ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

__________________

=

سمعت ابي موسى بن جعفر الكاظم يقول ؛ سمعت ابي جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام يقول ؛ سمعت ابي محمد بن علي الباقر يقول ؛ سمعت أبي علي بن الحسين السجاد يقول ؛ سمعت ابي الحسين بن علي الشهيد يقول ؛ سمعت ابي امير المؤمنين علي بن ابي طالب يقول ؛ سمعت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله يقول ؛ سمعت جبرائيل يقول ؛ سمعت الله عز وجل يقول : كلمة لا اله الا الله حصني فمن دخل حصني أمّن عذابي ، ثم سار عليه‌السلام بضع خطوات وأخرج رأسه ثانية وقال : بشرطها وشروطها وانا من شروطها ، فدوّنْت العلماء اهل الحديث هذا الخبر العظيم وسمي فيما بعد بـ « الحديث ذي السلسلة الذهبية » وهذه القضية ذات الحديث الذهبي اشار اليها العلماء واثنوا عليها. المنتظم لابن الجوزي ١٠ / ٦٧ ، الصواعق لابن حجر / ٣١٠.

وسمي هذا الحديث بـ « سلسلة الذهب » لان سلسلة رواته كلهم معصومون ، ومن المفيد ذكره هنا ان لهذا الحديث عدة شروح ، وعليه عدة تعليقات ، وقد اخرج له الشيخ الصدوق عدة طرق في رواتها ، وكذلك من المفيد ذكره ان هذا الحديث الذهبي قد تضمن جملة حقائق من الممكن الاشارة الى بعض منها :

١ ـ سند الحديث الضبط والاثبات والقدسية والوضوح بحيث اشتهر بحديث السلسلة الذهبية.

٢ ـ مضمونه المشتمل على ادق قضايا الايمان الا وهو التوحيد الذي وجب على كل انسان بحكم العقل الاعتقاد به فضلا عن النطق به.

٣ ـ الاشارة الى ان الاعتقاد بالنبوة ومكملاتها من الامامة باهل البيت عليهم‌السلام الواجب على اهل التوحيد شرط اساسي من شروط قبول عقيدة التوحيد ، بل أشار الامام الرضا عليه‌السلام ان الاعتقاد بالامامة المعصومة شرط من شروط هذا التوحيد ، وهذا امر في غاية الاهمية ، حتى ان البعض ومنهم الصدوق في « عيون اخبار الرضا » ذكر نصاً اخر للحديث بطريق آخر مفاده : « ولاية علي بن ابي طالب حصني فمن دخل حصني امّن عذابي » ولا منافاة بين الحديثين كون ان احدهما يؤدي الى الاخر.

٤ ـ الدخول في حصن التوحيد الذي من شروطه النبوة والامامة دليل على النجاة والحفظ سواء كان دنيوياً او اخروياً.

٥٦١
 &

الوصول الى طوس

ثم أتى للقريةِ الحمراءِ

صلى لرب الأرض والسماءِ

ثم أتى أرض « ساناباد » الجبل

فطبخوا له قليلاً وأكل

ثم أتى طوساً مع العناءِ

حلَّ على دار حميد الطائي

ثم دنا لقبر هارون وقد

خطَّ الى جانبه خطاً بيد

وقال : هذي تربتي سأُدفنُ

فيها وقد مرّ عليّ الزمنُ

وهي مزارُ شيعتي البعيدُ

يقصده الموفق السديدُ

تنال تحت قبتي الشفاعه

إن قُرنت ولايتي بالطاعه

وسار ركب المجد حتى « سرخس »

ثم الى « مروِ » أتي في الغلسِ

و « مروُّ » كانت مركز الخلافه

حلّ بها باكرم الضيافه (١)

* * *

__________________

(١) حين وصل الامام الرضا عليه‌السلام وبعد ذلك وصل عليه‌السلام مدينة « طوس » بعد جهد جهيد ، ثم دخل دار « حميد بن قحطبة الطائي » التي فيها قبر « هارون العباسي » فنزل عليه‌السلام وخط الى جانبه وقال لمن حوله :

« هذه تربتي ومحل دفني ، وسيجعل الله هذا المكان مختلفاً لشيعتي ، واهل محبتي ، والله ما زارني هنا زائر الا غفر الله له ».

ثم صلى عليه‌السلام هناك عدة ركعات وسجد سجدة طويلة.

