ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

كلماته ومواعظه

وهكذا ظل الامامُ الكاظمُ

تنهلُ من علومهِ الأعاظمُ

وقال فيما قال من كلامه

ما يشبه الربيع في أيامه

« من لم يحاسب نفسه » قد خسرا

وقد فنت أعماله وما درى

والمؤمنون كفتا ميزانِ

تملأُ بالبلاءِ والايمانِ

وقال يوماً والرواة يروون

« من استوى يوماه فهو مغبون » (١)

__________________

(١) من مواعظ وحكم الإمام الكاظم عليه‌السلام : روي عنه انه قال : « صلاة النوافل قربانٌ الى الله لكل مؤمن » و « الحج جهاد كل ضعيف » و « لكل شيء زكاة وزكاة الجسد صيام النوافل » و « من دعا قبل الثناء على الله والصلاة على النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله كان كمن رمى بسهم بلا وتر » و « التودد الى الناس نصف العقل » و « كثرة الهم يورث الهرم ، والعجلة هي الخرق » و « قلة العيال أحد اليسارين » و « من أحزن والديه فقد عقّهما » و « الصنيعة لا تكون الا عند ذي دين او حسب » و « الله ينزل المعونه على قدر المؤونة ، وينزل الصبر على قدر المصيبة » و « من اقتصد وقنع بقيت عليه النعمة ، ومن بذر وأسرف زالت النعمة » و « أداء الأمانة والصدق يجلبان الرزق ، والخيانة والكذب يجلبان الفقر والنفاق » و « ليس منا من لم يحاسب نفسه اليوم والليلة » و « الصنيعة لا تتم صنيعة عند المؤمن لصاحبها إلا بثلاثة أشياء : تصغيرها ، وسترها ، وتعجيلها ، فمن صغّر الصنيعة عند المؤمن فقد عظّم أخاه ، ومن عظّم الصنية عنده فقد صغّر أخاه ، ومن كتم ما أولاه من صنيعة فقد كرم فعاله » و « قل الحق وان كان فيه هلاكك فان فيه نجاتك ، ودع الباطل وان كان فيه نجاتك فان فيه هلاكك » و « ينبغي لمن عقل عن الله ان لا يستبطئه في رزقه ولا يتهمه في قضائه ».

وقال رجل : سألته عن اليقين ؟ فقال : « يتوكل على الله ، ويسلم لله ، ويرضى بقضاء الله ، ويفوّض الى الله » وسأله رجل عن الجواد  ؟ فقال عليه‌السلام : « إنّ لكلامك وجهين ، فإن كنت تسأل عن المخلوقين ، فإن الجواد الذي يؤدّي ما افترض الله عليه ، والبخيل من بخل بما افترض الله ، وإن كنت تعني الخالق فهو الجواد إن اعطى ، وهو الجواد إن منع ، لأنه إن اعطاك ؛ اعطاك ما ليس لك ، وإن منعك ؛ منعك ما ليس لك » اعلام الهداية ٩ / ٢٣٤ ـ ٢٣٦

٤٦١
 &

رواته وتلامذته

ومن رواته أبان البجلي

وابن ابي البلاد ذلك الجلي

وابن ابي بكر وابراهيمُ

وابن نعيم ذلك الكريمُ

ثم ابن يوسف الفتى الطحانُ

ومثلهُ بشيرٌ الدهانُ

ثم ابو اسامة الشحامُ

ثم ابن يقطين الفتى الهمامُ

وبعده اسباطٌ بن سالم

وابن نَعيمِ الغامدي العالمِ

وابن ابي جهيم الحصيفُ

وبكر بن صالح الضعيف

ثم جميلٌ بن دراج وقد

فاق الجميع في الروايات عدد

والحسنُ بن الجهمْ وابن صدقه

ذاك الذي عند الرجالات ثقه

وبعده حمادٌ بن عيسى

وبعده رفاعة بن موسى

ثم « دُرست » بن أبي منصورِ

وبعده الفذ أبو جريرِ

ثم سعيد بن يسار الضبعي

وابن عميرة الفقيه النخعي

وصالح بن خالد المحاملي

قد وثقته زمرةُ الأوائل

وبعدهم صفوانٌ الجمّالُ

من وردت بمدحهِ الاقوالُ

وبعده يأتي فتى « خداش »

ذاك الذي ضعفه « النجاشي »

وابن طريف ذلك الخزان

الثقة المبرز المزانُ

والحضرمي الكاذب المغالي !!

والخثعمي الواثق المقالِ

وصندل بن الحسن الخياطِ

وقيس الموثق الساباطي

وابن ابي عمير الازدي

يعرف في الاصحاب بالتقي

وهو الذي عانى من السجونِ

في حب أهل البيت كالمجنونِ

واخرون من رواة الخبرِ

رووا عن الكاظم اسنى الدررِ

٤٦٢
 &

واعتقدوا بصحة الامامه

الى الرضا من بعده علامه (١)

* * *

__________________

(١) كرّس الإمام الكاظم عليه‌السلام جهده لإكمال بناء الجماعة الصالحة التي يهدف من خلالها الى الحفاظ على الشريعة من الضياع ويطرح النموذجٍ الصالح الذي يتولى عملية التغيير والبناء في الامة ، حيث مارس الإمام عليه‌السلام تحرّكاً مشهوداً في هذا المجال وقدم للامة النموذج الصالح الذي صنعته مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام .

