ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

زبورُ آل أحمد قد وُصفتْ

على ذخائرِ الدعاء إئتلفتْ

يبدأها بالحمدِ والثّناءِ

لله في السرّاءِ والضراء

ثمّ الصلاةِ للنبيّ الهادي

وآلِهِ أئمةِ الرشادِ

تضمنتْ أفضلَ ما قد قيلا

من الدعا مهذباً جميلا

فيه تواضعُ العبادِ البررهْ

ودمعةٌ من خوفِه منحدرهْ

يدعو لجند الله في الثغورِ

وقلبهُ منبعُ كلّ نورِ

وفي المناجاةِ له دويُّ

فهو بحقَّ جدّهُ عليُّ

يسمع منه الباقرُ الدعاءا

وزيدُ يملي قوله إملاءا

قد ورثوها أهلُ بيتِ الرحمه

حتّى غدت معروفةً في الأمه

تلهجُ فيها ألسنُ الأَخيارِ

فهي بحقَّ درةُ الأَذكار

* * *

٣٢١
 &

فضائل الإمام السجّاد عليه‌السلام

وللإمام أفضل الصفاتِ

من كرمِ كانت ومكرماتِ

فهو يحبّ العبد والفقيرا

ويذكرُ المسكينَ والأَسيرا (١)

يُطعمُ من طعامهِ المملوكا

ما فرّق العبيدَ والملوكا

جيرانهُ كأهلهِ لديهِ

فالكلُّ منهم وافدٌ إليهِ

في الليل يحمل الجراب دأبُهُ

وحسبُهُ بذاك فخراً حسبُهُ

حتى لقد أثَّرَ في أكتافهِ

لينعمَ الفقيرُ في أكنافهِ

* * *

__________________

(١) عرف الإمام السجاد عليه‌السلام بفضائل الأخلاق والمكرمات؛ فطالما جالس الفقراء والمساكين حتى أصبح محبوبهم ، وطالما حمل والغذاء على ظهره لعوائل البؤساء والضعفاء في أحياء المدينة ونواحيها يسد جوعهم ويحفظ كرامتهم. حتى روى الزهرى انه لقي الامام السجاد عليه‌السلام في الليل وهو يحمل على ظهره جراب الطعام للفقراء فقال له : الى أين يا ابن رسول الله فقال له الامام : انا في سفر وبعد أيام لقي الامام فقال له ألم تسافر أجابه اللامام لا حيث تظن يا زهري .. انما هو سفر وهكذا كان الامام يرعى الفقراء ويحنو عليهم كالام الدؤوم.

٣٢٢
 &

الإمام السجّاد عليه‌السلام في لسان الرواة والفقهاء

وبيته محطّ أهل الذكرِ

حتّى روى العجيبَ منه الزُّهري (١)

يقول ما رأيت هاشميا

أفضل منه ميّتاً وحيّا

وقد روى عنه رواةٌ كثرُ

فعلمه يزخرُ وهو بحرُ

منهم أبو حمزةِ الثُّمالي

« ثابتٌ المعروفُ بالرجال »

ثمّ شهيدُها رشيدُ الهجري

وسالمُ المعروف مولى عُمرِ

ثمّ سعيد بن جبير الصيرفي

مَن ناله الحجاجُ بالسيوفِ

ثمّ سدير بن حكيم الصيرفي

فظالم بن عمرو المعرّفِ

وآخرون من رواةِ الصدق

قد عرفوا إمامهم بحق

__________________

(١) كان منزل الإمام السجاد عليه‌السلام ملتقى العلماء ومنتدى الذاكرين والباحثين في علوم الشريعة وآدابها ، فهو المعلم الذي تشد إليه الرحال ، وصاحب الحلقات الدراسية في مسجد جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

حتى قال عالم الحجاز والشام وأحد الفقهاء الأعلام وهو محمد بن مسلم القرشي الزهري : ما رأيت هاشمياً مثل علي بن الحسين وقال : كان علي بن الحسين أفضل أهل زمانه وأحسنهم طاعة. وحينما سئل عن أزهد الناس في الدنيا ، فقال : علي ابن الحسين عليه‌السلام.

وكان من شدّة حبّ الزهري للإمام السجاد عليه‌السلام إنّه إذا ذكره بكى. تاريخ دمشق ١٢ / ١٩.

ولقد روى عن الإمام السجاد عليه‌السلام رواة كثيرون ، منهم العالم الجليل أبو حمزة الثمالي ، واسمه ثابت بن صفية ، صاحب دعاء السحر في شهر رمضان المبارك ، وهو من وجوه الكوفة ورجالات الشيعة فيها ، وقد روى عن الإمام رسالته المعروفة رسالة الحقوق.

=

٣٢٣
 &



__________________

=

ومنهم رشيد الهجري وهو بطل من أبطال الاسلام الخالدين ورمز من رموز الجهاد الذي حمل مبدأ الإمامة وصمد بوجه الطاغية عبيد الله بن زياد. وكان قد أخبره أمير المؤمنين عليه‌السلام بما سيلقى في حب آل محمد. فقد قال له يوماً : يا رشيد ! كيف صبرك إذا أرسل إليك دعي بني أميّة فقطع يديك ورجليك ولسانك ، فقال للإمام : يا أمير المؤمنين ! أخرُ ذلك إلى الجنّة ، وبادر الإمام قائلاً له : يا رشيد ! أنت معي في الدنيا والآخرة.