٥٦٢
 &

لقاءُ المأمون

عظّمه المأمون بأحترامِ

وذاك ما يليقُ بالامام

وصار ما بين يديه خاضعا

وراح يجثو عنده موادعا

أفردَ للامام داراً عامره

زيَّنها بالغرفات الباهره

وأوقد الشموعَ والضياءا

وعطر الابهاءَ والارجاءا

وأمر العبيدَ ان تطيعا

وان تُلبّي أمره جميعا

لكنما الامام ظل صامتا

يئنُّ في السر أنينا خافتا

لما دعاه عنده المأمون

وباح سره بما يكون

فقال : اني قد نويت أمرا

طويتُ اضلاعي عليه سرا

ان اخلعَ الامرَ الذي في عنقي

اليك يا ابن المصطفى البر التقي

فأنت أهلٌ أنتَ للخلافة

من دونما ريبٍ ولا مخافة

خذها فأنت صاحب الامر الرضا

خذها فأنت وارثٌ ممن مضى

فأطرق الامامُ ثم قالا

عذتك بالله بأن تُطالا

هذا كلامٌ لم أجئ لأسمعه

فلستُ ممن يبتغون مطمعه

فاعرض المأمون ثم ردا

ان كان لا بد تولّ العهدا

وكن وليّ عهدي المنتجبا

فأنت من أهل الوفاء والأبا

فامتنع الامام باعتذارِ

وقال ما يليق بالحوارِ

فأنني أطلب ان تعفيني

واستعيذ الله ان تغريني

فانتفض المأمون ثم هددا

لا بد أن ترضى وان تقتصدا

فلم يرَ الامام منه بدا

حين أجابه لما قد ردا

* * *

٥٦٣
 &

شروط البيعة

مشترطاً عليه أن لا يأمرُ

أمراً ولا ينهى وليس يُنكرُ

وليس ان يفتي ولا ان يقضي

ولا مُغيِّراً لشئ يمضي

ولا يُولّي والياً أو يعزلُ

ولا يحلُ عقدةً او يفتلُ

فقبل المأمونُ ما أرادا

وصار ليل همهِ أعيادا

وأوقدت بذلك الشموعُ

واصبح العطرُ بها يضوعُ

ووزع المأمونُ من اموالهِ

على الجواري او على رجالهِ

ثم على كل الولاة فرضا

ان يُضرَبَ النقدُ غدا باسم الرضا

وكانتْ البيعةُ لمّا فُرضتْ

لخمسةٍ من رمضانٍ قد مضت

ولبس الجميعُ ثوباً أخضرا

واسبشرت « هاشم » بالذي جرى (١)

* * *

__________________

(١) اثارة مسألة ولاية العهد في حينها الجدل والخلاف بين الشيعة ، وكان الامام الرضا عليه‌السلام يريد بها حقن دماء العلويين وحماية الاسلام من التحريف ، والتشويه ، وتثبيت دعائم مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام فكان حاله كحال نبي الله يوسف عليه‌السلام لما حمله طاغية عصره على السلطة.

في حين لم تعِ الامة تلك الدواعي والغايات وانما فهمت خطأً ان ذلك كان تأيداً لسياسة المأمون ، ومن الواضح في التاريخ ان المأمون كنا يفهم موقع الامام عليه‌السلام بالامة ويتحسس من وجوده ، وقد أراد من ولاية العهد تحسين صورته والتفرد فيما بعد بالسلطة ، الا ان الامام عليه‌السلام كان على حقيقة تامة انه مقتول منذ لحظة خروجه من المدينة الى طوس ، وقد امن بهذا القدر ، وانه محتوم لا محالة ، فما كان عليه سوى قبولها من اجل اجبار المأمون على الاعتراف بأحقية أهل البيت عليهم‌السلام وفضلهم ، وحقن دماء اتباعهم ، وحماية ونشر الاحكام والمباديء الاسلامية بين الناس على نطاق واسع.

٥٦٤
 &

الشعراءُ والقصيدة التأريخية

وقام من بين يديه الشعرا

مرددين شعرهم مُحبَّرا

يروون عن أبائه مآثرا

ويذكرون مجدهم مفاخرا

ستة أباءٍ شموس الناس

أين ترى هم بنو العباسِ

وكان شعرُ دعبل الخزاعي

قلائداً تلوحُ بالتماعِ

ينشدُ شعراً محكم الابيات

مطلعهُ « مدارسُ الآياتِ »

قصيدة من أروع القصائدِ

تسمو بأبيات العُلى الخوالدِ

ينشدُ فيها دعبلٌ ويبكي

قفرٌ بعرصاتٍ ببيتِ النُسكِ

ويندبُ الزهراء والهواشما

ويندب السبط الذي عانى الظمى

يقولُ يا فاطم لو شهدتهِ

مجدّلاً من بعد ما عهدته

يحمله النبي في يديهِ

مُقبِّلا من حبه عينيهِ

فارتفع النشيجُ للنساءِ

وعَمت البيوتُ بالبكاء

أما الرضا فقد علا بكاهُ

ودعبلُ ينشدهُ أساهُ

حتى اذا من شعره قد انتهى

قام الرضا لصرّةٍ ففلّها

أعطاه ستمائةٍ صفراءا

وجُبّةً فاخرة خضراءا

فقال : دعبلٌ له مقالا

والله لستُ ابتغي الاموالا

لكنما حبكمُ حداني

بأن اصوغَ هذه المعاني

فيا لها من جبةٍ موصوفه

جرت عليها قصة معروفه (١)

__________________

(١) ومن اجل نشر فضائل اهل البيت عليهم‌السلام ودورهم الريادي في الامة ، وتبيان مظلوميتهم على مرّ التاريخ ؛ شجّع الإمام عليه‌السلام الشعراء على نظم الشعر في هذا الخصوص ، لانه خير

=

٥٦٥
 &



__________________

=

وسيلة اعلامية في ذلك العصر ، لسرعة انتشاره وسهولة حفظه وانشاده ، فقد دخل عليه الشاعر دعبل الخزاعي وانشده قصيدته التي جاء فيها :