ركّز الامام الكاظم عليه‌السلام في تربيته للجماعة الصالحة على ضرورة الانتماء الفكري والمعرفي لمدرسة اهل البيت عليهم‌السلام وتحرك الامام عليه‌السلام بهذا الاتجاه مستغلاً للنهضة الفكرية التي حققها الإمام الصادق عليه‌السلام من قبل فقام باكمال عمل ابيه في بناء الكادر المتخصص فامتدت قواعده من هذا النوع حتى ذكر له (٣١٩) صحابياً.

كل منهم تلقى العلم والمعرفة من الامام الكاظم عليه‌السلام وقد خضعت هذه الجماعة بأنتمائها الفكري الى برمجة متقنة يمكنها مواجهة التحديات الثقافية والفقهية والابداع في ميدانها الخاص. الامام موسى الكاظم عليه‌السلام لباقر شريف القرشي ٢ / ٢٢٣.

قام الإمام موسى الكاظم عليه‌السلام بإعداد نخبة من الفقهاء ورواة الحديث تقدّر كما ذكرنا بثلاثمائة وتسعة عشر شخصاً لكن قد تميز من بين أصحابه ستة بالصدق والأمانة وأجمع الرواة على تصديقهم فيما يروونه عن الأئمة عليهم‌السلام على انه اشتهر بين المحدثين ثمانية عشر فقيهاً ومحدثاً من اصحاب الأئمة الثلاثة :

الباقر ، والصادق ، والكاظم عليهم‌السلام وهم المعروفون باصحاب الاجماع ، ستة من اصحاب الامام أبي جعفر الباقر عليه‌السلام وستة من أصحاب الامام أبي عبد الله الصادق عليه‌السلام ، وستة من أصحاب الامام ابي الحسن الكاظم عليه‌السلام وهم :

يونس بن عبد الرحمن ، وصفوان بن يحيى بياع السابري ، ومحمد بن أبي عمير ، وعبد الله بن المغيرة ، والحسن ابن محبوب السرّاد ، وأحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي.

هذا في المجال الفقهي أما الميادين الفكرية الأخرى مثل الكلام والقرآن واللغة ، وما شاكل ذلك فلها أيضاً رجال متخصصة فيها. اعلام الهداية ٩ / ١١٠.

٤٦٣
 &

انحراف الواقفة

لكن بعضهم بذاك وقفا

وقد غدا في صحبنا مضعفا

أغرتهم الاموال والرئاسه

واستغفلوا في النهج والسياسه

قد حسبوا ان غياب موسى

كغيبة الكليم أو كعيسى

ويا لها من فكرةٍ وفتنه

ما عرفت في آية أو سنه

وبعضهم عاد الى الامامِ

معتذراً بالفعل والكلامِ (١)

__________________

(١) قال النوبختي : لما توفي الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه‌السلام بالمدينة افترقت شيعته من بعده ست فرق :

١ ـ فرقة تمسكت بإمامته وقالت انه حي لم يمت وسوف يظهر وانه المهدي وهذه الفرقة تُسمى « الناووسية » ورئيسهم من اهل البصرة اسمه « عجلان بن ناووس » وقال الشهرستاني في الملل والنحل « بل هو ناووس » وقيل نُسبوا الى قرية « ناوسا ».

٢ ـ فرقة زعمت ان الإمام بعد جعفر الصادق عليه‌السلام هو ابنه الكبير اسماعيل ، وانكرت موته في حياة ابيه رغم تأكيد الإمام الصادق عليه‌السلام على موته ، وكانوا يقولون بذلك من جهة التلبيس عليهم كونهم يعتقدون ان اباه الصادق عليه‌السلام غيبه عنهم ، وانه سيظهر كما ظهر نبي الله موسى بعد غيبته وذهابه لميقات ربه ، وهذه الفرقة هي الاسماعيلية. ونقول : لا زالت منها اليوم بقية في الجزيرة العربية ، والهند ، وباكستان ، وشمال افريقيا.

٣ ـ فرقة زعمت ان الإمام بعد الامام الصادق عليه‌السلام هو محمد بن اسماعيل حفيد الامام الصادق عليه‌السلام وانه قام بالامامة في حياة الصادق عليه‌السلام بعد وفاة ابيه اسماعيل ابن الصادق وهم المسمون بـ « المباركية » كان رئيسهم « مبارك » وهو كوفيّ.

٤ ـ فرقة زعمت ان الامامة بعد جعفر الصادق عليه‌السلام في ابنه عبد الله بن جعفر الافطح وهم « الفطحية ».

=

٤٦٤
 &



__________________

=

٥ ـ فرقة افترقت من الفرق السابقة وتزعمها رجل اسمه « الخطاب » فصارت الفرقة باسم « الخطابية ». وقد انقرضت هذه الفرق ما عدا بقايا الاسماعيلية واقربهم الى الامامية جماعة الشيعة البهرة.

٦ ـ الفرقة السادسة وهي الفرقة الامامية التي ثبتتْ على امامة موسى بن جعفر عليه‌السلام وهكذا تكون جميع الفرق الخمس السابقة تُسمى بـ « الواقفية » لأنهم توقفوا عن الاعتقاد بامامة موسى بن جعفر عليه‌السلام . فرق الشيعة / ٧٨.