وهكذا نال الشهادة مع الأبرار الذين لاحقهم الطاغية بعد مقتل الحسين عليه‌السلام فكان مع الخالدين ، ومنهم سالم بن عبد الله مولى عمر فقد عده الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام زين العابدين عليه‌السلام ومنهم سعيد بن جبير الكوفي وهو من العلماء التابعين المجاهدين ، كان من أبرز العلماء في عصره ، وقد تعرّض له الطاغية الحجاج بن يوسف الثقفي بالتعذيب حتى الاستشهاد ، وقبره اليوم شاخص يزار في مدينة الكوت في العراق.

ومنهم سدير بن الحكيم الصيرفي الكوفي ، عدّه الشيخ الطوسي من رجال الإمام زين العابدين. ومنهم ظالم بن عمرو ويكنى أبا الأسود الدؤلي ، عدّه الشيخ الطوسي من أصحاب الإمام زين العابدين عليه‌السلام كان من العلماء اللّامعين والشعراء الموهوبين وهو المؤسس الأوّل لعلم النحو حيث أخذه عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب في قصة معروفة.

وغيرهم كثير حتى أحصاهم الشيخ باقر شريف القرشي في كتب الرجال بمائة وثلاثة وستين رجلاً إضافة إلى إمراة فاضلة روت عن الإمام السجاد عليه‌السلام هي أمّ البر وقيل حبابة الوالبية.

٣٢٤
 &

والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ

قد حجّ عشرين على أقدامهِ

وخيلُه تُقادُ من أمامهِ

لم يزجر الناقةَ من رقتهِ

لكي يُشيعَ الرفقَ في أمّتهِ

وذات عام في الإحرامِ

وقد دنا الإمامُ من هِشامِ

فأفرج الناسُ له في الكعبه

فاستلم الرُّكنَ بكل هيبه

فغاظَ فعلتهم هشامُ

ثم أراد يُجهلُ الإمامُ

فقال : مَن هذا الذي تفرّقوا

عنه فرد قولهُ الفرزدقُ

هذا الذي تعرفه البطحاءُ

والبيتُ والأركانُ والأرجاءُ

هذا ابن سيّدِ العباد أحمدا

نراه فينا الهاشمي السيّدا

ولم يكن قولك من ذا ضائره

فهو سنا الدنيا ونورُ الآخره

تعرفه الأعرابُ والأعاجمُ

وكفه تألفُها المكارمُ

ما قال لا قط سوى التشهدِ

فهو بحقَّ بحرُ آلا أحمدِ (١)

__________________

(١) كانت علاقة أهل البيت عليهم‌السلام بالحج وطيدة لما ينطوي عليه من مضامين عبادية واجتماعية ، وثقافية ، وسياسية خصوصاً الإمام زين العابدين عليه‌السلام فقد عرف عنه إنّه كان شديد التعلق بالكعبة الشريفة ومسجد الحرام حتى قيل إنّه كان يحج ماشياً على قدميه حبّاً في هذه العبادة ، وتواضعاً وشوقاً في السعي إلى المحبوب ، وروي انّه أوصى ولده محمداً الباقر عليه‌السلام بناقته التي كانت ترافقه في هذه الرحلات الطويلة بأنّها إذا نفقت أي إذا ماتت أن يحفر لها ويدفنها خشية أن تأكلها الوحوش.

=

٣٢٥
 &



__________________

=

وهناك قصة مشهورة تشهد على مدى تعلق المسلمين الشديد بالإمام زين العابدين عليه‌السلام والحب والولاء الروحي له بين الجماهير وذلك حينما حج هشام بن عبد الملك وطاف بالبيت وأراد أن يستلم الحجر الأسود فلم يقدر على استلامه من شدّة الزحام ، فنصب له كرسي فجلس ينتظر ثمّ أقبل وسط هذا الحشد الجماهيري الهائل الإمام زين العابدين عليه‌السلام وأخذ يطوف فكان إذا بلغ موضع الحجر انقرجت الجماهير لهيبته وتنحى الناس لجمال طلعته حتى يستلمه لعظيم معرفتها بقدره وحبها له على اختلاف بلدانها ومذاهبها واتجاهاتها ، وحينما سأل أحد الناس عن الإمام ومَن يكون هذا ؟ تنكر هشام للإمام السجاد عليه‌السلام لئلا يفتنوا بمعرفته ، فأجاب الشاعر الفرزدق بقوله : أنا أعرفه ، فسجل الشاعر هذا الموقف في قصيدة رائعة مشهورة نذكر منها :