مدارس آيات خلت من تلاوةِ

ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ

لآل رسول الله بالخيف من منى

وبالبيتِ والتعريفِ والجمراتِ

ديار علي والحسين وجعفرٍ

وحمزة والسجاد ذي الثفناتِ

منازلُ جبريل الأمين يحلها

من الله بالتسليمِ والرحماتِ

ائمةُ عدل يقتدى بفعالهم

ويؤمنُ فيهم زلة العثراتِ

ارى فيئهم في غيرهم متقسماً

وايديهم عن فيئهم صفراتِ

ثم بدأ بابراز مظلوميتهم وما جرى عليهم من قبل الحكّام المتعاقبين على الحكم ، ثم ختم القصيدة بخروج الإمام العادل الذي يملأ الارض قسطاً وعدلاً ، وهو الإمام المهدي عليه‌السلام الذي تنتظره الامم الشعوب.

ولما فرغ من انشادها ، قام الإمام عليه‌السلام وانفذ اليه صرة فيها مائة دينار ، وقيل ستمائة دينار فردها دعبل وقال : والله ما لهذا جئت وانما جئت للسلام عليه والتبريك بالنظر الى وجهه الميمون ، وإني لفي غنى فإن رأى أن يعطيني شيئاً من ثيابه للترك فهو احب اليّ ، فاعطاه الإمام عليه‌السلام جبة خز وردّ عليه الصرة. اعلام الهداية ١٠ / ١٥٥ ـ ١٥٦.

٥٦٦
 &

صلاةُ العيد

وذات صبح حين حلّ العيدُ

وأصبحَ القادةُ والجنودُ

ينتظرون من وليِّ العهدِ

صلاتهُ في بهجةٍ وسعدِ

اذ بعث المأمون للامامِ

يدعوه للصلاة بالأنام

فاعتذر الامام ما قد كُلِّفا

مشترطا له صلاة المصطفى

فوافق المأمون ثم أمرا

من كل قائدٍ بأن يُبكِّرا

فقعد الناس على الابوابِ

ينتظرون طلعة الاطيابِ

فخرج الامامُ في هيئتهِ

يذكّرُ الناسَ بأهل بيتهِ

مُكبّراً يسيرُ وهو حافي

في وجهه الخشوعُ ليس خافِ

شمّر عن ثيابه وسارا

والناس خلفه غدت حيارى

وضج ذاك الجمع بالبكاءِ

لما رأوهُ ايةَ السماءِ

وأخبر الخليفةَ الحراسُ

قد فُتِنت بابن النبي الناسُ

فبعث المأمون من يمنعهُ

وللديار خشيةً يُرجعهُ

فرجع الامام يخفي همّه

واضطربت بما تراه الأمه (١)

__________________

(١) اورد قصةً « صلاة العيد » جمع من المؤرخين واصحاب التراجم والسير ، والتي انفضح بها أمر المأمون وانكشف للناس مكان يضمره للامام عليه‌السلام.

فلما حضر العيد وكانت ولاية العهد ثم عهدت للرضا عليه‌السلام طلب المأمون من الامام بالتوجه لصلاة العيد بالناس والخطبة بهم ، لكن الامام اعتذر عن ذلك بما اشترطه على المامون ، فألح عليه المأمون بان ذلك يدعو الى اطمئنان الناس بالامر ، اضافة الى انهم

=

٥٦٧
 &



__________________

=

يعرفون فضلك ، وبعد الحاح شديد اشترط الرضا عليه‌السلام للخروج ان يخرج كهيئة جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وجده امير المؤمنين عليه‌السلام وفعلا امر المأمون بأخراج القادة والاعيان والناس مبكرين للصلاة ، وبدأت الجموع تتوافد على الطرق ، والوقوف على السطوح لرؤية الامام وطلعته البهية ، وسرعان ما خرج الامام كأنه جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى راسه عمامة بيضاء من القطن ، وهو حافي القدمين ، واثناء مسيره عليه‌السلام كان يكبّر والناس تكبّر كل ذلك ادى بالوزير « الفضل بن سهل » ان يسرع باخبار المامون بان الامام عليه‌السلام لو وصل الى مكان الصلاة لفتن به الناس وانقلب سلطان المامون وحكمه فاسرع المامون بارجاع الامام فوراً محتجاً بانه قد اتعب الامام عليه‌السلام في هذا الامر ، وانه قد اناب عنه من يصلي بدله ، وهنا طلب الامام عليه‌السلام خفاً فلبسه ورجع من حيث اتى. الارشاد / ٣١٢ ، كشف الغمة ٢ / ٢٧٨.

٥٦٨
 &

الزواج السياسي

وقد روى الصدوق في العيون

روايةً جاءت عن المأمونِ

من أنه قد زوَّج الأماما

ام حبيبٍ اختهُ احتراما

وثمُ سمّى للجواد ابنته

لكي يمدّ للرضا لُحمته

ثم مضى الرضا وليّ عهدِ

يُخفي غدا من سره ويُبدي

محتسباً لما به وصابرا

لكل مظلومٍ غدا مناصرا

مُدافعاً عن الهدى والدين

وعن كتاب الحق واليقين (١)

* * *

__________________

(١) ذكر المؤرخون تزويج المأمون اخته ام حبيب الى الامام الرضا عليه‌السلام وسمى ابنته الاخرى « ام الفضل » لولده الامام محمد الجواد عليه‌السلام.

