ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

فتنة التحكيم

لكنما « الخوارجُ » الجهّالُ

تمردوا ونهجُهم ضلالُ (١)

وصرخوا نحن نريد الحَكَما

من العراق حيث تحقنُ الدما

« الاشعريَّ » شيخنا الكبيرا

والقاضيَ المجرّبَ الأميرا

فرفض الإمام رأي الناسِ

ورشّح ابنَ عمه العباسِ

لكن أبى الخوارجُ العتاةُ

وارتفعت بالهرج الأصواتُ

وسُلّتِ السيوف قائلينا :

لابد ان ترضى بما رضينا

فسكت الإمامُ خوفَ الفتنه

ولم يجب رغم عظيم المحنه

وجاء أهلُ الشام بابن العاصِ

يرون فيه منفذ الخلاصِ

__________________

(١) كانت حلقات المأساة تتلاحق واحدة تلو أخرى ، فبعد خدعة رفع المصاحف ، تمَّ الإتفاق على التحكيم ، بأن يرشح كل جيش مندوباً عنه للتفاوض ، فرشح معاوية رجله وعقله المراوغ عمرو بن العاص ، ورشح الامام علي عليه‌السلام ابن عباس ، لكن جيشه رفض هذا الترشيح وأصر على ترشيح أبي موسى الأشعري ، وهو رجل ضعيف الرأي ، وقد هددوا الإمام بالقتل إن لم يستجب لرأيهم فاضطر الى القبول على مضض ، وهو يعلم تمام العلم خطأ هذه الخطوة وخطورتها ، لكنه كان يريد حفظ الصف ما استطاع الى ذلك سبيلا.

ووقف الحكمان أمام الناس لإعلان ما اتفقا عليه في منطقة تسمى « وادي الجندل » فإذا هي خدعة ثانية ، فقد خدع ابن العاص ، الأشعري وجعله يعلن خلع الإمام علي ، بينما أثبت هو معاوية ، فنزل الأشعري نادماً ، لكنه ندم لا يصحح خطأ ولا يجدي نفعاً ، فلقد وقع المحذور وإزدادت الفتنة تأججا.

١٢١
 &

فاجتمع الأثنان حيث الاجلُ

يضمهم وادٍ يُسمّى « الجندلُ »

وخدعَ « ابنُ العاص » أَشعريّها

ينفثُ فيه سُمَّها وغَيَّها

فخُلع الامامُ فوق المنبرِ

وسط وجوم الأُمةِ المعبّرِ

وأثبتَ ابنُ العاص ما أرادا

وشاد في خدعتهِ ما شادا

حكمَ أمية وقتلَ الدينِ

بسيف جاهلية ملعونِ

فرجع الجيشان : هذا مختلف

وذاك عاد لابن هندٍ مؤتلف (١)

أمّا عليٌّ ففؤادٌ دامِ

لضيعةِ الأَمّة والاسلامِ

عاد الى « الكوفةِ » كي يراها

بائسةً تغرق في أَساها

* * *



__________________

(١) بعد إنتهاء مهزلة التحكيم ، ترك الجيشان أرض المعركة الحزينة ، فلقد حقق معاوية ما أراد ، وتخلص من أكبر كابوس في حياته ، إذ استطاع أن يدفع عن نفسه الهزيمة المحققة ، وفي الوقت نفسه يحدث الإضطراب في جيش الإمام علي.

انشق عن جيش الإمام قسم كبير من الناس ، رفعوا شعار « لا حكم إلا لله » وقد عُرف هؤلاء بالخوارج لخروجهم على حكم الامام ، وكانت لهم فتنتهم وأفعالهم المخالفة للإسلام.

١٢٢
 &

معركة النهروان

لكنّ بعضَ جيشه تخلّفا

عنه وعن نهج الصواب انحرفا

فطالبوا بعودةِ القتالِ

ورفضوا حكومةَ الرجالِ

وأكثروا الإلحاحَ والجدالا

ونمَقوا الخطبة والمقالا (١)

__________________

(١) كان مبرر الخوارج في التكتل والخروج على حكم الإمام علي عليه‌السلام أنهم طلبوا من الإمام أن يعود الى قتال معاوية ، وهم الذين فرضوا عليه بالأمس إيقاف القتال والقبول بالتحكيم جاء هؤلاء وقالوا له : لا حكم إلا لله ، لا نرضى بأن تحكم الرجال في دين الله ، قد أمضى الله حكمه في معاوية وأصحابه أن يقتلوا أو يدخلوا في حكمنا عليهم ، وقد كانت منا خطيئة وزلة حين رضينا بالحكمين ، وقد تبنا الى ربنا ورجعنا عن ذلك فأرجع.

