النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

المصحف ، فلا يمسّ الكتابة. ويجوز له أن يمسّ أطراف الأوراق.

ويكره أن يأكل الجنب الطّعام أو يشرب الشّراب. فإن أرادهما ، فليتمضمض أوّلا وليستنشق.

ويكره للمحتلم والجنب أن يناما قبل الاغتسال. فإن أرادا ذلك ، توضّئا وناما الى وقت الاغتسال.

فإذا أراد الغسل من الجنابة فليستبرأ نفسه بالبول. فإن تعذّر عليه ، فليجتهد. فإن لم يتأتّ له ، فليس عليه شي‌ء. وكذلك تفعل المرأة. ثمَّ ليغسل يده قبل إدخالها الإناء ثلاث مرّات استحبابا. فإن لم يفعل فليس عليه شي‌ء ، إلا أن يكون على يده نجاسة ، فإنّه يفسد الماء إن كان قليلا على ما قدّمناه. ثمَّ ليغسل فرجه. وإن كان قد أصاب شيئا من جسده منيّ غسله أيضا. ثمَّ ليتمضمض وليستنشق ثلاثا سنّة. ثمَّ ليأخذ كفّا من الماء ، فيضعه على أمّ رأسه ، ويمسح يده عليه ويغسله ، ويميّز الشّعر بأنامله حتّى يوصل الماء الى جميع أصول شعره ، ويخلّل أذنيه بإصبعيه. ثمَّ يأخذ كفّا ثانية وثالثة ، فيغسل بهما رأسه حسب ما قدّمناه ، فإذا فرغ من غسل رأسه ثلاث مرّات بثلاث أكفّ من ماء أو ما زاد عليه ، بدأ بوضع الماء على جانبه الأيمن مقدار ثلاث أكفّ من ماء أو ما زاد عليه. وليغسله إلى قدمه ، ثمَّ ليغسل جانبه الأيسر مثل ذلك. ويوصل الماء الى جميع جسده ، ولا يبقي شيئا منه على حال.

٢١

وأقلّ ما يجزئه من الماء للغسل ما يكون كالدّهن للبدن. وهذا يكون عند الضّرورة. والإسباغ يكون بتسعة أرطال من ماء. فإن استعمل أكثر من ذلك ، جاز.

وإن ارتمس الجنب في الماء ارتماسة واحدة ، أجزأه. ويكون ذلك في الماء الجاري ، أو فيما زاد على الكرّ من الواقف ، ولا يكون ذلك فيما هو أقلّ. وإن وقف تحت السّماء حتّى جاء عليه المطر وغسل بدنه ، أجزأه.

والنيّة واجبة أيضا في الغسل من الجنابة.

ويجب أيضا فيه التّرتيب : يبدأ بغسل الرّأس ثمَّ بالجانب الأيمن ثمَّ بالأيسر. فإن قدّم مؤخّرا أو أخّر مقدّما ، وجب عليه تقديم المؤخّر وتأخير المقدّم.

والموالاة ليست واجبة في الغسل من الجنابة. بل يجوز أن يغسل الإنسان رأسه بالغداة ، ثمَّ يغسل سائر جسده وقت الظهر ما لم يحدث شيئا. فإن أحدث ، وجب عليه إعادة جميع الغسل.

فإذا فرغ من الغسل ثمَّ وجد بعد فراغه عنه بللا ، فإن كان قد استبرأ بالبول على ما قدّمناه ، فليس عليه شي‌ء. فإن لم يكن قد استبرأ ، فعليه إعادة الغسل. وإن كان قد اجتهد وتعرّض للبول ، فلم يتأتّ له ذلك واغتسل ، ثمَّ وجد بللا بعد ذلك ، لم يجب عليه إعادة الغسل.

وغسل المرأة كغسل الرجل سواء. ويستحبّ لها أن تحلّ

٢٢

شعرها إن كان مشدودا. وإن لم تفعل ، فليس به بأس ، إلّا أن يمنع من إيصال الماء إلى أصول شعرها ، فإنّه يلزمها حينئذ حلّ شعرها ليصل الماء إلى أصله.

فإن كان على الرّجل خاتم أو على المرأة دملج أو سير وما أشبهها ، فليوصل الماء إلى ما تحت ذلك. فإن لم يمكن ذلك إلّا بنزعه ، نزعاه. وإن جري الماء تحت قدم الجنب ، فقد أجزأه. وإن لم يجر ، وجب عليه غسله. ولا بأس ان يختضب الجنب ، واجتنابه أفضل.

