ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

اضاءة

عند محطة الامام ابي محمد الحسن العسكري عليه‌السلام تكون ملحمة (قوافل النور) تكون قد شارفت على النهاية ، حيث بدأت بالنبي المصطفى صلى‌الله‌عليه‌وآله وعلي وفاطمة عليهما‌السلام والحسن والحسين عليهما‌السلام مروراً بالائمة الطاهرين من ذرية الحسين عليهم‌السلام وها هي تتوقف عند الحلقة ما قبل الأخيرة من هذه السلسلة الذهبية الربانية المباركة ، التي اذهب الله عنها الرجس وطهرها تطهيراً ، وهي حلقة الامام العسكري عليه‌السلام الذي قال فيه ابن الصباغ المالكي في فصوله المهمة :

(أنه سيد أهل عصره ، وإمام أهل دهره ، أقواله سديدة ، وأفعاله حميدة ، وإذا كانت أفاضل زمانه قصيدة فهو في بيت القصيدة ، وإن انتظموا عقداً كان مكان الواسطة الفريدة ، فارس العلوم لا يجارى ...)

الى آخر كلامه في تقييم شخصية الامام العسكري عليه‌السلام التي لها الدور الفكري والثقافي والاجتماعي المتميز رغم المحنة التي عاشها وسط الظروف السياسية الصعبة ، والصراعات الفئوية الحادة في تلك المرحلة في سامراء.

الا ان الامام العسكري عليه‌السلام استطاع ان يشق الطريق واضحاً وسط الفتن التي عصفت بالامة في تلك الفترة من تاريخها.

وهذا الجزء من (قوافل النور) قد تناول حياة الامام العسكري وحركته الحذرة ، مستعرضاً عبر ابياته وهوامشه أهم النقاط والمحطات التي تمثل معالم شاخصة في سيرته الشريفة عليه‌السلام وتوقف هذا الجزء من الملحمة بشكل دقيق

٦٦١
 &

وحساس للتعريف بطبيعة المنهج الحكيم الذي اعتمده الامام العسكري في حماية ورعاية ولده الامام المهدي المنتظر الموعود (عج) باعتباره المنقذ والمخلص العالمي لكل المستضعفين في الأرض.

فقد تعامل الامام العسكري مع هذه القضية بدقة وحساسية متناهية ، فمن ناحية يجب ان يوصل نبأ الولادة المباركة الى كل شيعته ومحبيه ، من اجل ان يكونوا شهوداً ثقاة على هذا المولد الميمون ، ومن ناحية اخرى يجب ان يخفي نبأ القضية عن عيون السلطة التي كانت تترصد بحذر وخوف شديدين من الفكرة المهدوية فضلاً وجود المهدي نفسه. ورغم هذه الموازنة الحساسة في هذا الموضوع استطاع الامام عليه‌السلام بحكمة ان يحقق الهدفين معاً.

كما اشار هذا الجزء من الملحمة لاهم الاحداث ، والاتجاهات ، والشخصيات السياسية ، والثقافية ، والاجتماعية ، وذكر أهم تلامذته والرواة عنه.

نسأل الله تعالى ان يجعلنا من السائرين على هدى امامنا العسكري ومن المدافعين عن مدرسته ونهجه. انه سميع مجيب.

٦٦٢
 &

المولد المبارك

اطل بالرحمة والحنانِ

كالنور في شهر ربيع الثاني

بدرٌ حوى علائم التقاةِ

آبائه الائمةِ الدعاةِ

مذ حظيت مدينة الرسول

بطلعة ابن فاطمَ البتولِ

اعني به نجل الامام الهادي

وسيدَ الزهّادِ والعبادِ

وصيهُ الذي يُسمى العسكري

بنقل يحيى بن يسار العنبري

وأمهُ « حديثٌ » الكريمة

طاهرة نقية حليمة

وقيل انها تسمى « سوسن »

دارت مع الهادي عليها المحنُ

قد أرضعته الطهرَ والاباءا

والفخرَ والعزةَ والوفاءا

حتى نما وصار صُلبَ العودِ

ترعاهُ عينُ الخالق المعبودِ

ينهلُ من معارفِ الرسالة

ويقتفي محمداً وآله

ويحملُ الأسرارَ عن أبيه

وقد تجسدت جميعاً فيه (١)

__________________

(١) تضاربت الاقوال في مكان وتاريخ ميلاد إمامنا الحسن العسكري عليه‌السلام وتراوحتْ هذه الاقوال في اغلب الروايات بين شهر رمضان أو ربيع الاول أو ربيع الثاني من عام ٢٣٠ هـ أو ٢٣١ هـ أو ٢٣٢ هـ في المدينة المنوّرة ، ولكن المرجّح والمشهور أن ولادته في شهر ربيع الثاني في المدينة المنوّرة من عام ٢٣٢ هـ. الارشاد / ٣٣٥ ، اعلام الورى ٢ / ١٣١ ، المناقب ٣ / ٥٢٣.