هذا الذي تعرف البطحاء وطأته

والبيتُ يعرفهُ والحلُّ والحرمُ

هذا ابن خير عباد الله كلهم

هذا التقي النقي الطاهر العلم

إذا رأته قريش قال قائلها

إلى مكارمِ هذا ينتهي الكرم

وليس قولك من هذا بضائره

فالعرب تعرف من أنكرت والعجم

يكاد يمسكه عرفان راحته

ركن الحطيم إذا ما جاء يستلم

ما قال لا قط إلّا في تشهده

لولا التشهد كانت لأوه نعم

يغضي حياء ويغضى عن مهابته

فلا يكلم إلّا حين يبتسم

ينشق نورُ الهدى عن نور غرته

كالشمس تنجاب عن إشراقها الظلم

مشقةٌ من رسول الله نبعته

طابت عناصرها والخيم والشيم

هذا ابن فاطمة إن كنت جاهله

بجده أنبياء الله قد ختموا

مقدم بعد ذكر الله ذكرهم

في كل فرض ومختوم به الكلم

٣٢٦
 &

ثورة المدينة

تعرفهُ يثربُ بالحميه

فهي بُراءٌ من بني أُميّه

بثورةِ يقودها الأَنصارُ

وثلّةُ الأَصحابِ والأَخيارُ

كانوا يرون أن آلَ هاشمِ

أولى بنصرٍ من بني المآثمِ

دافعهم أن يزيدَ فاجرُ

وظالمٌ وفاسقٌ وكافرُ

وتاركٌ للصومِ والصلاةِ

منهمكٌ باللهو واللذّاتِ

فاشتعلت يثربُ بالتحدّي

بخيرِ فرسان وخيرِ جُندِ (١)

__________________

(١) تشير الأبيات إلى ثورة المدينة وقد تسمى بثورة الحرة ، وهي من الثورات الكبيرة التي هزّت مشاعر المسلمين ، وكان سبب الثورة تراكم الثارات عند أهالي المدينة على بني أميّة خصوصاً بعد ثورة الحسين عليه‌السلام وما جرى على أهل بيته من بعده ، إضافة إلى تجاهر رأس السلطة ( يزيد ) بالفسق والفجور وارتكاب الموبقات والمعاصي ، وعدم الإكتراث بإرادة الأمّة وحرّيّتها واختيارها وكرامتها. فرأي أهل المدينة وانطلاقاً من مسؤوليتهم الشرعية أن يبعثوا وفداً للتفاوض مع يزيد في الشام ، فرجعوا وهم أشد نقمة على الأمويين ، فكانت الثورة الشعبية على والي المدينة وتحريرها من النظام الأموي الجائر.

وقد كان عبد الله بن حنظلة وهو أحد قادة الثورة يقول : والله ما خرجنا على يزيد حتى خفنا أن نرمى بالحجارة من السماء ، إنّه ينكح الأمّهات والبنات ، ويشرب الخمر ، ويدع الصلاة ، والله لو لم يكن معي أحد من الناس لأبليت لله فيه بلاء حسنا. الطبري ٤ / ٣٦٨.

فطردوا الحاكم الأموي عثمان بن محمد بن أبي سفيان وسائر بني أميّة وشكلت حكومة مؤقتة يديرها رجال الثورة.

=

٣٢٧
 &

__________________

=

ويذكر المؤرخون أنّ مروان بن الحكم وهو من الشخصيات الأساسية في النظام الأموي هرع إلى الإمام زين العابدين عليه‌السلام خائفاً على نفسه وعلى نسائه من الإعتداء ، فأجابه الإمام عليه‌السلام إلى ذلك وضم نساء الأمويين إلى حرمه ، ويقول المؤرخون أنّ الإمام السجاد قد كفل أربعمائة امراة مع أولادهنّ وحشمهنّ وضمّهن إلى عياله ، إلى أن خرج قائد الجيش الأموي مسلم بن عقبة من المدينة ، بعد ارجاعها الى السلطة الأموية وأقسمت واحدة منهنّ إنّها ما رأت في دار أبيها من الراحة والعيش الهنيء مثل ما رأته في دار الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام.

بعد ذلك وصلت الأنباء إلى دمشق بقيام الثورة في المدينة ، فخاف يزيد امتداد الثورة إلى باقي الأرجاء فانتدب أشرس مجرم إرهابي وهو مسلم بن عقبة لمواجهة أهالي مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوصف بأنّه من جبابرة العرب ، ويحدثنا صاحب العقد الفريد عن شكله بأنّه كان أعور أفغر ، ثائر الرأس ، كأنما يقلع رجليه من وحل إذا مشى ، ويقول المستشرق دوزي : إنّه كان لا يؤمن بالله ، ولا بالاسلام ، وكان مريضاً ، فلمّا أسند إليه يزيد قيادة الجيش غرّه السرور ، وقد قال له يزيد : إن شئت أن أعفيك ، فإنّي أراك مدنفاً « مريضاً » منهوكاً ، فقال له الخبيث : نشدتك الله أن لا تحرمني أجراً ساقه الله. « معاوية بن أبي سفيان لعمر أبو النصر. نقلاً عن الإمام زين العابدين للشيخ باقر شريف القرشي / ٢٦٦ »

