الإِهْدَاء
إلى سيدي الامام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام
الذي فجر ينابيع العلم والحكمة
وحمل لواء الحق والعقيدة
وبعث النهضة في تاريخ الأمة
أهدي هذا الجزء من ( قوافل النور )
راجياً ان يكون مشعلاً يضيء الطريق للاجيال.
اضاءة
هذا هو الجزء الثامن من ملحمة قوافل النور الشعرية التي بدأت في خضمّ معاناة الهجرة الطويلة ، وهو أول جزء يعد ويطبع في العراق ، بعد سقوط الصنم والعودة من المنافي الثلجية.
ويتناول هذا الجزء حياة ، ومدرسة الامام جعفر الصادق عليهالسلام الامام الذي ملأ الدنيا وشغل الناس ، فقد روى الحسن بن علي الوشاء قال : أدركت في مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كلٌ يقول ؛ حدثني جعفر بن محمد.
وكلمة شيخ التي وردت في الرواية تعني الاستاذ ؛ وهذا يشير الى كم من الحلقات العلمية التي أخذت العلم عن الامام الصادق ، وحملته مشاعلَ في بلاد المسلمين المترامية الاطراف.
وهذه الرواية حدها تكشف بوضوح لا لبس فيه ولا غموض ، أن الامام الصادق عليهالسلام كان مثابة العلماء ، ومرجع الفقهاء ، ورائد الفلاسفة ، ومصدراً أصيلاً نقياً لكل صنوف العلم ، وآفاق المعرفة.
و « مؤسسة دار الاسلام » إذ تقدم هذا الجزء من ملحمة « قوافل النور » ترجو لأجيالها الواعدة ان تنهل من معين الامام الصادق عليهالسلام ما يمدها بالزاد والوقود ، وهي تشق طريقها الصعب لبناء حياة أفضل تقوم على أساس العدل ، والحق ، والامن ، والسلام.
والحمد لله رب العالمين
المولد المبارك
في دوحة النبوة الأمينه |
|
أورقَ غصنُ الخيرِ في المدينه |
قد حملت بالطهرِ « أمُ فروه » |
|
بنتُ أبي بكر وكانت قدوه |
وهي ترى في حملهِ العلائما |
|
وتشهدُ الاعجازَ والمكارما |
حتى إذا ما اكتملت أيامهُ |
|
وحان من بدرِ الهدى تمامهُ |
شعت سماءُ البيتِ بالأنوارِ |
|
وابتسمَ الطاهرُ للأطهارِ |
قد ولد الصادقُ أيُّ بشرى |
|
تزفها الأملاكُ لابن الزهرا (١) |
* * *
__________________
(١) ولد الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام في المدينة المنورة يوم الاثنين في السابع عشر من شهر ربيع الأول سنة ٨٣ هـ في اليوم الذي ولد فيه جده رسول الله صلىاللهعليهوآله وهو يوم عظيم البركة يُعظّمه المسلمون ويُستحب فيه الصوم شكراً لله والصدقة وفعل الخيرات.
وأمُهُ الجليلة المُكرّمة فاطمة المُكنّاة بـ « أم فروه » وقيل اسمها « فروه » بنت القاسم بن محمد بن ابي بكر ، والتي قال في حقها ولدها الإمام الصادق عليهالسلام : كانتْ أمي ممن آمنت ، وأتقتْ ، وأحسنتْ ، واللهُ يُحب المحسنين.
وأبوها القاسم بن محمد ، من فقهاء الشيعة ، وهو من خواص الإمام زين العابدين عليهالسلام يقول : لقد أولدني أبو بكر مرتين. ـ لان أمهُ أم فروة بنت القاسم بن محمد بن أبي بكر ، وأمها أسماء بنت عبد الرحمن بن ابي بكر ، وهكذا تكون أمه راجعة الى أبي بكر من جهة أبيها وأمها. نور الابصار / ١٦٠.
