌السلام كتب الى أحد أصحابه بشأن هذه الفتنة :

بسم الله الرحمن الرحيم عصمنا الله واياك من الفتنة ، نحن نرى أن الجدال في القرآن بدعة إشترك فيها السائل والمجيب وليس الخالق إلّا الله وما سواه مخلوق والقرآن الكريم كلام الله لا تجعل له إسماً من عندك فتكون من الضالّين. منتهى ١ / ٤٨٩.

وهكذا تصدّى الامام الهادي عليه‌السلام لهذه الفتنة ليتعاهد بذلك شيعته وأصحابه من التأثر بها وتحصينهم عنها وعن غيرها من البدع والدعوات الضالة.

كما لا بد من الاشارة هنا أن هناك الكثير من البدع والضلالات التي حفلتْ بها تلك العصور ، لا سيما عصر المعتصم والمتوكل ، ومنها إدّعاء النبوة وجواز رؤية الله بل وإدعاءه.

فقد ذكر الطبري في تاريخه أنه في سنة ٢٣٥ هـ ظهر بسامراء رجل يدّعي أنه « ذو القرنين » وإنه نبي يوحى إليه ، وقد تبعه على ذلك خلق كثير في بغداد.

٦٤١
 &

الغُلاةُ

وظهر الغلاةُ في البلادِ

وانتسبوا بزعمهم « للهادي »

منهم علي وهو ابن الحسكه

والحسن بن الباب خاض المعركه

وفارس بن حاتم القزويني

وهو لعمري خطرٌ في الدينِ

خلال ذلك الامام ينشرُ

علومه في خُلقٍ ويعمرُ

يُبطلُ ما يسمعُ من مزاعمِ

ومن غلوٍ بالامامِ القائمِ

يواصل الشيعة بالاموالِ

ويمنعُ الفقير عن سؤالِ

ولا يرى الجدالَ في القرآنِ

الا مقال بدعةِ الشيطانِ

وذاك منه موقف مسددُ

كأنهُ يفرغه « محمدُ » (١)

__________________

(١) إن فكرة « الغلو » فكرة قديمة ظهرت ربما في العصر الاول للإسلام ، ولعل عصر الامام علي عليه‌السلام كان من ابرز العصور التي ظهرت وترعرعت فيها هذه الفكرة المنحرفة ممّا دعا الامام علي عليه‌السلام للتصدي لها والقضاء عليها ، بل وحرق جماعة ممّن يقول بها ويعتقدها وبمرور الزمن بدأت هذه الفكرة بين آونة واخرى للظهور أو السبات حسب ضعف الوعي الديني وإنشغال السلطة عنها ، بل ربما دعمها في إحايين كثيرة لتشويه المذهب الحق واحراج الائمة عليهم‌السلام واشغال الناس بها.

وتتخلص حيثيات هذه الفكرة بالغلة في الامام ورفعه الى مستوى الإله ، وإسناد صفات الله وإفعاله إليه ، بل وأحياناً إشاعة المحرّمات ، واستحلال المنكرات ، وقد إتخذ الائمة عليهم‌السلام جميعهم وشيعتهم موقفاً صلباً وصريحاً تجاه هذه الفكرة ، ودعاتها والتنديد بها والتبرؤ منها

=

٦٤٢
 &

__________________

=

بل الاعلان أنها كفر ، وخروج عن الدين ، وأعلنوا عن قطع أي صلة لهم وشيعتهم بها وبالمنحرفين من دعاتها ومحاربتهم ، وبهذا الصدد قال أمير المؤمنين علي عليه‌السلام : بُني الكفر على اربع دعائم : الفسق ، والغلو ، والشك ، والشبهة.

ونقل الكشّي في رجاله أن الامام الصادق عليه‌السلام قال لأصحابه : قولوا للغلاة توبوا الى الله فأنكم فسّاق كفّار مشركون.

وتشير المصادر الى أن هذه الفكرة ودعاتها قد أستفحلت أيام إمامة الهادي عليه‌السلام وقد تمكّن الامام من التصدّي لها مرة بالاستخفاف بها ، وأخرى في توهينها ، وثالثة بالتبرؤ منها وضرب مَن يدّعونها وقتلهم ، وفي هذا المجال ينقل الكشّي في رجاله عن أحمد بن محمد بن عيسى قال : كتبتُ الى الامام الهادي في قومٍ يقولون بالغلو فيه وفي آباءه فماذا تقول فيهم ؟ فأجابه الامام : ليس هذا من ديننا فأعتزلهم.

وفي روايات أخرى أمر بلعنهم ، وفي أخرى بقتل رجل من دعاة هذه الفكرة كان خطراً يُقال له « فارس بن حاتم القزويني » كما وسعى الامام من خلال ابطال هذه الفكرة عن طريق التأكيد على وحدانية الله سبحانه ، وأنه هو وحده الخالق المُطاع المعبود ، إضافةً الى كون الائمة عليهم‌السلام عباد مخلوقين مرزوقين.

