ملحمة قوافل النّور

حسين بركة الشامي

ملحمة قوافل النّور

المؤلف:

حسين بركة الشامي


الموضوع : الشعر والأدب
الناشر: دار الإسلام
الطبعة: ٢
الصفحات: ٧٤٦
  نسخة مقروءة على النسخة المطبوعة
 &

لقد أَتيتم فعلةً شوهاءا

هزّت جبالَ الأَرضِ والسماءا

أَتعجبونَ حيثُ أمطرت دما

والكونُ من فعلتكم تجهّما

فأبشروا بالخزيّ والعذابِ

في هذه الدنيا وفي الحسابِ

فاضطرب الناسُ لها حيارى

إذ أشعلت وسطَ القلوبِ نارا

يبكونَ من هولِ المصاب ندما

دموعُهم تفيضُ حُزناً ودما (١)

وابن زيادِ خاف تلك المِحنه

فاخرجَ الرّأس ليطفي الفتنه

فارتفع البكاءُ والنّحيبُ

وانفطرت من الأسى القلوبُ

فراح حقداً ينكثُ الثنايا

ويرعبُ النساءَ والصبايا

* * *

__________________

(١) لمّا دخلت عائلة الحسين عليه‌السلام إلى الكوفة اجتمع أهلها للنظر إليهم ، فصاحت أم كلثوم : يا أهل الكوفة ! أما تستحون من الله ورسوله أن تنظروا إلى حرم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله وفي هذا الجو الحزين أقبلت امرأة مغفلة من الكوفيات وقالت : من أي الأسارى أنتم ؟ فقلن : نحن أسارى آل محمد فكثر البكاء ، وأخذ أهل الكوفة يناولون الأطفال التمر والخبز ، فصاحت أم كلثوم وهي زينب الكبرى : إنّ الصدقة علينا حرام ، ثمّ رمت به إلى الأرض.

وأمّا والي الكوفة المغرور فعند وصول القافلة جمع الناس في المسجد الأعظم وهم في حالة الذهول والحيرة وخطب خطبة قال فيها : الحمد لله أظهر الحق وأهله ، ونصر أمير المؤمنين يزيد وحزبه. وقتل الكذاب ابن الكذاب الحسين بن علي وشيعته .. الكامل لابن الأثير ١ / ٣٤.

واظهر فرحته واستبشاره ، ونشوته ، وغروره بالنصر الزائف أمام النساء والأطفال.

زعموا بأنْ قتلَ الحسينَ يزيدُهم

لكنّما قتل الحسينُ يزيدا

أمّا الإمام علي بن الحسين زين العابدين عليه‌السلام فقد خطب بعد الثناء والحمد قال : أيّها الناس ! من عرفني ، فقد عرفني ، ومَن لم يعرفني ، فأنا علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، أنا ابن مَن انتُهكت حرمته ، وسُلبت نعمته ، وانتُهبت ماله ، وسُبي عياله ، أنا اب المذبوح بشط الفرات من غير ذحل ولا ترات ، أنا ابن من قُتل صبراً وكفى بذلك فخرا.

ثمّ قال : أتبكون وتنوحون من أجلنا فمن الذي قتلنا ؟.

٢٨١
 &

موقف زيد بن أرقم

فانتفض ابنُ الأرقمِ الصحابي

مواجهاً للوغدِ في الخطابِ

ارفعْ عصاك عن فمِ الحسينِ

وعن شفاهِ ثانيَ السبطينِ

إنّي رأَيتُ المصطفى يقبّلهُ

طفلاً على عاتقهِ ويحملهُ

ثمّ بكى للمشهدِ المريعِ

وهطلت عيناه بالدموعِ

فصاح فيه ابنُ زيادِ ويلكْ

لو لم تكن شيخاً أَبَحتُ قَتلكْ

فخرج ابنُ أرقم يُعيدُ

يا ناسُ أَنتم معشرٌ عبيدُ

قتلتمُ الإمام وابنَ فاطمه

ودنتم لابنِ البغيّ الآثمه

يقتل دون رحمةٍ خيارَكم

وبالهوى يُبقي لكم شراركم (١)

* * *

__________________

(١) لقد أبدى عبيد الله بن زياد كفراً وطيشاً وحماقة عندما وضع رأس الحسين ريحانة رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيّد شباب أهل الجنّة بين يديه وجعل ينكت بالقضيب ثناياه ، فقال له زيد بن أرقم : ارفع القضيب عن هاتين الشفتين فوالله الذي لا اله إلّا هو لقد رأيت شفتي رسول الله تقبلهما ، ثمّ بكى فقال له ابن زياد : أبكى الله عينيك ، لو لا انّك شيخ قد خرفت وذهب عقلك لضربت عنقك. فخرج زيد من المجلس وهو يقول : أنتم العبيد بعد اليوم ، قتلتم ابن فاطمة وامّرتم ابن مرجانة يقتل خياركم ، ويستعبد شراركم فرضيتم بالذل. الطبري ٦ / ٢٦٢ ، البداية والنهاية لابن كثير ٨ / ١٨٠ ، تأريخ ابن عساكر ٤ / ٣٤٠.