أسماؤهُ وألقابهُ
يحملهُ السجادُ في يديه |
|
ليرفعَ الأذان في أُذنيه |
أنشودة تهتفُ بالتوحيدِ |
|
ليبعثَ النبيَّ من جديدِ |
فهو الذي سماهُ يوماً صادقا |
|
فكان بالحقِ إماما ناطقا |
اما اسمهُ جعفرُ فهو يُعرَفُ |
|
نهرٌ وفي الجنةِ منه يُغرَفُ |
لُقّبَ بالطاهرِ ثم الفاضلِ |
|
والقائمِ الامام ثم الكافلِ |
ووجههُ يزهرُ مثلَ البدرِ |
|
كان أشمَّ الأنفِ جعدَ الشَعر |
في خده خالٌ رقيقٌ أسودُ |
|
أورثهُ لهُ النبيُّ أحمدُ |
شبَّ بأحضانِ الإمامِ الباقرِ |
|
ينهلُ من علومه الزواخرِ (١) |
* * *
__________________
(١) ولمّا ولد الإمام الصادق عليهالسلام أقام جدّه السجاد عليهالسلام السُنة النبوية فيما يُعمل للمولود الجديد ، وقد توافرت الاخبار أن جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله قم سمّاهُ بـ « الصادق » لأشتهار صدقه في القول والعمل. وله عليهالسلام ألقاب كثيرة مروفة وأشهرها « الصادق » ومن ألقابه :
الطاهر : وهي الطهارة في المولد ، وطهارة العمل. والفاضل : لسعة فضله. والقائم : أي القائم بأمر الإمامة. والكافل : أي مَنْ كفل أمر أخوانه.
وحال ولادته شرع والده الباقر عليهالسلام في تربيته وإظهارِ فضلهِ وإمامته ، وقد ورث من جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله الهيبة والسؤدد ، وأغلب الشمائل الخلقية والأخلاقية ، وبالجملة فقد قال في حقه الشيخ عبد المجيد بن محمد الخاني : ناهيك بإمام ورث مقام النبوة والصديقية ، فأزدهرت في طلعته أنوارٌ كثيرة ، ومكاشفاتٌ شهيرة من المعارف الحقيقية ، وله كراماتٌ لا تُحصى. الحدائق الوردية / ٥٤.
وقال عنه الشبلنجي الشافعي : ومناقبه كثيرة تكاد تفوق عدّ الحاسب ، ويحار في أنواعها فهم اليقظ الكاتب. نور الإبصار / ١٦٠.
خصالهُ وصفاتهُ
في هيبةٍ عظيمةِ الجلالِ |
|
كريمةِ الأصول والخصالِ |
مذكراً بطلعةِ الرسولِ |
|
وأمهِ الطاهرةِ البتولِ |
وحيدرِ الكرارِ والسبطين |
|
الحسنِ الكريمِ والحسينِ |
وجدّه السجادِ ذي العباده |
|
ومن مضوا للمؤمنين قاده |
لم يُرَ إلا صائماً أو ذاكرا |
|
أو قائماً مخافتا مجاهرا |
فكان من أعاظمِ العبادِ |
|
وكان من أكابرِ الزهادِ |
أوصى له الباقرُ بالإمامه |
|
فكان في دين الهدى علامه |
يُشيرُ للتوحيد والنبوه |
|
بالحبِ والحنانِ والابوه |
يُغضي عن المذنب والمسيء |
|
مبتسماً بوجهه المضيء |
فكان مقصداً لمن أرادا |
|
أن يدرك العزة والرشادا (١) |
__________________
(١) ورث الإمام الصادق عليهالسلام صفات أبيه وأجداده ولا سيما جده رسول الله صلىاللهعليهوآله من الهيبة والجلال المهيب ، وعلى وجه الخصوص كثرة العبادة والانقطاع الى الله سبحانه ، حتى قال الراوي : كان عليهالسلام أفضل أهل زمانه وأعلم بدين الله وأتقاهم. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٨١.
ولمّا ظهرت صفاته الشريفة عهد
إليه والده الإمام الباقر عليهالسلام بالإمامة ، فصار مقصداً يرتاده طلّاب العلم والفضيلة ، ومنهلاً لروّاد الكمال والحقيقة ، وعرف عنه عليهالسلام طيلة
حياته سعة حلمه ، وإغضائه عن المذنب المسيء ، وممّا ورد له في هذا الباب ما نقله الطبرسي في
مشكاة الانوار : جاء رجلٌ الى الإمام الصادق عليهالسلام وقال له : إن فلاناً ابن
عمّك ذكرك بما يسوء ، فقال الإمام الصادق عليهالسلام لجاريةٍ له : أتيني بماء الوضوء ، ثم دخل الى مُصلاه ، قال الرجل : فقلت في نفسي إن الإمام دخل ليدعو عليه ، فلما صلّى ركعتين سمعته عليهالسلام يقول
في قنوته :
=
__________________
=
ربّ هو حقي قد وهبته وانت أجود مني وأكرم ، فهبه لي ولا تؤاخذه بي. قال الرجل : فجعلتُ أتعجبُ مما أسمع وارى.