وقد أجمل هذا الاختلاف الحر العاملي في أرجوزته عن أهل البيت عليهم‌السلام :

مولده شهر ربيع الآخر

وذاك في اليوم الشريف العاشر

في يوم الاثنين وقيل الرابع

وقيل في الثامن وهو شايع

ووردت عدة نصوص عن الامام الهادي عليه‌السلام بالوصية بالامامة من بعده لولده الحسن العسكري عليه‌السلام إضافة لما ورد بهذا الشأن عن طريق آبائه وأجداده عليهم‌السلام.

=

٦٦٣
 &

__________________

=

قال الراوي : أوصى ابو الحسن الهادي عليه‌السلام الى ابنه الحسن قبل مضيّه بأربعة أشهر وأشهدني على ذلك وجماعة من الموالين. الكافي ١ / ١٣٤ ، الارشاد / ٢٣٥.

ويعتبر تعدّد أسماء أمهات الائمة على طول التاريخ أمر طبيعي ، لما ينطوي ذلك على أسباب ومصالح يعرفها الائمة عليهم‌السلام منها حراجة الظروف السياسية ، ومنها المصالح الاجتماعية التي تشهدها تلك الازمنة ، إضافةً الى ما يقوله المؤرخون من ان اكثر أمهات الائمة عليهم‌السلام من الجواري ، وكانت الجواري آنذاك لها عدة أسماء ، علاوة على ذلك أن كثرة الاسماء دالّ على شرف المُسمى ، كما نُقل عن سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء عليها‌السلام فقد ذكر لها الرواة وأهل السير عشرات الاسماء لمصالح ومقامات تنطوي على ذلك.

امام بخصوص والدة الامام الحسن العسكري فقد ورد في المصدار التاريخية انها ام ولد واسمها حديثة ، وقد اشادت جل هذه المصادر بفضلها وجلالة قدرها ، وكانت من العارفات الصالحات ، وكانت في غاية الصلاح والورع والتقوى ، حتى ان احد الرواة قال : لمّا أدخلتْ سليل أم أبي محمد الحسن العسكري على الامام الهادي قال عليه‌السلام : سليل مسلولة من الآفات والعاهات والارجاس والانجاس. ثم قال عليه‌السلام : سيُخرج لها منها حجّته على أرضه ليملأ الارض عدلاً كما مُلئت جورا. اثبات الوصية / ١٣٦.

وتشير المصادر أنها حملتْ بالامام الحسن العسكري عليه‌السلام في المدينة وأرضعته هناك ، وغذتهْ وأسبغت عليه من جلائل الاخلاق ، وارفع الصفات من طهرٍ ، وإباء ، وعزة ، ووفاء.

ولا بدّ من الاشارة هنا أنها كانت تُعرف بـ « الجدّة » ـ أي جدة الامام المهدي الحجّة ـ ولمّا توفيت دُفنتْ في الروضة العسكرية المشرّفة في سامراء جوار الامام الهادي عليه‌السلام وولدها الحسن العسكري خارج بيت الهادي عليه‌السلام.

نهل الامام الحسن العسكري عليه‌السلام من أبيه الهادي عليه‌السلام علوماً ومعارف كثيرة رغم قصر المدة التي قضاها معه كما أشرنا سابقاً في حياة الهادي عليه‌السلام ، وتشير المصادر التاريخية الى أن أخلاق وصفات الامام الهادي عليه‌السلام بل وصفات أجداده السابقين عليهم‌السلام قد ترسخت في الامام الحسن العسكري عليه‌السلام.

وفي هذا الصدد قال الرواة : كانت أخلاق الامام الحسن العسكري كاخلاق جده رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في هديه ، وسكونه ، وعفافه ، ونبله ، وكرمه ، وكان على صغر سنّه مقدَّماً على العلماء ، والرؤساء ، بل أن ما جرى للائمة مَنْ سبقه في الفضائل ، والاسرار ، وصفات الكمال تجري فيه ولمَن بعده ، وانهم في ذلك سواء. الشيعة في الميزان / ١٥٤ للشيخ محمد جواد مغنية.

٦٦٤
 &

القابهُ وصفاته

القابهُ الرفيقُ والامينُ

والفاضل الخالصُ والميمونُ

المرشدُ النقيُّ ثم الناطقُ

الرجلُ العالِمُ ثمَ الصادقُ

قد وصفوه أسمراً وأعينا

جميلَ وجهٍ وقوياً بدنا

ذو قامةٍ وهيبة وقورة

وذو جلالةٍ بابهى صورة (١)

* * *

__________________

(١) ألقاب الانسان وأسماؤه إنما تشتق من سلوكه ، ومدى تجسّد أخلاقه في حياته وفي وسط مجتمعه ، وبناءً على ذلك تعدّدت ألقاب وصفات الامام الحسن العسكري عليه‌السلام لما كان يتمتع به من سلوكيات أخلاقية سامية ، وكان ذلك بإعتراف الصديق والعدو ، وقد تضافرت كتب الاقدمين من أهل التاريخ والسير بنقل ألقاب وصفات كثيرة لإمامنا الحسن العسكري عليه‌السلام إضافة لما نقلوه من صفاته البدنية وما يتفرع منها من شؤون أخرى ، فقد نقل ابن شهرآشوب قطعة تصوّرُ بعضاً من صفاته ، حيث قال :

