ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

موقفُ هند بنت عمرو زوج يزيد

ورفعوا الرأس ببابِ القصرِ

وشاهدتهُ هندُ بنتُ عمروِ

فصرختْ رأسُ ابن بنتِ أحمدا

على الرماح قد قضى بين العدا

وهتكت حجابها وأقبلت

ورفعت صرختها وأعولت

وأقبل الطاغي يقولُ شعرا

لمّا راى الرؤوسَ بين الأسرى

« يا حبذا بردُكَ في اليدينِ

ولونكَ الأحمرُ في الخدينِ

كأنّهُ بات بعسجدينِ

شفيتُ نفسي من دمِ الحسينِ (١)

* * *

__________________

(١) أخرج يزيد رأس الحسين عليه‌السلام ورفعه على باب قصره ثلاثة أيام ، فلمّا رأت زوجة يزيد هند بنت عمرو بن سهيل الرأس الشريف على باب دارها وهو يعبق بعطر سماوي رائع دخلت المجلس العام وهي تصرخ حاسرة : رأس الحسين ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله على باب دارنا !! فقام إليها يزيد وسترها بالحجاب وقال لها : اعولي عليه يا هند فإنّه صريخة بني هاشم عجّل عليه ابن زياد ، وكأن يزيد بدأ بالتنصل من مسؤولية قتل الحسين عليه‌السلام ولكن وقائع التاريخ ووثائق الثورة الحسينية تثبت بدون أدنى شك أنّ النظام الأموي المتمثل بشخصية يزيد وجلاوزته يتحمل المسؤولية الكاملة عن مجزرة كربلاء الآثمة.

وفي هذا الجو المشحون بالتوتر أمر يزيد بجميع رؤوس الشهداء أن ترفع على أبواب الشام والجامع الأموي ففعلوا بها ذلك. وعندها أخذ يترنح فرحاً ببيتين من الشعر المشهورين :

يا حبذا بردك في اليدين

ولونك الأحمر في الخدين

كأنّه بات بعسجدين

شفيت نفسي من دم الحسين

٣٠١
 &

فضول شيخ من الشام

وكان في الحضورِ شيخٌ شامي

يطلبُ من يزيد باهتمام

لما راى فاطمةً بنتَ علي

فقال يا أميرُ لو تكونُ لي

ففزعت فاطمةٌ لزينبِ

بدمعةِ حرّى وصوتٍ متعبِ

كيف أكونُ بعد عزّي جاريه

يا ليت حيدراً أتانا ثانيه

فانتفضت زينبُ لا واللهِ

فإن ذاك أعظمُ الدواهي

قال يزيدُ لو أريد أفعلُ

قالت إذن عن ديننا تعتزلُ

فقال أنتمُ تركتم ديننا

وأنتُم فارقتُمُ ملّتنا

فهتفت بجدّنا اهتديتمُ

وقبلهُ بالله قد كفرتمُ

فسبّها بظلمهِ الشريرُ

فسكتت لأنّه أميرُ

يشتم ظالماً بلا رويه

وذاك طبعٌ في بني أُميّه (١)

* * *

__________________

(١) يذكر الطبري وابن الأثير في تأريخيهما : أن رجلاً من الشام نظر إلى فاطمة بنت علي عليه‌السلام وقيل بنت الحسين عليه‌السلام فطلب من يزيد أن يهبها له كخادمة ففزعت ابنة أمير المؤمنين وتعلّقت بزينب العقيلة وقالت : كيف أُستخدم ؟

قالت العقيلة : لا عليك إنّه لن يكون أبداً ، فقال يزيد لو أردت لفعلت.

فقالت له زينب : إلّا أن تخرج عن ديننا ، فردّ عليها : إنّما خرج من الدين أبوك وأخوك !

فقالت ابنة علي : بدين الله ودين جدّي وأبي وأخي اهتديت أنت وأبوك إن كنت مسلماً قال : كذبت يا عدوّة الله ! فرقت عليها السلام وقالت : أنت أمير مسلط تشتم ظالماً وتقهر بسلطانك ، وانتهى الحوار الساخن عند هذا الحد ، وحينما عاود الرجل الشامي الطلب نهره يزيد وقال له : وهب الله لك حتفاً قاضياً.