ونقل ابن شهر آشوب : قال جعفر الخثعمي : اعطاني الإمام الصادق عليهالسلام صرّة وقال لي : ادفعها الى رجل من بني هاشم ، ولا تُعلمه أني اعطيتك شيئاً ، قال الخثعمي : فأتيت الهاشمي وأعطيته ، فقال الهاشمي : جزى اللهُ هذا الرجل خيراً ما يزال يبعث لنا منذ زمن ما نعيش به الى قابل ، وهذا ابن عمي جعفر ـ يقصد الصادق عليهالسلام ـ على كثرة ماله لا يبعث لنا شيئاً.
المناقب ٤ / ٢٧٣.
أقوالُ العلماء فيه
وقد روى عنه أئمة الملا |
|
وجملةُ الأعلام في من نقلا |
فمالكٌ وشعبةُ والثوري |
|
وابنُ جريج بعدُ وابنُ عمرو |
وابن عُيينة واسماعيلُ |
|
والشافعيُ عندما يقولُ |
« حبكم فرضٌ على الانامِ |
|
وواجبُ في أمة الاسلامِ » |
وحاتمُ وروحُ بنُ القاسمِ |
|
وأحمدُ وجملةُ الاعاظمِ |
ومن أراد العلم والروايه |
|
والفقهَ والتفسيرَ والهدايه |
فهو بذا صار منارَ الدينِ |
|
وغايةَ الصادقِ والامينِ |
إن قال فهو عن ابيهِ قالا |
|
الى النبيّ يرفعُ المقالا |
حديثهُ كان حديثَ طه |
|
فمن أرادهُ أراد الله |
فكم له من أثرٍ حميدِ |
|
على الورى بالعلمِ والتجديدِ |
فذا أبو حنيفةٍ يقولُ |
|
كجعفرٍ لم تشهد العقولُ |
عامين كنت عنده لولاهما |
|
هلكتُ في الجهل وجبارِ السما |
وقال عنه زيدٌ الشهيدُ |
|
حجتنا الصادقُ والعميدُ |
وقال عمرو بن عبيد البصري |
|
يهلك من نازعكم بأمرِ |
علومهُ لغيرهِ مباحه |
|
قد غلبت حجتُه سلاحه |
لا فرق من والاه أو عاداهُ |
|
في علمه إن بُسطت يداهُ (١) |
__________________
(١) نقل أرباب السير واهل التاريخ في طبقات الرجال وتراجمهم أن الإمام الصادق عليهالسلام كان قبلةً لأهل العلم على اختلاف مشاربهم ، ولا سيما أهل المذاهب سواءً الباقية منها أو المنقرضة ، ومن الذين تتلمذوا على يديه هم : مالك بن أنس بن مالك الاصبحي ، صاحب المذهب المالكي ، والذي عُرف بكتابه « الموطأ » وابن جريج ، واسماعيل ، ومن اشهرهم محمد بن إدريس الشافعي ؛ إمام المذهب الشافعي ، والذي عرف بميله الى اهل البيت عليهمالسلام حسب ما ورد الينا في اقواله وأشعاره ، واليك هذه الابيات الشعرية الشهيرة التي انشدها الشافعي حيث يقول :
يا أهل بيتِ رسول الله حبكُم |
|
فرضٌ من الله في القرآن أنزلهُ |
كفاكمُ من عظيم الشأن أنكمُ |
|
من لم يصلّ عليكم لا صلاة لهُ |
وممن تتلمذ على يده عليهالسلام أبو حنيفة النعمان صاحب المذهب الحنفي ، حيث أخذ منه قرابة عامين من الزمان علم الفقه وشيئاً من الاداب ، حتى نقل عنه قول : « لو لا السنتان لهلك النعمان ». وله مع الإمام وتلاميذه جملة من المناظرات والاحتجاجات نقلتها الكتب المُعتبرة. وما يُنقل في هذا المجال ما ذكره السيد حامد حسين اللكنهوي حيث جاء قال : جاء رجل الى أبي حنيفة وقال له : توفي أخي وأوصى بثلث ماله لإمام المسلمين فالى مَنْ ادفعه ؟ فقال أبو حنيفة : هل أمرك بهذا السؤال أبو جعفر الدوانيقي ؟ فحلف الرجلُ كذباً انه ما أمره بهذا السؤال ، فقال أبو حنيفة : ادفع الثلث الى جعفر بن محمد الصادق فانه هو الإمام الحق. عبقات الأنوار ١٠ / ٢٢.