وتُشير المصادر التاريخية الى ظهور عدة شخصيات وأسماء قالت ، وآمنت ، ودعت الى الغلو في إيام الامام الهادي عليه‌السلام ومنهم :

علي بن حسكة [ لعنه الامام وتبرأ منه ] ، القاسم بن يقطين [ لعنه الامام وتبرأ منه ] ، الحسن بن الباب ، محمد بن نصير النميري ، فارس بن حاتم القزويني [ أمر الامام عليه‌السلام بقتله فقُتل ] ، هاشم بن ابي هاشم ، ابن ابي الزرقاء ، وغيرهم ..

لكن للأسف لا يزال الكثير من بعض المذاهب الاسلامية ، ومعهم جماعة من المستشرقين ممّن يرمون مذهب أهل البيت عليهم‌السلام بهذه البدعه وغيرها ، ويلصقونها ظلماً وبهتاناً به رغم براءة المذهب منها.

وكان الامام الهادي عليه‌السلام قد تصدّى لهذه البدعة ، وغيرها أمثال الجدال في القرآن ، وجواز رؤية الله وغيرها ، وسعى الى دحضها وإبطالها بكل قوة وحزم ، وأعتبرها من بدع الشيطان وتسويلاته لهذه الجماعات الضالّة.

٦٤٣
 &

حقد المتوكل

وفي زمان « جعفر بن المعتصم »

كان على آل عليِّ منتقم

صبَّ على آل النبي احمدِ

مصائباً في الحقد لم تعددِ

قد قطع الارزاق والاموالا

وأرعب الرجال والاطفالا

اجرى على قبرِ الحسين الماءا

من حقده وأطفأ الضياءا

وضيع المعالم القدسيه

في قبر نجل البضعة الزكيه

ومنع الشيعة من زيارته

فكانت الآثام من تجارته

ووصل الحقدُ لقطع الايدي

من شيعةٍ تُعرف بالتحدي

ويا لها من وثبة شجاعه

مفخرة حتى قيام الساعة

اعطوا بها الرقاب والدماءا

وارخصوا الانفسَ والابناءا (١)

__________________

(١) يبدو من خلال السرد التاريخي الموثق أن الامام الهادي عليه‌السلام عايش بقية حكم المعتصم وخمس سنوات وتسعة أشهر من عصر الواثق ، و١٤سنة وعشرة أشهر من ملك المتوكل ، وستة أشهر من حكم ولده المنتصر ، واربعة سنوات من حكم المستعين ، واربعة سنوات واربعة أشهر من حكم المعتز ، وفي أواخر حكمه توفي الامام مسموماً.

ويذكر التاريخ الى أن جعفر بن محمد بن هارون ، الملقب بـ « المتوكل » قد بويع له بالخلافة في ذي الحجة سنة ٢٣٢ هـ ويذكر المؤرخون جملة من أفعال وحوادث فعلها المتوكل ، أو حصلتْ في أيامه ، والتي هي جملة من موبقاته ومساوىء حكمه ومنها :

=

٦٤٤
 &

__________________

=

١ ـ إستقدام العلماء وأهل الحديث من الامصار الى بغداد وأباح لهم التحدّث الى الناس في صفات الله ، وجواز اسنادهم الى العباد ، وجواز رؤية الله.

٢ ـ كان منهمكاً في اللذّات والشراب وكان في قصره اربعة آلاف إمرأة وطأها جميعاً ، وهو أقرب الى الخيال.

٣ ـ قتل أو سبّب الاذى ، والتعذيب ، والاهانة لجملة من كبار علماء وشخصيات عصره ، كما فعل مع الامام الهادي عليه‌السلام وقتله لإبن السكيّت ، وحلقه لحية قاضي القضاة بمصر ابو بكر محمد بن ابي الليث ، وإهانته وترويعه لذي النون المصري أحد رجال الطريقة العارفين الزهّاد وغيرهم.

٤ ـ اشتهارهُ بالنصب وبغض الامام علي عليه‌السلام وكثرة الوقيعة به والانتقاص من قدره بين الناس ، بل والاستخفاف به وبذريته ، حتى عرف بالغلو والتمادي في ذلك.

٥ ـ ولعل من أشد منكراته وموبقاته ما قام به من إنتهاك قبر الامام الحسين عليه‌السلام وهدمه ، وإجراء الماء عليه ، ومنع الناس قصده ، وزيارته ، ومعاقبتهم بقطع الايدي والارجل ، حيث نشر الجواسيس والعيون لأجل ذلك ، وبهذا الصدد نقل الشيخ القمّي في « تتمه تاريخ الخلفاء » أن المتوكل نبش وهدّم قبر الحسين عليه‌السلام اكثر من ١٧ مرة بين تدمير وتهديم وإجراء الماء عليه.

ونقل السيوطي : وفي سنة ٢٣٦ هـ أمر المتوكل بهدم قبر الحسين وهدم ما حوله من الدور ، ان تُعمل مزاراً ، ثم منع الناس من زيارته ، وكان معروفاً بالتعصب ضد آل ابي طالب. تاريخ الخلفاء / ٣٤٧.