وقد ذكر القندوزي الحنفي : لما اراد المأمون ان يتقرب الى الله سبحانه والى الرسول صلى‌الله‌عليه‌وآله عهد بالبيعة لعلي الرضا عليه‌السلام وزوجه اخته ام حبيب. ينابيع المودة ٢ / ٦٧.

وذكر الشيخ الصدوق : وزوّج المأمون الامام عليه‌السلام اخته ام حبيب وسمى ابنته « ام الفضل » لولده محمد الجواد عليه‌السلام وتزوج ـ المأمون ـ بوران بنت الحسن بن سهل ، في يوم واحد.

ومن المفيد ذكره هنا ما ذكره الشيخ باقر شريف القرشي حيث قال :

ذكر بعض اهل التحليل ان المأمون انما زوج ام حبيب للرضا عليه‌السلام ليجعلها عيناً ـ اي جاسوسة ـ له على جميع تصرفات الامام عليه‌السلام وتحركاته :

وقد علق الشيخ حيث قال : ليس هذا ببعيد عن سياسة المأمون ودهائه. حياة الرضا ٢ / ٢٨٠

٥٦٩
 &

الغلاة والزنادقة

في عصره تجرأ الزنادقه

وكثر الغلاةُ والمناطقه

يبغون محو النورِ بالظلامِ

وان تضيع أمةُ الاسلامِ

لكنما الرضا إنتضى حسامهُ

مجدداً بعزمه اسلامه

فعقدت مناظراتٌ عدّه

بين الرضا وبين أهل الردِّه

كالجاثليق أو كرأس الجالوت

ومن نووا نصرة أهل الطاغوت

أو ابن قرة الفتى النصراني

والصابئي بعده « عمرانِ »

مجالس قد حفلت بالجدلِ

والفذ في مضمارها كان « علي »

مجالس يحضرها المأمون

والجند والحُجّابُ والعيونُ

فيها الرضا يجيبُ عما يُسألُ

علماً بما يعجزُ عنه الأول

بالفقه والتفسير والتأويلِ

ومحكم القرآن والانجيلِ

وعن أحاديثِ النبيِّ الهادي

والعدلِ والتوحيدِ والمعادِ

وكان لا يخرجُ منها أحدُ

إلا مضى وهو الفتى الموحِّدُ (١)

__________________

(١) تشير المصادر ان الامام الرضا عليه‌السلام استغل فرصة ولاية العهد في بث العلوم ، والمعارف ، والدفاع عن عقيدة الاسلام ، وذلك عن طريق عقد المحاورات ، والمناظرات خصوصاً في القضايا المهمة كعصمة الانبياء ، ومعرفة قدر الامامة ، واحقية جده امير المؤمنين عليه‌السلام بالخلافة ، اضافة الى اظهار مظلومية جده الحسين عليه‌السلام وكان يعقد المجالس لهذا الغرض ، اضافة الى المنافحة عن بعض العقائد الحقة ، واقحام الخصوم في قضايا الجدل من اهل الاديان الاخرى والملل ، واهل المقالات والمناطقة ، واهل الفلك والتنجيم.

=

٥٧٠
 &



__________________

=

وبين ايدينا نصوص كثيرة تؤكد انه عليه‌السلام ناظر الجاثليق وهو كبير علماء النصارى ، وكذلك رأس الجالوت وهو كبير علماء اليهود ، وكذلك كبير علماء الصابئة ، وكبير علماء المجوس الذين يسمونه الهربذ ، اضافة الى اهل الجدل من الزرادشتيين ، وعلماء الطب ، واهل المعرفة في مختلف الاختصاصات.

كما نقلت لنا المصادر عدة محاورات رائعة مع اهل الاسلام ممن عرفوا بأعوجاج العقيدة والزنادقة كالغلاة ، والمفوّضة ، واهل البدع والضلالات.

وله عدة مجالس مع كبار اهل الفلسفة كسليمان المروزي ، كبير الفلاسفة في خراسان ، وله مجالس مع اهل التوحيد وغيرهم من كل مؤالف ومخالف.

كما نقلت المصادر عدة اجوبة اجاب بها المأمون العباسي ، وفي كل هذا نجد له عليه‌السلام علوماً ومعارف مهمة كالتقية ، والعصمة ، والامامة ، والبداء ، وصفات الله.

كما نجد له اجوبة في شؤون العقيدة كالمسائل التي طرحها عليه بعض تلاميذه واصحابه كأبي الصلت الهروي.

وفي كل هذه المناظرات ، والمحاورات ، والمجالس كانت الغلبة للامام عليه‌السلام واذعان الجميع له ، واعترافهم بالعجز امامه ، بل نقلت المصادر التاريخية اسلام غير المسلمين على يديه كعمران الصابئي ، واسلام المتصوف العارف معروف الكرخي الذي كان نصرانيا واسم على يديه ، اضافة الى توبة بعض من ناظره ورجوعه بعد زيغة مسلماً موحداً كما حصل لعلي بن محمد بن الجهم الذي كان يشك في عصمة الانبياء فتاب على يديه وقال : يا ابن رسول الله انا تائب الى الله عز وجل من ان اقول في انبياء الله بعد يومي هذا. وكذلك توبة عمرو بن عبيد البصري. عيون اخبار الرضا ١ / ٢٥٩.