وهذه شهادة صريحة من الإمام أبي حنيفة بأحقية الإمام جعفر بن محمد الصادق عليهالسلام بالإمامة العامة على الناس. وممن أخذ عنه عليهالسلام أحمد بن حنبل ، حيث روى الكثير عنه في مسند أحمد وممّن أخذ عنه عمّه زيد بن الإمام الباقر والمعروف بـ « زيد الشهيد ».
وبالجملة فقد كان دوحة للعلوم والمعارف من حديث ، او فقه ، او تفسير ، بحيث قصده البعيد والقريب ، والموالي والمُخالف لينهلَ من بحر علمه ، حتى صار عليهالسلام علماً بارزاً يعترفُ به أهل الشرق والغرب ، وقد جاء في كتاب تاريخ العرب لمير علي قوله :
=
__________________
=
إن الإمام الصادق يُعتبر في الواقع أول منْ أسسّ المدارس الفلسفية والعقلية في الاسلام ، حيث حضر عنده طلاب الفلاسفة من أنحاء الدنيا ، ومؤسسو المذاهب الإسلامية. وجاء في الصواعق المحرقة لابن حجر نقل الناس من علوم الإمام الصادق عليهالسلام ما سارتْ به الرُكبان حتى أنتشر صيته في البلدان. وجاء في كتاب الإمام الصادق كما عرفه اهل الغرب ، للدكتور نور الدين آل علي للإمام الصادق عليهالسلام أشارات علمية غير مسبوقة في علم الضوء حيث أكد عليهالسلام أن الضوء ينعكسُ من الاجسام على صفحة العين البشرية وهذا يلغي الرأي السائد قبل عصره عليهالسلام وبالجملة فمناقبُه وعلومُه لا يكاد يُحصيها حاسب.
رواتهُ وتلامذتهُ
مجلسهُ يضمُ كلّ مذهبِ |
|
وكلَ فكرةٍ وكل مشربِ |
حيث الجميعُ من يديه ينهلُ |
|
وكلُهم من هديهِ مؤملُ |
طلابهُ قد عُرفوا بالفضلِ |
|
وحكمةٍ بالغةٍ وعقلِ |
أربعُ آلافِ من الرواةِ |
|
قد حدّثوا عنه بلا أناةِ |
أولهم كان هشام بن الحكم |
|
وكان في الجدال فذاً وعلَم |
لينشروا العلوم والفضائلا |
|
ويرشدوا من كان عنه غافلا |
فاعتدلت قوائمُ الشريعه |
|
وأشرعت أبوابها الوسيعه |
وبعدهُ أبانٌ بنُ تغلبِ |
|
ومن سما في فقهه والادبِ |
وحبهُ لأهلِ بيتِ المصطفى |
|
وهو الذي نال بذاك الشرفا |
وثقهُ العجلي وابنُ حنبلِ |
|
رغم إتهامه لحبه علي |
قد ارجع الإمامُ بعضَ الشيعه |
|
اليهِ في الفتيا وفي الشريعه |
ثم ابنُ عثمان أبان البجلي |
|
الاحمر الكوفي ذلك الولي |
يُعرفُ بالشعرِ وعلم النسبِ |
|
وكان من احفظِ اهلِ العربِ |
والحميريُّ وهو إسماعيلُ |
|
شاعرُ آل أحمدِ الاصيلُ |
ثم بريدُ العربي البجلي |
|
ومن له باعٌ بعلم الجدلِ |
وبكرٌ الازدي وابن غامدي |
|
وجابرٌ سيفٌ على المعاندِ |
ثم ابن دراج جميلُ الكوفي |
|
وقولهُ أمضى من السيوفِ |
ثم ابو محمد الازديُّ |
|
ذاك حريزُ الثقة الكوفيُّ |
البطلُ المقتولُ في الشُراةِ |
|
راح بسيفِ زمرةٍ عتاةِ |
وبعده حمادٌ بن عيسى |
|
ومن غدا من عمرهِ ميؤوسا |
ومن قضى في الحجِ والاحرامِ |
|
مصدقاً مقولةَ الإمامِ |
وانتشر الحديثُ من حمرانِ |
|
ذاك بن أعين الفتى الشيباني |
وبعدهُ سالمٌ بن مكرمِ |
|
ذاك الذي يجيد رعيَ الغنمِ |