ورغم هذه الاجراءات التعسفية فلقد أبدى شيعة آل علي ومواليهم صموداً عجيباً ، وأرخصوا الانفس والاموال لغرض زيارة الحسين عليه‌السلام لا لشيء الا لأن الزيارة تعني عندهم الحب ، والولاء ، والعهد ، والتضحية ، والوفاء للحسين وأهل بيته ، وللمبادىء الحقة التي استشهادوا عليهم‌السلام من أجلها.

٦ ـ محاربته لرجالات الشيعة وقتلهم تحت كل حجر ومدر ، وعلى كل شبهة كما فعل اسلافه من قبل ، ونرى هذا واضحاً مع الامام الهادي عليه‌السلام والعالم ابن السكيت وغيرهم ، حتى خافتْ الشيعة من بطشه ، حيث قطع أرزاقهم ، وهدّم دورهم ، وأشاع بينهم الخوف والرعب ، وبهذا الصدد ينقل الشيخ القمّي : ان المتوكل كان رجلاً

=

٦٤٥
 &



__________________

=

خبيثاً ، سيء السريرة ، يكنّ لآل ابي طالب وشيعتهم أشدّ العداء ، ويأخذهم على الظن والشبهة ، وينزل بهم الاذى والعذاب ، وكذلك كان وزيره التركي الفتح بن خاقان وقد نزل بالعلويين ، وآل ابي طالب في عهده من الاذى ما لم ينزل بهم في أي عهد من عهود بني العباس.

٧ ـ مرقباته على الامام الهادي عليه‌السلام ، حيث استقدمه الى سامراء وسامه أشد العذاب ، وحطّ من مقامه ، وضيقّ عليه في حلّة وترحاله.

٨ ـ تقريبه للأتراك وتسليطهم على الناس ، واستهتارهم بمقدورات الامة ، إضافةً الى اضعافه لنفوذ العرب والمسلمين بهذا العمل.

٩ ـ ولعهُ الشديد بالترف ، والبذخ ، والمجون ، وصرف أموال الدولة في بناء القصور الفخمة وأماكن اللهو على حساب آلام الناس وفقرهم.

١٠ ـ شيوع وإنتشار الافكار الهدّامة ، والفرق الضالّة ، والعقائد الفاسدة ، كفكرة الجبر الغلو ، والقول بخلق القرآن ، وشيوع أفكار بعيدة عن مرتكزات الفكر والمجتمع الاسلامي ، كالقول بجواز رؤية الله وإسناد الجوارح إليه.

١١ ـ إنتشار ظاهرة الفساد الخلقي ، والتحلل ، والتفسخ ، وشيوع المجون من لبس الذهب للرجال ، وإنتشار الكذّابين من القصاصين ، إضافة الى ظهور مَن يدّعي النبوة ، والألوهية ، وإستفحال المؤمرات ، والمكائد ، والتصفيات السياسية في البلاط والتنافس على الحكم مما أضعف الدولة ، وأذهب هيبتها.

ولكثرة هذه الموبقات وشيوع معاصيه ، ولشدة تضيقه على الناس عامةً والشيعة خاصةً ، ولسوء عاقبته ، ولإنشغاله باللهو هجم عليه ابنه المنتصر مع جماعة من الاتراك وهو في ساعة لهو ، وقتلوه مع وزيره الفتح بن خاقان شر قتله.

٦٤٦
 &

الهادي عليه‌السلام في سامراء

وعندها استدعى الطغاة الهادي

من يثربٍ الى ذرى بغدادِ

ووضع الامامُ في سامرا

وسيم من اقسى العذاب المرّا

مراقباً من اعينٍ خفيه

ومن رجال شرطة غبيه

مفتشاً في بيته المطهرِ

عما اختفى من مصحف أو اثرِ

وظل في محنته يعناني

من قسوة الطغاة والطغيانِ (١)

__________________

(١) بعد إغتيال الامام الجواد عليه‌السلام سمّاً بأمر المعتصم العباسي بقي الامام الهادي عليه‌السلام في المدينة المنورة ، وقد حاول المعتصم آنذاك بمراقبته عن طريق واليه هناك ، حتى هلك المعتصم وطيلة حكم الواثق بعده ، كان الامام الهادي عليه‌السلام ينشر مبادئه هناك ويربّي شيعته وأصحابه حتى ولي المتوكل ، حينئذ بدات رسائل ولاته ، ومرتزقته ، تتوالى بخطورة وجود الامام الهادي عليه‌السلام بالمدينة وإلتفاف الناس حوله ، ممّا دعاه الى استقدامه الى بغداد ، ثم الى سامراء لغرض وضعه تحت الرقابة الشديدة ، وقد فعل ذلك عن طريق رسالة خادعة يستميل فيها الامام بالقدوم الى سامراء ليوفيه حقه من التقدير والاجلال ، وقد أوكل هذه المهمة الى قائده يحي بن هرثمة ، مستخدماً الرفق واللين خوفاً من غضب الناس ، ورفض أهل المدينة لعظم شأن الامام هناك ، وقد عمد هذا القائد أولاً الى تفتيش بيت الامام مباغتةً ، وكبس داره ، لكن مساعيه خابت بالفشل بعد أن وجد في داره بالمدينة كتباً في الادعية والقرآن الكريم ، وعند وصول الامام الى سامراء أستخفّ المتوكل بمقامه بأن جعل مبيته في خان الصعاليك ومن ثم وضعه تحت الاقامة الجبرية ، وممارسة العذاب والتضييق عليه ، من إستدعاء يومي له ، أو كثرة تفتيش بيته وإرعاب أهله.