وليس على المغتسل من الجنابة وضوء لا قبله ولا بعده. فإن توضّأ قبله أو بعده معتقدا بأنّ الغسل لا يجزيه ، كان مبدعا. وكلّ ما عدا غسل الجنابة في الأغسال ، فإنّه يجب تقديم الطّهارة عليه أو تأخيرها. وتقديمها أفضل ، إذا أراد الدّخول به في الصّلاة. ولا يجوز الاقتصار على الغسل. وإنّما ذلك في الغسل من الجنابة حسب. وإن لم يرد الصّلاة في الحال ، جاز أن يفرد الغسل من الوضوء ، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

باب حكم الحائض والمستحاضة والنفساء واغسالهن

الحائض هي التي ترى الدّم الحارّ الأسود الذي له دفع. وبهذه الصّفات يتميّز من دم الاستحاضة والعذرة والقرح وغيرها. فإن اشتبه دم الحيض بدم العذرة ، فلتدخل المرأة قطنة : فإن

٢٣

خرجت منغمسة بالدّم فذلك دم حيض ، وإن خرجت متطوّقة فذلك دم العذرة. وإن اشتبه عليها دم الحيض بدم القرح ، فلتدخل إصبعها : فإن كان الدّم خارجا من الجانب الأيمن فهو دم قرح ، وإن كان خارجا من الجانب الأيسر فهو دم حيض.

ودم الاستحاضة أصفر بارد. والصّفرة في أيّام الحيض حيض ، وفي أيّام الطّهر طهر. فإن اشتبه على المرأة دم الحيض بدم الاستحاضة ، فلتعتبر بالصّفات التي ذكرناها. فإن اشتبه عليها وكانت ممّن لها عادة بالحيض ، فلتعمل في أيّام حيضها على ما عرفت من عادتها ، وتستظهر بيوم أو يومين ، إذا كان عادتها في الحيض أقلّ من عشرة أيّام. فإن كان عادتها عشرة أيّام ، فليس عليها استظهار ، بل تغتسل.

فإن كانت امرأة لها عادة ، إلّا أنّها اختلطت عليها العادة واضطربت وتغيّرت عن أوقاتها وأزمانها : فكلّما رأت الدّم تركت الصّوم والصّلاة ، وكلّما رأت الطّهر صلّت وصامت إلى أن ترجع إلى حال الصّحّة. وقد روي أنّها تفعل ذلك ما بينها وبين شهر ، ثمَّ تفعل ما تفعله المستحاضة.

فإن كانت المرأة مبتدأة في الحيض ، ولم يمكنها تميّز دم الحيض من غيره ، واستمرّ بها الدّم ، فلترجع إلى عادة نسائها في أيّام الحيض ، وتعمل عليها. فإن كنّ نسائها مختلفات العادة أو لا يكون لها نساء ، فلتترك الصّلاة والصّوم في كلّ شهر سبعة

٢٤

أيّام ، وتصلّي وتصوم ما بقي ، ثمَّ لا يزال هذا دأبها إلى أن تعلم حالها وتستقرّ على حال.

وقد روي أنّها تترك الصّلاة والصّوم في الشّهر الأوّل عشرة أيّام ، وتصلّي عشرين يوما ، وهي أكثر أيّام الحيض. وفي الشّهر الثّاني تترك الصّوم والصّلاة ثلاثة أيّام ، وتصلّي وتصوم سبعة وعشرين يوما ، وهي أقلّ أيّام الحيض. والروايتان متقاربتان.

وتستقرّ عادة المرأة بأن يتوالى عليها شهران ترى في كلّ واحد منهما الدّم أيّاما سواء ، لا زيادة فيها ولا نقصان. فمتى ثبت لها ذلك جعلت ذلك عادتها وعملت عليه.

والحبلى إذا رأت الدّم في الأيّام التي كانت تعتاد فيها الحيض فلتعمل ما تعمله الحائض. فإن تأخّر عنها الدّم بمقدار عشرين يوما ثمَّ رأته ، فإنّ ذلك ليس بدم حيض ، فلتعمل ما تعمله المستحاضة. ونحن نبيّن حكمها إن شاء الله.