لم يرغب الامام علي عليه‌السلام في مواجهة الخوارج ، وكان يرغب بعودتهم الى جادة الصواب ، لكنهم كانوا يسيرون باتجاه مخالف للإسلام ، حيث بدأوا يرتكبون جرائم القتل وتهديد الآمنين. وكان ممن قتلوهم الصحابي الجليل « خباب بن الأرت » ، وبقروا بطن زوجته وهي حامل ، فقال علي عليه‌السلام في حقه : « يرحم الله الخباب ابن الأرت ، فلقد أسلم راغبا ، وهاجر طائعا ، وقنع بالكفاف ، ورضي عنه ، وعاش مجاهداً.

بعث إليهم الإمام « قيس بن سعد بن عبادة الانصاري » موفداً من قبله ليعرض عليهم العودة إلى طريق الحق والإبتعاد عن منهجهم المنحرف الذي كانوا يكفّرون وفقه كلّ المسلمين ، لكنهم أصرّوا على مواقفهم.

كان الامام عليه‌السلام يريد أن يقتص من قتلة المؤمنين ، لذلك أرسلا أبا أيوب الانصاري إليهم ، ليعرض عليهم أن الامام لا يتعرض لغير القتلة ، وان من لم يشترك في قتل المؤمنين فهو آمن ، إذا ترك معسكر الخوارج. وقد لاقت هذه الخطوة تجاوباً ملحوظاً ، حيث انخفض

=

١٢٣
 &

قد طالبوا إمامهم بالتوبه

وهو الذي ما مسَّ رجسٌ ثوبَه

فبعثَ ابنَ عمّهِ يحاورُ

ثمّ مضى بنفسهِ يُناظرُ

لكنهم أبوا وصمّوا السمعا

عن وعظهِ ولم يطيعوا الشرعا

فعسكروا في « النهروانِ » جهلا

وأمعنوا في الصابرين قتلا

ويومها قد قدّرَ الإمامُ

ان يرجعوا أو يُنتضى الحُسامُ

فعاندوا فحوصروا عشيّه

وأَطبقت عليهم المنيّه

وقُتلوا إلا القليلَ منهمُ

لم يجرعوا سيفَ الهدى فانهزموا

عاد الإمام بعدها للكوفه

محشّداً من جيشه صفوفه

يدعو إلى حربِ طليقِ الشامِ

وحارساً لبيضةِ الإسلام

يحرّضُ الناسَ على الجهادِ

وينفخُ النيران في الرمادِ

فلم يجبه غيرُ بعضِ البرره

من أمةٍ مهزومةٍ منكسره

وعندها قال ملأتم قلبي

قيحاً فما أبطأكم من صحبِ (١)

__________________

=

عدد الخوارج الى الثلث. كما بعث الإمام ابن عمه ابن عباس ، ليناظرهم من أجل منع وقوع الحرب وإعادتهم إلى صف المسلمين ، لكنهم كانوا قد أصروا على المواجهة والهجوم فحدثت المعركة في منطقة النهروان ، وقد تعرضوا لهزيمة منكرة ، فلم يبق منهم سوى القلة هربة من المعركة وظلت تمارس دورها التخريبي ضد حكومة الإمام علي وكيان دولته الاسلامية. الفصول المهمة ١٠٨ ، أعيان الشيعة ٣ / ١٠٩ ، سيرة الأئمة الاثنى عشر ٤٤١.

(١) كانت المشكلة الكبيرة التي يواجهها الامام علي هي المحاولات العدوانية لمعاوية بن أبي سفيان الذي وصف الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عائلته بالطلقاء ، وكان معاوية قد بدأ سلسلة غارات على أطراف الدولة الاسلامية ، حيث نشرت جيوشه الرعب والخوف بين المسلمين ، وكان يهدف من وراء ذلك إلى زعزعة الأمن ، وترويع الأهالي ، وهي سياسة كان يتبعها معاوية بدقة ، فهو الذي طرح مبدأ الترهيب والترغيب ، فكان يستخدم القوة بأقسى صنوفها ضد مجي أهل البيت ، ويبذل بسخاء على أصحاب الدنيا.