=

٦٤٧
 &



__________________

=

وقد ذكر ابن كثير : أن المتوكل أرسل جماعة من الاتراك ليلاً الى دار الامام عليه‌السلام لتفتيشها بحجة وجود سلاح وأموال تصله ، فخاب سعيه ، حيث وجدوا الامام يُصلي وعليه مدرعة صوف ، وهو يترنم بالقرآن الكريم فحُمل الى المتوكل ، وهو بهذه الهيئة ممّا جعل المتوكل يعتذر منه ويندم. البداية والنهاية ١١ / ٥.

ويبدو ممّا تقدم أن أسباب إشخاص الامام الى سامراء عدة أمور أهمها :

١ ـ كثرة الوشايات بالامام من قبل جلاوزة المتوكل وجواسيسه ، ومنهم صاحب الصلاة « بريحة العباسي » ومَنْ هو على شاكلته ، حيث شاهدوا كثرة إلتفاف الناس حوله ، ممّا يسبّب خطراً على السلطة ومصالحهم معها.

٢ ـ عزل الامام عن شيعته وأصحابه ووضعه في سامراء تحت رقابة السلطة ، ولعلّ جماعة من المؤرخين أشاروا الى ذلك.

حيث كتب « يزدان » طبيب القصر العباسي آنذاك الى الكاتب « إسماعيل القهقلي » ما يلي : « بلغني ان الخليفة « المتوكل » إستقدم الهادي من الحجاز الى سامراء فرقاً منه لئلا ينصرف إليه وجوه الناس فيخرج هذا الامر من بني العباس ». بحار الانوار ٥٠ / ١٦١.

٦٤٨
 &

هلاك المتوكل

حتى مضى الطاغية الجبان

بقتلةٍ دبرها الغلمانِ

وقتلوا « الفتح بن خاقان » معه

وهو لعمري تابع وامّعه

والمستعين بعده قد قاما

وبعده المعتز قد تعامى (١)

__________________

(١) ولمّا إستمرت محنة الامام الهادي عليه‌السلام مع المتوكل وصراعه المرير مع التضييق والمراقبة والاستخفاف به ممّا حفّز الامام عليه‌السلام للدعاء عليه والتضرع الى الله سبحانه بإهلاكه وسرعان ما أستجاب الله سبحانه لدعاء وليه الهادي عليه‌السلام فقصم ظهره وأراح البلاد من ظلمه فلم يلبث سوى ثلاثة أيام حتى هجم عليه ابنه المنتصر مع جماعة من الاتراك يتقدمهم غلام تركي مملوك اسمه « باغر » وكان المتوكل سكراناً مشغولاً بلهوه مع وزيره « الفتح بن خاقان » فقتلوهما شر قتلة تقطيعاً بالسيوف ، بحيث أختلط لحمهما وبذلك أنطوت صفحة هذا الطاغية المجرم الى الابد. تاريخ السيوطي / ٣٥٠.

وبعد هلاك المتوكل العباسي ووزيره « الفتح بن خاقان » على يد ابنه المنتصر ، وجماعة من الاتراك تولى الحكم المنتصر ، وإسمه « محمد » وكنيته « ابو جعفر » وهو من أم رومية ، وقد نقلت كتب التاريخ انه كان مهاباً ، وافر العقل ، راغباً في الخير ، قليل الظلم مُحسناً الى العلويين ، حيث أوصل لهم الخيرات ، وأزال عنهم الظلم ، ورفع عنهم الخوف ، وأباح لهم زيارة الحسين عليه‌السلام وردّ عليهم حقهم في فدك ، وتُشير المصادر التاريخية أنه تولى الحكم في شوال عام ٢٤٧ هـ بعد أن خلع أخويه المؤيد ، والمعتز من ولاية العهد التي عقدها لهما أبوهما المتوكل ، وحينما تولى الحكم أظهر العدل والانصاف في الرعية ، وكان كريماً ، وحال تولّيه الحكم تغيّر على الاتراك بسبب كثرة شغبهم عليه ، وعلى الخلفاء من قبله وأخيراً تامروا عليه وقتلوه بأن دسّوا له السم ، فمات عن عمر ٢٦ سنة ، ولم يتمتع بالخلافة إلّا أقل من ستة أشهر ، ثم ولّي الخلافة أخو المتوكل احمد بن المعتصم ، الملقب بـ « المستعين بالله » لأن الاتراك خافوا من تولية أحد من أولاد المتوكل ، وكان عمر المستعين حين ولايته