وسار الجيش الأموي يطوي البيداء نحو المدينة ففرض عليها الحصار فقام المدنيون فحفروا الخندق الذي حفره رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يوم الأحزاب ، ولم تتمكن قوات يزيد من احتلال المدينة إلّا أن عبد الملك بن مروان أسرع بايعاز من أبيه إلى مسلم بن عقبة فدلهُ على عورات البلد ونقاط الضعف في الخندق وبذلك استطاع الجيش أن يدخل المدينة المنورة. وقد التحم الجيشان في معركة دامية ، استشهد فيها الصحابي البطل عبد الله بن حنظلة مع أبنائه وثلة من أبناء المهاجرين والأنصار ، وقد فقدت المدينة في هذه الواقعة ثمانين من أصحاب النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله حتى لم يبق بها بدري ، كما فقدت سبعمائة من قريش والأنصار وعشرة آلاف من سائر الناس. الطبري ٧ / ٥ ـ ١٢.

وقد أباح ( مسرف بن عقبة ) المدينة لجيشه الآثم أيام فقتل الأبرياء من الأطفال والشيوخ وهتك الأعراض ، وأخذ البيعة لمن بقي من الناس أنّهم خول وعبيد ليزيد بن معاوية يفعل بهم ما يشاء.

=

٣٢٨
 &

فوثبوا بابن أبي سفيانِ

عثمانِ أقبح فيه من عثمانِ

مخرباً ومفسداً في البلدِ

يسلب من أموالهم ويعتدي

فرَّ إلى الإمامِ كي يحميهِ

فضمّ أهلهُ إلى أهليهِ

وذاك ما لم ينكر الأَعداءُ

من فضلِ مَن تعرفهُ السّماءُ

أصبحت المدينةُ المجلله

في يدِ عبد الله وابن حنظله

وسارت الأخبارُ نحو الشامِ

فخطط الطاغوتُ لانتقامِ

أعدّ جيشاً كي ينالَ مأربه

يقودُه « مسلمٌ بن العقبه »

أوصاه بالسيفِ وأن تباحا

يثربُ أيّاماً وأن يُطاحا

بكل رأسِ يبتغي التمردا

فكلُّ أهل يثرِبٍ همُ العدا

فزحف الجيش اللئيم غدرا

ومسلم ينشد فيه شعرا

__________________

=

وأمّا الإمام زين العابدين عليه‌السلام فقد ألقي عليه القبض عندما كان عند قبر جدّه رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يدعو الله ويناجيه وجيء به إلى الطاغية ، فلمّا رآه ارتعدت فرائصه من هيبته وقام إليه تكريماً وقال له : سلني حوائجك ، فأخذ يتشفع بمن حكم عليهم بالموت فأجابه إلى ذلك ، ولم يبايع الإمام ليزيد كما بايع الناس.

وأمر المجرم ابن عقبة بحز رؤوس الشهداء من أبناء يثرب وبعثها إلى الطاغية يزيد بن معاوية فلمّا وضعت بين يديه سرّ بذلك سروراً بالغاً وجعل يتمثل بقول الشاعر ابن الزبعري يوم اُحُد كما هي عادته كلّما حقّق نصراً على بني هاشم وأحرار الإسلام وثواره :

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيد لا تشل

هذه هي نهاية ثورة المدينة أو واقعة الحرة ، فقد كانت من الكوارث المأسوية في حياة المسلمين ، وقد تركت لوعة وحزناً في نفس الإمام زين العابدين عليه‌السلام وهو يرى مدينة جدّه المصطفى وقد عاث يزيد فيها فساداً وتركها ركاماً من الأطلال الموحشة قد ملئت بيوتها بالأسى والثكل والأحزان بعدما كانت واحة غنّاء عامرة بالهدى والنور والعطاء.

٣٢٩
 &

« أبلغ أبا بكر إذا الأمر انبرى

وانحطت الرّايات من وادي القرى

أجمعُ سكران من القوم ترى

أم جمعُ يقظان نفى عنه الكرى »

فحاصروا مدينة الرسولِ

ومهبط الآيات والتنزيلِ

فحفر الثوار فيها خندقا

ليضمنوا لثورة الحق البقا

لكنّما الحرب استطالت نارها

واتقدت في يثرب جمارهها

حيث التقى الجمعان عند الحرَّه

« ومسرفٌ » صبَّ عليها شرَّه

فيا لها من وقعةٍ معابه

عضت ثمانينَ من الصحابه

لم يبق « بدريٌّ » بُعيدَ الوقعه

عشرةُ الآف بها أو تسعه

قد سالت الدماء دون رحمه

وانتهكت فيها نساء الأُمه

أباحها ثلاثةً للقتلِ

مشتتاً فيها لكل شملِ

وأجبر الناسَ على المبايعه

إلى يزيد خُولاً وطائعه

منتهكاً قبر النبيّ الأطهرِ

بخيله وجندهِ والعسكرِ

لكنّما السجّادُ لم يعطِ يدا

أو أن يخافَ منه أو يؤيدا

وبقي الإمام منه حذرا

لمّا رآهُ طاغياً مستهترا

وعانت المدينة العذابا

عاشت ولكن فقدت أحبابا

فالثكل والحزن وظلم الوالي

ومقتل الأبناء والرجالِ

قد ترك الأجواء فيها مظلمه

مذ أسرفت فيها أكفُّ الظلمه

* * *

٣٣٠
 &

ثورة التوابين

لكنّما الكوفةُ باتت قلقه

آلُ أُميّة بها مفترقه

والشيعةُ الأبرارُ في عناءِ

وندمٌ يموج في الأَحشاءِ (١)