=

١٢٤
 &

أصبحتم تُغزونَ في الديارِ

وصرتم نهبَ يدِ الأشرارِ (١)

أطرافكم ضحيةٌ للغاره

وسَلَبٌ للطغمة الغدّاره

فمكّةٌ يعيش فيها « بسرُ »

وفي يد ابن العاص ذُلّت « مصرُ »

وخَيلُ أهلِ الشام في « الأنبارِ »

تجرّدُ النسا من الخمارِ (٢)

فما لكم أدعوا ولم تجيبوا

كأنما الصخرُ لكم قلوبُ

أفسدتمُ عليَّ رأييّ جُبنا

أنا الذي أرى المخوف أمنا

الحرب قد مارستُها صغيرا

وها أنا خبرتها كبيرا

أيَّ امامٍ تتبعون بعدي

وأيَّ عهدٍ بعد نكث عهدي

* * *

__________________

=

حاول الامام علي عليه‌السلام أن يضع حداً لفتنة معاوية وقتله بلا رحمة الرجال والنساء والاطفال ، فكان يدعو الى التعبئة لمواجعة الانحراف الأموي في الشام ، لكنه لم يجد النصرة ، فلقد كان الناس يميلون الى الراحة في زمن كانت فيه ظروف الإسلام تستدعي السير على الأشواك.

(١) للإمام علي عليه‌السلام عدة خطب يتحدث فيها عن الوضع المؤلم الذي وصل اليه مجتمعه منها قوله : ألا وإني قد دعوتكم الى قتال هؤلاء القوم ليلاً ونهاراً ، وسراً وإعلانا ، وقلت لكم اغزوهم قبل أن يغزوكم ، فوالله ما غزي قوم قط في عقر دارهم إلا ذلوا. فتواكلتم وتخاذلتم حتى شنت عليكم الغارات. وملكت عليكم الأوطان. نهج البلاغة / ٦٩.

(٢) وجّه معاوية عدة غارات على دولة الامام علي ، كان الغرض منها نشر الرعب والخوف ، فقد وجه بسر بن أرطاة وأمره أن يسلك طريق الحجاز والمدينة ومكة حتى ينتهي الى اليمن ، وقال له : لا تنزل على بلد ، أهله على طاعة علي ، إلا بسطت لهم لسانك ـ أي هددهم وخوفهم ـ حتى يروا أنه لا نجاة لهم منك وأنك محيط بهم ، ثم أكفف عنهم وادعهم الى البيعة لي ، فمن أبى فاقتله ، وأقتل شيعة علي حيث كانوا ، وقد قام بسر بجرائم وحشية حيث أحرق الدور ونهب الأموال وقتل الأبرياء ، وكان عدد من قتلهم في غارته ، حوالي ثلاثين ألف من المسلمين الشيعة ، وقد أحرق قوماً بالنار. الغارات للثقفي / ٥٩٨.

١٢٥
 &

عهدهُ لمالك الأشتر

وأرسلَ الامامُ رغم العسرِ

لمالكِ الأشتر عهدَ « مصرِ »

وفيه دستورٌ لكلّ والِ

مزيّنٌ بالحِكمِ اللألي

يوصيه بالعدل إلى الرعيه

وأن تكون عنده سويّه

فيه يقولُ لا تكن عليهمُ

كالسبعِ الضاري يجولُ فيهمُ (١)

__________________

(١) عهد الإمام علي عليه‌السلام إلى مالك بن الحارث الاشتر النخعي يُعدّ وثيقة سياسية ودستورية ذات أهمية خاصة ، وهو أول عهد سياسيّ في الإسلام بهذه السعة والشمولية ، حيث يتضمن رؤية الإسلام في إدارة شؤون المسلمين وتحديد صلاحيات وواجبات الحاكم الإسلامي ، تناول العديد من الكتاب والعلماء دراسة وتحليل هذه الوثيقة السياسية الرائعة ، وهي بحاجة الى المزيد من الدراسة والتحقيق لما فيها من دروس وحكم عالية المضامين.