وكانت هذه الصرخة تمثل بداية التحسس في المجتمع الإسلامي بشكل عام وفي المجتمع الكوفي على وجه الخصوص والتحرك ضدّ الأمويين الذي أخذ بالتوسع بفضل صرخة الحسين ونهضته الخالدة.

٢٨٢
 &

الحوارُ الساخن

وانعقدَ المجلسُ بالحشودِ

وحَفَ بالأَسيافِ والعبيدِ

فدخلت زينبُ رغم الحرسِ

واتّخذت زاويةً في المجلسِ

فسألَ الطاغي وراح يغضبُ

مَن هذه فقيل هذِي زينبُ (١)

__________________

(١) تعد خطبة عقيلة بني هاشم زينب ابنة علي عليه‌السلام في ذلك الظرف الصعب من أهم الوثائق الخطيرة في ملف الثورة الحسينية. حيث كشفت فيها القناع عن مدى خطورة المشروع الأموي الذي يهدف إلى تمزيق الأمة والقضاء على الرسالة ، وسلطت الضوء بقوة على الواقع المتردي للأمّة الإسلامية آنذاك.

يقول الراوي : لمّا أومأت زينب ابنة علي عليه‌السلام إلى الناس فسكنت الأنفاس والأجراس فعندها اندفعت بخطابها مع طمأنينة نفس وثبات جأش وشجاعة حيدرية ، فقالت صلوات الله عليها : الحمد لله والصلاة على أبي محمد وآله الطيبين الأخيار ، أمّا بعد يا أهل الكوفة ، يا أهل الختل والغدر ، أتبكون فلا رقأت الدمعة ، ولا هدأت الرنّة ، إنّما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوّة أنكاثاً ، تتخذون أيمانكم دخلاً بينكم ، ألا وهل فيكم إلّا الصلف النطف والكذب الشنف وملق الإماء ، وغمز الأعداء ، أو كمرعى على دمنة أو كفضة على ملحودة ألا بئس ما قدمت لكم أنفسكم أن سخط الله عليكم ، وفي العذاب أنتم خالدون. أتبكون وتنتحبون ، إي والله فابكوا كثيراً ، واضحكوا قليلاً فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ، ولن ترحضوها بغسل بعدها أبداً ، وأنّى ترحضون قتل سليل خاتم النبوّة ، ومعدن الرسالة ، ومدرة حجتكم ومنار محجتكم ، وملاذ خيرتكم ، ومفزع نازلتكم ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، ألا ساء ما تزرون.

فتعساً ونكساً وبعداً لكم وسحقاً ، فلقد خاب السعي ، وتبّت الأيدي ، وخسرت الصفقة ، وبؤتم بغضب من الله ورسوله ، وضربت عليكم الذلّة والمسكنة.

٢٨٣
 &

الحمدُ لله الذي أَباحَ قتلكم

وهو الذي كذّبَ أُحدوثتكم

فهتفت في وجههِ بقوّه

أكرمنا الإلهُ بالنبوّه

وهو الذي طهّرنا تطهيرا

ألهمنا التأويلَ والتفسيرا

وإنّما يُفتضحُ الكذّابُ

الفاسقُ الفاجرُ والمعابُ

فغضب الملعون ثمّ قالا

كيف رأيتِ صنعهُ تعالى

قالت : رأيتُ القدرَ الجميلا

حيث القتيلُ يتبعُ القتيلا

قد كتب الله لنا الشهاده

وهي لنا كرامةٌ وعاده

فهمَّ أن يضربها بقسوه

فقام « عمرو بن حريث » نحوه

فقال دعها أيُّها الأَميرُ

ولا تؤاخذها بما تقولُ

فإنّها مثكولةٌ حزينه

وقد أفاضَ قلبها شجونه (١)

__________________

ويلكم يا أهل الكوفة ، أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي دم له سفكتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم ؟ لقد جئتم شيئاً إدّاً ، تكاد السموات يتفطرن منه ، وتنشق الأرض ، وتخرّ الجبال هدّاً !

لقد اتيتم بها خرقاء ، شوهاء ، كطلاع الأرض وملاء السماء أفعجبتم أن مطرت السماء دماً ، ولعذاب الآخرة أخزى وهم لا ينصرون ، فلا يستخفنّكم المهل ، فإنّه لا يحفزه البدار ، ولا يخاف فوت الثار ، وإن ربّكم لبالمرصاد.