ثم قال النوبختي بعد عده لهذه الفرق : وفرقة الامامية هي الفرقة الحقة المأثورة عن الصادقين عليهما‌السلام وذلك لصحة مخارجها وقوة براهينها وجودة اسانيدها. المصدر السابق.

اما الشيخ المفيد فقد ذكر : وكان اسماعيل اكبر اولاد ابي عبد الله الصادق عليه‌السلام وكان شديد المحبة له والاشفاق عليه ، حتى كان قوم من الشيعة يظنون انه القائم بعد أبيه والخليفة له لميل ابيه اليه واكرامه ، فمات في حياة ابيه ، فحمل على رقاب الرجال ودُفن بالبقيع ، وكان الإمام الصادق عليه‌السلام يتقدم نعشه في تشيعيه وكان كثيراً ما يكشف عن وجهه ويريد بذلك تحقيق موته عند شيعته او الظّانين خلافته بعد ابيه ، وازالة الشبهة عنهم فيما بعد.

وبعد موت اسماعيل انصرف الشيعة عن القول بامامته بعد ابيه ، ولكن اقام على ذلك جماعة قليلة لم تكن من خاصة ابيه ولا من اوثق رواته ، بل كانوا من الاباعد والاطراف ، وبعد وفاة الامام الصادق عليه‌السلام انتقل الشيعة الى القول بامامة ولده موسى بن جعفر عليه‌السلام وافترق الباقون فريقين فريق منهم ثبت على امامة اسماعيل وهم اليوم قليلون لا يشكلون ثقلاً في ميزان الشيعة ، وفريق منهم رجع عن القول بامامة اسماعيل وقالوا بامامة ولده « محمد بن اسماعيل » لظنهم ان الامامة كانت لأبيه ثم انتقلت الى ابنه وان الابن احق بمقام الامامة من الاخ.

وهذا الفريقان هما « الاسماعيلية ». الارشاد / ٢٨٤ ـ ٢٨٥

ومجمل القول ان الامامة ثابتة للامام موسى بن جعفر عليه‌السلام بنص ابيه وتأكيده عليه‌السلام مراراً على ذلك خلاف ما يدعي الاسماعيلية.

٤٦٥
 &

جرائم المنصور

وحاولت ظلماً بنو العباسِ

إغفالَ ذكرهِ بقلبٍ قاسي

وضايقوا الكاظمَ بل ناووهُ

بكل اسراف وقد آذوهُ

ولاقت الشيعة في أيامه

كل صنوف الموت واصطلامه

بالسجن والتعذيب والمنافي

ومقتل الاباة والاشرافِ

وامتلأت بالشيعة السجونُ

فللعذاب فوقهم فنونُ

فمنهم من دُس في الجدارِ

ومنهم عُلق بالأسوارِ

ومنهم من قطعوا يديهِ

وسملوا ببغيهم عينيهِ

وبعضهم من مات بالقيودِ

وبعضهم يحرقُ بالحديدِ

حتى غدت أرواحهم مباحه

في كل يومٍ صلبوا بساحة

مشاهدٌ أدمت فؤاد الكاظمِ

وهو يرى الشيعة في المظالمِ

يكظمُ حزنهُ بصبر الاوصيا

وحلمه صار كحلم الأنبيا

فطالما تابعهُ المنصورُ

بألفِ عينٍ خلفهُ تدورُ

يُحصي على ابن جعفرٍ أنفاسهُ

يُرسلُ عند بابهِ حُراسه

يسألُ عن اخباره وفعله

ويرصدُ الزوار في منزله

لعله يأخذه بتهمهِ

إذ أصبحت شيعة موسى همّه

لكنه قد خاب في مسعاه

ولم ينل موسى ومبتغاه

فعاجلتهُ أسهمُ المنية

ووقعت بالظالم الرزية

وقد قضى في سفرةٍ للحرمِ

في « بئر ميمون » بليل الظُلمِ (١)

__________________

(١) تعد فترة الحكم العباسي المقيت فترة مظلمة على الصعيد السياسي ، والاجتماعي

=

٤٦٦
 &

__________________

=

والاخلاقي ، فعلى الصعيد السياسي انتشر الارهاب والقتل على الظنّة والتهمة وخاصة على رجالات الشيعة وقادتهم ، حتى صار السجن ، والقتل ، والتشريد ، والارهاب لأتفه الاسباب أمراً عادياً ، اما على الصعيد الاخلاقي فقد انشغل الحكام والامراء باقتناء الجواري ، والاقبال على اللهو ، واللذة ، والترف ، وبناء القصور ، واتلفوا اموال الناس ، وصادروا اموال المساكين والفقراء ، والمحكوم عليهم بالقتل والسجن ، وقد استفاضت روايات المصادر المعتبرة بنقل صور المطاردة والشدة التي لاقاها الامام وشيعته بحيث تتبعوهم في كل ناحيةٍ ومصر وجندوا الاموال والرجال لغرض استئصالهم.