=

٦٤٩
 &



__________________

=

٢٨ سنة ، فأستمرّ في حكمه حتى عام ٢٥١ هـ حيث قام بقتل جماعة من الاتراك مثل « وصيفا » و « بغا » ونفى قاتل أخيه المتوكل « باغر » ممّا حفّز الاتراك على عداوته ، فشعر بذلك فترك سامراء ذاهباً الى بغداد ، ورفض الرجوع الى هناك حينئذ عمد الاتراك الى خلعه واخرجوا المعتز بالله العباسي من سجنه وبايعوه خليفةً ، وحالاً جهّز المعتز بالله جيشاً لمحاربة المستعين في بغداد ودام القتال عدة شهور ، حيث حلّ البلاء في بغداد من قتلٍ وقحط وغلاء.

وأخيراً تمَّ الصلح بأن خلع المستعين نفسه من الخلافة ، ثم إنحدر الى واسط ، وحُبس هناك لمدة تسعة أشهر ، ثم جلب قسراً الى سامراء ، حتى انبرى له رجل اسمه سعيد الحاجب فقتله بأمر المعتز ذبحاً وله من العمر ٣١ سنة.

وقد عُرف المستعين بالبلاغة ، والادب ، وغرامه بالنساء ، وكثرة النكاح ، والاسراف في المال ، وفي ايامه كثرت ثورات وانتفاضات العلويين عليه في كل مكان ، بحيث قتل منهم جماعة كثيرة ، كما كثر في عصره الشغب والتمرد.

وبعد تولّي المعتز العباسي ، وقد بويع له فور خلع المستعين سنة ٢٥٢ هـ وله من العمر ١٩ سنة ، وقد عُرف بلبس الذهب حال خروجه مع جيشه ، وفوراً خلع أخاه المؤيد ثم ضربه حتى مات ، وعُرف عنه بسوء السيرة مع العلويين ومع الامام الهادي خاصةً ، كما كان ابوه المتوكل ، وتشير المصادر أنه قد عمد في أوائل حكمه الى قتل كبار رؤسا الاتراك وقطع رواتب آخرين منهم ، ممّا دعاهم الى خلعه ومبايعة محمد بن الواثق بن المعتصم الذي أبعده المعتز الى بغداد ، ثم قاموا بعد ذلك بقتل المعتز بالله عطشاً فمات سنة ٢٥٥ هـ بعد حكم دام ثلاثة سنوات وسبعة أشهر.

وفي عهده قتل جماعة من ثوّار العلويين الذين ثاروا عليه ، وفي أخر حكمه وبتاريخ ٢٦ جمادي الثاني عام ٢٥٤ هـ عمد المعتز بالله الى قتل الامام الهادي عليه‌السلام سمّاً ودفن في داره في سامراء.

٦٥٠
 &

سيطرة الاتراك

وكانت الاتراك قد تمادت

في سلطة على البلاد سادت

فاضطربت بغدادُ والاقطارُ

واحتكر الباعةُ والتجارُ

ولم يعد فيها لشخصٍ مأمنُ

ليس بها الا ضعيفُ مُوهنُ

وقد بغت في اهلها الاتراكُ

والكلُ منهم طائشٌ سفاكُ

ففي بيوتِ الخلفا نصارى

تُديرُ أمر الامةِ اختيارا

خلافةٌ مشغولةٌ بلهوها

وثلةٌ مغرورةٌ بزهوها

« الكرخ » قد عاثت به السُراقُ

وفي الرصافةِ الدما تراقُ

وعسكرٌ كان بسامرءا

يعبث في سطوته ما شاءا

قصرٌ به عاث « وصيفٌ » و « بغا »

فيه خليفةٌ كمثل الببغا

و « واجنٌ » و « باغرٌ » و « يربدٌ »

وخلفهم « سعلفةٌ » يعربدُ

بغدادُ أضحت مسرحاً للعبِ

لكنها سجنٌ على نجل النبي

ظلَ يعاني حسرةً خفيه

واجهها بروحهِ القدسيه (١)

__________________

(١) لمّا ولي المعتصم الخلافة جلب الاتراك أولاً الى بغداد ، ثم نقلهم الى سامراء وسلّطهم على الناس وساروا على هذا الامر فيما بعد ، وتُشير المصادر الى قوة نفوذهم وتسلّطهم على أمور الخلافة ، بحيث ذهبت هيبة العرب والمسلمين ، وتشوهت سمعة الخلافة الاسلامية ، بحيث أخذوا يتدخلون في شؤون الدولة ويديرونها داخلياً وخارجياً ، وعمدوا بين فترة واخرى الى قتل هذا الخليفة ، وتعييّن غيره ، او خلع ذلك ، وجلب غيره.