٣٠٢
 &

الخطاب الشجاع

وخطبت زينبُ بنتُ فاطمه

وهي التي بما سيجري عالمه

معلنةً أمِنْ سجايا العدلِ

تُذُّل في الناسِ بناتُ الرُّسلِ

تخديرُك الإماءَ في القصورِ

وسوقكم لنا بلا خدورِ

فأين أهلُ البأسِ والحماةُ

وأينَ أهلُ الفضلِ والأُباةُ

ينتقمون من طليقِ الطُّلقا

ومَن على منبرِ جَدّنا رَقا

وأُمهُ آكلةُ الأَكبادِ

وجدّهُ مبغضُنا في النادي

والله ما فرَيت إلّا جلدَك

فكد بما شِئتَ علينا كيدَك

لتلقينَّ الله في دمائنا

وما كشفتَ اليوم من خبائنا

فحسبنا بالله خيرُ حاكمِ

وحسبنا بأحمدِ المخاصمِ

شاهدُنا جبريلُ والملائكُ

وصدرُنا المرضوضُ والسنابكُ

لئن عليَّ جرت الدواهي

إنَّي أناديك وانتَ لاه

فإنّني أَستصغرُ استكبارك

وإنّني أَستعظمُ احتقارك

لكنّ عندنا العيون عبرى

وهذه منا الصدورُ حرى

يا عجباً بقتلِ حزبِ النجبا

فالمصطفى باكٍ وأصحابُ العبا

والله لا تمحو لنا من ذكرِ

ولا تميتُ وحينا بالكفرِ

والله لا يرحضُ عنك عارُها

وسوفَ يبقى أبداً شنارها

وليس من رأيك إلّا فندُ

وليس أيّامُك إلّا عددُ

وعند ذا قاطعها يزيدُ

فقال ما يهوى وما يريدُ

٣٠٣
 &

« يا صيحةً تُحمد من صوائحِ

ما أهونَ النوحِ على النوائح » (١)

__________________

(١) قال ابن نما وابن طاووس : لمّا سمعت زينب بنت علي عليه‌السلام يزيد يتمثل بأبيات الشاعر ابن الزبعري التي ذكرناها في هامش سابق ، وقفت وقالت : الحمد لله ربّ العالمين ، وصلّى الله على رسوله وآله أجمعين ، صدق الله سبحانه حيث يقول : ( ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى? أَن كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّـهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ).

أظننت يا يزيد حيث أخذت علينا أقطار الأرض ، وآفاق السماء ، فأصبحنا نساق كما تساق الأسارى أن بنا على الله هواناً ، وبك عليه كرامة وإن ذلك لعظم خطرك عنده فشمخت بأنفك ، ونظرت في عطفك ، جذلان مسروراً ، حين رأيت الدنيا لك مستوسقة ، والأمور متسقة ، وحين صفا لك ملكنا وسلطاننا ، فمهلاً مهلا ، أنسيت قول الله تعالى : ( وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ ) آل عمران / ١٧٨.

أمن العدل يا ابن الطلقاء ، تخديرُك حرائَرك وإماءَك ، وسوقُك بناتِ رسول الله سبايا ، قد هتكت ستورهنّ ، وأبديت وجوهنّ تحدو بهنّ الأعداء من بلد إلى بلد ، ويستشرفهنّ أهلُ المناهل والمعاقل ، ويتصفّح وجههنّ القريبُ والبعيد ، والدنيّ والشريف ، ليس من حماتهنّ حميّ ولا من رجالهنّ ولي ، وكيف يرتجى مراقبة من لفظ فوه الأزكياء الأزياء ، ونبت لحمه من دماء الشهداء ، وكيف يستبطأ في بغضنا أهل البيت منَ نظر إلينا بالشنف والشنآن ، والإحن والأضغان ، ثمّ تقول غير متأثم ولا مستعظم :

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

منحنياً على ثنايا أبي عبد الله سيّد شباب أهل الجنّة تنكتها بمخصرتك وكيف لا تقول ، وقد نكأت القرحة ، واستأصلت الشأفة ، بإراقتك دماء ذريّة محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ونجوم الأرض من آل عبد المطلب ، وتهتف بأشياخك زعمت أنّك تناديهم فلتردن وشيكاً موردهم ولتودن أنّك شللت وبكمت ولم تكن قلت ما قلت وفعلت ما فعلت ، أللهمّ خذ لنا بحقّنا ، وانتقم ممّن ظلمنا ، واحلل غضبك بمن سفك دماءنا ، وقتل حماتنا.

فوالله ما فريت إلّا جلدك ، ولا حززت إلّا لحمك ، ولتردن على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله بما تحملت من سفك دماء ذريّته وانتهكت من حرمته في عترته ولحمته ، حيث يجمع الله شملهم ويلم

=

٣٠٤
 &



__________________

=

شعثهم ، ويأخذ بحقّهم ( وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ )

وحسبك بالله حاكماً ، وبمحمد صلى‌الله‌عليه‌وآله خصيماً ، وبجبرئيل ظهيرا ، وسيعلم منَ سوّل لك ومكّنك من رقاب المسلمين بئس للظالمين بدلاً وأيّكم شرٌ مكاناً ، وأضعف جنداً ، ولئن جرّت عليَّ الدواهي مخاطبتك ، إنّي لأستصغر قدرك وأستعظم تقريعك ، وأستكثر توبيخك ، لكنّ العيون عبرى ، والصدور حرى.