(١) جاء في مقتل المقرم عن الكامل لابن الأثير : إن زينب ابنة أمير المؤمنين ‌عليه‌السلام عندما دخلت إلى مجلس عبيد الله بن زياد انحازت عن النساء وهي متنكرة مما لفت انتباه ابن زياد فقال : مَن هذه المتنكرة ؟ قيل له : ابنة أمير المؤمنين ، زينب العقيلة. فأراد أن يحرق قلبها ، فقال متشمتاً : الحمد لله الذي فضحكم وقتلكم وأكذب أحدوثتكم. فقالت عليها‌ السلام : الحمد الله الذي أكرمنا بنبيّه محمّد وطهّرنا من الرجس تطهيراً ، إنّما يفتضح الفاسق ويكذب الفاجر وهو غيرنا. قال ابن زياد : كيف رأيت فعل الله بأهل بيتك ؟

قالت ‌عليها‌السلام ما رأيت إلا جميلا. هؤلاء قوم كتب الله عليهم القتل فبرزوا إلى مضاجعهم

=

٢٨٤
 &

والتفت الطاغي على السجّادِ

وقال مَن هذا على عنادِ (١)

قِيل عليّ بن الحسين بن عليّ

قال ألم يُصب بذاك المقتلِ

قال الإمام كان لي سميُّ

يكبرني وهو أخي عليُّ

قتله الناسُ بيوم كربلا

قال بلِ اللهُ الذي قد قَتلا

فغضب الطاغي وأطرى نفسه

وقال للجلّادِ خُذ لي رأسه

فحاول الجلّادُ أن يقطَّعه

فصرخت عمّتهُ اقتلني معه

حسبُكَ ما سفكت مِن دمائِنا

وما سبيتَ اليومَ من نسائِنا

* * *

__________________

=

وسيجمع الله بينك وبينهم فتحاج وتخاصم ، فانظر لمن الفلج يومئذ ، ثكلتك أمّك يا ابن مرجانة ، فغضب ابن زياد واسشاط من كلامها معه في ذلك الموقف وهمّ أن يضربها.

فقال له عمرو بن حريث : إنّها امرأة ولا تؤاخذ بشيء من منطقها ، فالتفت إليها ابن زياد وقال : لقد شفى الله قلبي من طاغيتك والعصاة المردة من أهل بيتك.

فرقت دموع العقيلة وقالت : لعمري لقد قتلت كهلي وأبرزت أهلي وقطعت فرعي واجتثثت أصلي ، فإن يشفك هذا فقد اشتفيت.

(١) يذكر المؤرخون وأصحاب المقاتل المحاورة التالية بين الإمام السجاد عليه‌السلام وابن زياد ، وسط أجواء الأسر والحزن والألم : قال ابن زياد : ما اسمك ؟ قال : أنا علي بن الحسين.

فقال له أوَ لم يقتل الله عليا ؟. فقال السجاد عليه‌السلام كان لي أخ أكبر منّي يسمّى علياً قتله الناس ، فردّ عليه ابن زياد بأنّ الله قتله ، قال السجاد عليه‌السلام : الله يتوفّى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها وما كان لنفس أن تموت إلّا بإذن الله كتاباً مؤجلا. فكبر على ابن زياد أن يرد عليه وهو في نشوة غرور فأمر أن تضرب عنقه. فانتفضت العقيلة زينب واعتنقت السجاد عليه‌السلام وقالت حسبك يا ابن زياد من دمائنا ما سفكت ، وهل أبقيت أحداً غير هذا فإن أردت قتله فاقتلني معه ، فقال السجاد عليه‌السلام أما علمت أنّ القتل لنا عادة وكرامتنا من الله الشهادة. فنظر ابن زياد إليهما وقال : دعوه لها ، عجباً للرحم ودت أنها تقتل معه. ابن الأثير ، الكامل :٤ / ٣٤.

٢٨٥
 &

موقف عبد الله بن عفيف الأزدي

وكان في المجلس شيخٌ أعمى

قد هالهُ ما يستباح ظلما

قد ذكروه ابن عفيف الأزدي

يُعرف بالوثبةِ والتحدّي

صاح بوجه ابنَ زيادٍ ويلكمْ

جمعتُمُ رجالكم وخيلكمْ

لقتلِ خيرِ الناس أُمّاً وأبا

سبط النبيّ الهاشميّ الأَطيبا

ورحتم من فوق هذا المنبرِ

تنتقصون ظلماً ابنَ حيدرِ

فأين أولادُ المهاجرينا

لكي يجيبوا الطاغيَ اللعينا

وثلةُ الأنصارِ والأصحابِ

وخيرةُ الشيوخِ والشبابِ

ينتقموا من فعلِ هذا الطاغيه

صوت يزيدٍ وصدى معاويه

وغادرَ المجلسَ وهو غاضبُ

يصحبهُ الإخوانُ والأقاربُ

فلم يرُقْ لابن زيادٍ قوله

وأغضب المستكبرين فعلهُ

فأرسلوا وراءه الجنودا

ليأسروه عنوةً وحيدا

فاقتحموا الدارَ عليه ليلا

وطوّقوها حرساً وخيلا

وليس في الدارِ سوى صبيّه

فقال هاتي السيف يا بنيَّه

فراح فيهم يضربُ الجموعا

وكان صوتهُ لهم مسموعا

« والله لو يكشفُ لي عن بصري

ضاق عليكم موردي ومصدري »