فإذا حاضت المرأة ، فيجب عليها أن تعتزل الصّلاة ، وتفطر الصّوم. وتتوضّأ عند كلّ صلاة ، وتحتشي ، وتجلس في مصلّاها ، فتذكر الله تعالى بمقدار زمان صلواتها. وإن سمعت سجدة القرآن ، لا يجوز لها ان تسجد. ولا تدخل المسجد إلّا عابرة سبيل ، ولا تضع فيه شيئا. ويجوز لها أن تتناول منه. ولا بأس أن تقرأ القرآن ما عدا العزائم الأربع. ولا تمسّ

٢٥

المصحف ولا شيئا فيه اسم الله تعالى.

وأقلّ الحيض ثلاثة أيّام ، وأكثره عشرة أيّام. فإن رأت المرأة الدّم يوما أو يومين ، فلتترك الصّلاة والصّوم. فإن رأت الدّم اليوم الثالث أو في ما بعدهما إلى اليوم العاشر ، فذلك دم حيض. فإن لم تر بعد ذلك إلّا بعد انقضاء العشرة الأيّام ، فإن ذلك ليس بدم حيض ، ووجب عليها قضاء الصّلاة والصّوم فيما تركته. فإن رأت الدّم بعد عشرة أيّام فذلك ليس بدم حيض ، وربّما كان دم استحاضة ، ونحن نبيّن حكمه إن شاء الله.

ولا يجوز للرجل مجامعة امرأته وهي حائض في الفرج. وله مجامعتها فيما دون الفرج ومضاجعتها وملامستها بما دون الجماع فإذا انقطع عنها الدّم ، فالأولى لزوجها ألّا يقربها حتّى تغتسل. فإن غلبته الشّهوة ، أمرها بغسل فرجها ، ثمَّ يطأها إن شاء. ومتى وطئها في أوّل حيضها ، تصدّق بدينار قيمته عشرة دراهم جياد. وإن وطئها في وسطه ، تصدّق بنصف دينار ، وإن وطئها في آخره ، تصدق بربع دينار. كلّ ذلك ندبا واستحبابا ، فإن لم يتمكّن ، فليس عليه شي‌ء. وليستغفر الله ولا يعود.

فإذا انقطع الدّم عن المرأة ولم تعلم أهي بعد حائض أم لا ، فلتدخل قطنة : فإن خرجت وعليها شي‌ء من الدّم فهي بعد بحكم الحائض ، وإن خرجت نقيّة فليست بحكم الحائض فلتغتسل. هذا إذا كان انقطاع الدّم فيما دون العشرة الأيّام. فأمّا إذا زاد

٢٦

على ذلك ، فقد مضى حيضها على كلّ حال.

وإذا طهرت واغتسلت ، وجب عليها قضاء الصّوم ، ولا يلزمها قضاء الصلاة ، فإن رأت الدّم وقد دخل وقت الصلاة ولم تكن قد صلّت ، وجب عليها قضاء تلك الصلاة عند اغتسالها من الحيض. وإن طهرت في وقت صلاة ، وأخذت في تأهّب الغسل ، فخرج وقت تلك الصلاة ، لم يجب عليها القضاء. وإن توانت عن الاغتسال حتّى خرج وقتها ، وجب عليها القضاء. وإن طهرت بعد زوال الشّمس إلى بعد دخول وقت العصر ، وجب عليها قضاء الصّلاتين معا. ويستحبّ لها قضاؤها إذا طهرت قبل مغيب الشّمس. وكذلك إن طهرت بعد مغيب الشمس الى نصف الليل ، لزمها قضاء صلاة المغرب والعشاء الآخرة. ويستحبّ لها قضاء هاتين الصّلاتين ، إذا طهرت قبل الفجر. ويلزمها قضاء الفجر ، إذا طهرت قبل طلوع الشّمس على كلّ حال.

وإذا أصبحت المرأة صائمة ثمَّ حاضت ، فلتفطر أيّ وقت رأت الدّم ، وإن كان قبل غروب الشّمس بشي‌ء يسير ، ثمَّ تقضي ذلك اليوم. والأفضل لها إذا رأت الدّم بعد العصر أن تمسك بقيّة يومها تأديبا ، وعليها القضاء على كلّ حال. وإذا أصبحت حائضا ثمَّ طهرت ، فلتمسك بقيّة يومها تأديبا ، وعليها قضاء ذلك اليوم. وإذا أرادت المرأة الاغتسال من الحيض

٢٧

فلتبدأ بوضوء الصّلاة ثمَّ لتغتسل كما تغتسل من الجنابة : تبدأ بغسل رأسها ثمَّ بجانبها الأيمن ثمَّ بجانبها الأيسر حسب ما قدّمناه. وتستعمل في غسل الحيض تسعة أرطال من الماء. وإن زادت على ذلك ، كان أفضل. وإن كان دون التّسعة أرطال ، أو كان مثل الدّهن في حال الضّرورة ، لم يكن به بأس ، وأجزأها عن الغسل.