وكانت ظروف الامام الكاظم عليه‌السلام السياسية صعبة للغاية حيث ، حُوصر وضُيّق عليه في حله وترحاله ، وكذلك بالرعيل الاول ممن رباه من خلّص تلاميذه واصحابه ، وتشير المصادر الى ان الامام الكاظم عليه‌السلام قد تحمل اعباء الامامة من سنة ١٤٨ هـ الى سنة ١٨٣ هـ وقد شملت هذه الفترة حكم اربعة من طغاة بني العباسي ، وهم المنصور ، والمهدي والهادي ، وهارون.

ففي ايام المنصور العباسي عانى الامام الكاظم ووالده الصادق عليه‌السلام وخُلّص اصحابه وتلاميذه اشد المعاناة من ظلمٍ وقتل وارهاب وتشريد ..

ونقلتْ المصادر ان المنصور صادر اموالهم وادخلهم السجون والمعتقلات وطاردهم تحت كل حجرٍ ومدر ، وبالغ في تعذيبهم وتفنن ، في اساليب قتلهم ، فمرّة يبني عليهم الاسطوانات وهم احياء ، ومرة يمنع عنهم الطعام والشراب حتى يموتوا جوعاً في اعماق سجونه المظلمة ومرة يثقلهم بالضرب ، والحديد حتى يموتوا ، وهكذا عانى الامام عليه‌السلام ما عانى حتى اراح الله العباد والبلاد من هذا الطاغية بعد ان خلف لولده المهدي خزانة مملوءة برؤوس العلويين.

ويذكر السيوطي : في سنة ١٤٥ هـ خرج الاخوان محمد ، وابراهيم ، ولدا عبد الله بن الحسن المثنى على المنصور فظفر بهما وقتلهما مع جماعة كثيرة من آل البيت ، فإنا لله وانا اليه راجعون.

وقال : قتل المنصور خلقاً كثيراً حتى استقام ملكه وهو الذي ضرب ابا حنيفة لأنه رفض القضاء ثم سجنه ، فمات بعد ايام وقيل ، قتله بالسم لكونه افتى الناس بالخروج عليه.

وقال : وكان المنصور في غاية الحرص والبخل حتى لُقب بالدوانيقي.

=

٤٦٧
 &



__________________

=

وقال : آذى المنصور جمعاً من العلماء والفقهاء ممن خرج عليه او افتى بالخروج عليه قتلاً وضرباً وتضييقاً منهم ابو عبد الله الصادق ، وابو حنيفة ، وابن عجلان ، ومالك بن انس.

وأخيراً قال :

وفي سنة ١٥٨ هـ امر المنصور نائب مكة بحبس سفيان الثوري وعباد بن كثير ، وتخوف الناس ان يقتلهما اذا ورد الحج ، فلم يوصله الله سالماً وكفاهما الله شره اذ عاجله داء البطن في شهر ذي الحجة وهلك فدُفن بين الحجون وبئر ميمون. تاريخ الخطباء / ٥٩ ـ ٦٢.

ومما ذكره اليعقوبي : واخذ المنصور اموال الناس عنده واستصفاها له ، وكان يقول ـ أي المنصور ـ : مَنْ قلّ ماله قلّ رجاله ومَنْ قلّ رجاله قوي عدوه عليه ومَنْ قوي عدوه عليه ذهب ملكه ومَنْ ذهب ملكه استبيح حِماه. تواريخ الخلفاء / ١٨٦.

بينما يذكر القمي : واجمالاً فقد كان المنصور رجلاً دموياً ، سفاكاً نصب للامام الصادق وولده من بعده ولجماعة الشيعة اشد العداوة ، وفي السنة العاشرة ، من حكمه دسَّ للإمام الصادق عليه‌السلام السم سنة ١٤٨ هـ كما مر ذكره. التتمة في تواريخ الخلفاء / ١٨٦.

٤٦٨
 &

عهد المهدي

وبعدما توفي المنصورُ

تغيّرت من بعده الامورُ

وانتقل العهد الى المهديِّ

خليفة بحكمه الغويِّ

فلم يكن بقسوة المنصورِ

ولم يكن ببخله المشهورِ

وهو الذي قد أطلق الرجالا

من سجنه وأرجع الاموالا

مقرباً منه جواري الغنا

ومبعداً عنه التقي المؤمنا

ولم يرث من شرف الاسلافِ

سوى هوى الحقد على الأشرافِ (١)

__________________

(١) لم يطرأ على سياسة الخلفاء العبّاسي المهدي أي تغيير يعول عليه ، التزم بالنهج العباسي كخط ثابت واستوحى منه ما يجب أن يعمله من تفصيلات قد تستحدث أثناء سلطته ، وسار على ما سار عليه الخلفاء العبّاسيون من قبله ، نعم طرأ بعض التغيير لصالح العلويين بعد ذلك التضييق الشديد من المنصور على العلويين فكانت مصلحة الحكم تقتضي شيئاً من المرونة ، الأمر الذي دعا الامام عليه‌السلام أن يستغل هذه المرونة التي اتخذها المهدي العبّاسي لصالح اتباعه وتوسعة نشاطه ومحاور تحرّكه.

بعد هلاك المنصور عام ١٤٨ هـ بويع لولده محمد المهدي وامتدت خلافته عشر سنوات وقليل ، وفور تسلمه الحكم حاول ان يخفّف عن كاهل الرعية في مطلع حكمه فأطلق سراح السجناء ، وردّ ما صادره ابوه المنصور من اموالهم وقد شمل هذا القرار جماعة من آل ابي طالب وبعض شيعتهم وكان الإمام الكاظم عليه‌السلام احد مَنْ رُدت اموال ابيه اليه.