ألا فالعجب كل العجب ، لقتل حزب الله النجباء ، بحزب الشيطان الطلقاء ، فهذه الأيدي تنطف من دمائنا ، والأفواه تتحلب من لحومنا ، وتلك الجثث الطواهر الزواكي تنتابها العواسل ، وتعفرها أمّهات الفراعل ، ولئن اتخذتنا مغنماً ، لتجدنا وشيكاً مغرماً ، حين لا تجد إلّا ما قدمت يداك وما ربّك بظلام للعبيد ، وإلى الله المشتكى وعليه المعول ، فكد كيدك ، واسع سعيك ، وناصب جهدك ، فوالله لا تمحو ذكرنا ، ولا تميت وحينا ، ولا يرخص عنك عارها ، وهل رأيك إلّا فند وأيامك إلّا عدد ، وجمعك إلّا بدد ، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على الظالمين.

والحمد لله ربّ العالمين ، الذي ختم لأوّلنا بالسعادة والمغفرة ولآخرنا بالشهادة والرحمة ، ونسأل الله أن يكمل لهم الثواب ، ويوجب لهم المزيد ويحسن علينا الخلافة ، إنّه رحيم ودود ، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

٣٠٥
 &

أُسرة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله في الخربة

وعندها خاف يزيدُ الفتنه

وخاف أن تدنوَ منه المحنه

فأخرج العيالَ والإماما

فعمَّ إذ ذاك الضجيجُ ( الشاما )

أسكنهم في الشامِ داراً خربه

منتظراً ينفذُ فيهم مأربه (١)

ظلوا ثلاثاً يندبون الطفّا

ودمعهم ملتهبٌ ما جَفّا

* * *

__________________

(١) إثر خطبة الإمام السجاد عليه‌السلام التاريخية في الجامع الأموي وخطبة العقيلة زينب في مجلس يزيد وحالة التحسس العام وتصاعد أجواء التوتر والاضطراب في الشام ، خشي يزيد وقوع الفتنة ، فقرر أن يخرج الإمام والعيال عن أجواء القصر وأسكنهم في دار خربة أشبه ما تكون بسجن خاص لأسرة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لا تقيهم من حر ولا برد. فأقاموا فيها أياماً وقلوبهم يعتصرها الألم ويخيم عليهم الحزن ودموعهم ما جفت على قتلى كربلاء.

٣٠٦
 &

لقاء الإمام عليه‌السلام مع المنهال

وذات يوم خرجَ السجّادُ

مكبلاً بحزنه يقادُ

شاهده « ابنُ عمروِ المنهالُ »

فقال كيف أمست العيالُ

فقال صرنا كبني يعقوبِ

في آلِ فرعون بلا ذنوبِ

يُذبّحون غدرةً أَبناءنا

ويأسرون عنوة نساءنا

بجدّنا نفتخرُ الأعرابُ

بديننا جانبهم يُهابُ

يفتخرون إن طه الموئلُ

ونحن آلُ بيتهِ نُقتّلُ

واسترجع الإمامُ مما كانا

فصبرهُ قد حيَّرَ الزمانا (١)

وانتشرت أخبارُ آلِ طه

في « جلّقِ » الشام وفي قُراها

واستنكرَ الناسُ على يزيدِ

فعلتهُ الشنعاء بالتهديدِ

قالوا قتلتَ ابنَ النبيّ الهادي

وعترةً من أفضل الأولادِ

أبعدَ إيمانِ نعودُ كفرا

وبعد قرآنِ نقول هجرا

وكثرت عند يزيدِ اللّائمة

بقتلهِ لابنِ البتولِ فاطمه

__________________

(١) وفي بعض الأيام خرج الإمام السجاد عليه‌السلام من الخربة ليروّح عن نفسه الهموم والأحزان ، فالتقى بالمنهال بن عمرو فبادره بالسلام قائلاً : كيف أمسيت يا ابن رسول الله ؟ فرمقه الإمام بطرفه وقال : أمسينا كمثل بني إسرائيل في آل فرعون يذبحون أبناءهم ويستحيون نساءهم أمست العرب تفتخر بأن محمداً منها وأمست قريش تفتخر على سائر العرب بأن محمداً منها وأمسينا معشر أهل بيته مقتولين مشردين فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

٣٠٧
 &

فلم يجد من قولهم مناصا

ولا من اتهامهم خلاصا

فقال ابن زياد قتله

وهو يلاقي ذنبه وعمله (١)

* * *

__________________

(١) ولمّا كثر الناقمون على يزيد بقتله ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله دعا الإمام زين العابدين عليه‌السلام فأبدى له اعتذاره والْقى المسؤولية على ابن مرجانة عبيد الله بن زياد قائلاً : لعن الله ابن مرجانة ، أما والله لو أنّي صاحبه ما سألني خصلة أبداً أعطيته إيّاها ولدفعت الحتف عنه بكل ما استطعت.

ولكنّ الإمام السجاد عليه‌السلام أعرض عنه ولم يجبه بشيء ، فقد عرف حقيقة أمره وأنّه يريد الهروب من آثار الجريمة النكراء التي اقترفها.

ويذكر الطبري أنّ معاوية كان قد أوصى ولده يزيد في الحسين عليه‌السلام حيث قال له : إن أهل العراق لن يدعوا الحسين حتى يخرجوه فإذا خرج عليك فاصفح عنه فإن له رحماً ماسة وحقاً عظيماً. فيزيد قد خرج عن الاسلام ولم يلتزم حتى بوصية أبيه.