وتُشير المصادر أن بسبب تسلّطهم وطول نفوذهم عمّت الفوضى واضطربت الخلافة ، حيث كثر القتل ، وأحتكرت الاموال ، وانتشر القحط والغلاء ، بينما كان الخلفاء ومَن سار في ركبهم مشغولين باللهو والترف وبناء القصور ، وتركوا هؤلاء الاتراك يعبثون بأمر الرعية من سرقة أموالهم وقتلهم ، وقد شاع آنذاك في الكرخ والرصافة من بغداد لكثرة

=

٦٥١
 &

__________________

=

السرقة وشيوع أراقة الدماء.

ولعلّ المصادر القديمة قد كفتنا مؤونة البحث بحيث ذكرت تسلّط جماعة من الاتراك على المتوكل في ايام حكمه ، ومن ثم قتلوه ومنهم « بغا الصغير » و « وصيف » و « باغر » و « كنداش » بينما الغالب على المعتصم في ايام حكمه « الافشين » و « سيما الدمشقي » وهكذا المستعين العباسي حيث يبرز إسم « أوتامش » وإستمرت هذه الحالة مدة حكمهم وبعدهم بقليل ، إما بخصوص موقف الامام الهادي عليه‌السلام اتجاه الاتراك فيتضح من خلال السرد التاريخي للعصور التي تسلّط فيها الاتراك ايام إمامته عليه‌السلام أن هؤلاء الاتراك لم يكونوا من مواليه ولا من شيعته ، والاتراك هؤلاء إمّا من القادة والامراء وأصحاب النفوذ ممّن قهروا الناس وأستباحوا أموالهم ، فقد كان الامام‌ الهادي عليه‌السلام يرفض تصرفاتهم ويستخدم الاسلوب الحكيم الواعي في تحاشي شرهم وأحياناً تقريبهم للتأثير بهم.

وكان بغا الكبير التركي من المتسلطين في حكم المتوكل ، كان كثير التعطف والاحسان على العلويين بفضل سياسة الامام الهادي عليه‌السلام معه ، إما بقية القوم والبسطاء من الاتراك فقد كان موقف الامام منهم هو إسباغ العطف والترحّم عليهم ، بل وهدايتهم كما حصل لأحد الاتراك الذي قبّل حافر دابة الامام عليه‌السلام لمّا عرف فضله. المناقب ٣ / ٥١٢.

في فترات انغماس السلطات العباسية طيلة العصور في حياة اللهو والمجون ، واباحة العبث لأتباعها والمغفّلين من عوام الناس للعيش بحرية ودون قيود. كان الائمة عليهم‌السلام وأتباعهم وشيعتهم يعانون أصناف البلاء والعذاب ، والتشريد والقتل ، والسجون.

وتُشير المصادر الى أن حياة الامام الهادي عليه‌السلام قد حفلت بالمعاناة كونه قد عايش خمسة من حكّام بني العباس ، وقاسى منهم العنت والضيق والاضطهاد ، وراى محنة العلويين وشيعة أهل البيت عليهم‌السلام على أيديهم ، حيث عملت تلك السلطات المتعاقبة على سجن الامام عليه‌السلام أو فرض الاقامة الجبرية عليه ، ومطاردته ، وسجن كبار رجالات الشيعة ، بل وتهجيرهم ممّا أضطر الامام عليه‌السلام الى أن يجعل لنفسه وكلاء للاتصال به ، أو عبر المراسلة أو اللقاءات السريّة ، وفي هذا المجال عملت هذه السلطات على وضع الامام عليه‌السلام تحت الرقابة المستمرة ، ومن ثم عزله عن قاعدته الشعبية الشيعية من خلال مطارتهم والتنكيل بهم.

ولو أردنا إلتقاط جملة نقاط مختصرة ممّا ورد في المصادر التاريخية لمّا مرّ به الامام الهادي عليه‌السلام وشيعته خلال فترة إمامته لرأينا ما يلي :

=

٦٥٢
 &

__________________

=

ـ منَ يدرس حياة الامام الهادي عليه‌السلام منذ وفاة ابيه الجواد عليه‌السلام وتحمّله مهام الامامة ، والى وفاته يجدها حياة مليئة بالتحديات والصبر والثبات ، لأنه أبتليَ بحكام نواصب حاقدين على آل ابي طالب وشيعتهم ، حيث إبتدأ هذه الحياة في أواخر حكم المعتصم العباسي الذي أستخدم كل وسائل العنف ضده ، وضد أبيه الجواد عليه‌السلام ومَنْ شايعهم ، ومنها إقدامه على قتل الامام الجواد عليه‌السلام سماً ومن ثمَّ هلك هذا الطاغية ليتولى من بعده الواثق الذي سار على نهج ابيه في تلك السياسة الظالمة رغم قلة شدّتها وخفّة وطأتها.

ـ وبحلول سنة ٢٣٢ هـ وصعود المتوكل على سدّة الحكم حتى لقي الامام عليه‌السلام وشيعته منه العنت والظلم والاضطهاد ، حيث سيّره مُكرهاً الى سامراء ، ووضعه تحت رقابة السلطة ، وحاول مراراً إهانته ، بل وقتله في إحدى المرات ، وفي حالات أخرى النيل من شخصه بالاهانة ، واخرى بالسجن ، لكن الله سبحانه دفع عن وليّه هذه المؤامرات. وبهذا الصدد قال الراوي : وكان المتوكل يجهد في الايقاع به ويعمل على الوضع من قدره في عيون الناس ، فلا يتمكن من ذلك وهكذا إستمرت محنة الامام مع المتوكل حتى أهلكه الله مقتولاً عام ٢٤٧ هـ. إعلام الورى ٢ / ١٢٦.