وكنموذج نذكر مما جاء فيه : « وأشعر قلبك الرحمة للرعية ، والمحبة لهم ، واللطف بهم ، ولا تكونن عليهم سُبعاً ضاريا ، تغتنمُ أكلهم فإنهم صنفان : إمّا أخ لك في الدين ، أو نظيرٌ لك في الخلق ، يفرط منهم الزلل ، وتعرض لهم العلل ويؤتى على أيديهم في العمد والخطأ ، فأعطهم من عفوك وصفحك مثل الذي تحب وترضى أن يعطيك الله من عفوه وصفحه ، فإنك فوقهم ، وولي الأمر عليك فوقك ، والله فوق من ولاك ! وقد استكفاك أمرهم ، وأبتلاك بهم ، ولا تنصبن نفسك لحرب الله ، فإنه لا يد لك بنقمته ، ولا غنى بك عن عفوه ورحمته ».

وجاء فيه أيضاً : « ولا تدخلن في مشورتك بخيلا يعدل بك عن الفضل ، ويعدك الفقر ، ولا جباناً يضعفك عن الأمور ، ولا حريصاً يزين لك الشره بالجور ، فإن البخل والجبن والحرص غرائز شتى يجمعها سوء الظن بالله ».

=

١٢٦
 &

فالناسُ صنفانِ بقولٍ صدق

إما اخٌ في الدين او في الخلقِ

لا تستشر يا مالك البخيلا

ولا الجبانَ الخائفَ الهزيلا

والصق بذي المرؤةِ الكريمِ

والسمحِ المحسنِ والحليمِ

وهو لعمري خيرُ عهد كُتبا

ما زال للأن يُثيرُ العجبا

لكنَّ مالكاً قُبيلَ مصرِ

قضى ضحية لمكرِ عمروِ (١)

__________________

=

وفيه أيضاً : « ولا يكونن المحسن والمسيء عندك بمنزلة سواء ، فإن في ذلك تزهيداً لأهل الأحسان في الأحسان وتدريباً لأهل الأساءة على الاساءة ! وألزم كلا منهم ما ألزم نفسه ... ثم ألصق بذوي المروآت والاحساب وأهل البيوتات الصالحة والسوابق الحسنة ، ثم أهل النجدة والشجاعة ، والسخاء والسماحة فإنهم جماع من الكرم وشعب من العرف ثم تفقّد من أمورهم ما يتفقد الوالدان من ولدهما ».

(١) كان مالك الأشتر عوناً للإمام علي عليه‌السلام وركناً متيناً في حكومته الإسلامية وقد اكتشف معاوية أهمية الأشتر ودوره المؤثر ، فهو من أخلص أصحاب الإمام ، ومن ذوي الرأي السديد والحكمة العالية ، لذلك كان معاوية يجد فيه تهديداً له ، فكان يسعى الى التخلص منه ، من أجل إضعاف قوى الإمام علي. وعندما قرر الإمام عليه‌السلام أن يبعثه والياً على مصر ، شعر معاوية بالخطر الجدّي من وراء هذه الخطوة ، فهذا يعني تحول مصر الى قلعة قوية في دولة الإمام علي ، مما سيضعف بطبيعة الحال سلطة معاوية في الشام.

ومن هنا قرر معاوية أن يقدم على جريمة قتل مالك الأشتر ، لإنهاء دوره من الحياة الإسلامية ، وقد دبّر مؤامرة الإغتيال مع شريكه عمرو بن العاص. حيث تم اغتياله « رضوان الله عليه » وهو في طريقه الى مصر ، فقضى شهيداً بعد أن أدى دوره الرسالي الكبير ، مخلفاً فراغاً واسعاً في الساحة الاسلامية. ولقد سُرّ معاوية بمقتل مالك الأشتر وأظهر ذلك حينما خطب الناس في الشام بعد وصول خبر قتله بقوله : أما بعد ، فانه كان لعلي بن أبي طالب يمينان قطعت احدهما في صفين « يقصد عمار بن ياسر » وقطعت الأخرى اليوم « يقصد مالك الاشتر » أما الإمام علي المفجوع بصديقه المخلص الوفي وصاحبه الشجاع الناصح. فقد رثاه بعدة كلمات كالجمر الملتهب ، فلما نعي إليه الأشتر