٣٠٨
 &

المسير نحو المدينة

وقد أحسَّ باضطرابِ الشامِ

فأَرسلَ الرسولَ للإمامِ

ليُخرجَ السجّادَ والعيالا

وليُحسن التكريمَ والمقالا

وجهّزَ العترةَ للمسيرِ

وعودةٍ للأهلِ والعشيرِ

وأمر النعمانَ في أن يصحبا

بالرفقِ في مسيرةٍ أهلَ العبا

وسارت القافلةُ الحزينه

تطوي صحارى الشام للمدينه

دموعُهم لحزنهم دليلُ

وفي حداءِ ركبهم عويلُ

أطفالُهم تلوذ بالسجّادِ

وزينبِ والكلُّ في حدادِ (١)

* * *

__________________

(١) كان لوجود عائلة الحسين عليه‌السلام ورؤوس الشهداء في الشام أثر في ازدياد المعارضة على يزيد فخشي من تفاقم الأمور فقرّر أن يخرجهم إلى المدينة ، فعهد إلى النعمان بن بشير أن يصاحب ذرية رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعقائل الرسالة ويردهنّ إلى يثرب ، وأمر بإخراجهنّ ليلاً خوفاً من الفتنة ، وسارت القافلة تطوي الصحراء في رحلة الحزن والمعاناة والدموع.

٣٠٩
 &

العودة إلى كربلاء

وفي طريق الشام لاح مفترق

شاهده الحادي فصاح واختنق

بعبرةِ هذا طريق كربلا

هذا طريقُ مَن مضى مرمَّلا

فمالتِ النّياقُ للطفوفِ

ومالتِ الشمسُ إلى الكسوفِ

وحين لاحت لهم القبورُ

أضحت لها قلوبهم تفورُ

وقد رموا أنفسهم عليها

يشكون ما أصابهم إليها

قد أمطروها بالدموع الحرّى

يدعون حيدراً بها والزهرا

تلك تنادي أين قبرُ والدي

وهذه تصرخُ أين رائدي

وزينبٌ تندبُ يا أُخيّا

قد قتلوا بقتلكَ النبيا

اليوم ذلَّ بعدَك الاسلامُ

وقد أُبيحَ البلدُ الحرامُ

ففوق كل مصرعِ بكاءُ

وفوق كلِ تربةِ عزاءُ

حنّوا لها وجداً وبانكسارِ

وقد رأوا جابراً الأنصاري

جاء يزورُ مصرعَ الحسينِ

منتحباً ودامعَ العينينِ

يقول يا حبيبُ يا حسينُ

حبّك فينا للنبي دَينُ

أجب حبيباً طالما ناغاكا

طفلاً بحضنِ المصطفى رأكا

أنّى تجيبُ ودماك الزاكيه

جفت وقد ناحت عليك الناعيه

ورأسكَ الطاهرُ فوق الرمحِ

وصدرُك المرضوضُ بعدَ الذبحِ

وراح جابرٌ يصبُّ الدمعا

يبكي سليلَ أحمدِ والشرعا

٣١٠
 &

واعتنق الإمامَ في نحيبِ

والكلُّ منهم صاحَ يا حبيبي

قال علي ها هنا يا جابرُ

قد قتِلَ السَّبطُ الإمامُ الطاهرُ

وها هنا قد قُتِلتْ رجالُنا

وهاهنا قد سُبِيت نساؤنا

وها هنا قد أَحرقوا الخياما

وها هنا قد ذبحوا الاسلاما

وها هنا قد هُتِكت خدورُ

وها هنا قد قُطعت نحورُ

وها هنا شُرّدتِ الأطفالُ

وها هنا رُوّعتِ العيالُ

ثمّ تعالت صرخاتُ النسوه

لما تذكّرن مصابَ الإخوه

ومكثوا ثلاثةً في كربلا

وبعدها ثقلُ الإمامِ ارتحلا

وذاك في العشرين من شهر صفرْ

فصار ذكرى كلّما عاد ومرْ (١)