هو الحسن ابو محمد ، نقيّ الجيب ، بعيد الريب ، بريء من العيب ، أمين على الغيب ، معدن الوقار ، خافض الطرف ، واسع الكف ، كثير الحياء ، شديد الوفاء ، عظيم الرجاء ، قليل الافتاء ، كثير التبسُم ، سريع التحكّم ومن ألقابه : الصامت ، الهادي ، الزكيّ ، السراج ، المضيء ، الشافي ، المرضي ، العسكري ، وكان هو وأبوه وجدّه يُعرفون في زمانهم بـ « ابن الرضا ». المناقب ٣ / ٥٢٣

وقال الشبلنجي : وإسمه الحسن ، وكنيته ابو محمد ، وألقابه الخالص ، السراج ، العسكري ، وصفته بين السُمرة والبياض. نور الابصار / ١٨٣.

٦٦٥
 &

معاناة العسكري

ظل ثلاثاً بعد عشرين سنة

يشارك الهادي الليالي المحزنة

وبعد أن تسنم الامامة

قاسى الذي قاساهُ باستقامه

يُنقلُ من سجنٍ الى مطمورة

مكبّلاً يُرى بأقسى صورة

لم يُثنهِ ذاك عن العبادة

ولا عن الصلاة والوفادة

يطيلُ من سجوده في سجنه

كأنهُ جنانه في عدنه

يَأنسُ بالوحدةِ والسجانِ

والصوم والصلاة والقرآنِ

حتى غدا سجانهُ مرتعدا

وقد رأى الخشوع والتعبدا

فسجنهُ مدرسة للتقوى

وكفهُ بالقيد ليس يُلوى

مواصلاً للشيعة الكرامِ

بالنصح والتوجيه والاقدامِ

ولم تكن تُرهبهُ الجدرانُ

ولا يُخيف قلبه السجانُ

معلقٌ فؤادُهُ بالغيب

فهو إمام الحق دون ريبِ (١)

__________________

(١) ولد الامام الحسن العسكري في المدينة سنة ٢٣٢ هـ وذهب مع ابيه الهادي عليه‌السلام سنة ٢٣٤ هـ قسراً الى سامراء ، فكان مدة بقائه بالمدينة سنتين فقط ، ثم عاش بعد ذلك مع ابيه في سامراء قرابة ٢٢سنة أو أكثر بشهور ، حيث تسلّم منصب الامامة بعد إستشهاد ابيه سنة ٢٥٤ هـ ، ومكث في الامامة ، ست سنين قضاها في ظل ثلاث خلفاء قساة معه ، وانتهت حياته المباركة بإغتياله مسموماً على يد المعتمد العباسي سنة ٢٦٠ هـ وبذلك تعتبر مدة إمامته أقصر مدة في تاريخ إمامة أئمة أهل البيت عليهم‌السلام.

=

٦٦٦
 &



__________________

=

كما وأتّسمت مواقفه بالحذر الشديد من طغاة زمانه إزاء الاحداث والوقائع التي حدثت آنذاك ، حيث فرضت عليه الاقامة الجبرية ، بل وأجبرته السلطة العباسية أحياناً على الحضور يومين من كل إسبوع لدار الخلافة ، وعاصر طيلة إمامته كلاً من المعتز ، والمهتدي ، والمعتمد ، وقد لاقى منهم أشدّ العنت ، والضيق ، والارهاب ، والسجن ، مرات عديدة.

إتسّمت حياته بالغموض وقلّة المعلومات بسبب الظروف السياسية التي أحاطت بابيه الامام الهادي عليه‌السلام امّا بعد وفاة أبيه وتسلّمه مهام الامامة فقد جاءت مواقفه إمتداداً لمواقف أبيه من قبل بوصفه اِماماً للمسلمين الشيعة وراعياً لمصالحهم.

٦٦٧
 &

علمه وعصره

لديه من علم النبي أبحرُ

وألف كنزٍ قد نماهُ حيدرُ

فصبره كصبر أيوبٍ غدا

يُعرفُ عند الاولياء والعدا

ولم يزل في قلبه الاباءُ

برغم ما تبثهُ البغضاءُ

فعصرهُ قد كان عصر فتنه

وقد توالت الف الف محنة

لكنهُ واجهها بالصبرِ

وبالتحدي لجنودِ الغدرِ

جنود ابليس ومن تابعه

ومن مشى فيه ومن شابعهُ

قد قلّ عنه الأهل والأصحاب

وابتعد الخلانُ والاحبابُ

سوى الوفي من رجالِ الشيعةِ

وثلةٍ سميعةٍ مطيعةِ (١)

__________________

(١) عن ابي حمزة نصر الخادم قال : سمعت ابا محمد عليه‌السلام غير مرة يكلّم الناس بلغاتهم ، وفيهم ترك ، وروم ، وصقالبة ، فتعجّبت من ذلك وقلت : هذا ولد بالمدينة ولم يظهر لأحد حتى مضى أبو الحسن ـ اي الامام الهادي عليه‌السلام ـ ولا رآه احد فكيف هذا ؟! احدّث نفسي بذلك فأقبل عليّ وقال : ان الله جلّ اسمه بين حجته من ساير خلقه وأعطاه معرفة بكل شيء ويعطيه اللغات ومعرفة الأسباب والآجال والحوادث : ولولا ذلك لم يكن بين الحجة والمحجوج فرق. اصول الكافي ١ / ٥٠٩. ح ١١.