ـ وفي عصر المنتصر بن المتوكل عاش الامام بين ترقّب وخوف أقل وطأةً من السابق ، لأن المنتصر كان ليناً معه ومع شيعته ، وبعد خلع المنتصر وقتله عام ٢٤٨ هـ جاء المستعين العباسي ليعيد الامور الى سابقها من الضيق والاضطهاد ، حتى آلت الامور الى المعتز العباسي بعد مقتل المستعين عام ٢٥٢ هـ حيث دخل الامام في مرحلة جديدة من المراقبة والاضطهاد ، تنتهي حياته الكريمة بعد هذه المعاناة مسموماً على يد المعتز العباسي الذي كان كأسلافه في القسوة والبطش ، بينما الاعاجم والاتراك ، والمغفلين من أوباش الناس يمرحون ويسرحون في بحبوحة اللذات والشهوات ، كانت الدنيا تضيق بالامام الهادي عليه‌السلام وشيعته طيلة حكم بني العباس.

ولا بد هنا من الاشارة الى ان الامام الهادي عليه‌السلام رغم المضايقة والرقابة والسجن ، فقد كان يؤدي دوره الرسالي في رعاية الشيعة ، وتربيته ، والاشراف على أمورها ، إمّا عن طريق وكلائه ، أو بالمراسلة وأحياناً عند خروجه عندما يطلبه الخليفة ، وأحياناً يرد على المسائل الشرعية ، ويعقد المجالس العلمية ، ويحارب البدع والمقولات الباطلة ، وأحياناً إرشاد الضالّ ومساعدة المحتاجين ولا سيما من شيعته الفقراء.

٦٥٣
 &

الخطة المشؤومة

وزاد حقدُ الحاكم العباسي

لهيبة الامام عند الناسِ

فقد نوى جريمة نكراءا

وخطة مشؤومة سوداءا

بأن يدس السم للإمام

لكي تضيع امةُ الاسلام

ففجع الشيعة في شهادته

وطافت الاملاك في جنازته

فبيتهُ صار اليه مرقدا

وصار للامةِ دوماً مقصدا (١)

__________________

(١) حاول المتوكل العباسي مرةً قتل الامام الهادي عليه‌السلام ولكنّ الله دفع شره فقد أورد الشيخ المجلسي أن المتوكل قال مرةً :

والله لأقتلن هذا الزنديق الذي يطعن في دولتي. بحار الانوار ٥٠ / ٢٠٤.

ويبدو أن تحفظ الامام وبراعة حكمته خلال تعاقب سلطة هؤلاء الخلفاء جعلته في مأمن من بطشهم به ، حتى مجيء المعتز العباسي الذي ضاق ذرعاً مما شاهده من مكانته الدينية والاجتماعية في وسط الناس ، فحسده على ذلك وضاقت نفسه بما يسمع من مكارم أخلاقه ممّا دفعه على إرتكاب جريمة قتل الامام عليه‌السلام بأن دسّ له السم في طعامه عن طريق جلاوزته ، ممّا جعل الامام يرقد في فراشه وهو يعاني أثر السم وبحضور ولده ووصيه الحسن العسكري عليه‌السلام والخلّص من شيعته.

ونودّ هنا الاشارة الى أنه لا اعتبار للأقوال التي شكّكت في سمّه أو فيمن سمّه من الخلفاء ، بعدما إتفق أكثر المؤرخيين ولا سيما المعروفين منهم على أن المعتز العباسي قد قتله سماً في أواخر حكمه.

فقد نقل المؤرخون ولا سيما ممن أرخ لسيرته على رحيله شهيداً مسموماً في ٢٧ جمادي الثاني عام ٢٥٤ هـ عن عمر أمدهُ ٤١ سنة وستة أشهر على يد المعتز العباسي ، وقد دفن في

=

٦٥٤
 &

__________________

=

بيته بسامراء بعد أن صلّى عليه وصيه من بعده ، ولده ابو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام ومعه وجوه بني هاشم ، وجماعة من خلّص الشيعة ، بل حتى كبارّ رجالات بني العباس.

رحل الامام العظيم بعد أن ترك للبشرية تراثاً فكرياً وعلمياً في مجالات الحديث ، والتفسير ، والفقه ، ومكارم الاخلاق ، والرواية ، والادعية ، بل في مختلف العلوم والمعارف ، ومن المفيد هنا أن نشير الى أنه عليه‌السلام رحل وقد ترك عليه‌السلام على رواية المشهور أربعة أولاد ، وبنت واحدة هم : ولده ابو محمد الحسن العسكري عليه‌السلام الامام من بعده ، ومحمد المعروف بـ « سبع الدجيل » والمدفون في بلد وله مزار مشهور ، وجعفر المعروف بالكذّاب وتروى عنه أحاديث ويقال أنه تاب في آخر عمره ، والحسين كان سيداً جليلاً.