__________________

(١) بعد واقعة كربلاء بداء الشعور بالذنب والإحساس بالندم يتصاعد تدريجياً في نفوس شيعة أهل البيت عليهم‌السلام وخصوصاً في أجواء الكوفة التي تنصر الحسين عليه‌السلام وهي التي دعته إليها ولم توفق إلى نصرته وإغاثته يوم عاشوراء ، فبدأ الواعون من المجتمع الكوفي يتلاومون بألم وحسرة يتحدّثون سرّاً عن مشروع الثورة ، وقد رفعوا شعارهم : يا لثارات الحسين.

وعقد التوّابون أوّل لقاء لهم في دار الصحابي الجليل زعيم الشيعة آنذاك سلمان بن صرد الخزاعي ، وقد ألقيت في هذا اللقاء عدّة كلمات حماسية لاهبة بالدموع والأسف لعدم التوفيق لنصرة ريحانة رسول الله الإمام الحسين بن علي عليه‌السلام وكان عدد الحضور أكثر من مائة رجل من فرسان الشيعة ووجهائهم ، وكان ذلك في سنة ٦١ هجرية وهي السنة التي استشهد فيها الامام الحسين عليه‌السلام. واتّخذ المجتمعون في هذا المؤتمر الخطير عدّة قرارات سياسية وجهادية وهي :

ـ الاتفاق على سليمان بن صرد الخزاعي قائداً للثورة وقد أنيطت به مسؤولية الاتصال بالمناطق الأخرى ووضع الخطة العسكرية للثورة.

ـ التعهد على سرية العمل والتخطيط وإحاطة التحرك بالسرية خوفاً من افشال الحركة.

ـ جمع الأموال والأسلحة والمعدات الأخرى وقد اتفقوا على عبد الله بن وائل التميمي لجمع الأموال وشراء الأسلحة.

ـ تحديد الوقت المناسب للثورة ، واتفقوا على أن تكون الانطلاقة في مطلع ربيع الثاني سنة ٦٥ للهجرة وإنّ السنوات الأربع كافية للإعداد لهذه الثورة.

ـ أن يكون موقع النخيلة هو النقطة التي يجتمعون فيها ومنه تنطلق الثورة على النظام الأموي الفاسد.

=

٣٣١
 &

إن لم يكونوا نصروا الحسينا

ولم يوفوا للنبيِّ الدينا

قد كاتبوه ودعوه سرا

لكنّهم لم ينصروه جهرا

فاشتعل اللومُ بهم والعتبُ

عسى يُكفرُ الونا والذنبُ

فما الذي يمحو سوادَ العارِ

غيرُ طلاب الثارِ للأطهارِ

فيالثارات الحسين ارتفعت

وخلفها كلُّ السيوف التمعت

فاجتمعوا في دارةِ الخزاعي

القائد المقدّمِ المطاعِ

فذكروا مقتل سبط طه

وأطلقوا آهاً تجرُّ آها

وقرّروا أن يكتبوا للشيعه

في السر نحو ثورةِ مريعه

__________________

=

ولمّا حان الوقت المتفق عليه تجمّع أربعة آلاف في النخيلة وقد انطلق الثوار إلى قبر الحسين عليه‌السلام وهم يبكون ويعلنون ندمهم وتوبتهم إلى الله من خذلانهم لسبط النبي وريحانته ، ثمّ انصرفوا عن القبر الشريف بعد أن أقسموا على الأخذ بالثأر للحسين الشهيد ، وكان عبد الله بن عوف الأحمر يلهب النفوس بشعره الثوري ، حيث كان يخاطب الجموع بقوله :

صحوتُ وودعت الصبا والغوانيا

وقلت لأصحابي : أجيبوا المناديا

وقولوا له إذ قام يدعو إلى الهدى

وقبل الدعا : لبيك لبيك داعيا

وسار جيش التوّابين يقدمهم عبد الله بن عوف وهو يثير حماسهم مرتجزاً بأشعاره.