=

١٢٧
 &

فحزن الإمامُ ثمّ حوقلا

وقال : كان مالكٌ لي جَبَلا

ولم تزل « كوفان » تغلي بالفتن

حتّى غدا ضحيةً « ابو الحسن »

* * *



__________________

=

تأوّه حزناً وقال : رحم الله مالكاً ، ومالك عزَّ عليَّ به هالك لو كان صخراً لكان صلدا ، ولو كان جبلا لكان فندا ، وكأنه قدَّ مني قدا ، فلقد كان لي كما كنت لرسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

رحم الله مالكاً فقد وفى بعهده ، وقضى نحبه ، ولقي ربه ، مع إنا قد وطنّا أنفسنا أن نصبر على كل مصيبة بعد مصابنا برسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله فانها من أعظم المصائب. على مثل مالك فلتبكي البواكي ، وهل موجود كمالك ، وإنا لله وإنا إليه راجعون اللهم اني احتسبه عندك فان موته من مصائب الدهر. السيد محسن الامين : أعيان الشيعة ٩ / ٤١ ، المامقاني : تنقيح المقال.

١٢٨
 &

مؤامرة الخوارج

غداة فيها اجتمعَ الخوارجُ

والكلُّ منهم أحمقٌ وساذجُ

تدفعهم « قطامُ » للجريمة

في ليلةٍ عظيمة كريمه (١)

اذ وصل الامامُ فيها سحرا

مؤذناً مهللا مكبّرا

مرتلا بعضاً من الآياتِ

منادياً حيَّ على الصلاةِ

* * *

__________________

(١) قرر الخوارج الإقدام على أكبر جريمة في تأريخ الاسلام ، وهي إغتيال الإمام علي عليه‌السلام وقد تصدّى لتنفيذ هذه الجريمة النكراء ، عبد الرحمن بن ملجم المرادي ، وقد شجعته قطام إحدى النسوة الشقيات من الخوارج على ارتكاب هذه الجريمة ، حين جعلت قتل الامام علي شرطاً للزواج بها.

وفي فجر التاسع عشر من رمضان ، وفيما كان الإمام عليه‌السلام في مسجد الكوفة قائماً في الحراب يصلي ، هوى الشقي ابن ملجم بالسيف على رأسه الشريف ، فجرح الامام جرحاً عميقاً ، فظلّ ثلاثة أيام جريحاً واستشهد عليه‌السلام في اليوم الثالث.

١٢٩
 &

جُرحُ الإمام عليه‌السلام

فكمنَ ابنُ ملجمٍ في المسجدِ

ومعه عِلجٌ أثيمٌ معتدي

قام وما أن دخل الامامُ

حتى علا مفرقهُ الحُسامُ

فقال : قد فزتُ وربِّ الكعبه

مناجياً رغم الجراحِ ربّه

فضجّت الكوفةُ بالعويلِ

تبكي على إمامها القتيلِ

وصاح صائحٌ من السماءِ

بالحزنِ واللوعة والبكاءِ

تهدمت والله أركانُ الهدى

بقتلِ من اضحى امامَ الشُهدَا

وحُمِلَ الإمامُ نحو بيتِهِ

والكلُّ باك صارخٌ لموتِهِ

فاستقبلته « زينبٌ » بدمعةٍ

نادبةً بحرقةٍ ولوعه (١)

وازدحم الصحبُ وراء البابِ

تلمَّهم فداحة المصابِ

حيث غدا بنفسه يجودُ

ونمَّ في أطرافهِ البرودُ

حتى إذا قد رشحَ الجبينُ

واقتربت من ساحِهِ المنونُ

أَوصى ويالله من وصيّه

قلادةً في عنقِ الرعيّه (٢)

__________________

(١) زينب الكبرى ابنة أمير المؤمنين عقيلة الطالبيين وهي التي شاركت الإمام الحسين ثورته في كربلاء.