ويكره للمرأة أن تختضب وهي حائض. ولا بأس أن تكون مختضبة ثمَّ يجيئها الحيض.

والمستحاضة هي التي ترى الدّم الّذي وصفناه ، أو تكون قد مضت عليها أيّام حيضها ثمَّ رأت بعد ذلك الدّم ، فإنّه أيضا دم استحاضة وإن لم يكن بهذه الصفة. وكذلك إذا مضى عليها أكثر أيّام نفاسها ، ثمَّ رأت الدّم. فإنّه أيضا دم استحاضة.

ومتى رأت هذا الدّم ، وجب عليها أن تستبرأ نفسها بقطنة تحتشي بها. فإن خرج الدّم يسيرا ولم يترشّح على القطنة وجب عليها الوضوء لكلّ صلاة والاستبدال بالقطنة والخرقة. وإن رأت الدّم قد رشح على القطنة إلا أنّه لم يسل ، وجب عليها الغسل لصلاة الغداة ، والوضوء لكلّ صلاة ممّا عداها ، وتغيير القطنة والخرقة. وإن كثر الدّم حتى سال على القطنة ، وجب عليها في اليوم واللّيلة ثلاثة أغسال مع تغيير القطنة والخرقة عند كل غسل منها : أحدها لصلاة الظهر والعصر ، تؤخّر الظّهر عن

٢٨

أول وقته وتصلّي في آخر الوقت وتصلّي العصر في أول وقته ، وغسل للمغرب والعشاء الآخرة. تؤخر المغرب إلى آخر الوقت وتصلّي العشاء الآخرة في أوّل وقتها ، تجمع بينهما في الحال ، وغسل لصلاة الليل وصلاة الغداة ، تؤخّر صلاة اللّيل إلى قرب الفجر وتصلّي صلاة الفجر في أوّل وقتها. هذا إذا كان عادتها صلاة الليل. فإن لم يكن ذلك عادتها لعذر بها ، تغتسل لصلاة الغداة.

والمستحاضة لا يحرم عليها شي‌ء ممّا يحرم على الحائض ، ويحلّ لزوجها وطؤها على كلّ حال إذا غسلت فرجها وتوضّأت وضوء الصّلاة ، أو اغتسلت حسب ما قدّمناه. ولا يجوز لها ترك الصّلاة ولا الصّوم إلّا في أيّام كانت تعتاد فيها الحيض ، فإنّه يجب عليها في هذه الأيّام ترك الصّلاة والصيام.

والنّفساء هي التي تضع الحمل وترى الدّم ، فعليها ما على الحائض بعينه من ترك الصّلاة والصّوم وامتناع دخول المساجد ومسّ القرآن وما فيه اسم من أسماء الله تعالى ، وغير ذلك ، لا يختلف الحكم فيه. فإذا انقطع الدّم عنها ، وجب عليها الاستبراء بالقطنة كما يجب على الحائض. فإن استمرّ بها الدّم ، فعلت كما تفعله الحائض عشرة أيّام. فإن انقطع عنها الدّم ، وإلّا فعلت ما تفعله المستحاضة.

ولا يكون حكم نفاسها أكثر من عشرة أيّام. وقد رويت

٢٩

روايات مختلفة في أقصى مدّة النفاس من ثمانية عشر يوما إلى عشرين وإلى ثلاثين وإلى أربعين وإلى شهرين. والعمل على ما قدّمناه.

وإذا أرادت النّفساء الغسل ، تقدّم وضوء الصّلاة ثمَّ تغتسل كما تغتسل الحائض على السّواء. ويكره للنّفساء الخضاب كما يكره ذلك للحائض حسب ما قدّمناه.

باب تغسيل الأموات وتكفينهم وتحنيطهم وإسكانهم الأجداث

إذا أردنا أن نبيّن غسل الأموات ، فالواجب أن نبيّن ما يتقدّم ذلك من السّنن والآداب. فإذا حضر الإنسان الوفاة ، يستقبل بوجهه القبلة ، ويجعل باطن قدميه إليها ، ويلقّن الشهادتين والإقرار بالأئمّة عليهم‌السلام واحدا واحدا ، ويلقّن أيضا كلمات الفرج. ولا يحضره جنب ولا حائض.