فوصلوا إلى ( عين الوردة ) وقد زحفت عليهم جيوش الشام بقيادة المجرم عبيد الله بن زياد. فالتحم الجيشان التحاماً رهيباً وجرت أعنف المعارك ، وأبدى التوابون من البسالة والبطولة والصمود ما يشرّف صفحات التاريخ. فاستشهد قائد التوابين سليمان بن صرد والمسيب بن نجبة وعبد الله بن سعد وغيرهم من الأبطال. وفي غمرة الصراع راى التوابون أن لا قدرة لهم على المواصلة فتركوا ساحة القتال ورجعوا مع الجراح النازفة في ظلمة الليل البهيم إلى الكوفة ، ولا شك أن ثورة التوابين رغم أنّها لم تحقق نصراً حاسماً إلّا أنّها ساهمت في بلورة الوجود الشيعي الثوري في الكوفة ، وكذلك تحطيم القوة العسكرية للجيش الأموي الذي لا يقهر ، ومهدت الطريق إلى ثورة المختار العظيمة.

٣٣٢
 &

وجمعوا الأموالَ للسلاحِ

والفتحِ والجهاد والكفاحِ

ودام نظمُ أمرهم أعواما

أربعةً من قبل أن تقاما

ثورتهم في بقعةِ النخيله

فجيشُهم فيها أعدَّ خيله

كان لهم أربعَةٌ آلافُ

لم يرهبوا الموتَ ولم يخافوا

وانطلقوا لمصرعِ الحسينِ

والكلُّ منهم دامعُ العينينِ

فأعلنوا توبتهم للباري

وطلبوا الغفران بانكسارِ

ظلوا ثلاثاً في طفوف كربلا

من قبل أن ثورتهم تشتعلا

ساروا على اسم الله للجهادِ

ليقطعوا الواديَ بعد الوادي

يقدمهم فيها « ابن عوف الشاعرُ »

مرتجزاً بشعره يجاهرُ

« خرجن يلمعن بنا إرسالا

عوابساً يحملننا أبطالا

نريد أن نلقي بها الأقيالا

القاسطين الغدّر الضُّلّالا

وقد رفضن الولد والأموالا

والخفرات البيض والحجالا

نُرضي به ذا النعم المفضالا »

قد قالها ما أحسن المقالا

فوصلوا صبحاً « لعين الورده »

فيها « عبيد الله » لَمّ جنده

فالتحم الجيشان في بساله

والكل منهم ناله ما ناله

فاستشهد ابن صردِ الخزاعي

وهو صحابي بلا نزاعِ

وبعده المسيب بن نجبه

لاقى على درب الحسين ربّه

واستشهد الباقون في القتالِ

من بعد يوم شرس النزالِ

وقفل القلةُ نحو الكوفه

جرحى من المعركة المخوفه

* * *

٣٣٣
 &

ثورة المختار الثقفي

وهكذا الكوفة ظلت قلقه

رجالها قلوبُهم محترقه

ينتظر الأَحرارُ فيها الثارا

يبايعون سِرّاً المختارا (١)

__________________

(١) يعدّ المختار بن يوسف الثقفي من الشخصيات الإسلامية والقيادية اللّامعة في التاريخ الإسلامي حيث فجّر ثورة عارمة بوجه الأمويين تقوم على أساس الولاء والمحبة لأهل البيت عليهم‌السلام ومعاقبة الجناة والمفسدين خصوصاً الذين شاركوا في مجزرة كربلاء الأليمة. فقد امتازت شخصيته بشدّة الذكاء والدهاء والقدرة القيادية العالية إضافة إلى حبّه وولائه لأهل البيت عليهم‌السلام ولسمو مكانته عند الأئمة الأطهار عليهم‌السلام.

قال الإمام أبو عبد الله الصادق عليه‌السلام : ما امتشطت فينا هاشمية ولا أخضبت حتى بعث إلينا المختار برؤوس الذين قتلوا الحسين عليه‌السلام.

وفي رواية أخرى لمّا بعث المختار برأس عبيد الله بن زياد ورأس عمر بن سعد إلى الإمام زين العابدين عليه‌السلام خرّ الإمام ساجداً لله وقال : الحمد لله الذي أدرك ثاري من أعدائي وجزى الله المختار خيراً.

وممن نال العقاب المجرم الممسوخ حرملة بن كاهل الأسدي الذي قتل عبد الله الرضيع عندما حمله والده الحسين عليه‌السلام ليسقوه شربة من الماء فرماه الخبيث حرملة بسهم فذبحه من الوريد إلى الوريد ، فقد ترك هذا الرضيع الذبيح لوعة في قلوب العلويين ، فقد روى المنهال بن عمرو قال : دخلت على علي بن الحسين عليه‌السلام حال منصرفي من مكّة فقال لي : يا منهال ! ما صنع حرملة بن كاهل الأسدي ؟ قلت : سيّدي ، تركته حياً في الكوفة.