واجتمعوا عليه حيثُ أُوثقا

وكان فيهم آيساً من البقا

٢٨٦
 &

واقتيد نحو حتفهِ بصبرِ

أكرم بهِ مِنْ ثائرِ وحُرّ

وسيقَ أهل البيت نحو خربه

وزينبٌ أسيرةٌ معذبه (١)

تقول لا تأتي لنا في ذا البلد

إلّا التي في الأسر أو أُمُّ ولد

ومكثوا في قبضةِ اللَّئامِ

يكابدون قسوةَ الأَيامِ

* * *

__________________

(١) بعد استعراض ابن زياد لقوته وانتصاره المزعوم ، وبعد تلك المواجهة الإعلامية الحادّة بينه وبين عائلة الحسين عليه‌السلام الأسيرة ، بدأ التحسس في المجتمع الكوفي خصوصاً بعد حادثة زيد بن أرقم ، وعبد الله ابن عفيف الأزدي ، فأمر ابن زياد بحبس الأسرى في دار خربة إلى جنب المسجد الأعظم والناس حولهم مجتمعون يبكون ويلطمون وجوهم.

فصاحت زينب بالناس : لا تدخل علينا إلّا مملوكة أو أم ولد فإنهنّ سبين كما سبينا.

٢٨٧
 &

المسير نحو الشام

وبعدها ساروا مع الرؤوسِ

نحو بلادِ الشامِ والنحوسِ (١)

قد قُيدوا بأثقل الحديدِ

وقُرعوا بالشتمِ والوعيدِ

تصهرهم حرارةُ الصحراءِ

بلا ظلالِ باردِ وماءِ

ووافوا الشامَ كما جاء الخبر

في أوّل الأيّامِ من شهرِ صفر

فوجدوا دمشقَ قد تزيّنتْ

وبالجيوشِ الحمر قد تحصّنتْ

كأنَّ عيداً في الشآم صارا

فأفرحَ الكبارَ والصغارا

وقد تناسوا غضبَ الجبّارِ

ووُسمت جباهُهم بالعارِ

ووصل الموكبُ بابَ المسجدِ

ويا لهُ من منظرِ ومشهدِ

يقدمُ موكبَ السبا السجّادُ

وخلفهُ النسوةُ والأولادُ

* * *

__________________

(١) في أوّل يوم من شهر صفر دخلت القافلة دمشق وأوقفوهم على ( باب الساعات ) وقد خرج الناس بالدفوف وهم في فرح وسرور ، ودنا رجل من سكينة بنت الحسين وقال : من أي السبايا أنتم ؟ قالت : نحن سبايا آل محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله.

وكان يزيد جالساً على منظرة على « جيرون » وهو جانب من المسجد الأموي ، ولمّا رأى الرؤوس على أطراف الرماح وقد أشرفوا على ثنية جيرون نعب غراب فأنشأ يزيد يقول :

لمّا بدت تلك الحمولُ وأشرقت

تلك الرؤوسُ على شفا جيرون

نعب الغراب فقلت قل أو لا تقل

فلقد قضيتُ من الرسول ديوني

ومن هنا حكم ابن الجوزي والقاضي أبو يعلى والتفتزاني وجلال الدين السيوطي بكفره ولعنه ، كما ذكر السيّد المقرم في مقتله نقلاً عن روح المعاني للآلوسي ٢٦ / ٧٣.

٢٨٨
 &

فضائل أهل البيت عليهم‌السلام

حيث دنا « شيخٌ » من الإمامِ

يقولُ ربّ انصر جيوشَ الشامِ

قال الإمامُ هل قرأتَ المصحفا

قال نعم وذاك أمرٌ ما خفا

فقال هل قرأتَ آيَ القُربى

وحبّهم أَجرٌ يزيلُ الذنبا

قال نعم قرأتُها مرارا

وقد فهمتُ قصدَها تكرارا

قال عليٌ نحنُ هم يا هذا

نحن غدونا لكمُ ملاذا

وهل قرأتَ آيةَ التطهيرِ

وآيةَ الخمس بلا تزويرِ

فانتحبَ الشيخُ وراح يبكي

مذ عرفَ الإمامَ دون شَكِ

وقالَ هل لي توبةٌ يا سيّدي

قال نعم وأنتَ خير السندِ

فصاح يا ناسُ من الدواهي

أن تأسروا آلَ رسول اللهِ

فهؤلاء أطهرُ البريّه

أهلُ التقى والطهرِ والحميه

فوصلَ الأمر إلى يزيدِ

فقال كبلوهُ بالحديدِ

ثمّ اقتلوه كي يكون عبره

يريدُ في ذاك خفاءَ العتره (١)