ثم ابو حمزةٍ الثمالي |
|
الثقةُ الصادقُ بالمقالِ |
وابنُ ابي يعفور العبديِّ |
|
ثم ابن ادريس الفتى الأوديِّ |
وابنُ صهيبٍ واسمُهُ عبّادُ |
|
ومن اليه ينتهي الاسنادُ |
وعروةُ القتات وابن جعفرِ |
|
علي ابن الطاهرين الازهرِ |
مسائلٌ في فقهه معروفه |
|
ينسب للعُريّضِ او للكوفه |
وابنُ ابي منصورٍ الكوفي |
|
عيسى الفقيه الزاهد التقي |
والقاسمُ بن عروة البغدادي |
|
وكادحُ الضعيف في الزهاد |
ثم الكميتُ وابنُ زيد الأسدي |
|
الشاعرُ الشجاعِ في التمردِ |
قد نالَ في اشعارهِ الشهاده |
|
وهي لدى الاحرارِ دوماً عاده |
ومالكُ بنُ أعينِ الجهنيُّ |
|
العربيُّ الثقة الكوفيُّ |
ومؤمنُ الطاق الولي البجلي |
|
له كتابٌ عن حروبِ الجملِ |
قد ناقشَ الارجاء والمعتزله |
|
ونال ما نال علوَ المنزله |
اتقن فنَ الجدل العنيدِ |
|
منافحاً بفكرهِ السديدِ |
وابنُ فضيل الثقةُ الظبيُّ |
|
محمدُ المفوّه الكوفيّ |
والمستنيرُ بنُ يزيدِ الجعفي |
|
وأمرهُ بالعلمِ غيرُ مخفي |
ثم زرارة العظيمُ المنزله |
|
فعلمهُ طابقَ دوماً عمله |
يروي الصحيحَ من حديث الشيعه |
|
فصار من مصادرِ الشريعه |
عظّمهُ الصادقُ في الاطراءِ |
|
وقال ذا من أنجمِ السماءِ |
وبعدهُ محمدُ بن مسلمِ |
|
الثقفيُّ ثقة كالعَلمِ |
كان فقيهاً من وجوه الصحبِ |
|
له أصولٌ ذكرت في الكتبِ |
وابن ابي عمير الممتحنُ |
|
الثقة المجاهد المؤتمنُ |
له مراسيلٌ أتت بلا سندْ |
|
غدت لأكثر الفتاوى معتمدْ |
قد أحرقوا تراثه وداره |
|
لكنما ظلت له الصداره |
أبو بصيرٍ كان من اصحابه |
|
ودائماً يُعدُ من أحبابه |
بالصدقِ كان ينقلُ الروايه |
|
حتى كأن نقلهُ درايه |
أولاءِ بعضُ من روى عن جعفرِ |
|
وغيرهم كثرَ ثقاةُ الخبرِ |
وقلةٌ زاغوا عن الطريقه |
|
لم يأتوا بالصدق وبالحقيقه |
لكن أكثر الرواة وثقوا |
|
واعتمدوا ومُدحوا وصدقوا |
قيمتهم ان أوصلوا الاحكاما |
|
وبينوا الحلال والحراما (١) |
__________________
(١) ضمّت مدرسة الإمام الصادق عليهالسلام رؤساء المذاهب الاسلامية على اختلاف المشارب ، كما نبغ فيها جمعٌ غفير من الطلاب والنابهين ممن تلقوا من الإمام عليهالسلام ونهلوا من علومه ، وحاججوا غيرهم في الدفاع عن الدين والعقيدة ، كاثبات حق الإمامة وردّ خصومها ، واليك شهادة احد تلامذته الحسن بن علي الوشّاء وهو يقول لابن عيسى القمي : أدركتُ في مسجد الكوفة تسعمائه شيخٍ كلٌ يقول حدثني جعفر بن محمد الصادق.
ومن تتلمذوا على يده ورووا عنه أئمة المذاهب : مالك بن أنس ، وابو حنيفة ، والشافعي ، وابن حنبل ، ومن أعلام الدين يحيى بن سعيد ، والثوري ، وسفيان بن عينيه ، وغيرهم ..
ذكر الشيخ عباس القمي : إن أصحاب الحديث قد جمعوا اسماءَ مَنْ رووا عنه من الثقات على اختلاف آرائهم ومقالاتهم فكانوا أربعة آلاف رجل. منتهى الآمال / ١٩٣.