وهنا يذكر اليعقوبي : وحال اخذه الحكم امر بأخراج من في المحابس من العلويين وغيرهم من سائر الناس وامر لهم بجوائز وصلات. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٣٩٤.

وقال السيوطي : وكان ابو محمد بن المنصور جواداً محبباً الى الرعية ، ولما صارت خزائن الدولة بيده اخذ في ردّ المظالم. تاريخ الخلفاء / ٢٧١ ـ ٢٧٢.

ويبدو من خلال استقراء الروايات انها ضرب من السياسة الماكرة قام بها الخليفة لتهدئة الوضع السياسي المضطرب والظلم الفاحش ايام حكم ابيه ، فحاول فعل هذا السلوك من

=

٤٦٩
 &

وفرح الناس بعهد « المهدي »

واستبشروا بجُودهِ والسعدِ

لكنه اسرف في المجونِ

واللهو والعيدان واللحونِ

ولم يكن لنفسه من همِّ

سوى ملذاتِ الهوى والنومِ

فخمرهُ من منزلٍ لمنزلِ

يرقصهُ في الليلِ صوت « الموصلي »

ونجلهُ الفاجر « ابراهيم »

وبنتهُ « عليةُ » تهيمُ

« وجوهر » جارية الغناءِ

تسقيه من خمر ومن صهباءِ

كؤوسهُ من فضةٍ أو ذهبِ

مخالفاً في ذاك سُنةَ النبي

قد عبثت في عهدهِ النساءُ

تفعلُ « بالمهدي » ما تشاءُ

فالخيزرانُ تحكم الامورا

حتى غدا خليفة مأمورا

تمدحهُ كما يريد الشعرا

في كذب مزيفٍ وفي افترا

وهو يصبُ المال دون خوفِ

الى قصيدٍ ضم كل زيفِ (١)

__________________

=

ارجاع اموال الناس واطلاق سراح السجناء انما هو لعبة سياسية فعلها هو وغيره لجلب التأييد الى حكمه ونيل محبة الناس له.

(١) ومن سمات حكم محمد بن المنصور المهدي انتشار اللهو والمجون.

قال الشيخ محمد فاضل المسعودي : ويُعتبر محمد المنصور اول خليفة عباسي اسس اللهو والمجون في دولة بني العباس حيث قرب المغنين والفساق واهل اللهو كابراهيم الموصلي وغيره. العبد الصالح / ١٦٧

ومن سمات حكمه سيطرة النساء والجواري على مقاليد الحكم والامور العامة ، فكان للخيزران زوجته مرتبة عالية في الحكم ، وكانت تفتي ويأخذ بأوامرها.

وهكذا انتشر الفساد والمجون في ايامه وعم الاسراف والبذخ في مدة حكمه ، ورغم ان المهدي احسن الى العلويين في بداية حكمه كما ينقل المؤرخون ، غير أن المهدي شجع الوضّاعين في زمنه ، فقام هؤلاء بدور إعلامي تضليلي فأحاطوا السلاطين بهالة من التقديس وأبرزوهم في المجتمع على أنهم يمثلون ارادة الله في الارض ، وأن الخطأ لا يمسّهم

=

٤٧٠
 &



__________________

=

فمثل غياث بن ابراهيم الذي عرف هوى المهدي في الحَمام وعشقه لها ، فحدثه على ابي هرير أنه قال : لا سبق إلا في حافر أو نصل ـ وزاد فيه ـ أو جناح.

فأمر له المهدي عوض افتعاله للحديث بعشرة آلاف درهم ، ولمّا ولّى عنه قال لجلسائه :

أشهد أنه كذب على رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ما قال رسول الله ذلك ولكنه أراد أن يتقرب اليّ.

تاريخ بغداد ٢ / ١٩٣.

وأسرف المهدي في صرف الاموال الضخمة من أجل انتقاص العلويين والحط من شأنهم فتحرّك الشعراء والمنتفعون ، وأخذوا يلفقون الأكاذيب في هجاء العلويين ومن جملة هؤلاء مروان بن أبي حفصة الذي دخل على المهدي ذات يوم وأنشد قائلاً :

يا ابن الذي ورث النبي محمداً

دون الأقارب من ذوي الأرحام

الوحي بين بني البنات وبينكم

قطع الخصام فلات حين خصام

ما للنساء مع الرجال فريضة

نزلت بذلك سورة الانعام

أنى يكون وليس ذاك بكائن

لبني البنات وراثة الأعمام

فأجازه المهدي على ذلك بسبعين ألف درهم تشجيعاً له ولغيره على انتقاص أهل البيت عليهم‌السلام.