__________________

(١) ودنا شيخ من السجاد عليه‌السلام وقال له : الحمد لله الذي أهلككم وأمكن الأمير منكم ! وهنا أفاض الإمام من لطفه على هذا المسكين المغتر بتلك التمويهات لتقريبه من الحق وارشاده إلى السبيل ، وهكذا أهل البيت عليهم‌السلام تشرق أنوارهم على مَن يعلمون صفاء قلبه وطهارة طينته واستعداده للهداية. فقال عليه‌السلام له : يا شيخ أقرأت القرآن ؟ قال : بلى قال عليه‌السلام : أقرأت قوله تعالى : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى? ) قال : نعم قال : وقرأت

=

٢٨٩
 &

وأدخلوآ آلَ الرسول المسجدا

مقيّداً متّبعاً مقيّدا

فوقفوا بين يدي يزيدِ

الفاسقِ الفاجرِ والرعديدِ

فصرخ الإمامُ يابنَ هندِ

ماذا تقولُ لو رآنا جدّي

فضجّ أهلُ الشامِ بالبكاءِ

وارتعدوا خوفاً من البلاءِ

* * *



__________________

=

قوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ ) وقوله تعالى : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّـهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى ) قال الشيخ : نعم قرأت ذلك ، فقال عليه‌السلام : نحن والله القربى في هذه الآيات ، ثمّ قال الإمام : أقرأت قوله تعالى : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّـهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ).

قال : بلى ، فقال عليه‌السلام نحن أهل البيت الذين خصّهم الله باية التطهير.

قال الشيخ : بالله عليك أنتم هم ؟ فقال عليه‌السلام : وحق جدّنا رسول الله لنحن هم من غير شك. فوقع الشيخ على قدميه يقبلها ويقول أبرأ إلى الله ممّن قتلكم. وتاب الى الإمام مما فرط في القول معه ، وبلغ يزيد فعل الشيخ وقوله فأمر بقتله.

٢٩٠
 &

يزيد يعلن كفره وفجوره

وأحضروا رأسَ الحسين خاضبا

فأهطعَ الجمعُ له مناكبا

إلّا يزيدٌ فلقد نالَ الأملْ

منَ الحسينِ بالذي كان فعلْ

مردداً يا ليت أشياخي الأُوَل

قد شهدوا ما كان من وقعِ الأَسل

إنّا قتلنا القرمَ منهم والبطل

ثمّ عدلناهُ ببدرٍ فاعتدل

قد لعبت هاشمُ بالمُلكِ الأجل

لا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نزل (١)

ثمّ مضى يخاطبُ السجّادا

كيف رأيتَ مَن طغى وعادى

__________________

(١) يذكر المؤرخون أن يزيد بن معاوية شاب طائش نزق عرف بالفسق والفجور وشرب الخمر ، وحينما أدخلت عليه عائلة الحسين عليه‌السلام وهم في حالة من العذاب والعناء مكبلين بالقيود حتى إنّ الجامعة كانت تربط في عنق الإمام زين العابدين عليه‌السلام وإلى زينب وباقي بنات رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله.

في هذا الجو هتف الإمام السجاد عليه‌السلام مخاطباً يزيد وهو على سريره منتفخاً بقوله : « ما ظنّك برسول الله لو يرانا على هذا الحال ؟ » فبكى الحاضرون وأمر يزيد بالحبال فقطعت.

ثمّ تمثّل بأبيات ابن الزبعرى :

ليت أشياخي ببدرٍ شهدوا

جزعَ الخزرجِ من وقعِ الأسل

لأهلّوا واستهلّوا فرحاً

ثمّ قالوا يا يزيدُ لا تشل

قد قتلنا القرمَ من سادتهم

وعدلناه ببدر فاعتدل

لعبت هاشم بالملك فلا

خبرُ جاء ولا وحي نزل

لست من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعل

٢٩١
 &

كيف رأيتَ صنعَ كَفِ الباري

فقال كان ذا مِنَ الأَقدارِ

قدّرهُ الرّحمنُ قبل الخلقِ

وقد صبرنا للقضاءِ الحقِ

ودارَ فيما بينهم حديثُ

سبّ به علياً الخبيثُ

لكن زين العابدين استرجعا

وقلبهُ بحرقةٍ تقطعا

وقال دعني يا يزيدُ أخطبُ

في موقفِ ما كنتُ في أكذبُ

لو أن جدّي المصطفى رآني

في هذه الحالِ مع النسوانِ

قيدتمونا بقيود الذُّلِ

ونحن أبناءُ إمامِ الرُّسلِ

فخجلَ الطاغي من الإمامِ

وفكَّ قيدَه بلا كلامِ

وأمر الخطيبَ أن يرقى على

منبرهِ وأن يسبَّ « البطلا »