٥٧١
 &

علومه عليه‌السلام

علم النبي عنده مستودعُ

وعنده علم الكتاب أجمعُ

وعنده كلُ حديث المصطفى

من الهداةِ الطيبين الشرفا

والطب من علومه المعروفه

فيه يداوي العلة المخوفه

فعنهُ ما قد اخذته الحُكما

وعنهُ ما تروي فحول العلما

فاوغرت قلوبها الحسّأدُ

واشتعلت بنارها الاحقادُ

وكان من حساده المأمونُ

فقد رأى بالعين ما يكونُ

فاضمرت ضلوعه ما أضمرت

أمراً له الجبال قد تفطرت (١)

__________________

(١) كان الامام عليه‌السلام وبأعتراف الجميع عالماً بكل العلوم ، ومطلعاً على الاديان وكتبها ، وكان بحراً دافقاً لكل المعارف ، حتى الغريبة منها كالتنجيم ، والفلك ، اضافة لما اشتهر عنه تبحره بعلم الطب من خلال رسالته الشهيرة الرسالة الذهبية في الطب.

وقد اثبت كتب سيرته المباركة له عليه‌السلام هذه المؤلفات :

الرسالة الذهبية في الطب. وكتاب « فقه الرضا ». وصحيفة الرضا « مسند الامام الرضا ». وما كتبه حول الاجوبة مثل جوابه للمأمون حيث جاءت على شكل رسالة تسمى بـ « رسالة جوامع الشريعة ». ومجموعة من الحكم ، والمواعظ منثورة في كتب متفرقة. وجملة من الاحكام والعلل كتبها لتلميذه « محمد بن سنان ». وجملة من علل الاحكام ذكرها « الفضل بن شاذان ». وقطع شعرية متفرقة في كتب التراجم والنوادر. ومجموعة من الادعية والعلوم الغريبة متفرقة في مضانها مثل « مهج الدعوات » لأبن طاووس الحلي.

شعر المامون وهو الداهية الذكي ان الامام الرضا عليه‌السلام بدأ يزاحم سلطانه بسلاح العلم عن طريق المناظرات ، وافشاء العقائد الحقة ، ومنها احقية الائمة عليهم‌السلام من أجداده بالخلافة وغيرهم من توعية الناس ونشر صورة الامام العادل ، كل هذا اشعر المأمون بان الرضا عليه‌السلام

=

٥٧٢
 &



__________________

=

بدأ يهدد سلطانه بسلاح العلم ، ومن هنا امتلأ صدره حسداً للامام ، وخاصة عندما كان يجلس معه في مجالس العلم والمحاورات والجدل ، ويرى تفوق الامام على محاوريه وبراعته في اقحامهم ، اضافة الى كون المامون كان يبطن كراهية الامام والخوف منه وعدم الاطمئنان اليه ، وبهذا الصدد ينقل الشيخ المفيد : وكان الرضا عليه‌السلام يُكثر وعظ المأمون اذا خلا به ويخوّفه بالله عز وجل ، ويقبّح ما يرتكبه المامون من خلاف مراد الله عز وجل ، فكان المأمون يظهر قبول ذلك ظاهراً ويبطن كراهيته لذلك.

وأضاف الشيخ المفيد لذلك : ان الفضل والحسن ولدا سهل كانا من الحسّاد للامام وكانا يحرضّان المأمون عليه عليه‌السلام. الارشاد / ٣١٥.

وربما يظهر هذا جلياً من عدم اطمئنان المامون للامام الرضا عليه‌السلام والخوف منه عندما إفتتن الناس بالامام عند ذهابه لصلاة العيد ـ كما مرّ ـ مما أخاف المأمون ، وهيّج حسده وغضبه مما ادى الى ارجاع الامام دون صلاة.

وأخيراً ما ذكره الشيخ فاضل الفراتي في هذا الصدد قال :

ان مثل هذه المحاورات التي تجري في البلاط الملكي وامام جمهور العلماء مما يؤدي الى انتشارها في صفوف الناس وبالتالي تصحيح مسار عقائدها كل ذلك مما يوغر صدر المأمون ويُثير حسده بل حقده على الامام. حياة الرضا / ٩.