٤٧١
 &

اعتقال الإمام

في كل هذا أصبح الأمام

محنته .. الأمةُ والإسلامُ

يُحذّرُ الناس من الاهواءِ

والفتنةِ العمياءِ والبلاءِ

فخاف من موقفهِ المهديُ

وهو غلام طائشٌ غويُ

فاعتُقلَ الإمامُ في المدينه

وصار في محبسه رهينه

لكنهُ أطلقه اذ عانا

لما رأى من ربهِ برهانا

حيث رأى بنومه « عليا »

محذراً مُقطبَ المحيّا

يقرأ آياتٍ من القرآنِ

تلهج بالارحام والاخوانِ

فارتعبَ المهدي في المنامِ

مسارعاً لحضرة الأمامِ

ومكرماً إياه بالاموالِ

ومُرجعاً إياه للعيالِ

وبعد حين هلكَ المهدي

يجرهُ شيطانهُ الغويُّ

لم يبكه من أُمة الإسلامِ

سوى جوارٍ صرن كالايتامِ (١)

__________________

(١) ان هاجس الخوف من العلويين وبالذات من الإمام الكاظم عليه‌السلام لم يدع المهدي مرتاحاً اضافة ، الى وجود اهل الحقد والنفاق والوشاية الذين يحثونه على اعتقال الإمام وانصاره ، لا سيما وان الإمام عليه‌السلام وانصاره كانوا يُحذّرون الناس من هذا اللهو والفساد والمجون ، ويقفون ضد توجه السلطان واتباعه في السير على هذا النهج.

وقد نشط الإمام الكاظم عليه‌السلام مستغلاً هذه الفرصة المحدودة فكان برنامجه يتوزّع على خطين :

خط التحرك العام في دائرة الامة والانفتاح عليها بهدف إصلاحها ضمن صيغ وأساليب سياسية وتربوية من شأنها إعادة الامة الى وعيها الإسلامي وقيمها الرسالية.

=

٤٧٢
 &



__________________

=

وخط بناء الجماعة الصالحة وتأصيل الامتداد الاسلامي الشيعي فتوجّه خلال هذه الفترة القصيرة بكل قوة نحو هذا الخط حتى جاء دور الرشيد فضيّق على الإمام عليه‌السلام وسجنه ثم قام بتصفية نشاطه وحياته عليه‌السلام.

وهكذا اوعز ابن المنصور الى واليه على المدينة ان يعتقل الإمام الكاظم وان يُرسله الى بغداد وحالما وصل الإمام عليه‌السلام الى بغداد زجّه في سجنٍ رهيب ، لكن حصول كرامة غيبية أدت الى اطلاق سراحه.

فقد نقل ابن خلكان : ان الخليفة العباسي المهدي رأى امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه‌السلام في المنام وهو يقول له : يا محمد ، هل عسيتم ان توليتم ان تفسدوا في الارض وتقطعوا ارحامكم ، ففزع المهدي واستدعى حاجبه الربيع واطلق سراح الإمام عليه‌السلام واكرمه واعاده الى مدينة جده. وفيات الاعيان ٥ / ٣٠٨.

وبعد حكم دام عشر سنوات عُرف بالنساء واللهو والمجون وتسلط النساء والجواري وكثرة الترف والخلاعة ، إضافة الى قتل العلماء والصلحاء بتهمة الزندقة ، هلك محمد بن المنصور بعد ان جمح به جواد فسقط منه فأصطدم بباب خرابة فهلك وكان خارجاً آنذاك الى الصيد واللهو ، وقيل هلك بسم دسته له احدى الجواري بسبب ضرّة لها اتخذها المهدي. تتمة اخبار الخلفاء / ٢١٢.

٤٧٣
 &

عهد موسى الهادي

وبايع الطغاة « موسى الهادي »

بالجهل والاطماع والأحقادِ

وكان ذا لهوٍ وذا مجونِ

منغمساً بخمرةِ الفتونِ

عداؤهُ للعلويين غدا

شعارهُ الباقي على طول المدى

فلم يروا كمثله عنيدا

مخالفاً كتابنا المجيدا

اذ قطع الارزاق والعطاءا

وصبَّ فوق الأمة البلاءا (١)

__________________

(١) بعد هلاك محمد بن المنصور المهدي اخذ ولده هارون البيعة لأخيه موسى الهادي وذلك في عام ١٦٩ هـ وكان آنذاك الهادي صغيراً عمره ٢٦ سنة كما نقل السيوطي عن الخطيب البغدادي في تاريخه قوله : لم يلِ الخلافة قبله احد بمثل صغر عمره. تاريخ الخلفاء / ٢٧٩

وقد حكم سنة وبضعة شهور ، وبحكم كونه صبياً وذا نزعات شريرة عدوانية ، فقد اتسم زمنه بالقسوة ، والخوف ، والارهاب ، وخاصة على العلويين ، حيث اعاد فترة حكم جده المنصور في المطاردة والقتل.

قال اليعقوبي :

والح الهادي في طلب العلويين واخافهم خوفاً شديداً وقطع عنهم ما اجراه ابوه المهدي من الارزاق والصلات وكتب الى الافاق في طلبهم وجلبهم وحبسهم. تاريخ اليعقوبي ٢ / ٤٠٤.

وقد عُرف بالسكر والمجون وحب الغناء كأبيه من قبل وكان مُقبلاً على شرب الخمر حتى وصفه الجاحظ بقوله : كان موسى الهادي شقي الاخلاق سيئ الظن مقبلاً على اللهو والمجون والسكر. اخلاق الملوك / ٣٥

ونقل السيوطي عن الذهبي قوله : كان يتناول المسكر ويلعب ويمرح ولا يقيم للخلافة قدراً وعنده سطوة وكبرياء. كان جباراً وقد اشاع حمل السلاح بين يديه. تاريخ الملوك / ٢٧٩.