ذاك وصيُ أحمدِ المختارِ

وسيّدُ الهداةِ والأَخيارِ

فأكثر الخطيبُ بالوقيعه

بآلِ طه وكبارِ الشيعه

قال علي : أيُّها الخطيبُ

لو سألَ اللهُ بما تجيبُ

تُرضي بما قد قلتَه المخلوقا

وتُسخطُ اللهَ بما لا يوقى

فلتتبوأ مِن جحيمِ النارِ

مقاعداً من ذلّةِ وعارِ

* * *

٢٩٢
 &

الخطاب التاريخي

والتفت السجّادُ نحو الطاغيه

مخاطباً إياهُ في كراهيه

يسأله أن يرتقي الأعوادا

لكي يقولَ الصدقَ والرشادا

فلم يُجبْ مطلبه يزيدُ

لأنّه أدرك ما يريدُ

لكنّما الناسُ ألحت تطلبُ

دع الغلامَ يا يزيدُ يَخطبُ

ما قدر ما يحسنُه هذا الفتى

وقد غدا فؤادهُ مشتتا

فقال لا ، هذا وريثُ العلم

فصاحةً بحكمة وحلمِ

فلم يزالوا فيه حتّى أذنا

فبدأ الإمام حمداً وثنا

وقال أُعطينا من الفضائلِ

سِتّاً على كرامةِ المنازل (١)

__________________

(١) في غمرة هذا المشهد المؤلم وبعد إعلان يزيد لكفره وعدم إيمانه بالوحي ورسالة النبي محمد صلى‌الله‌عليه‌وآله من خلال ترديده للأبيات السابقة ، التفت إلى الإمام السجاد عليه‌السلام يقول : كيف رأيت صنع الله يا علي بأبيك الحسين ؟ قال : رأيت ما قضاه الله عزّ وجل قبل أن يخلق السماوات والأرض.

وشاور يزيد مَن كان حاضراً عنده في أمره فأشاروا عليه بقتله ، فقال زين العابدين عليه‌السلام : يا يزيد ! لقد أشار عليك هؤلاء بخلاف ما أشار به جلساء فرعون حين شاورهم في موسى وهارون فإنّهم قالوا له : أرجه واخاه ، ولا يقتل الأدعياء أولاد الأنبياء وأبناءهم فأمسك يزيد مطرقا. إثبات الوصية ١٤٣.

ثمّ امر يزيد الخطيب أن يعتلي المنبر وينال من الحسين عليه‌السلام وأبيه الإمام أمير المؤمنين عليه‌السلام وصعد الخطيب المنبر وبالغ في ذم العترة الطاهرة وأثنى ثناءً كاذباً على يزيد وابيه ، فانبرى

=

٢٩٣
 &

__________________

=

له الإمام السجاد عليه‌السلام فصاح به : ويلك أيُّها الخاطب اشتريتَ رضا المخلوق بسخط الخالق فتبوأ مقعدك من النار.

إتّجه الإمام نحو يزيد فقال له : أتاذن لي أن أصعد هذه الأعواد فأتكلم بكلمات فيهنّ لله رضا ولهؤلاء الجالسين أجر وثواب ...

فرفض إجابته ، وألحّ عليه الجالسون بالسماح له ، فردّ عليهم يزيد قائلاً : إن صعد المنبر لم ينزل إلا بفضيحتي وفضيحة آل أبي سفيان ، إنّه من أهل بيت قد زقّوا العلم زقا. وأخذوا يلحّون عليه في أن يسمح في الخطاب ، ولم يجد بداً من إجابتهم فسمح له ، واعتلى الإمام المنبر فخطب خطاباً رائعاً هيمن فيه على الجالسين ، أبكى العيون واضطرب المجلس وتغيرت الأجواء لصالح مدرسة أهل البيت عليهم‌السلام.

ومن خطابه عليه‌السلام قوله : أيّها الناس اُعطينا ستّاً وفضلنا بسبع ، واُعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة ، والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين ، وفضلنا بأن منّا النبيّ والصدّيق والطيّار وأسد الله رسوله وسيّدة نساء وسبطي هذه الأمّة ، ومنّا مهديُّها أيُّها الناس مَن عرفني فقد عرفني ومَن لم يعرفني أنبأته بحسبي ونسبي ، أيُّها الناس أنا ابن مكة ومنى ، أنا ابن زمزم والصفا ، أنا ابن من حمل الركن بأطراف الردا ، أنا ابن خير من ائتزر وارتدى ، وخير مَن طاف وسعى ، وحجّ ولبّى ، أنا ابن مَن حُمل على البراق وبلغ به جبرئيل سدرة المنتهى ، فكان من ربّه كقاب قوسين أو أدنى ، أنا ابن مَن صلّى بملائكة السماء ، أنا ابن مَن أوحى إليه الجليل ما أوحى ، أنا ابن مَن ضرب بين يدي رسول الله ببدر وحنين ، ولم يكفر بالله طرفة عين ، أنا ابن صالح المؤمنين ووارث النبيين ، ويعسوب المسلمين ونور المجاهدين وقاتل الناكثين ، والقاسطين ، والمارقين ، ومفرق الأحزاب ، أربطهم جأشاً ، وأمضاهم عزيمة ، ذاك أبو السبطين الحسن والحسين ، علي بن أبي طالب.