فإن تصعّب عليه خروج الرّوح ، نقل الى مصلاه الذي كان يصلّي فيه في حياته ، ويتلى القرآن عنده ليسهل الله تعالى عليه خروج نفسه.

فإذا قضى نحبه ، فليغمض عيناه ويشد لحية ويمدّ ساقاه ويطبق فوه ويمدّ يداه إلى جنبه ويغطّى بثوب. وإن كان بالليل ، أسرج عنده في البيت مصباح إلى الغداة. ولا يترك وحده ، بل

٣٠

يكون عنده من يذكر الله تعالى.

وينبغي إذا مات الميّت أن يؤخذ في أمره عاجلا ، ولا يؤخّر إلّا لضرورة تدعو إلى ذلك ، ثمَّ يؤخذ في تحصيل أكفانه وحنوطه أوّلا.

والكفن المفروض ثلاثة أثواب ، لا يجوز الاقتصار على أقلّ منها مع التمكّن. ونهايته خمسة أثواب لا يجوز الزيادة عليها. وهي لفّافتان : أحدهما حبرة يمنيّة عبريّة غير مطرّزة بالذّهب أو بشي‌ء من الإبريسم ، وقميص وإزار وخرقة. فهذه الخمسة جملة الكفن. وتضاف إليها العمامة. وليست من الكفن ، لأن الكفن هو ما يلفّ به جسد الميّت. هذا إذا كان الميّت رجلا. فإن كان امرأة ، يستحبّ أن يزاد في أكفانها لفّافة أخرى ونمط. وإن اقتصر بها على مثل ما للرّجل ، لم يكن به بأس. ولا يجوز أن يكفّن الميّت في شي‌ء من الحرير والإبريسم المحض ، فإنّه محظور. ولا في الإبريسم المخلّط في الغزل مع الاختيار. ويكره أن يكفّن الميّت في الكتّان. وينبغي أن تكون الأكفان كلّها قطنا محضا.

وإن لم يكن للميّت ما يكفّن به من هذه الثّياب ، وكانت له قميص مخيطة ، فلا بأس أن يكفّن فيها إذا كانت نظيفة. ويقطع أزرارها ولا يقطع أكمامها. وإنّما يكره الأكمام فيما يبتدئ من القمصان.

٣١

فإذا حصلت الأكفان فلتفرش الحبرة على موضع نظيف. وينثر عليها شي‌ء من الذريرة المعروفة بالقمحة ، ويفرش فوقها الإزار وينثر عليه شي‌ء من الذريرة ، ويفرش فوق الإزار القميص.

ويستحبّ أن يكتب على الحبرة والإزار والقميص والعمامة : « فلان يشهد أن لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ أمير المؤمنين والأئمة من ولده بعده ـ يذكرون واحدا واحدا ـ أئمّته أئمّة الهدى الأبرار » ويكتب ذلك بتربة الحسين عليه‌السلام إن وجد. فإن لم يوجد ، كتب بالإصبع. ولا يجوز أن يكتب ذلك بالسّواد.

وإن لم يكن للميّت حبرة يجعل بدلا منها لفّافة أخرى.

فإذا فرغ من تحصيل الكفن لفّ بجميعه وعزل.

ويستعد معه من الكافور الّذي لم تمسّه النّار وزن ثلاثة عشر درهما وثلث إن تمكّن من ذلك. وهي السّنّة الأوفى. فإن لم يتمكّن منه ، فالأوسط وزن أربعة مثاقيل. فإن لم يتمكّن منه ، فمقدار درهم. فإن لم يوجد أصلا ، فما تيسّر. وإلّا دفن في حال الضرورة بغير كافور. ولا يكون مع الكافور مسك أصلا.

ويستعدّ أيضا شي‌ء من السّدر لغسل رأسه وجسده ، وشي‌ء من الكافور للغسلة الثانية.

وتؤخذ أيضا جريدتان خضراوان من النّخل إن وجد منه. وإن لم يوجد ، فمن السّدر. فان لم يوجد ، فمن الخلاف. فان

٣٢

لم يوجد ، فمن غيره من الشجر الرّطب. فإن لم يوجد أصلا ، فلا بأس بتركه. ويكتب عليهما أيضا ما كتب على الأكفان ، ويلفّ عليهما شي‌ء من القطن.