٥٧٣
 &

الاضطرابات السياسية

وكان في عصر الرضا اضطرابُ

اذ هاجت الاطراف والأعرابُ

وثار بعض الهاشميين لما

رأووه في عهد الرشيد من دما

فأبن طباطبا له لواءُ

وخلفه « السريّ » والأبناءُ

جيوشه من الحجاز انطلقت

ثم الى الكوفةِ قد تدفقت

ثم الى كل قرى العراقِ

لكنها لم يبقَ منها باقِ

اذ أُخمدت بسطوة المأمونِ

وانهدمت شوامخ الحصونِ

وثار ابراهيم في أرض اليمن

وهو اخ الرضا الامام المؤتمن

وفي الصفا ثار الحسين الأفطسُ

يعطي الدم الغالي وليس ييأسُ

وثار زيد النار عند البصره

فيا له من ثائرٍ وثوره

احرق أبيات بني العباسِ

معاقباً بالنار بعض الناسِ

فأرسل المأمون جيشا ضاري

يفتك بالثورة والثوارِ

كان علي بن سعيد قائدا

فيه وللرايات كان رائدا

ودارت المعارك المضطرمه

واستعرت ملحمة بملحمه

فانكسر الجيش بأسر القائد

زيد بن موسى الهاشمي العابدِ

وأوصلوه بعد سجن للرضا

مكبلاً مقيداً منقبضا

ففكه الامام من قيوده

محتسباً ذاك الى جدوده

وقال يا أخي كفانا فخرا

ان لنا أماً غدت كالزهرا

لكننا عند قيام الساعه

لم تنفع الانساب دون طاعه

٥٧٤
 &

وهكذا ظل يعيشُ الضنكا

وهو يرى أيامه معتركا (١)

* * *

__________________

(١) ذكرنا فيما سبق الفساد الذي عم حكم المأمون مما ادى الى قيام عدة حركات ثورية سواء من العلويين ، او غيرهم استشعاراً لما نالهم من ظلم بني العباس ، وقد اوضحنا هناك بعض هذه الثورات ، وقد فصّل كل هذه الثورات اليعقوبي في تاريخه والاصفهاني في مقاتله ، وفيما يلي جدول اجمالي ببعض هذه الثورات ونتائجها كما نقلتها الكتب التاريخية المعتبرة :

١ ـ ثورة العلوي ؛ محمد بن ابراهيم الطباطبائي ، وقد استمال اليه في ثورته وجوه الناس ومن ابرزهم الزعيم العسكري ؛ نصر بن شيث الذي ساعده ، كما انضم اليها القائد المحنك ؛ ابو السرايا ، واسمه ؛ السري بن منصور الشيباني ، وقد سيطرت هذه الثورة على جملة من الامصار الاسلامية ، ومنها الحجاز ، ومجموعة من مدن العراق مثل ؛ الكوفة ، والانبار ، ونينوى ، وكربلاء ، وقد استطاعت هذه الثورة من ابادة جيش العباسيين ، وقتل كبار القادة.

٢ ـ ثورة ابراهيم بن موسى بن جعفر عليه‌السلام وقامت في ارض اليمن ، وقد تغلّب قائدها على اليمن ، ثم توجه الى مكة.

٣ ـ ثورة محمد بن جعفر الصادق عليه‌السلام وقد مر ذكرها في هذا القسم.

٤ ـ ثورة ابي الفضل زيد بن موسى بن جعفر عليه‌السلام وقد تغلب هذا الثائر على البصرة ، واحرق دور بني العباس ، ولذلك سُمي بـ « زيد النار » ثم اسرّ فيما بعد ، وحُمل الى المأمون فتشفع فيه الامام الرضا عليه‌السلام واطلق سراحه.

٥ ـ ثورة ابن الافطس ، وقد تغلّب على « الصفا » ايام ثورة ابي السرايا.