__________________

(١) يذكر كثير من الكُتّاب وأرباب المقاتل أنّ قافلة السبايا وقبل وصولها إلى المدينة انعطفت نحو العراق ، حيث كربلاء وذكريات الطفّ الأليمة. وحين بدت لهم معالم القبور الطاهرة وتنسموا عبير الحسين عليه‌السلام وأهل بيته تدفقت المقل بالدموع ورمت النساء بأنفسهنّ على ذلك الصعيد المعطر بدماء الشهادة. فكثر الصراخ والعويل ، وبقوا ثلاثة أيام يندبون الحسين حتى بحّت الأصوات وتفتّتت القلوب. كما تذكر بعض المصادر أنّ الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري قد تشرّف بزيارة قبر الحسين عليه‌السلام فالتقى به الإمام السجاد عليه‌السلام هناك وحدّثه عمّا جرى على أهل البيت عليهم‌السلام من محن ورزايا وخطوب وهو حديث يدمي القلوب بالحسرات. وبهذا يعد جابر الأنصاري أوّل زائر لقبر الحسين عليه‌السلام حيث وقف على قبره وأجهش بالبكاء وهو يقول : يا حسين ، يا حسين ، يا حسين ، ثمّ قال : حبيب لا يجيب حبيبه وأنّى لك بالجواب وقد شخبت أوداجك على أثباجك وفرّق بين رأسك وبدنك أشهد أنّك ابن خاتم النبيين ، وابن سيّد المؤمنين ، وابن حليف وسليل الهدى ، وخامس أصحاب الكساء ، وابن سيّد النقباء ، وابن فاطمة سيّدة النساء .. وما لك لا تكون كذلك وقد غذتك كف سيّد المرسلين ، وربيتَ في حجر المتقين ورضعت من ثدي الإيمان ، وفطمت بالاسلام ، فطبت حياً وطبت ميتاً غير أن قلوب

=

٣١١
 &



__________________

=

المؤمنين غير طيبة بفراقك ، ولا شاكة في الخيرة لك ، فعليك سلام الله ورضوانه ، وأشهد أنّك مضيت على ما مضى عليه أخوك يحيى بن زكريا.

ثمّ أجال بصره حول القبر وقال : السلام عليكم أيّتها الأرواح التي حلّت بفناء الحسين وأناخت برحله ، أشهد أنّكم أقمتم الصلاة ، وآتيتم الزكاة ، وأمرتم بالمعروف ، ونهيتم عن المنكر ، وجاهدتم الملحدين ، وعبدتم الله حتى أتاكم اليقين.

والذي بعث محمداً صلى‌الله‌عليه‌وآله بالحقّ نبيّاً ، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه فقال له عطية العوفي : كيف ولم نهبط وادياً ولم نعل جبلاً ولم نضرب بسيف والقوم قد فرق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأرملت الأزواج ؟

فقال له : إنّي سمعت حبيبي رسول الله يقول : مَن أحبّ قوماً كان معهم ومَن أحبّ عمل قوم اُشرك في عملهم ، والذي بعث محمداً بالحقّ نبيّاً أنّ نيّتي ونية أصحابي على ما مضى عليه الحسين وأصحابه.

٣١٢
 &

العودة الى المدينة

وحين قاربوا ديارَ يثربِ

تنسموا بعبرةِ طيبَ النبي

توقفوا لم يدخلوا عليها

وارسوا « ابن حذلمٍ » إليها

ينعى الحسين باكياً منبها

يا أهلَ يثربِ دعوا البقا بها

قد قُتل الحسينُ والأنصارُ

ورأسُه على القنا يُدارُ

قوموا فها قد وصلَ السجّادُ

وأهلهُ من بعد أسرِ عادوا

فهُرِعَ الناسُ لصوتِ الناعي

بكل قلبٍ مكمّدِ ملتاعِ

وقد دعوا بالويلِ والثبورِ

على يزيدِ الشرّ والفجورِ (١)

__________________

(١) بعد أن مكث الإمام السجاد عليه‌السلام مع العائلة ثلاثة أيام في كربلاء قضوها بالندب والبكاء والحسرات ، توجهت القافلة إلى يثرب حيث قبر النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله والأهل والعشيرة.

ولمّا وصل الإمام زين العابدين عليه‌السلام بالقرب من يثرب نزل فضرب فسطاطه وأنزل عماته وأخواته ، والتفت إلى بشر بن حذلم فقال له : يا بشر ! رحم الله أباك لقد كان شاعراً فهل تقدر على شيء منه ؟ فقال له : نعم يا ابن رسول الله ، فأمره الإمام أن يدخل المدينة وينعى لأهلها الإمام الحسين عليه‌السلام وانطلق بشر إلى المدينة ، فلمّا دخل المدينة اتّجه نحو المسجد النبوي الشريف ورفع صوته بالبكاء عالياً وهو يقول :

يا أهلَ يثرب لا مقام لكم بها

قُتلَ الحسينُ فأدمعي مدرارُ

الجسم منه بكربلاء مضرجٌ

والرأس منه على القناة يُدارُ

وهرع الناس نحو المسجد النبوي الشريف وقد علا صراخهم بالبكاء على الإمام الشهيد ، وهم يلتفون حوله ويطلبون المزيد من الأخبار وبشر غارق بالبكاء فقال لهم : هذا علي بن الحسين عليه‌السلام مع عماته وأخواته قد حلوا بساحتكم وأنا رسوله إليكم أعرّفكم مكانه.