(٢) قبيل استشهاده ، ترك الإمام علي عليه‌السلام وصية خالدة ، طرحها على أولاده شفهياً ، لكنها ظلت مدونة في عمق الذاكرة الإسلامية ، متوارثة عبر الأجيال ، جاء فيها :

الله الله في الأيتام ، فلا تغبّوا أفواههم ، ولا يضيعوا بحضرتكم

=

١٣٠
 &

أوصى بدين الله والقرانِ

والصوم والصلاة والجيرانِ

ثمّ اليتامى حيث أوصى فيهمُ

أن لا يُضيّعوا ولا يُهتضموا

والعهدَ أعطاه لنجلهِ « الحسن »

خليفةً من بعده ومؤتمن (١)

* * *



__________________

=

الله الله في جيرانكم ، فإنهم وصية نبيكم ما زال يوصي بهم ، حتى ظننا أنه سيورثهم

الله الله في الصلاة فانها عمود دينكم

الله الله في بيت ربكم لا تخلوه ما بقيتم ، فإنه إن ترك لم تناظروا

الله الله في الجهاد بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم في سبيل الله. نهج البلاغة / ٤٢١.

(١) ليس المقصود هنا بالعهد أن الإمام علي هو الذي عيّن الحسن إماماً من بعده ، إنما الامامة نص الهي ، بلّغها الإمام علي الى ابنه الحسن. وكان الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله من قبل قد عيّن الأئمة بوحي الهي ، حيث ورد عنه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : « الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا ».

وغير ذلك من الأحاديث التي عيّن فيها الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله الأئمة عليهم‌السلام ، وحدد عددهم بأثني عشر إماماً ، أولهم علي بن أبي طالب عليه‌السلام وآخرهم المهدي المنتظر عجل الله تعالى فرجه الشريف.

١٣١
 &

شهادته عليه‌السلام

ثمَّ وفاضت روحهُ الزكيّه

لجنّةٍ خالدةٍ عليّه

ملتحقاً بجنةِ الابرار

في مقعدِ الصدقِ مع المختارِ

صلّى عليه اللهُ يوم ولدا

ويوم ضحّى وغداة استشهدا

فقد غدا إمام كلِّ حُرِّ

ومنهجَاً ومَعَلماً في الفكر

* * *

١٣٢
 &

الجزء الثالث

فاطمة الزهراء سيدة النساء عليها‌السلام

١٣٣
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

١٣٤
 &

الأِهْدَاء

اليك يا سيدة النساء

يا فاطمة بنت محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله

اليك يا أم الحسن والحسين

أقدم هذه الباقة من اشعار (قوافل النور)

التي لامست حروف اسمك الطاهر ، وذكرك العاطر

وغضبتك بوجه الباطل.

١٣٥
 &

ملحمة قوافل النور في سيرة النبي وأهل بيته

١٣٦
 &

اضاءة

تمثل فاطمة الزهراء عليها‌السلام النموذج الاسمى لشخصية المرأة في الحياة الاسلامية ، فقد قال عنها رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة بضعة مني ، من آذاها فقد آذاني ، ومن أغضبها فقد أغضبني.

وقال كذلك صلى‌الله‌عليه‌وآله : فاطمة سيدة نساء العالمين ، من احبها فقد احبني.

بهذه الكلمات المفعمة بالحب والتجليل ، نفهم موقع فاطمة في حياة الرسول وحركة الرسالة.

وعندما سُئلَ امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام عن فاطمة عليها‌السلام قال :

نعم المعين على طاعة الله.

أجل هذه هي فاطمة ، العنصر القوي الذي يقف بكل بطولة وراء بطل الاسلام العظيم ، في مجالات الطاعة ، والعبادة ، والعمل ، والجهاد الدائب في سبيل الله ، وهكذا درجت فاطمة في بيت النبوة ، وهكذا انطلقت ، وأعطت وأثمرت أطيب الثمار في حركة الامامة.

وملحمة قوافل النور إذ تتشرف بأن تقترب من حياة فاطمة ، إنما تشعر بأنها تفجر ينابيع الطهر ، والوعي ، والنور في حياة كل مسلمة ، ومسلم ، يبحث عن سراج قدسي يحمله في متيه الحياة ، وظلمات الطريق الصعب الطويل.

١٣٧
 &

فالى فاطمة بكل ما تعنيه هذه الكلمة المباركة من طهر ، وحب ، وجمال. من اجل ان نتعلم من مدرستها معاني الصبر ، والحلم ، والعفة ، والحنو على كل المعذبين ، والفقراء ، والمساكين.