فرفع الإمام يديه إلى السماء ، وراح يدعو بحرارة قائلاً : أللّهمّ أذقه حر الحديد .. أللّهمّ أذقه حرّ النار ، قال المنهال : فلمّا قدمت الكوفة قصدت المختار وكان لي صديقاً فسلمت عليه ،

=

٣٣٤
 &

ويجمعون المال والسلاحا

لثورة تحقق الصلاحا

حتّى إذا ما قويت شوكتُهم

واكتملت على الوفا عدّتهم

تفجرت صرختهم بالثارِ

إلى دمِ ابن المصطفى المختارِ

فأطبقوا على دروبِ الكوفه

وقاتلوا جيوشها الموصوفه

فانتصروا ونصرهم مؤزرُ

وقد أحاط بالطغاةِ الخطرُ

__________________

=

ورأيته مشغول الفكر يترقب أمراً وما هي إلّا لحظات حتى جيء بالمجرم حرملة بن كاهل فأمر بإحضار نار ، وتقطيع أوصاله وإلقائها في النار ، فكبرت فالتفت المختار إليَّ وقال : إنّ التكبير لحسن ، لِمَ كبرتَ ؟ فأخبرته بدعاء الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام وعظُمَ ذلك عند المختار وصام يومه شكراً لله على استجابة دعاء الإمام على يديه.

وأمّا قصّة مصرع الطاغية عبيد الله بن زياد بن أبيه فقد علم المختار إن عبد الملك بن مروان أرسل جيشاً كثيفاً بقيادة عبيد الله بن زياد لفتح الكوفة ، وعهد إليه أن يبيحها ثلاثة أيام لجنده ، كما فعل ذلك يزيد بن معاوية في مدينة النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله فانتدب المختار لمواجهة جيشاً مفعماً بحب آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله والدفاع عن مدرستهم العقائدية الأصيلة والروح المعنوية العالية وكان بقيادة الرجل الشجاع إبراهيم بن مالك الأشتر رضي ‌الله ‌عنه ، وكان جيش ابن زياد يفوق جيش الأشتر عدداً وعدة إلّا أنّه فارغ من الإيمان والروح المعنوية ، وقد التحم الجيشان في معركة الزاب الهيبة ، أبدى فيها جيش الكوفة صموداً وبسالة وإقداماً فانهزم جيش الشام شر هزيمة وخسر خسائر فادحة في الأرواح والعتاد ، وقد قتل البطل إبراهيم الأشتر رأس الضلال والجريمة عبيد الله بن زياد وقتل الحصين بن نمير كما قتل أكثر القادة العسكريين من أهل الشام وحمل رأس ابن زياد إلى المختار فسرّ بذلك سروراً بالغاً.

ووجّه المختار برأس الخبيث إلى الإمام علي بن الحسين عليه‌السلام وحين وصل الرسول إلى باب الإمام صاح بأعلى صوته : يا أهل بيت النبوة ، ومعدن الرسالة ، ومهبط الملائكة ، ومنزل الوحي ، أنا رسول المختار بن أبي عبيدة الثقفي ومعي رأس عبيد الله ابن زياد ...

ولم تبق علوية في دور بني هاشم إلّا صرخت ، فقد تذكرت ما اقترفه ابن مرجانة من الجرائم تجاه حرائر النبوة وبنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ولمّا رأى الإمام الطاغية سجد لله شكراً ، وقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أنجز ما وعد وأدرك ثأري من عدوي.

٣٣٥
 &

فانتقموا من قاتلي الحسينِ

ثمّ وفوا لله كل دَينِ

ثم أقاموا دولة فتيه

قد أعقببت حكم بني أُميّه

فأرسلت دمشق بالفرسانِ

لكنّما الأشترُ في الميدانِ

فحدثت معركةٌ في الزابِ

واستعر القتلُ مع الضرابِ

فقتل المسخ « عبيدُ اللهِ »

ومعه « الحصين » ذاك اللّاهي

وأُرسلت رؤوسهم ليثربِ

ففرحت بقتلهم آلُ النبيّ

وسجد الإمامُ وهو يشكرُ

ثمّ يقول ذلك المقدرُ

وفرحت عقائل الإمامه

وابتشرت بالنصر والكرامه

* * *

٣٣٦
 &

رسالة الحقوق

ظلّ الإمام يقطن المدينه

ورغم ذا قلوبهم حزينه

لكنّه ظلَّ طويلاً يدعو

مربياً جيلاً ليعلو الشرعُ

رسالة الحقوقِ من عطائه

وهي نظامُ الدين في صفائه (١)

قد جمعت حق بني الانسانِ

بعد حقوق الخالق الرّحمنِ

__________________

(١) مارس الإمام السجاد عليه‌السلام نشاطاً فكرياً واجتماعياً واسعاً في المدينة المنوّرة طيلة مدّة إمامته التي كانت حوالي ٣٥ سنة ، حتى قيل إنّه كان المؤسس الثاني لمدرسة أهل البيت عليهم‌السلام الفكرية والفقهية بعد جدّه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه‌السلام حيث نشر الفقه والعلم ، وأخذ عنه العلماء وطلّاب الحقيقة من مختلف أصقاع العالم. كما إنّه ترك تراثاً فكرياً وتربوياً رائعاً في مختلف فنون العلم والأدب والأخلاق والمعرفة.

ومن تراثه الخالد رسالته إلى بعض أصحابه المعروفة برسالة الحقوق وهي مجموعة حقوق انسانية وأخلاقية واجتماعية وسياسية من النمط العالي تصلح أن تكون دستوراً لحقوق الانسان في كل زمان ومكان ، وقد سبقت بمضامينها الانسانية الراقية الإعلان العالمي لحقوق الانسان المعتمد من قِبَل الأمم المتحدة في القرن العشرين.