٣١٣
 &

وخرج الإمامُ وهو ينحبُ

وراح في الجمعِ الحزينِ يخطبُ

فحمد الله وأثنى وشكرْ

ثمّ مصلياً على خيرِ البشرْ

يقول قد حل مصابٌ جللُ

وثلمةٌ في الدين لا تُكتملُ

قد قُتل الحسينُ ثمّ عترته

وسبيت نباؤهُ وصيته

ودار رأسه على البلدانِ

من فوقِ رأسِ الرمحِ والسنانِ

وقد بكتهُ في السّموات العُلى

ملائكُ اللهِ وأدمعُ الملا

والأرضُ والسماءُ والبحارُ

والماءُ والجبالُ والأشجارُ

فأيّ قلبٍ فيه لم ينصدعِ

وأيٌّ أذنِ للذي صار تعي

صِرنا ونحن الآلُ مبعدينا

مقتّلين أو مشرّدينا

بغير ذنبٍ لا ولا جريمه

قد طاردتنا الزمرةُ الأثيمه (١)

__________________

(١) يصف بعض المؤرخين لقاء الإمام السجاد عليه‌السلام مع الجماهير التي استقبلته على أبواب المدينة كاليوم الذي مات فيه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله لكثرة البكاء والنحيب وأولاد الإمام عليه‌السلام أن يحدث الناس بما جرى عليهم من عظيم الرزايا والنكبات بقتل الحسين عليه‌السلام وأهل بيته فجيء له بكرسي فجلس عليه‌السلام : الحمد لله ربّ العالمين ، الرّحمن الرّحيم ، مالك يوم الدين ، بادىء الخلق أجمعين‌ ، الذي بعد فارتفع في السموات العلى ، وقرب فشهد النجوى ، نحمده على عظائم الأمور ، وفجائع الدهور ، وألم الفجائع ، ومضاضة اللواذع ، وجليل الرزء ، وعظيم المصائب الفاضعة ، الكاظة ، الفادحة ، الجائحة.

أيُّها القوم إنّ الله تعالى إبتلانا بمصائب جليلة ، وثلمة في الإسلام عظيمة ، قُتِل أبو عبد الله الحسين وعترته ، وسبيت نساؤه وصبيته ، وداروا برأسه في البلدان من فوق عالٍ السنان ، وهذه الرزيّة التي لا مثلها رزيّة.

أيُّها الناس فأي رجالات منكم يسرون بعد قتله أم أي فؤاد لا يحزن من أجله أم أيّة عين منكم تحبس دمعها ، وتضن عن انهمالها ، فلقد بكت السبع الشداد لقتله ، وبكت البحار بأمواجها. والسموات بأركانها ، والأرض بأرجائها والأشجار بأغصانها ، والحيتان في لجج البحار ، والملائكة المقرّبون ، وأهل السموات أجمعون.

=

٣١٤
 &

ودخلوا المسجدَ في بكاءِ

والقبرُ والمنبرُ في عزاءِ

تلك تعزي بالمصابِ حيدرا

وتلك تدعو فاطماً وجعفرا

وقد بكى النبي للمصابِ

وما جرى لسيّدِ الشبابِ

وعُقدتْ مآتمُ الحسينِ

وانفجرتْ بالدمعِ كلُّ عينِ

وغرقت يثرب بالسوادِ

والحزنِ والعويلِ والحدادِ

وباتتِ المدينةُ المنوّره

تبكي على قتيلها ابن حيدره

فكل بيتِ يندبُ المطهرا

ويذرف الدمع سخيناً أحمرا

وأُنشدتْ قصائدُ الرثاءِ

وانتشرتْ مجالسُ البكاءِ

وأهلُ بيتِ المصطفى في حزنِ

لهم نياحةٌ بأشجى لحنِ

لم تعرف النسوةُ منهم طِيبا

ولم يعد بنانُها خضيبا

ولليتامى دمعةٌ وعَبره

بذكرِ مأساة شهيدِ العِتره

أبناء جعفر وولدِ زينبِ

وثلةِ من النساءِ النجبِ (١)

__________________

=

أيها الناس أي قلب لا ينصدع لقتله ، أم أي فؤاد لا يحن إليه ، أم أي سمع يسمع بهذه الثلمة التي ثلمت في الإسلام ولا يصم.

أيُّها الناس أصبحنا مشردين ، مطرودين ، مذودين ، شاسعين عن الأمصار كأننا أولاد ترك وكابل من غير جرم اجترمناه ، ولا مكروه ارتكبناه ، ولا ثلمة في الإسلام ثلمناها ، ما سمعنا بهذا في آبائنا الأوّلين ، إن هذا إلّا اختلاق ، والله لو أنّ النبيّ تقدّم إليهم في قتالنا كما تقدم اليهم في الوصية بنا لما زادوا على ما فعلوه بنا ، فإنّا لله وإنّا اليه راجعون ، من مصيبة ما أعظمها ، وأفضعها وأمرها ، وأفدحها ، فعنده نحتسب ما أصابنا ، فإنّه عزيز ذو انتقام ...