وهذا هو الجزء الثالث من ملحمة قوافل النور الذي يستعرض فضائلها بأستحياء ، ويرسم خطواتها ، ويتمثل حياتها الخالدة ، وعطاءها الفذ ، وغضبتها من اجل الحق ، ومواجهة الباطل.

فسلام على سيدتنا الزهراء فاطمة ، يوم ولدت ويوم درجت في مدارج الوحي والنبوة.

وسلام عليها يوم وقفت الى جانب الحق والصراط القويم ضدَّر الباطل والانحراف.

وسلام عليها وهي تودع الدنيا بدمعتين سخينتين ، لا أظن أنهما تجفان ابداً.

وسلام عليها في أعلى عليين.

١٣٨
 &

أصحابُ الكساء

أكرمُ أهلِ الارض أصحابُ العبا

محمدٌ وابنتهُ والنُقَبا (١)

المرتضى حيدرةٌ والحسنُ

ثمُ الحسين السيدُ الممتحنُ

أُمهما فاطمةُ الزكيّه

البضعةُ الراضيةُ المرضيّه (٢)

والكوثرُ الذي حباهُ اللهُ

لأحمدَ المختار واجتباهُ

* * *

__________________

(١) أصحابُ العبا ، أصحاب الكساء ، وهم أهل البيت الذين نزلت فيهم آية التطهير ، وهم الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وعلي ، وفاطمة ، والحسن ، والحسين عليهم‌السلام. وحديث الكساء من أشهر الأحاديث في مدوّنات السنة المطهرة.

(٢) من الأسماء التي اشتهرت بها فاطمة الزهراء‌ عليها‌السلام ، بضعة الرسول ، لقوله صلى‌الله‌عليه‌وآله : « فاطمة بضعة مني يؤذيني ما يؤذيها ».

وقوله : « فاطمة بضعة مني من أغضبها أغضبني ». مسند أحمد ٤ / ٣٣٢. البخاري ٢ / ١٨٥.

١٣٩
 &

الولادة المباركة

سيّدةُ النسا وخيرُ من ولد

بتولةٌ لم ير ظلَّها أحد

قد ولدت معصومةً وطاهره

عفيفةً مظلومةً وصابره

ودرجت في ساحة الرساله

ونهلت من معدنِ الأَصاله

قد صبرت لكثرةِ الأحزانِ

وضمّت النبيَّ في حنانِ

حتّى غدت أُماً فقال فيها :

« أمُ أبيها فاطمٌ » أَفديها (١) ئ

وبضعة منّي فمن آذاها

كان كمن آذى النبيَّ طه

وإنَّ مَن أغضبها يُغضبني

وكلّ ما قد سرَّها يُسرني

حتى إذا جائت إرادةُ السما

بأن تكون زوجةً لمن سما (٢)

إذ رفض النبيُّ كل خاطبِ

لها ولم يرضَ بكل صاحبِ

وقال قد زوجها الالهُ

الى فتىً ليس لها سواهُ

فاقترن النورُ بأجلى نورِ

وقد أُحيطت فاطمٌ بالحورِ

وزفها النبي والاصحابُ

لبيتها ونسوةٌ اطيابُ

قُدامها ترجزُ امُ سلمه

المرأةُ الطاهرةُ المكرمّه

__________________

(١) سميت الزهراء بالبتول لكثرة تبتلها إلى الله سبحانه ، وكانت فاطمة الزهراء عليها‌السلام فياضة الحنان والعاطفة على أبيها صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أنها كانت تكنى : أم أبيها. ابن الأثير : أسد الغابة ٥ / ٥٢٠.

(٢) كان زواج الامام علي من فاطمة الزهراء سلام عليها بوحي من الله سبحانه ، ولذلك أدلته المستقاة من أحاديث الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله ، كقوله لكل الذين تقدموا لخدمة فاطمة قبل الإمام علي عليه‌السلام : « لم ينزل القضاء بعد » وقوله : « إن الله جعل ذرية كلّ نبي في صلبه ، وجعل ذريّتي في صلب هذا ـ وأشار إلى الإمام علي عليه‌السلام ». ذخائر العقبى : الطبري / ٦٧.

١٤٠