٥٧٥
 &

رواته وتلامذته عليه‌السلام

ورغم ذاك ينشر الاحكاما

يُوضّحُ الحلال والحراما

يروي عن الهادي النبي أحمدا

من سُنة ومن أحاديث الهدى

وقد روى عنهُ ثقاةُ الناسِ

رغم إباطيل بني العباسِ

فمنهم ابنُ هاشم القميُّ

وابن أبي بلادٍ الكوفيُّ

ثم ابو الفضل الخراسانيُّ

ثم أبو جرير القميُّ

وأحمدُ بنُ عامر الشهيدِ

في كربلا في الموقف العنيدِ

واحمدُ بن عمر الخلّالُ

ثم ابن شاذان الفتى المفضال

وأحمد بنُ يوسف التيميُّ

ويونسُ بن قيس الدهني

ثم ابو يعقوب السكوني

ثم ابن مهران فتى المتونِ

والحسن السرادُ والوشاءُ

والتيمليُّ الزاهدُ البكاءُ

والحسن الخشاب وابن الجُهمي

ثم ابن عثمان الكثير العلمِ

ثم ابن يقطين الحسين بنُ علي

ثم ابن عيسى ذاك حماد الولي

وابن المعافى وابن يعلى الاشعري

ثم ابو هاشم وهو الجعفري

وشاعر القصدة التائية

دعبلُ ذو الكرامة المروية

وزكرياء بن عبد الصمدِ

ثم ابن يقطين الفقيه الأسدي

ثم سعيد بن جناح الأزدي

وهاشم وسعدٌ بنُ سعد

وعنه يروي الثقةُ العباسُ

وهو ابن موسى العارف النخاسُ

وابن المبارك النهاونديُّ

وابن هلال الثقة الشبليُّ

٥٧٦
 &

وابن سنانٍ وهو نيسابوري

والبجليُّ بائعُ السابوري

وابن رباط وابن اسباط علي

وابن المغيرة الامام البجلي

والهروي الخادم الموسومُ

وقد روت عن الرضا كلثومُ

واخرون قد رووا بكثرة

عن الرضا وآله والعترة

فانتشر العلم على يديه

وكثرت حسّاده عليه

اقساهمُ قد أصبح المأمونُ

ومن لعهده غدا يخونُ

فاصبح الرضا عليه خطرا

واصبح العرش عليه مُنكرا

قد سأمت منه بنو العباسِ

واختلفت عنه وجوه الناسِ

وانتفضت أواصرُ الخلافة

واصبح المأمون في مخافة

مفكراً بالامرِ ليس يهدأُ

وبالذي عاهد ليس يعبأ

ثم إستقر رأيهُ لأمرِ

أهون ما فيه ارتكاب الشرِ

فدس للامام سُماً في عنب

يا ويلهُ يا ويلهُ لما ارتكب (١)

__________________

(١) يُعد الامام الرضا عليه‌السلام في زمانه اعلم اهل عصره ، وقد اقرّ بفضله جمهور المسلمين ، وعلى مختلف مستويات العلم وفنونه ، وكان عليه‌السلام قد اتخذ مسجد جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله نقطة انطلاق ، واشعاع لعلومه الزاخرة ، وقد ذكرنا في حديث السلسلة الذهبية انه عليه‌السلام عند قدومه نيسابور التفّ حوله اكثر من عشرين الفاً من اهل العلم ليأخذوا عنه الحديث ، وكان عليه‌السلام يبثُّ في المجتمع احاديث اجداده ، وكذلك علوم القرآن كل ذلك تحت عين السلطة وقيودها عليه ، ومن المفيد ذكره انه عليه‌السلام قد ورث من ابيه الكاظم عليه‌السلام وجده الصادق عليه‌السلام نخبة صالحة من اهل العلم ممّن عُرفوا بالفضل والتقوى وصدق العقيدة ، فزادهم الامام الرضا عليه‌السلام نوراً على نور ، وقد افاضت كتب التراجم والسير وكتب الجرح والتعديل بذكر المئات من هؤلاء ، وقد ذكر الشيخ باقر شريف القرشي في كتابه حياة الامام الرضا ٣٦٦ عالم وراوي.

وقد اوضحنا سابقاً ان الرضا عليه‌السلام واصحابه قد اتخذوا من سلاح العلم ونشره وسيلة

=

٥٧٧
 &

__________________

=

لمواجهة تحديات الواقع الثقافي والسياسي في عصر المأمون ، مما حدى به الى التفكير في كيفية التخلص من الامام ، لأن وجوده بدأ يضايقه ، اضافة الى وشاية الواشين وخبث وسعي العباسيين للتخلص منه ، كل هذه العوامل قد خلقت عند المأمون هاجس الخوف من الامام ، وبدأ في هذه اللحظات بوضع خطة ذكية للتخلص من الامام وخطره على الخلافة والعباسيين بشكل عام ، وفي هذا يقول الشيخ باقر شريف القرشي : لم يمض وقت طويل على تقلد الامام لولاية العهد حتى تنكّر له المأمون واضمر له السوء والغدر ، واخذ يبغي له الغوائل ففرض عليه الرقابة الشديدة ، وحبسه في بيته ومنع العلماء من الاتصال به بل ، وتميّز عليه غيضاً لما يتمتع به الامام من مكانة عُظمى في نفوس المسلمين ، اضافة لما يتمتع به الامام من سعة العلم ومعالي الاخلاق وسمو التقوى. حياة الرضا ٢ / ٣٦٧.

نص الامام الرضا عليه‌السلام على امامة ابنه محمد الجواد عليه‌السلام قبل ان يولد واستمر بالتنصيص عليه رغم السنوات القليلة التي عاشها الجواد عليه‌السلام مع ابيه الرضا عليه‌السلام وإليك صورة من تسلسل هذه النصوص وتدرجها بحسب مراحلها الزمنية.

ـ هذا المولود لم يولد مولود أعظم بركة على شيعتنا منه. الكافي ١ / ٣٢١.

ـ عن معمر بن خلّاد قال : سمعت الرضا عليه‌السلام وذكر شيئاً ، فقال : ما حاجتكم الى ذلك هذا ابو جعفر قد اجلسته مجلسي وصيرته مكاني إنا أهل بيت يتوارث اصاغرنا عن أكابرنا القذة بالقذة. الكافي ١ / ٣٢٠.

ـ وعلى الرغم من ابتعاد الامام الرضا عليه‌السلام عن المدينة الا انه كان دائم الاتصال بابنه الجواد عليه‌السلام وكان يخاطبه في رسائله بالتعظيم والتوقير ، وما كان يذكر محمد ابنه الا بكنيته فيقول : « كتب اليَّ ابو جعفر ، وكنت اكتب الى ابي جعفر .. » فيخاطبه بالتعظيم ، وكانت ترد كتب ابي جعفر في نهاية البلاغة والحسن ، ويضيف الراوي ؛ ابو الحسن محمد بن ابي عباد انه سمع الرضا عليه‌السلام يقول : ابو جعفر وصيّي وخليفتي في اهلي من بعدي. الصراط المستقيم ٢ / ١٦٦.