أنا ابن فاطمة الزهراء ، سيّدة النساء ، وابن خديجة الكبرى ، أنا ابن المرمل بالدماء ، أنا ابن ذبيح كربلاء ، أنا ابن مَن بكى عليه الجن في الظلماء. وناحت الطير في الهواء.

فلمّا بلغ إلى هذا الموضع ضجّ الناس بالبكاء وخشي يزيد الفتنة فأمر المؤذن أن يؤذن للصلاة ، فقال المؤذن : الله أكبر ، قال الإمام : الله أكبر ، جلّ وأعلى وأكرم مما أخاف وأحذر ، فلمّا قال المؤذن : أشهد أن لا إله إلّا الله ، قال عليه‌السلام : نعم أشهد مع كل شاهد أن لا إله غيره ولا ربّ سواه ، فلمّا قال المؤذن : أشهد أن محمداً رسول الله ، قال الإمام للمؤذن :

=

٢٩٤
 &

شجاعةً فصاحةً وعلما

سماحةً محبّةً وحلما

ثمّ وقد بسبعةِ فُضّلنا

على جميعِ الخلقِ فانتصرنا

بأنَّ منّا أحمدَ المختارا

وانّ منّا حيدرَ الكرارا

وفاطماً سيّدةَ النساءِ

وبضعةً خامسةَ الكساءِ

وجعفرُ الطيّارُ كان منّا

وحمزةَ ذاك الفتى المكنّى

وسيّديَّ شبابِ أهلِ الجنّة

والقائمَ المهدي مُحيي السنّة

وانطلق الإمامُ في خطابه

يُذكرُ الجموعَ في انتسابه

أنا ابن مكّةٍ وجَمْعِ ومنى

وزمزمٍ وابنُ الصفا ذاك أنا

أنا ابن مبعوث السماءِ أحمدا

مَن حملَ الركنَ بأطرافِ الردا

أنا ابن مَن قاتل في سيفينِ

في بدرِ الكبرى وفي حُنينِ

أنا ابن مَن رَبّاه جبرائيلُ

أنا ابن مَن ناجاه ميكائيلُ

أنا ابن وارثِ النبواتِ علي

أنا ابن ذاكَ الهاشمي البطلِ

أنا ابن أكرمِ النساءِ الزهرا

فاطمةِ حسبي بذاك فخرا

انا ابن مَن قد رمّلوهُ بالدما

انا ابن مَن أبكى ملائك السما

أنا ابن مَن في نينوى قد قُتلا

انا ابن مَن أضحى دفينَ كربلا

فضجَّ كلُّ الناس بالبكاءِ

وأيقنَ الطغاةُ بالبلاءِ

وكادت الفتنةُ أن تكونا

عاصفةً تحطمُ الحصونا

__________________

=

أسألك بحقّ محمد أن تسكت حتى أكلم هذا ! والتفت إلى يزيد وقال : هذا الرسول العزيز الكريم جدّك أم جدّي ؟ فإن قلتَ جدّك علم الحاضرون والناس كلّهم أنّك كاذب ، وإن قلتَ جدّي ؟ فلِمَ قتلتَ أبي ظلما وعدوانا وانتهبت ماله وسبيتَ نساءه فويل لك يوم القيامة إذا كان جدّي خصمك.

فصاح يزيد بالمؤذن : أقم للصلاة ، فوقع بين الناس همهمة وصلّى بعضهم وتفرّق الآخر.

٢٩٥
 &

فأمرَ الطاغيةُ المؤذنا

أن يصعد المنبرَ كي يؤذنا

حتّى إذا ما بلغ الشهاده

للمصطفى بالوحي والسياده

التفت الإمامُ لابن هندِ

وقال هل جدّك ذا أم جدّي ؟

فإن زعمتَ أن طه جدُّكْ

فقد كذبتَ وتعدّى حدُّكْ

أما إذا كنتُ أنا ابن ابنته

فِلمْ وضعت السيفَ في عترته

ولمْ سبيت أهلَهُ والنسوه

وهم لكلّ الناس خيرُ أُسوه

فالويلُ إن كان النبيُّ خصمَك

يوم الحساب إذ تُلاقي ظلمَك

ثمّ أُقيمت بعدها الصلاةُ

فَأتَمَّ بالطاغيةِ الطغاةُ

* * *

٢٩٦
 &

رأس الحسين عليه‌السلام بين يدي يزيد

ثمّ دعا برأسِ فخرِ الشُّرفا

وسطَ ذهولِ مِن بناتِ المصطفى

فراح ينكتُ الفمَ الشريفا

فمَ الحسينِ الطاهرَ العفيفا

مسترجعاً ثاراتِ يوم بدرِ

من شبيةِ الحمدِ وآلِ فهرِ

وهو يقول : قد أَبت أقوامنا

أن ينصفونا فعلى صمصامُنا

نفلّقُ الهاماتِ من رجالِ

كانوا من الكماةِ والأَبطالِ

* * *

٢٩٧
 &

موقف يحيى بن الحكم

وكان في المجلس « يحيى بن الحكم »