أما البنت فقيل إن إسمها عائشة ، كما قال المفيد في الارشاد ، والشبلنجي في نور الابصار ، ومن قال أنها عليّة أو عالية ، الطبرسي في إعلام الورى ، والقمّي في منتهى الآمال.

وهكذا يقف الأربلي على مرقد الامام الهادي عليه‌السلام ليسطره بهذه القصيدة الرائعة مادحاً بها الامام عليه‌السلام حيث يقول :

يا أيها الرايحُ الغادي

عرّجْ على سيدنا الهادي

وأخلعْ إذا شارفت ذاك الثرى

فعلَ كليم الله في الوادي

وقبّلْ الارض وسفّ تربةً

فيها العُلى والشرف البادي

وقلْ سلامُ الله وقف على

مُستخرجٍ من صلب أجوادِ

في البأس يروي شأفةَ المعتدي

بصولةٍ كالأسد العادي

وفي الندى يجري الى غايةٍ

بنفس مولى العرف معتادِ

يعفو عن الجاني ويُعطي المُنى

في حالتي وعدٍ وإيعادِ

كأنَّ ما يحويه من ماله

دراهمً في كفّ نقّادِ

مُبارك الطلعة ميمونها

وماجدُ من نسل أمجادِ

من معشر شادوا بناء العُلى

كبيرهُم والناشيء الشادي

كأنما جودهم واقفٌ

لمُبتغي الجود بمرصادِ

عمّت عطايهُم وإحسانهم

طلّاعُ أغوارٍ وانجادِ

ولاءهم من خير ما نلتهُ

وخيرُ ما قدّمتُ من زادِ

إليهم سعي وفي حبّهم

ومدحهمُ نصّي وإسنادي

٦٥٥
 &

تعلوا عليه قبة من الذهب

مردداً من روائحٍ وغادي

عدت عليها زمرة التكفير

ودمرتها قبطة الاجير

لكنها وسط القلوب عامره

ميمونة سامية وطاهره

منّا القلوب اصبحت تفديها

وتبذل الغلي لكي تبنيها

لانها رمز الظلامات التي

مرّت على ابناء تلك البضعة

منّا سلامٌ للإمام الهادي

مردداً من رائحٍ وغادي (١)

* * *

__________________

(١) رحل الامام الهادي عليه‌السلام وقد اصبح مرقده فيما بعد محجةً لكل قاصد ، وموئلاً لكل طريد ، وبُنيت له ولولده عليه‌السلام منارة كبرى تعلوها قبة ذهبية من اكبر القباب في العالم الاسلامي ، ويحيط بها بناء شامخ يرتاده الناس إجلالاً وتعظيماً يتبركون به ، ويبدو أن الحقد المتوارث والنصب المألوف الذي ورثه الاوباش من التكفيريين والنصّاب ممن سبقهم قد فعل فعله في إيامنا هذه ، كما كان معروفاً فيما مضى من الزمان ، حيث رأينا تخريب قبر الامام علي عليه‌السلام وهدم قبر الحسين عليه‌السلام ونبش قبر زيد بن السجّاد وما تلا ذلك من الاعتداء المتواصل على مراقد الائمة عليهم‌السلام والاولياء والصالحين في كل مكان ، ولا سيما ممّن يرجع الى ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ومَن هو سائر على خطّهم.

لقد إنبعثت هذه السموم الحاقدة من جديد ، بل لتجسّد مدى حقدها ووحشيتها تجاه رموز أهل البيت عليهم‌السلام ومراقدهم المقدسة ، إذ قامت فئة ضالّة من أهل الكفر والنصب والعداء المتوارث بتفجير قبّة الامامين العسكريين في سامراء ، وتهديمهم المرقد من الاساس ، ونسف قبّته الذهبية الكبيرة ، وذلك في شهر شباط من عام ٢٠٠٦ م ظلماً وعدواناً وحقداً ، وما سبق ذلك وما تلاه من تهديم وحرق للكثير من مراقد الاولياء والصالحين من عترة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله أخزاهم الله ولعنهم ، وفور وقوع هذه الكارثة تداعت دول ، ومنظّمات ، وجماعات خيرية اسلامية وعالمية لغرض أعادت بناء هذا الصرح الخالد ، وإعادته زاهياً خالداً من جديد.

إنا لله وإنا إليه راجعون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون ، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.

٦٥٦
 &

الجزء الثالث عشر

الامام الحسن بن علي العسكري عليه‌السلام

٦٥٧
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٦٥٨
 &

الإِهْدَاء

الى ابي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام

الامام الذي تكفّل برعاية .. وحماية .. أمل المستضعفين

وبشّر العالم بولادة المصلح العالمي ..

المنتظر .. الموعود

أقدم هذا الجزء من قوافل النور.

٦٥٩
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

٦٦٠