=

٤٧٤
 &



__________________

=

وتشير جملة المصادر المعتبرة انه بالغ كثيراً في ايذاء العلويين والتنكيل بهم وبعد بلاءٍ وعناءٍ شديدين داما اكثر من سنة اراح الله منه الامة بدعاء الإمام الكاظم عليه‌السلام كما سيأتي بيانه لاحقاً.

قال السيوطي : مات الهادي في سنة ١٧٠ هـ واختلف في سبب موته فقيل انه مازح نديماً له فدفعه على اصول قصب قد قطع فتعلق به النديم فدخلت قصبة في منخره فماتا جميعاً ، وقيل اصابته قرحة في جوفه ـ كما حصل للمنصور من قبل ـ وقيل سمّته امه الخيزران لما عزم على ابعاد الرشيد ـ هارون ـ عن ولاية العهد ليعهد بها الى ولده. تاريخ الخلفاء / ٢٨٠

٤٧٥
 &

ثورة فخ

فانطلقت قوافل الثوارِ

وجلجلت انشودةُ الأحرارِ

رائدهم كان الحسينُ بن علي

ذو النسب الطاهر والفخر الجلي

فجدُهُ بالمكرمات يُعنى

مشتهرٌ بالحسن المثنى

وهو ابن سبط المصطفى العظيمِ

الحسن المطهر الكريمِ

وأمه زينب بنت الحسنِ

أكرم بها من مرأةٍ لم تَهنِ

تُرقصُ ابنها الحسين قائله

وهي به للمجد أضحت نائله

« كم لك بالبطحاء من معدِ

من خالِ صدق ماجدٍ وجدِ »

شبَّ الحسينُ بالتقى والكرمِ

وصار في البطحاءِ مثل العَلمِ

يقولُ : ان الذهب المصفى

والفضة البيضاء حين تُصفى

على صدور الغيد والثيابِ

عندي تساوي قيمة الترابِ (١)

* * *

__________________

(١) تواترت كتب التاريخ والسير بنقل واقعة فخ مأساوية وسيرة قائدها الشهيد الحسين بن علي عليه‌السلام فقد سردها الطبري :

لما وصل الحكم الى الهادي العباسي عمد الى مضايقة العلويين ، والتنكيل بهم وزجّهم في السجون ، وقتل اشرافهم مما حفز العلويين الى الثورة ضده ، فكانت هذه الثورة المأساوية ، وهي من ابرز ثورات العلويين واكثرها لوعة بعد ثورة السبط الحسين عليه‌السلام واستشهاده يوم كربلاء ، حيث ضاهت ثورة فخ ثورة السبط الحسين عليه‌السلام في الطف سواء في اهدافها او في نتائجها او في لوعتها حتى قال الإمام الجواد عليه‌السلام :

لم يكن لنا بعد الطف مصرعٌ اعظم من فخ. تاريخ الطبري ٦ / ٤١٠.

٤٧٦
 &

موقف النبي في فخ

وفيه ما عن الرسول أُثرا

في انه اجتاز بـ « فخٍ » سحرا

فأوقف الاصحاب للصلاةِ

ودمعت عيناه في أناةِ

وقال : ها هنا رجال تقتلُ

من أهل بيتي وعليهم رجلُ

يُحنطون بحنوط الجنه

أكفانهم يا ويلي الأسنه

أرواحهم تطيرُ للسماءِ

قبل جسومٍ عُدن في العراءِ

أجرُ شهيدين لمن يقضي معه

ومن يموت في ضراب المعمعة (١)

* * *

__________________

(١) وقد نقلت جملة من المصادر ان رسول الله قد اشار الى واقعة فخ في ايامه فقد نقل القمي بسندٍ الى ابي جعفر الباقر عليه‌السلام انه قال : مرَّ النبي بفخ فصلى ركعتين وبكى فلما سُئل قال : نزل عليَّ جبرائيل عليه‌السلام وقال : يا محمد ان رجلاً من ولدك يُقتل في هذا المكان واجر الشهيد معه اجر شهيدين. ونُقل ايضاً عن الإمام جعفر بن محمد عليه‌السلام انه لما مرَّ بفخ توضأ وصلى ثم قال عليه‌السلام : يُقتل ها هنا رجلٌ من اهل بيتي في عصابة تسبق ارواحهم اجسادهم الى الجنة. منتهى الآمال ١ / ٤٤٨.

ويبدو من سياق ما تقدم انها ثورة عقائدية رائدة قامت لإحياء دين الله وسنة رسوله ضد الظلم والطغيان والفساد ، وقد تواترت الروايات بخصوص قائدها وهو الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن ابي طالب عليهم‌السلام وقالت المصادر انه كان ، يُكنى بـ « ابي عبد الله » امهُ زينب بنت عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب ، وكانت امه زينب وابوه علي بن الحسين يُسميان بالصالحين لعبادتهما ، وكان المنصور العباسي قد قتل اباها ، واخاها ، وبنيها ، وعمومتها ، وزوجها من قبل ، وكانت طالما تدعو على المنصور وهي نادبة باكية حتى لحقت بربها سبحانه.

وكان صاحب فخ الحسين بن علي ذا جلالٍ وفضلٍ وسؤددٍ قلّ نظيره ، وقد وصفه الواصفون بأنه جليل القدر ، سخي الطبع ، وسيد ذو شجاعة ، وحمية أحيت ذكر سبط الرسول الإمام الحسين ايام كربلاء.