(١) بعد خطاب الإمام السجّاد عليه‌السلام الذي استعرض فيه فصول المحنة القاسية والمأساة الرهيبة التي تعرض لها أهل البيت عليهم‌السلام دخلت القافلة المدينة بالحزن والدموع والحسرات. أمّا عقيلة الطالبين زينب عليها السلام فإنّها أنشأت تقول :

=

٣١٥
 &



__________________

=

مدينة جدّنا لا تقبلينا

فبالحسرات والأحزان جينا

خرجنا منك بالأهلين طرّاً

رجعنا لا رجال ولا بنينا

ثمّ وقفت بباب المسجد وصاحت : يا جداه ! إنّي ناعية إليك أخي الحسين عليه‌السلام. وصاحت سكينة : يا جدّاه ! إليك المشتكى بما جرى علينا ، وأقامت السيّدات من عقائل الوحي والرسالة المآتم على سيّد الشهداء ولبسن السواد وأخذن يندبنه بأشجى ما تكون الندبة.

وفي حديث الإمام الصادق عليه‌السلام : ما اختضبت هاشمية ولا أدهنت ، ولا اُجيل مرود في عين هاشمية خمس حجج حتى بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد.

وأمّا الرباب فبكت على أبي عبد الله الحسين عليه‌السلام حتى جفت دموعها ، وكان من رثائها في الحسين عليه‌السلام :

إنّ الذي كان نوراً يُستضاء به

بكربلاء قتيلٌ غيرُ مدفونِ

سبط النبيّ جزاك الله صالحة

عنا وجُنبتَ خُسرانَ الموازينِ

قد كنتَ لي جبلاً صعباً ألوذُ به

وكنتَ تصحبنا بالرحم والدينِ

مَن لليتامى ومَن للسائلين ومَن

يغني ويأوي إليه كل مسكنِ

والله لا أبتغي صهراً بصهركُم

حتى أغيب بين الرمل والطينِ

٣١٦
 &

أحداث عاشوراء لا تغيب عن الذاكرة

وعاد زينُ العابدين نادبا

يذكرُ طولَ عمرهِ الأَطايبا

يَذكرهم حين يريدُ الماءا

كيف قضوا في كربلا ظِماءا

وكيف كانوا طعمةَ السيوفِ

مجزّرين في ثرى الطفوفِ (١)

وحين يندب الحسينَ يذكرُ

طفولةً رعاه فيها الأطهرُ

* * *

__________________

(١) بعد واقعة كربلاء استقرّ الإمام السجّاد عليه‌السلام في المدينة يذكر مصيبة الحسين عليه‌السلام ليلاً ونهاراً وليكون شاهداً حيّاً على أحدائها ، وحلقة وصل بين الثورة والأجيال التي تليها ؛ فبدأ منهاجه الرسالي في تذكير الناس بمبادىء الثورة عبر البكاء والدموع ، قال الإمام الصادق عليه‌السلام : إنّ جدّي علي بن الحسين عليه‌السلام بكى على أبيه عشرين سنة وما وضع بين يديه طعام حتى بكى ، حتى عذله بعض مواليه فقال له : إنّي أخاف عليك أن تكون من الهالكين فقال عليه‌السلام : يا هذا إنّما أشكو بثي وحزني الى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ، إنّ يعقوب كان نبياً فغيّب الله عنه واحداً من أولاده وعنده إثنا عشر وهو يعلم انّه حي فبكى عليه حتى ابيضت عيناه من الحزن ، وإنّي نظرت إلى أبي وإخوتي وعمومتي وصحبي مقتولين حولي فكيف ينقضي حزني ؟ وإنّي لا أذكر مصرع بني فاطمة إلّا خنقتني العبرة ، وإذا نظرت إلى عماتي وأخواتي ذكرت فرارهنّ من خيمة إلى خيمة.

٣١٧
 &

المولد المبارك

في الكوفةِ الحمراء يوم ولدا

في شهرِ شعبان باحضان الهدى

حين عليٌّ أخذ الوليدا

وضمّه لصدره سعيدا

مذكراً بشارةَ النّبي

إلى الحسينِ بابنهِ عليّ

يولد منه لي فتىً سجّادُ

تغبطهُ لزهدهِ العبادُ

كنيتهُ أبو الحسينِ والحسنْ

لم يُرَ مثلُه صبوراً في المحنْ

ذو الثفناتِ الطاهرُ الزَّكيُّ

وهو الأَمينُ الساجدُ الأَبيُّ

ووصف ابن الخيرتينِ طرّا

‌أجدادهُ من هاشمِ وكسرى

هيبته تعنو لها الوجوهُ

يغضي حياءً قال واصفوهُ

لا تشبع العيونُ من رؤيتهِ

وتفرحُ القلوبُ من بسمتهِ (١)

__________________

(١) جاء في الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي وكتاب كشف الغمة للأربلي إنّ الإمام السجاد عليه‌السلام وُلِد في يوم الخامس من شعبان سنة ٣٨ هـ. وهذا هو المشهور عند الإمامية ، فقد أشرقت سماء الكوفة وابتهجت أرضها بولادة زين العابدين إمام الحكمة والعرفان ، ورائد الهداية والمعرفة ، وسراج الدنيا والدين ، يقول السيّد المصري عبد العزيز سيّد الأهل : لقد وُلِد ضعيفاً نحيفاً تلوح في نظراته ومضات خافته ، وكأنها ومضات همّ منطفىء ، وما لبثت هذه الومضات المكسورة إن دلت فإنّما تدل على حزن قادم يوشك أن يقع.