عاصر الامام الهادي مدة امامته ستة من خلفاء بني العباس ، المعتصم منذ سنة ٢٢٠ ـ ٢٣٢ والمتوكل ٢٣٢ ـ ٢٤٧ هـ حيث قتل على يد الاتراك ، ثم جاءت أيام المنتصر وكانت مدة خلافة ستة أشهر ويومين ، ثم المستعين ٢٤٨ ـ ٢٥٢ هـ كما عاصر الشطر الأكبر من خلافة المعتز ٢٥٢ ـ ٢٥٥ هـ حيث كان استشهاد الامام الهادي سنة ٢٥٤ هـ.

وفي هذا العام تولى مهام الامامة ابنه الحسن العسكري عليه‌السلام.

=

٦٦٨
 &



__________________

=

وكانت الظروف التي تمر بها الدولة العباسية بعد تولي المتوكل ظروفاً صعبة جداً ، إذ انها كانت تعد مؤشراً على ضعفها ، وتشكل بداية لانحلالها ، فالحروب الداخلية والخارجية من جهة ، والقتال بين ابناء الخلفاء من جهة اخرى ، كالذي حصل بين المستعين والمعتز والذي أدى الى تولي المعتز وخلع الاول عام ٢٥٢ هـ كل واحد من هذه الصراعات كان له تأثيره المباشر في ايجاد الضعف والانحلال.

وفي ايام المتوكل قام المتوكل بهدم قبر الامام الحسين عليه‌السلام ومنع القاصدين لزيارته ، لان المتوكل كان يتجاهر بعدائه لآل ابي طالب ومطاردتهم ، ولم يرد تجاه تلك الاحداث اي تعليق من قبل الامام الهادي عليه‌السلام. ـ ويمكن ان يقال انه : لم يرد الينا عن موقف الامام مع الخلفاء شيء ، سوى ما جاء عن موقفه من المتوكل وهو اقل القليل ـ . اعلام الهداية ١٣ / ٥١.

وكانت للامام الهادي عليه‌السلام منزلة سامية ومكانة رفيعة القدر لدى اهل المدينة لاحسانه اليهم وعلاقته القوية معهم ، فلما أشخصه المتوكل ارسل يحيى ابن هرثمة لجلب الامام من المدينة الى سامراء عام ٢٣٤ هـ اضطرب الناس وضجوا كما يروي يحيى بن هرثمة نفسه حيث قال : فذهبت الى المدينة فلما دخلتها ضج اهلها ضجيجاً عظيماً ما سمع الناس بمثله خوفاً على علي ـ اي الامام علي الهادي عليه‌السلام ـ وقامت الدنيا على ساق ، لأنه كان محسناً إليهم ملازماً للمسجد لم يكن عنده ميل الى الدنيا ، فجعلت اسكنهم ، وأحلف لهم اني لم أؤمر فيه بمكروه ، وأنه لا بأس عليه ، ثم فتّشت منزله فلم أجد إلا مصاحف وأدعية وكتب علم فعظم في عيني. اعلام الهداية ١٣ / ٥٢.

٦٦٩
 &

ثورة الزنج

في عصره ثارت جموع الزنج

والحكمَ والسطوة ما ترجّي

فبدأت ثورتهم في البصرة

ثم سرت الى بلادٍ كثرة

كمثل أهواز وعبادان

وغير ذاك من قرى ايرانِ

وعظمت شوكتهم وانتصروا

وقتلوا ما قتلوا أو اسروا

وافسدوا في الارض دون رحمة

وعبثوا بجهلهم في الامة

واحرقوا الديار والمزارعا

خرّبوا الضياع والمشارعا

ثم أدّعى صاحبهم بالنسبِ

الى عليٍّ والى بنتِ النبي

لكنما الامام قد كذّبهُ

وبعدها قال وقد أنبهُ

بأن رأس الزنج ليس منا

ولا يؤدي ما يؤدي عنا

ثم قضى « المعتمد العباسي »

على رجال الغي والادناسِ (١)

* * *

__________________

(١) كانت ثورة الزنج حدثاً مهماً لما نتج عنها من آثار سيئة ، فقد صحب حركة الزنج هذه قتل ، ونهب ، وسلب ، وإحراق ، مما أدّى الى اضطراب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في عدة من الامصار التي سيطر عليها صاحب الزنج ، فبدأت ثورتهم في البصرة ، وامتدّت الى عبّادان ، والاهواز وغيرهما.

والقضاء على هذه الحركة قد كلف الدولة كثيراً من الأموال والجند الذين هزمهم صاحب الزنج في أكثر من واقعة ، وأخيراً تمكّنت الدولة من القضاء عليهم.