وممن تتلمذوا على يده وصاروا من
خلص أصحابه رجالٌ عُرفوا بالنبوغ والفطنة ، وسرعة البديهة ، وقول الجدل ، منهم : هشام بن الحكم المعروف بقوة الحجة والجدل وعلم
الكلام ،
=
__________________
=
وأبان بن تغلب ، وابو حمزة الثمالي صاحب الدعاء المشهور ، ومؤمن الطاق صاحب المناظرات ولا سيما مع ابي حنيفة ، وأولاد آل أعيُن ، ومنهم ؛ زرارة ، ومالك ، وابو بصير الذي كان ملازماً للإمام عليهالسلام وكثير الرواية عنه. إضافة الى ذلك جملة من أبرز شعراء عصره عليهالسلام كالسيد الحميري ، والكُميت الاسدي ، وأبان بن عثمان البجلي.
وللأسف فقد زاغ عن هذه المدرسة ممن أخذوا عنها رجالٌ : كأبي شاكر الديصاني ، والمغيرة بن سعيد ، وابي الخطاب ، وابن أبي العوجاء.
جامعة الإمام الصادق عليهالسلام
وسار شرعُ الحق في الآفاقِ |
|
من يثربٍ الى ذُرى العراقِ |
ولم يقل مَن قبلهِ سلوني |
|
سوى الإمامِ الانزعِ البطينِ |
كان إذا ما أجتمعَ الحجيجُ |
|
وارتفعَ الدعاءُ والضجيجُ |
قال سلوني لم يجئكم بعدي |
|
محدّثٌ مبلّغٌ عن جدي |
وكان فذاً يعلمُ التأويلا |
|
والذكرَ والتوراةَ والانجيلا |
والطبَ والنجومَ والحسابا |
|
والجَبر والكمياءَ والأنسابا |
وإنه يعلمُ ما في المصحفِ |
|
من غامضٍ ومبهمٍ ومختفِ (١) |
__________________
(١) تنقلُ كتب السير والتاريخ أن خلفاء بني العباس كالسفّاح والمنصور حملوا الإمام الصادق عليهالسلام بالاكراه على الهجرة من المدينة الى بغداد خوفاً على سلطتهم هناك ، وليكون تحت أنظارهم خوفاً منه ، ولمّا حلّ الإمام عليهالسلام في ربوع العراق ألتفّ حوله الناس لينهلوا من علومه التي لا حصر لها ، فصار اسوة بجده أمير المؤمنين علي بن ابي طالب عليهالسلام والذي نقل الخاص والعام أنه عليهالسلام قد تحدى البشر بقوله « سلوني قبل أن تفقدوني » وهذه من مختصات أمير المؤمنين ، ما نازعه فيها أحدٌ إلّا حار ، وافتضح ، وندم ، وهكذا سار حفيدهُ الصادق عليهالسلام على نفس الدرب بدقائق العلوم والمعارف كعلوم الدين ، والتأويل ، والفقه ، والاصول ، والحديث ، والتفسير ، والعلوم الطبيعية كالطب ، والنجوم ، والرياضيات ، والكيمياء ، والفيزياء ، والطبيعة ، وعلوم الانساب ، وتأويل الرويا ، وغيرها..
ويذكر الأستاذ محمد أمين غالب الطويل : كان الإمام الصادق عليهالسلام يعرف من العلوم إضافة لعلوم الاصول والفروع علوم الفقه والكيمياء والفلك ، وأغلب العلوم الباطنة والظاهرة ولقد صدق من قال عنه : « كان أعلم أهل عصره ». تاريخ العلويين / ١٤٨.
وذكر الشيخ الشبلنجي : قال ابن قتيبة : كتاب الجفر كتبه الإمام جعفر الصادق عليهالسلام وفيه كل ما يحتاج إليه الى يوم القيامة ، والى هذا الجفر أشار أبو العلاء المعري :
لقد عجبوا لآل البيت لمّا |
|
أتاهم علمهم في جلدِ جفرِ |
ومرآة المنجّم وهي صغرى |
|
تُريه كل عامرةٍ وقفرِ |
نور الابصار / ١٦٠.