وكانت النصوص على امام الجواد عليه‌السلام عديدة ومتظافرة ، اختلفت في ظاهرها بسبب اختلاف الظروف السياسية والاجتماعية التي تحيط بالامام الرضا عليه‌السلام وبابنه الجواد عليه‌السلام وباتباعه وانصاره ، وبسبب اختلاف اصحابه في الوعي ودرجة التلقي ، وكتمان السر ، وقربهم وبعدهم عن الامام عليه‌السلام من حيث الولاء السياسي والعاطفي.

٥٧٨
 &

شهادة الرضا عليه‌السلام

تناول الامامُ منه حبه

وبعدها لبى بشوقٍ ربه

فزلزلَ الكونُ وركنُ الدينِ

وقد هوت دعائمُ اليقينِ

هذا الرضا في بيته مُسجّى

ليس له أيُ دواءٍ يُرجى

السُمُ في احشائه يقطعُ

لكنه محوقلٌ مسترجعُ

وأظهر المأمون كل الجزعِ

ثم دعى لدفنه في موضعِ

جنبَ أبيه الهالك المدفونِ

قاتلِ موسى الصبر في السجونِ

لا ينفعُ الرجسَ اقترابُ الطهرِ

منه ولا يضرّهُ بشّرِ

فالكلُ في اعمالهِ مقرونُ

ما يبغي من رب الرضا هارونُ

وهكذا ضجّتْ بلادُ طوسِ

تضربُ بالوجوه والرؤوسِ

ثلاثةً ظلّ الحدادُ قائما

والكلُ ظلّ باكياً وناقما (١)

__________________

(١) ذكر السيد العاملي في اعيان الشيعة قال : والذي يقتضيه ظاهر الاخبار ان المأمون لما رأى اختلال امر السلطنة ببيعة العباسيين ابراهيم بن المهدي ـ وكان عمه ـ بسبب تولية الامام الرضا عليه‌السلام وكان العباسيون ينسبون ذلك الفعل لأغراءات الفضل بن سهل الممهد لهذه التولية حينئذ خاف المأمون من ذهاب ملكه على يد العباسيين فبعث من يقتل الفضل في حمام سرخس ودس السم للامام الرضا عليه‌السلام وقد ايد هذا الرأي العلامة المجلسي في بحاره ، وفي نهاية الكلام نود الاشارة الى قضية السم بالتخلص من الخصوم السياسيين ليست جديدة فقد فعلها الطغاة السابقون مع اجداد الرضا عليه‌السلام وبعد ذلك مع ابنائه اللاحقين لأنها من احسن واسهل الاسلحة ووسائل القتل وكان معاوية الاموي قد فعل ذلك مع اغلب خصومه ومنهم الامام الحسن عليه‌السلام.

من الاسباب التي دعت المأمون الى سم الامام عليه‌السلام انه لم يحصل على ما أراد من توليته للعهد ، فقد حدثت له فتنة جديدة وهي تمرّد العباسيين عليه ، ومحاولتهم القضاء عليه.

=

٥٧٩
 &

قال ابو الصلت رايتُ طفلاً

غسلهُ كفنهُ وصلى

فقلت مَن ؟ قال : أنا الجوادُ

قد جئت حين قد هوى العمادُ

وباتت الشيعة في عناءِ

مذ غاب عنها قمرُ السماءِ

ولم تزل تربتهُ منيفه

بقبة سامية شريفه

تقصدها الزوار للدعاءِ

وكشف ما بها من الضراءِ

قال ابن بطوطة حين مرّا

رايتُ فيها كم مريضٍ يبرا

ولم تزل للعلمِ ولأدابِ

منابعاً تجودُ للطلابِ



__________________

=

اضافة الى ذلك ان بعض وزراء المأمون وقوّاده كانوا يبغضون الإمام عليه‌السلام ويحسدونه ، فكثرت وشاياتهم على الامام ، فأقدم المأمون على سمه.

وبدأت علامات الموت تظهر على الإمام عليه‌السلام بعد ان اكل الرمان او العنب الذي اطعمه المأمون ، وبعد خروج المأمون ازدادت حالته الصحية تدهوران وكان آخر ما تكلم به : ( قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ ) آل عمران / ١٥٤.

( وَكَانَ أَمْرُ اللَّـهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا ) الاحزاب / ٣٨.

ودخل عليه المأمون باكياً ، ثم مشى خلف جنازته حافياً ، حاسراً يقول : يا اخي لقد ثلم الاسلام بموتك وغلب القدر تقديري فيك. ثم شق لحد هارون ودفنه بجنبه.

وقد رثاه دعبل الخزاعي قائلاً :

ارى امية معذورين ان قتلوا

ولا لبني العباس من عذرِ

اربع بطوس على قبر الزكي به

ان كنت تربع من دين على خطرِ

قبران في طوس خير الناس كلّهم

وقبر شرهم هذا من العبرِ

ما ينفع الرجس من قرب الزكي وما

على الزكي بقرب الرجسِ من ضررِ

وكانت شهادة الامام الرضا عليه‌السلام في آخر صفر سنة ٢٠٣ هـ كما ذكر على ذلك اغلب الرواة والمؤرخين. اعلام الهداية ١٠ / ١٧١.

٥٨٠