وقد ادعى صاحب الزنج علي بن محمد انه ينتسب الى الامام علي عليه‌السلام ولكن الامام الحسن العسكري عليه‌السلام كذب هذا الادعاء ، فعن محمد بن صالح الخثعمي قال : كتبت الى ابي محمد ـ الحسن العسكري عليه‌السلام ـ أسأله .. وكنت أريد ان أسأله عن صاحب الزنج الذي خرج بالبصرة .. فوقّع عليه‌السلام : صاحب الزنج ليس منّا أهل البيت. اعلام الهداية ١٣ / ١١٥ ـ ١١٦.

٦٧٠
 &

ثورة العلوي الصوفي

وثم قام العلوي الصوفي

بمصر يذكي الحرب بالصفوفِ

محرراً بعض بقاع « أشنا »

وناشراً عدالةً وأمنا

فاجأهُ فيها ابن طولون وقد

طاردهُ زحفاً لأخر البلد (١)

* * *

__________________

(١) ظهر في صعيد مصر ابراهيم بن محمد ، وكان يعرف بإبن الصوفي وملك مدينة أشنا ، وكانت معارك بينه وبين جيش الدولة بقيادة ابن طولون اقتتلوا فيها قتالاً شديداً ، فقتل من رجال ابن الصوفي الكثير وانهزم ، ثم كانت وقعة اخرى مع جنده عام ٢٥٩ هـ وانهزم ابن الصوفي ايضاً الى المدينة ، والقي القبض عليه وأرسل الى ابن طولون في مصر.

اعلام الهداية ١٣ / ١١٦.

٦٧١
 &

ثورة علي بن زيد

وثار بعده عليُ الزيدي

وكاد للطغاة أي كيدِ

واندلعت ثورتهُ في الكوفة

واصبحت في خطر محفوفة

قاتلهُ كيجورٌ التركيُّ

الفارس المقاتل الكميُّ

فقتلت جماعة الثوارِ

واسرع البعض الى الفرارِ (١)

* * *

__________________

(١) كانت حركة علي بن زيد في الكوفة سنة ٢٥٦ هـ واستولى عليها ، وأزال عنها نائب الخليفة واستقرّ بها ، وسَيّر إليه المعتمد الشاه بن مكيال في جيش كثيف فالتقوا واقتتلوا وانهزم الشاه وقتل جماعة كثيرة من اصحابه ونجا الشاه ، ثم وجه المعتمد كيجور التركي لمحاربته ، وقد ارسل كيجور الى علي بن زيد يدعوه الى الطاعة وبذل له الامان ، وطلب علي بن زيد اموراً لم يجبه كيجور اليها ، فخرج علي بن زيد من الكوفة وعسكر في القادسية ، فبلغ خبره كيجور فواقعه فانهزم علي بن زيد وقتل جماعة من اصحابه.

اعلام الهداية ١٣ / ١١٧.

٦٧٢
 &

ثورة الحسن بن زيد

والحسن الزيدي في جرجان

أقام دولة على الأيمان

وقاتل العساكر الكثيرة

وانتصرت جموعه الصغيرة (١)

* * *

__________________

(١) الحسن بن زيد العلوي : حيث بدأت ثورته عام ٢٥٠ هـ بمدينة « طبرستان » فتغلب عليها ثم زحف نحو جرجان بعد حروب طويلة كذلك تغلّب على مدينة « آمل » ومدينة « الري » حتى توفي عام ٢٧٠ هـ بعد معارك وحروب طويلة مع كبار قادة السلطة العباسية آنذاك ، ومنهم مفلح ، موسى بن بغا ، محمد بن طاهر ، يعقوب بن الليث الصفّار.

٦٧٣
 &

مساور الخارجي

وبعدها ثار الفتى مساورُ

الخارجيُّ الفاتك المغامرُ

فانحسرت ثورتهُ بساعة

برغم ما قد كان من شجاعة

وجاهد الامام في لسانه

ونصر الاسلام في بيانه

فردَّ كل شبهة وبدعة

مؤكداً على كمال الشرعه (١)

__________________

(١) خرج مسار الخارجي ، وطوق بني زهير ، وهو من الخوارج ايضاً وقاتلهم الحسن بن ايوب بن احمد العدوي وهزمهم وقطع رأس مسار وانفذه الى سامراء. اعلام الهداية ١٣ / ١١٧.

لقد ظهرت في العصر العباسي الثاني وبالاخصّ ايام إمامة الحسن العسكري عليه‌السلام الكثير من الانحرافات الفكرية والبدع الفاسدة والافكار الضالّة التي نشأت في أوساط الامة الاسلامية آنذاك ، ونستطيع أن نتلمس ذلك من خلال الكتاب الذي أصدره الامام عليه‌السلام الى أهل قم وهو يصوّر ظروف تلك المرحلة الفاسدة حيث قال عليه‌السلام : اللهم وقد شملنا زيغ الفتن وستولت علينا غشوة الحيرة وعُطّلت أحكامك وسُعي في إتلاف وإفساد بلادك.

منهج الدعوات / ٨٦.