كرمهُ وسخاؤهُ
لكنهُ كان إذا حلّ المسا |
|
وخيمَ الظلامُ ثم عسعسا |
طاف على أزقةِ المدينه |
|
ليُطعم المسكينَ والمسكينه |
جرابهُ يحملهُ مملوءا |
|
لثقلهِ أوشكَ أن ينوءا |
يأمرُ أهلَه بدفعِ الصدقه |
|
لم يترك الفقيرَ حتى يرزقه (١) |
* * *
__________________
(١) تواترت الاخبارُ عن كرم الإمام الصادق عليهالسلام وسخائه فقد عُرف عنه إطعامه المساكين سراً وجهراً ، وكان يحملُ صدقاته بنفسه على من يعوله ، وكان يأمر أهله وأولاده وتلاميذه بالصدقة والإطعام ويحثُ عليها ، وذكر الراوي : كان الإمام الصادق عليهالسلام يحمل الخبزَ للفقراء والغرباء الذين يبيتون ليلاً ويمكثون نهاراً في ظلّة بني ساعدة في المدينة ، وكان يقول لمرافقه المُعلّى بن خنيس : لو قدرنا لواسيناهم حتى بالملح. ثواب الاعمال / ١٤٤ ، للشيخ الصدوق.
من وصية له عليهالسلام لتلميذه عبد الله بن جُندب الكوفي : يا ابن جُندب : لا تتصدق على أعين الناس ليزكّوك ، فإنك إن فعلت ذلك فقد أستوفيت أجرك ، ولكن اذا أعطيت بيمينك فلا تُطلعُ عليه شمالك لأن الذي تتصدق لاجله سرّأً يُجزيك علانية.
وقال عليهالسلام : لا يكون الجواد جواداً إلّا بثلاثة : أن يكون سخياً بماله على حال اليسر والعسر ، وأن يبذله لمستحقه ، وأن يرى أن الذي أخذه من شكر منْ أعطاه اكثر مما أعطاه.
وقال عليهالسلام : لا يتم المعروف إلّا بثلاث خصال : تعجيله ، وستره ، وترك الامتنان به.
وقال : الاخوان ثلاثة : مواسٍ بنفسه ، ومواسٍ بماله ، وهما الصادقان في الاخاء ، وآخر يأخذ منك البلغة لينال بعض اللذة فلا تعدّه من أهل الثقة.
وكان عليهالسلام ممّن أفشى العطاء والتصدق سراً وجهراً ، حتى أنتشر صيته ولكثرة ما عُرف عنه بكفالته للمساكين والفقراء ، كان يسمى بـ « الكافل ».
قصة الطفل والجارية
وقد روى سفيانٌ الثوريُّ |
|
وقال كان الصادقُ التقيُّ |
يأمر أهلهْ بأن لا يصعدوا |
|
سطحاً ولا يُفتحَ بابٌ موصدُ |
وذات ليلةٍ رأتهُ جاريه |
|
وهي على بعضِ السطوح ماشيه |
تحمل في أحضانها صبيا |
|
من ولدهِ محبباً وضيا |
فارتعدت لمّا رأته قادما |
|
وأسقطت ذاك الصبيَ النائما |
فمات من ساعتهِ الصغيرُ |
|
وأصبحت مرعوبةً تدورُ |
مذ شاهد الإمامُ تلك البره |
|
قال لوجه الله أنتِ حُره (١) |
* * *
__________________
(١) قصة غزيرة المحتوى أوردتها كتب التاريخ ، واليك ما ذكره ابن شهر آشوب قال : قال سفيان الثوري : دخلت على الإمام الصادق عليهالسلام فرأيته متغير اللون فسألته عن ذلك فقال عليهالسلام كنتُ قد نهيت في البيت عن الصعود الى سطح الدار فجاءت جارية ممن تربّي بعض ولدي فصعدتْ السُلم والصبي معها ، فلما بصرتْ بيّ فزعت وأرتعدتْ فسقط الصبيّ الى الارض ومات ، والله ما تغيّر لوني لموت الصبي وإنما تغيّر لما أدخلتُ عليها من الرعب ، وما كُنت أظن أنّ أحداً يخاف غير الله سبحانه ولأجل هذا قلت لها : لا بأس عليك إذهبي فأنت حرة لوجه الله. المناقب ٤ / ٢٧٤.
سلام الله عليك من إمام ما أحلمك وما اخوفك من الله سبحانه.