فقال والهمُّ طواهُ والألم

أولاءِ يا يزيدُ أدنى رُحما

من ابنِ مرجانةَ حين تنمى

سميّة أولادُها عدُّ الحصى

ونسلُ آل المصطفى قد نقُصا

* * *

٢٩٨
 &

موقف أبي برزة الأسلمي

ثمّ « أبو برزة أعني الأسلمي »

قام وقال قولةً مِلْءَ الفمِ

أشهد أنّي قد رأيتُ أحمدا

قَبَّلَ منُه الشفتين واليدا

وقال ذا شبابُ أهل الجنّه

فصار حبهُ هُدىً وسُنّه

قد قتل الله الذي يقتلهُ

وفي زاويا سَقرِ يُنزلهُ

فغضبوا منه وجُرّ سحبا

وكاد أن يُقتلَ فيه حبا (١)

* * *

__________________

(١) رغم التحسس والذهول الذي أحدثه خطاب الإمام السجاد عليه‌السلام في مجتمع الشام كان من حماقة يزيد أن دعا برأس الحسين عليه‌السلام ووضعه أمامه ، في مرأى من النساء والأطفال ، فلمّا لاح الرأس الطاهر لهم أكثروا من الصراخ والبكاء ثمّ أذن يزيد للناس إذناً عاماً أن يدخلوا عليه وأخذ ينكثُ ثغر الحسين عليه‌السلام بقضيب بيده ، وهو يقول : يوم بيوم بدر ، وأنشد قول الشاعر :

أبي قومنا أن ينصفونا فأنصفت

قواضبُ في أيماننا تقطر الدما

نفلق هاماً من رجال أعزّة

علينا وهم كانوا أعقّ واظلما

صبرنا فكان الصبر منّا عزيمة

وأسيافنا يقطعن كفاً ومعصما

فأجابه يحيى بن الحكم بن أبي العاص أخو مروان وكان حاضراً في المجلس بقوله.

لهامٌ بجنب الطف أدنى قرابة

من ابن زياد العبد ذي الحسب الوغل

سميّة أمسى نسلها عدد الحصى

وليس لآل المصطفى اليوم من نسل

فضربه يزيد على صدره وقال : اسكت لا أم لك. تأريخ الطبري ٦ / ٢٦٥ والكامل لأبن الأثير ٤ / ٣٧.

وكان في المجلس أبو برزة الأسلمي وقد هاله المشهد المؤلم فقال : « أشهد لقد رأيت النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله يرشف ثناياه وثنايا أخيه الحسن عليه‌السلام ويقول : أنتما سيّدا شباب أهل الجنّة قتل الله قاتلكما ولعنه وأعدّ له جهنّم وساءت مصيراً » فغضب يزيد وأمر به فأخرج سحبا.

تأريخ الطبري ٦ / ٢٦٧. مناقب ابن شهر آشوب ٢ / ٢٦.

٢٩٩
 &

موقف رسول قيصر

وكان حاضراً رسولُ قَيصرِ

فساءهُ ما قد رأى من منظرِ

فقال إنّا في بلادِ الرومِ

نؤمٌ عند مشهدِ عظيمِ

يُنسب قِدماً لحمارِ عيسى

نزوره ونبذلُ النفيسا

وقد قتلتم عترة النبيّي

أشهد أنّ جمعكم في غيَّ

وقَبّل الرأسَ وراح يبكي

بكل إيمانٍ وكل نُسكِ

فصلبوه سفهاً وظلما

واقترفوا ذنباً به وجُرما (١)

* * *

__________________

(١) يذكر المؤرخون وأرباب المقاتل أن رسول قيصر كان عند يزيد فلما رأى رأس الحسين عليه‌السلام وعرف انّه ابن بنت رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله وسيماء الطهر والجلال تشع منه ، التفت إلى يزيد وقال له : إن عندنا في بعض الجزائر حافر حمار عيسى عليه‌السلام ونحن نحج إليه في كل عام من الأقطار ونهدي إليه النذور ونعظمه كما تعظمون كتبكم فأشهد إنّكم على باطل ، فأغضب يزيد هذا القول وأمر بقتله ، فقام إلى الرأس الشريف وقبّله وتشهّد الشهادتين وفاز مع الشهداء في درب الحسين عليه‌السلام اللّاحب.

٣٠٠