فهي تحدد واجبات الانسان تجاه ربّه وخالقه الذي أنعم عليه بنعمة الوجود وسائر النعم الأخرى ، وحقوق الوالدين والنفس والإخوان والجيران وسائر طبقات الأمّة وشرائحها الاجتماعية المختلفة ، وقد بلغت خمسين حقاً ، وهي إن دلّت على شيء إنّما تدل على سمو الفكر وصفاء الروح وسعة العقل عند زين العابدين وسيّد الساجدين عليه‌السلام وقد روتها كتب الحديث المعتبرة مثل الخصال ومَن لا يحضره الفقيه للصدوق ، وتحف العقول لابن شعبه الحراني ، وغيرها من المصادر.

٣٣٧
 &

ثمّ حقوق السادة الأئمه

وبعدها جاءت حقوق الأُمّه

ثمّ حقوق النفس والرعيّه

ثمّ حقوق الرحم المرعيه

ثمّ حقوق الأب والأبناءِ

والأهل والوفا للأصدقاءِ

ثمّ حقوق الزوج والأصحابِ

والنصح للإخوان والأحبابِ

خمسون حقاً توجب الرعيه

قد أسندت بسورةٍ وآيه

أوجزها الإمامُ في رساله

لتحتوي القانونَ والعداله

* * *

٣٣٨
 &

السجّاد عليه‌السلام في ذمّة الخلود

ورغم أنَّ عَمل السجّادِ

مقتصرٌ في النصحِ والرشادِ

لكنّه اغتاظ بني أُميّه

وحسدته الأنفسُ الدنيّه

قال « الوليد » قولةً بالغدرِ

« والله لا راحة لي في عمرِ »

وذا « علي » يسكن المدينه

حياً وكل الناس يعشقونه

فدسّ سماً للإمامِ قاتلا

فأفرحَ الطغاة والأراذلا

وأحزن القرآن والإسلاما

وعطّل الحلالَ والحراما

وحُملَ السجّادُ للبقيعِ

مودعاً بالحزنِ والدموعِ

واتّشحت يثربُ بالسوادِ

وهي تواري جسدَ السجّادِ

عليه منّا أفضلُ السلامِ

فقد هوت دعامةُ الإسلامِ (١)

__________________

(١) واصل الإمام السجاد عليه‌السلام مشاريعه الإصلاحية في الإرشاد والتوجيه والارتفاع بالأمّة إلى مستوى المسؤولية الرسالية والأخلاقية ، فقد كان قطب الرحى في المدينة المنوّرة خصوصاً بعد تصفية كل المعارضين للنظام الأموي .. فتعلق الناس بالإمام وأحبّوه لعلمه وعبادته وورعه وصفاء نفسه. فكان السعيد مَن يحظي برؤيته ، والعظيم مَن يهتدي بهداه. وقد شق ذلك على الأمويين وقد تأزم الموقف بعد موت عبد الملك بن مروان حيث تسلّم ابنه الوليد زمام الأمر بعده وكان من أشدّ الحاقدين على الإمام زين العابدين عليه‌السلام فقد روى الزهري انّه قال : لا راحة لي وعلي بن الحسين عليه‌السلام موجود في دار الدنيا ، وأصرّ الخبيث على إغتيال الإمام فبعث سماً قاتلاً إلى عامله على يثرب وأمره أن يدسه للإمام ونفّذ عامله ذلك وقيل كان على يد سليمان بن عبد الملك.

=

٣٣٩
 &



__________________

=

وقد تفاعل السم في جسم الإمام عليه‌السلام فأخذ يعاني أشدّ الآلام وأقساها فبقي عليه‌السلام أياماً طريح الفراش يبث شكواه إلى الله ويدعو لنفسه بالمغفرة والرضوان ، ويوصي أهل بيته بالصبر والتقوى خصوصاً ولده محمد الباقر عليه‌السلام الذي حمل لواء الإمامة بعده فكان الوصي والوارث من بعده في قيادة الأمة والدفاع عن رسالتها الإسلامية.

وهكذا انطوت صفحات عصر الإمام زين العابدين عليه‌السلام فودع الدنيا راحلاً إلى الله نقي الثوب وضاح الجبين. فجهز وكفن وحمل نعشه على الأعناق فدفن في مقبرة البقيع إلى جنب عمّه الإمام أبي محمد الحسن المجتبى عليه‌السلام. ولكن أفكاره وأهدافه بقيت حيّة تزخر بالعطاء والنماء تحرك التاريخ وتوقض النفوس وتقارع الظالمين.

فسلام عليك سيّدي أيُّها السجاد ، يا علي بن الحسين ، أيُّها الرّاحل العظيم. ولمزيد الفائدة فإنّنا نثبت رسالة الحقوق بنصها الكامل باعتبارها أعز وثيقة انسانية ودستورية في ملحق هذه الهوامش.

والله ولي التوفيق.

والحمد لله ربّ العالمين

٣٤٠