قصة ظريفة
كما روى عنه أبو حنيفه |
|
حكايةً بليغةً ظريفه |
قال رأيتُ جعفراً يسيرُ |
|
على عصا كأنهُ كبيرُ |
فقلتُ لم تمشِ بكَ الأعوامُ |
|
فأنتَ بعدُ ذا الفتى الهُمامُ |
قال نعم لكن أردتُ فيها |
|
ذكرى النبيّ للورى أُزجيها |
فهي له ورثتها بحقِ |
|
كما ورثتُ علمه بصدقِ |
فهُرعَ النعمانُ ثم قبّلا |
|
تلك العصا وشمّها وابتهلا |
وحسر الإمام عن ذراعه |
|
فانبهرَ النعمانُ من شعاعه |
وابتسم الصادقُ بافتخارِ |
|
هذا ذراعُ احمدِ المختارِ |
إن شئتَ قبّله ودع هذي العصا |
|
فمن يحد عن نهجنا فقد عصا (١) |
? ? ?
__________________
(١) قصة نفيسة جاءت في معرض الموعظة وإلقاء الحجة ، وفيها نتلمس سرعة بديهة الإمام عليهالسلام وحضور الجواب المفحم المسكت ، وهذه القصة نقلتها الكتب المُعتبرة القديمة ، فقد نقلها ابن شهر آشوب ، وإليك ملخّصها :
جاء ابو حنيفة النعمان بن ثابت صاحب المذهب المشهور قاصداً الإمام الصادق عليهالسلام ليسمع منه ويأخذ عنه فخرج عليه الإمام عليهالسلام وهو يتوكأ على عصا فقال له أبو حنيفة : يا ابن رسول الله ما بلغت من السنّ ما تحتاج معه الى عصا ، فقال الصادق عليهالسلام هو كذلك ولكنها عصا رسول الله صلىاللهعليهوآله أردت التبرك بها ، وسريعاً ما وثب ابو حنيفة يريد تقبيل العصا ، فحسرَ الإمام الصادق عليهالسلام عن ذراعه وقال له : لِمَ تقبل عصا رسول الله صلىاللهعليهوآله وهذا هو لحمه وشعره ودمه فهو أحقُ بالتقبيل من هذه العصا ، ونحنُ ابناؤه ، وورثته ، ومنْ حاد عن ذلك لم يؤمنْ به فقد خرج عن نهج رسول الله صلىاللهعليهوآله. المناقب ٤ / ٢٤٨.
رواية مالك
وكان مالكٌ يقولُ فيه |
|
قد ورثَ العلومَ عن أبيه |
قد اختلفتُ نحوه زمانا |
|
أنهلُ من حديثه الإيمانا |
فكنت لا أراهُ إلا صائما |
|
أو قارئاً مرتلاً أو قائما |
ولم يحدّث بحديثِ المصطفى |
|
إلا على طهارةٍ قد عُرفا |
ما سمعتْ مثل الإمام أذني |
|
ولا رأت كابن البتول عيني |
هذا ولم يخطر على قلبِ بشر |
|
أفضل منه في حديثٍ أو خبر (١) |
? ? ?
__________________
(١) شهادة اعترف بها إمام المذهب المالكي مالك بن انس بن مالك الاصبحي ، وهو ممّن روى وأخذ عن الإمام الصادق عليهالسلام وقد أثبت له عدة روايات في كتابه « الموطأ » وفيها نرى القول الحق والمنطق الصدق لرجلٍ كبير المنزلة عند جمهور المسلمين ، مثل مالك وهو يُثني بأجلال على أستاذه الإمام الصادق عليهالسلام ويكشف بالحق وبلا مؤاربة عن صفاتٍ عالية عُرف بها الإمام الصادق ، وكانت من مختصاته عليهالسلام وهذه الرواية التي جاءت بها هذه الشهادة القيّمة أوردها الشيخ الصدوق حيث قال :
قال مالك بن إنس فقيه أهل المدينة وإمام أهل السنة : كنتُ اختلفُ على الإمام جعفر بن محمد الصادق لأسمع منه ، فكان يقدمُ لي مخدّةً ويعرف لي قدراً ، فكان حينما اختلف اليه إجده في إحدى ثلاث خصال : إما صائماً ، وإما قائماً ، وإما ذاكراً ، وكان من عظماء العبّاد ، وكبّار الزهّاد الذين يخشون الله عز وجل ، وكان كثير الفوائد وما حدثني بحديث جدّه رسول الله صلىاللهعليهوآله إلّا كان على وضوءٍ ، فوالله ما سمعتُ بمثلِ حديثه ولا رأيتُ مثله.
الخصال / ١٦٧.