٤٧٧
 &

سببُ الثورة

واجمعَ المؤرخون قاطبة

بأنَّ ثورة الحسين الغاضبة

سببها ظلم « بني الخطّاب »

حين أهينت خيرة الأطيابِ

اذ قبضت شرطة موسى الهادي

على رجال هاشم الاجوادِ

وضربتهم بالسياط ظلما

وكبّلتهم بالحبال جُرما

فامتلأت شوارعُ المدينة

بالغضب المكبوت والضغينة

وازدادت الرهبةُ بعد المحنِ

عند اختفاء « الحسن بن الحسنِ »

يوم توارى عن عيون الشرطة

وهو تحدٍ لرجال السلطة

فهدد الوالي بحبس يحيى

ثم الحسين ان أراد البقيا

أو يأتياني بالذي قد اختفى

بعد ثلاثٍ فهمُ أهل الوفا

وقال ان لم تظهرا الحقيقة

أهجمُ بالنار على « سويقه »

فأحرق البيوت والمزارعا

وادفن الأنهار والمشارعا

واخذ العهد من الأشرافِ

إما الوفا أو شفرة السيافِ (١)

__________________

(١) والاسباب التي أدت الى الثورة عديدة ، نذكر منها سببين :

الأول : الاضطهاد والإذلال الذي مارسه الخلفاء العباسيون ضد العلويين واستبداد موسى الهادي على وجه الخصوص.

الثاني : الولاة الذين عيّنهم موسى الهادي على المدينة مثل تعيينه اسحاق بن عيسى بن علي الذي استخلف عليها رجلاً من ولد عمر بن الخطاب يعرف بعبد العزيز.

وقد بالغ هذا الأثيم في اذلال العلويين وظلمهم فالزمهم بالمثول عنده كل يوم ، وفرض عليهم الرقابة الشخصية فجعل كل واحد منهم يكفل صاحبه بالحضور ، وقبضت شرطته على كل من الحسين بن محمد بن عبد الله بن الحسن ، ومسلم بن جندب وعمر بن سلام ، وادّعت الشرطة انها وجدتهم على شراب فأمر بضربهم ، وجعل في أعناقهم حبالاً ، وأمر أن يطاف بهم في الشوارع ليفضحهم.

٤٧٨
 &

بيعة صاحب فخ

فاجتمع الثوار آل طالبِ

ليلاً بدار الحسني الغالبي

فذكروا ما كان عند الوالي

فاهتزت السيوف للأبطالِ

واقسموا أن يصبحوا بالوادي

حرباً على كل ولاة الهادي

فبايعوا الحسين إلا « الكاظمُ »

وهو لعمري بالمصير عالِمُ

وقال للحسين يا ابن عمي

إنك مقتول وذاك غمي

فأحسنوا الضراب والقتالا

وحسبكم من عصبةٍ أبطالا

فالقومُ فسّاقٌ بلا إيمانِ

ويضمرون الشر للقرآنِ

فخطب الحسين عند المسجدِ

مصلياً على النبي أحمدِ

وقال : يا ناس أنا ابن المصطفى

وقد عرفتم جدي المشرفا

وقد عرفتم أُمي الزهراءا

والمرتضى علياً الوضاءا

أتطلبون بعض آثار النبي

وتتركون نسلَهُ للكربِ

بايعتكم على كتاب ربي

وسنة المطهر المحبِ

وإنني أدعوكم الى الرضا

ولأتباع سنةٍ لمن مضى

أدعوكم للعدل في الرعية

وقسمة الأموال بالسوية

وان تقيموا معنا الجهادا

وتصلحوا العبادَ والبلادا

أوفوا لنا اذا وفينا لكمُ

وتلك بيعة لنا عليكمُ (١)

__________________

(١) ان صاحب الثورة الحسين بن علي ، قد شبَّ في طفولته في احضان امه وابيه الصالحين حتى نشأ على التقوى والكرم فعرفه الناس بالسخاء والجود كان اُبيَّ النفس لا يقبل الذل

=

٤٧٩
 &



__________________

=

والضيم شأنه شأن ابائه واجداده من اهل البيت عليهم‌السلام ولمّا نهض بثورته المباركة نهض معه اخوته واهل بيته وثلة صالحة من اصحابه ذكر منهم الاصفهاني في مقاتله : يحيى بن عبد الله بن الحسن المحض ، وادريس بن علي بن الحسن المحض ، وسليمان بن عبد الله بن الحسن المحض ، وقد أسر ثم قُتل فيما بعد ، وعلي بن ابراهيم بن الحسن ، وابراهيم بن اسماعيل بن طباطبا ، الحسن بن محمد بن عبد الله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن المثنى ، وقد اسر ثم قُتل فيما بعد ، وعبد الله بن اسحاق بن ابراهيم بن الحسن المثنى.

وذكر المسعودي : لما قُتل الحسين بن علي صاحب فخ والكثير ممن كان معه من اهل بيته واصحابه قُطعت رؤوسهم ثم تركوا ثلاثة ايام لم يواروا الثرى حتى اكلتهم السباع ووحوش الطير. المروج ٣ / ٣٧٢.

٤٨٠