ورغم ان الامام عليه‌السلام كان مُراقباً من السلطة ، مُشدَّداً عليه في أقواله وتصرفاته إلّا أنه استطاع أن يؤدي دوره الفكري والعقائدي في التصدي لهذه البدع ، والافكار ، والانحرافات الفاسدة في الفكر والعقيدة ، ويمكن تلخيص دوره بما يلي :

موقفه عليه‌السلام من قضية خلق القرآن :

قال ابو هاشم الجعفري : خطر ببالي أن أسال أبا محمد العسكري هل القرآن مخلوق أم غير مخلوق فقال ابو محمد : يا أبا هاشم : الله خالق كل شيىء وما سواه مخلوق. المناقب ٣ / ٥٣٥.

موقفه عليه‌السلام من الاشراك بالله والشك في وحدانيته :

قال سهل بن زياد الرازي : كتبت الى ابي محمد العسكري سنة ٢٥٥ هـ : قد أختلف أصحابنا في التوحيد ، فمنهم مَن يقول هو جسم ، ومنهم يقول هو صورة ؟ فوقّع عليه‌السلام بخطه :

=

٦٧٤
 &



__________________

=

سألتموني عن التوحيد وهذا معزول ، الله واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفؤاً أحد ، خالق وليس بمخلوق ، يخلق ما يشاء من الاجسام وهو ليس بجسم ، ويصوّر وهو ليس بصورة. أصول الكافي : ١ / ١٠٣.

موقفه عليه‌السلام من القلقين في إمامته من ضعاف شيعته :

عن أحمد بن محمد بن مطهر قال : .. كتب يسأله بعض اصحابه عمّن وقف على إمامة جده موسى بن جعفر عليه‌السلام هل أتولاهم أم أتبرأ منهم ؟ فكتب عليه‌السلام له : لا تتولهم ، ولا تعد مرضاهم ، ولا تشهد جنائزهم ، ولا تصل على أحدٍ منهم أبداً ، فأن مَن جحد إماماً من الله أو ازاد إماماً ليست إمامته من الله كان كمَن قال : إنَّ الله ثالث ثلاثة ، ان الجاحد أمر آخرنا جاحد أمر أولنا والزائد فينا كالناقص. كشف الغمة ٢ / ٩٣٣.

وكتب إليه بعض شيعته يعرّفه اختلاف شيعته ، ويريد رأيه فكتب عليه‌السلام إليه : الناس على طبقات : المستبصر على سبيل نجاة ، مستمسك بالحق ، متعلق بفرع الاصل ، غير شاكٍّ ولا مرتاب ، لا يجد عنّي ملجأ ، وطبقة لم تأخذ الحق من أهله فهم كراكب البحر يموج عند موجه ، ويسكن عند سكونه ، وطبقة إستحوذ عليهم الشيطان شأنهم الردّ على أهل الحق ، ودفع بالباطل حسداً من عند أنفسهم ، فدَع مَن ذهب يميناً وشمالاً ، فأن الراعي إذا أراد أن يجمع غنمه جمعها بأهون سعي. تحف العقول / ٣٦١.

٦٧٥
 &

موقفه من الكندي

وذات يوم قيل ان الكندي

يردُ في كتابه عن عمدِ

على كتاب الله بالتناقض

وبإختلاف الآي والتعارض

مُجمعاً بعض نصوصٍ تبدو

كأنها يُشمُ فيها الضدُ

فأرسلَ الامامُ يوماً سائلا

ألقى على مسمعهِ مسائلا

من بعد ان أوصاه بالتلطف

وان يكون في سؤالهِ حفي

وقال لو ان الذي قد كتبا

هذا الكتاب جاء يبغي سببا

وقال لو ان مرادي منه

غير الذي فهمتَ أَنتَ عنه

أليس هذا جائزاً في النظرِ

فقال : في جوابه المختصرِ

نعم وهذا غير خافٍ عندي

وحار فيما سيقولُ الكندي

وقال من سرَّ اليك هذا

وصار في تعليمُك الاستاذا

فقال : شي بفؤادي عرضا

لكنه فيك أصاب الغرضا

فقال : لا : مثلك ليس يهتدي

الى سؤال معجزٍ معقدِ

فقال قد علمنيه العسكري

ابو محمد بعيدُ النظرِ

فاطرق الكندي ثم قالا

أولائي بيتٌ صدقوا المقالا

ثم دعا كتابه ومزقه

واشعل النار به وأحرقه (١)

__________________

(١) إن إسحاق الكندي كان فيلسوف العراق في زمانه أخذ في تأليف تناقض القرآن الكريم ، وشغل نفسه بذلك ، وتفرّد في منزله ، وإن بعض تلامذته دخل يوماً على الامام الحسن العسكري عليه‌السلام فقال له ابو محمد عليه‌السلام : أما فيكم رجلٌ رشيدٌ يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن ؟!. فقال التلميذ : نحنُ من تلامذته فكيف يجوز منّا