لقد رافقته الخطوب وصاحبته الآلام منذ ولادته فقد اختطفت يد المنون أمّه الزكيّة وهو في المهد ، وتتابعت عليه المحن بعد ذلك يتبع بعضها بعضاً ، وكان أشدّها وقعاً وأعمقها أثراً أحداث كربلاء التي عاش تفاصيلها. وكما هي العادة الجارية لإجراء مراسم الوليد في الاسلام ، فقد حمله والده الحسين عليه‌السلام مسرعاً به إلى جدّه أمير المؤمنين فأذن في أذنه

=

٣١٨
 &



__________________

=

اليمنى ، وأقام في اليسرى فكانت كلمات التوحيد أوّل نغم يدخل قلبه وكيانه ، بذلك بقيت لحناً خاشعاً في مناجاته وأدعيته.

وأمّا تسميته فقد أجمع المؤرخون والرواة أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله قد سمّى حفيده بعلي بن الحسين عليه‌السلام ولقبه بزين العابدين قبل أن يخلق بعشرات السنين ، فقد روى الصحابي الجليل جابر بن عبد الله الأنصاري وغيره قال : كنت جالساً عند رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله والحسين في حجره ، وهو يداعبه ، فقال صلى‌الله‌عليه‌وآله : يا جابر ! يولد له مولود اسمه علي إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم سيّد العابدين ، فيقوم ولده ، ثمّ يولد له ولد اسمه محمّد فإن أدركته يا جابر فأقرئه منّي السلام.

وأذاع جابر هذا الحديث ، كما أدرك الإمام محمداً الباقر عليه‌السلام وبلغه هذه التحية من جدّه الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله فتلقاها الإمام بمزيد من الغبطة والسرور. كما نذكر ذلك إن شاء الله في القسم السابع من هذه الملحمة حول الإمام الباقر عليه‌السلام.

وأمّا كنيته فهي أبو الحسين ، وأبو الحسن ، وأبو محمد ، وأبو عبد الله ، وكان له عليه‌السلام عدّة ألقاب فهو : زين العابدين ، سيّد العابدين ، ذو الثفنات ، السجّاد ، الزكي ، الأمين ، وابن الخيرتين ، ولا شك أن هذه الألقاب والصفات تحكي خصائص شخصيته المباركة وسمات نفسيته العالية في الروح والإخلاص والحب والتضحية والوفاء والعطاء الذي ليس له انقطاع.

٣١٩
 &

الصحيفةُ السجّادية

يُعرف بالدعاء والتهجدِ

وكثرةِ السجودِ والتعبدِ

حتّى غدا دعاؤُه صحيفه

عاليةً في نهجِها منيفه (١)

__________________

(١) تعد الصحيفة السجادية للإمام زين العابدين عليه‌السلام من أعز كتب الدعاء والعرفان ومن أهم ذخائر التراث والأداب والبلاغة. وهي كما يقول الإمام الشهيد الصدر رضي الله ‌عنه : تعبر عن عمل اجتماعي عظيم كانت ضرورة المرحلة والظروف السياسية تفرضه على الإمام السجاد عليه‌السلام إضافة إلى كونها تراثاً ربّانياً فريداً يظل على مرّ الدهور مصدر عطاء ومشعل هداية ومدرسة أخلاق وتهذيب ، وتظل الانسانية بحاجة إلى هذا التراث المحمدي العلوي ، وتزداد حاجة كلّما ازداد الشيطان إغراء والدنيا فتنة.

وسندها المبارك ينتهي إلى الإمام أبي جعفر محمد الباقر عليه‌السلام وإلى الشهيد الفذ زيد ابن علي بن الحسين عليه‌السلام وقد توارثها أهل البيت عليهم‌السلام حتى أوصلوها إلى الأجيال بأمانة وإخلاص. كما ذكرت سلسلة سندها في مقدّمة الصحيفة ، ولجلالة قدرها سميت بزبور آل محمد ، وكانت منذ القدم موضع عناية علمائنا والواعين من أبناء مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام لما تتمتع به من أصالة فكرية ونفحات روحية وبلاغة علوية ، وأساليب عرفانية ومناهج تربوية في إعداد الفرد والمجتمع ، ومواجهة تحديات الشيطان على مختلف مواقع الصراع والمواجهة ، وهي نور القلب وسلاح الروح أمام التحديات ، وأذكر حين كنّا في المعتقل في منتصف السبعيات كان الجلّادون من رجال الأمن العراقي يعدون الصحيفة السجادية من الكتب الممنوعة التي يحظر على المؤمنين تداولها في المعتقل رغم انّها مجموعة أدعية ومناجاة في رحاب الله تعالى وآفاق الروح والحياة ، وذلك لما لها من أثر نفسي وأخلاقي في تماسك الشخصية واعدادها بالقوّة في مواجهة التحديات.

٣٢٠