=

٦٧٦
 &



__________________

=

الاعتراض عليه في هذا أو في غيره ؟! ، فقال له الامام : أتؤدي إليه ما ألقيه إليك ؟ قال : نعم فقال عليه‌السلام : صِرْ إليه وتلطّف في مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله ، فإذا وقعت الأنسة بعد ذلك قل له : قد حضرتني مسأله أسألك عنها ، فأنها يستدعي ذلك ، ثم قل له : إن أتاك هذا المتكلم بهذا القرآن ـ يقصد إمّا الله ، أو جبرائيل ، أو محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله ـ وقال لك : هل يجوز أن يكون مرادي منه غير المعاني التي قد ظننت أنك ذهبت إليها ؟ فأنه ـ أي الكندي ـ سيقول لك : إنه من الجائز لأنه ـ الكندي ـ رجل يفهم إذا سمع ، فإذا قال لك ذلك فقل له : فما يُدريك لعله ـ أي المتكلم بالقرآن ـ أراد غير الذي ذهبت أنت إليه فيكون لغير معانيه الصحيحة. فلما صار الرجل الى الكندي والقى إليه هذه المسألة قال له الكندي : أعدْ عليَّ ، ثم تفكر في نفسه وراى ذلك محتملاً في اللغة ، وسائغاً في النظر ، ثم قال له : أقسمت عليك إلا أخبرتني من أين لك هذا ، فقال التلميذ : إنه شيء عرض بقلبي فأوردته عليك ، فقال له الكندي : كلا ما مثلك مَن اهتدى الى هذا ، ولا مَن بلغ هذه المنزلة فعرّفني من اين لك هذا ؟ ، فقال التلميذ : أمرني به أبو محمد الحسن العسكري ، فقال الكندي : الآن جئت به وما كان ليخرج مثل هذا الّا من ذلك البيت ، ثم إنه دعا بالنار وأحرق جميع ما كان ألّفه. المناقب ٣ / ٥٢٥ ، منتهى الآمال ٢ / ٦٥٣.

التناقض في القرآن يظهر واضحاً ، إذا نظرنا الى ظاهر بعض الآيات ، حيث يشمّ منها التناقض إلا بعد أن يشرحها أهل الذكر ومثال ذلك قوله تعالى : ( فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً ) وقوله تعالى : ( وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ ) النساء / ١٢٩.

حيث نلاحظ في ظاهر الآيتين التناقض ، لكن الامام الصادق عليه‌السلام يُزيل هذا الاشكال عندما يقول عليه‌السلام : في الاية الاولى أمر الله الرجال بالعدل بين الزوجتين ، أو أكثر في المأكل ، والملبس ، والمسكن وغيرها. أما في الآية الثانية تنفي أن يكون هناك عدل في الحب ، والمودة بين الزوجتين بأن يحبّهما الرجل بصورة متساوية لأن هذا خارج عن اختيار الانسان وإرادته.

وللفائدة يوجد هناك عدة أسماء تشبه إسم هذا الفيلسوف الكندي وهؤلاء من أصحاب الامام الحسن العسكري عليه‌السلام ومنهم : ابو يعقوب إسحاق بن محمد ، ويعقوب بن إسحاق.

٦٧٧
 &

في مواجهة البدع

وواجه الامام اهل الفِرق

تلك التي انحرافها كالغرقِ

قد بَعدت عن منهج الاسلامِ

فجرت الوراء للإمامِ

وخالفت شريعة السماءِ

وابتدعت طريقة الاغواءِ

ففرقة تعرفُ « بالثنوية »

وهم مجوسُ أنجسُ البريه

وفرقة صوفيةٌ حمقاءُ

وقد طغت في نهجها الاهواءُ

قد ادعت طريقة في الدين

غريبة مشكوكة اليقينِ

وانهمكت بالدفِ والاغاني

ونسيت طريقة الرحمنِ (١)

__________________

(١) لقد أنبأنا رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله في حديث متواتر مشهور أن أُمته ستفترق من بعده الى عدة فرق على شاكلة الامم والديانات السابقة ، وهذا إنما يحصل بسبب إتّباع الهوى ورفض العقل وعدم إتباع الانبياء والاقتداء برسالتهم ، وعدم التقيّد بما أوصّوا به أُممهم من بعدهم ، ويشير تاريخ الاسلام الى أن الامة الاسلامية إفترقت بعد وفاة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله الى جبهتين : جبهة تقيّدت بما ورد عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسارت على نهجه وموالاة مَن أوصى بهم من بعده ، وجبهة إبتعدت عن النص وأستعملت الرأي والهوى ، وقد ضمنّنت الجبهة عدة فرق ضالة عملت على تقويض الاسلام من داخله ، وأشاعت فيه أفكاراً مبتدعة ضالّة بحيث ضلّلت جمهوراً كبيراً من المسلمين ، ومن هنا ظهرت أفكار الثنويه ، والصوفية ، والمرجئة ، والمفوّضة ، والقدرية ، وما يتصل بها من تشعّبات خطيرة وأطروحات فاسدة ، كان للأئمة دور كبير في التصدّي لها على طول فترات إمامتهم ، وقاموا بدحض هذه الآراء وبيان فسادها وتحذير الامة من آثارها الخطيرة ، ولا سيما البسطاء من الناس ، ومن جانبٍ آخر عمل الائمة عليهم‌السلام على إبعاد شيعتهم من التلبّس بها أو تسرّب أيّ منها الى صفوفهم.

=

٦٧٨
 &

__________________

=

ولعلّ الامام أبا محمد الحسن العسكري عليه‌السلام هو اكثر الائمة إبتلاءً بمثل هذه الافكار والفرق الضالة طيلة ايام إمامته ، وذلك لقوة انتشارها في زمانه ، ولكون السلطة العباسية قد انشغلت بلهوها وفسادها عن متابعة هذه الفرق إن لم تكن هي السبب المباشر لظهورها وإنتشارها.

موقفه عليه‌السلام من الثنوية : وهؤلاء من جملة الفرق المشركة التي تدّعي قدم غير الله معه ، بل وتُشرك غيره معه ، والثنوية : فرقة تزعم أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس الذين قالوا بقدم الظلام. والثنوية : هي فرقة تثبت مع القديم قديماً غيره ، وهم من فرق المجوس حيث يقولون بأن للشر اصلاً وللخير إصلا وهما النور والظلمة.

ويبدو أن أفكار هذه الفرقة تسربت الى الاسلام بسبب الاختلاط مع الامم الاخرى ، وإنتشار الحضارة في عهد الامام العسكري عليه‌السلام.

وفي هذا المجال ينقل الحر العاملي : كتب الى الامام رجل يسأله الدعاء لوالديه وكانت الام مؤمنة ، والاب ثنوي ، فوقّع له الامام : رحم الله والدتك. وهذا يعني أن والدك كافر وغير مشمول برحمة الله سبحانه. إثبات الهداة ٣ / ٤٢٧.

موقفه عليه‌السلام من الصوفية : الصوفية فرقة فاسدة نشأت تحت ستار الاسلام وقد ابتدعها رجل إسمه ابو هاشم الكوفي في القرن الثاني الهجري ، وقد قامت بخداع الناس وبالذات العوام منهم تحت شعارات الزهد والتخلّي عن الدنيا ، حيث قامت هذه الفرقة فألغت كلمة مسلم ، ومؤمن ، وجاءت بمصطلح « متصوف » الذي لم يعرفه لا الشيعة ولا بقية المذاهب في عصر الاسلام الاول ، ثم تدرّج بهم الحال الى إستباحة الغناء ، والرقص ، والتصفيق بإعتبارها شكلاً من أشكال العبادات المُباحة ، وبعد ذلك تسالم مذهبهم مع بقية مذاهب الناصبة والزنادقة في محاربة الشريعة الصحيحة المتمثلة في خط أهل البيت عليهم‌السلام ولهذهِ الفرقة جملة من القبائح تُعدّ عندهم أصول يؤمنون بها ويعتبرونها من طُلب الدين ومنها :

ـ الاعتقاد بمبدأ الحلول والاتحاد ووحدة الوجود.

ـ الاعتقاد بمذهب الكشف ومعرفة ما وراء الحجاب.

ـ الاعتقاد بصحة سقوط التكاليف الشرعية للمسلم اذا وصل الى مرحلةٍ ما ، حيث يقولون أن قوله تعالى ( وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى? يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ ) يندرج في ذلك.

ـ الاعتقاد بنفع نوع من الرياضيات الباطلة وترك مباحاة الدنيا ومنها طول الجوع وشدة

=

٦٧٩
 &



__________________

=

السهر وعدم أكل اللحم.

ـ إظهار بدع وسلوكيات باطلة كالرقص والغناء والصياح والتصفيق والتغزل بالصبيان.

ـ موالاة أعداء الله ومعاداة أولياء الله .

ـ كثرة الابتداع في الدين ومنها الغلو في الكرامات.

ويبدو من خلال تقصّي التاريخ أن هذه الفرقة قد قويت شوكتها وأستشرى فسادها ايام امامة الحسن العسكري عليه‌السلام ويبدو أن للسلطة العباسية يد في ذلك ، إضافةً الى كتمان انفاس العلماء من التصدّي لها بحيث بقيت الساحة الاسلامية فارغة لهؤلاء لبثّ سمومهم وضلالاتهم ، ومن هنا قال الامام العسكري لأبي هاشم الجعفري وهو من أصحابه : يا أبا هاشم سيأتي زمان على الناس وجوههم ضاحكة مستبشرة ، وقلوبهم مظلمة منكرة السنّة فيهم بدعة والبدعة فيهم سنّة ، علماءهم شرار خلق الله على وجه الارض ، لأنهم يميلون الى الفلسفة والتصوّف ، وايم الله إنهم من أهل العدول والتحرّف ».

ويبدو من خلال إستجلاء هذا النص أنه عليه‌السلام يحذّر من فرقة الصوفية الذين يعبدون الدنيا ويعملون ضد السّنة المباركة ويبتدعون الرقص والغناء وغيره ويسرقون دين الناس الحقيقي عن طريق المخاريق والضلالات بإظهار التزهّد الكاذب والخداع المزيّف.

٦٨٠