ويستعدّ مع ما ذكرناه مقدار رطل من القطن ليحشى به المواضع التي يخاف من خروج شي‌ء منها. فاذا فرغ من تحصيل أكفانه ، فليأخذ في غسله أولى النّاس بالميّت أو من يأمره هو به. فلتوضع ساجة أو سرير مستقبل القبلة ، ويوضع الميّت عليها مستقبل القبلة كما كان في حال الاحتضار.

ويحفر لمصبّ الماء حفيرة يدخل الماء إليها. فإن لم يمكن ودخل في البالوعة جاز. ويكره أن ينصبّ الماء الذي يغسل به الميّت في الكنيف. ولا يسخّن الماء لغسل الأموات إلّا أن يكون برد شديد يخاف الغاسل على نفسه من استعمال الماء ، فإنّه يسخّن له.

ثمَّ يؤخذ السّدر فيطرح في إجّانة ويصبّ عليه الماء ، ويضرب ضربا جيّدا حتّى يرغو ، ثمَّ يؤخذ رغوته ، فتطرح في موضع نظيف ، حتّى يغسل به رأسه.

ثمَّ يؤخذ الميّت فيوضع على تلك السّاجة مستقبل القبلة حسب ما قدّمناه. ويستحبّ أن يكون ذلك تحت السّقف ، ولا يكون ذلك تحت السماء. ثمَّ ينزع قميصه منه ، يفتق جيبه وينزع من تحته ، ويترك على عورته ما يسترها. ثمَّ تليّن أصابعه

٣٣

برفق. فإن امتنعت ، تركت على حالها. ثمَّ يبدأ بفرجه فيغسل بماء السّدر والحرض ويغسل ثلاث مرّات ، ويكثر من الماء ، ويمسح بطنه مسحا رقيقا. ثمَّ يتحوّل الغاسل إلى رأسه فيبدأ بشقّه الأيمن من لحيته ورأسه ، ثمَّ يثنّي بشقّه الأيسر من رأسه ولحيته ووجهه فيغسله برفق ولا يعنف به ، بل يغسله غسلا ناعما. ثمَّ يضجعه على شقّه الأيسر ليبدو له الأيمن ، ثمَّ يغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات ، ثمَّ يردّه على جنبه الأيمن حتّى يبدو له الأيسر ، فيغسله من قرنه إلى قدمه ثلاث غسلات ، ويمسح يده على ظهره وبطنه. ثمَّ يردّه على قفاه ، فيبدأ بفرجه بماء الكافور ، فيصنع كما صنع أوّل مرّة ، فيغسله ثلاث مرّات بماء الكافور ، ويمسح يده على بطنه مسحا رقيقا. ثمَّ يتحوّل إلى رأسه فيصنع كما صنع أوّلا بلحيته من جانبيه كليهما ورأسه ووجهه ، فيغسله بماء الكافور ثلاث غسلات. ثمَّ يردّه إلى جانبه الأيسر حتّى يبدو له الأيمن من قرنه إلى قدمه فيغسله ثلاث غسلات ، ويدخل يده تحت منكبه وذراعيه. ويكون الذراع والكفّ مع جنبه ظاهرة ، كلّما غسلت شيئا منه دخلت يدك تحت منكبه ، ومن باطن ذراعيه. ثمَّ تردّه على طهره وتغسله بماء قراح كما صنعت أوّلا : تبدأ بالفرج ثمَّ تتحوّل إلى الرأس والوجه ، وتصنع كما صنعت أوّلا بماء قراح ، ثمَّ الجانب الأيمن ثمَّ الأيسر تغسله من قرنه إلى قدمه كما غسلته في الغسلتين

٣٤

الأوليين.

وكلّما غسل الميّت غسلة ، فليغسل الغاسل يديه إلى المرفقين ، وليغسل الإجّانة بماء قراح ، ثمَّ يطرح فيها ماء آخر للغسلة المستأنفة.

ولا يركب الميّت في حال غسله بل يكون على جانبه الأيمن ، ولا يقعده ولا يغمز بطنه. وقد رويت أحاديث أنّه ينبغي أن يوضّأ الميّت قبل غسله ، فمن عمل بها ، كان أحوط.

فاذا فرغ من غسله ، نشّف بثوب نظيف ثمَّ يأخذ في تكفينه ، فيتوضّأ الغاسل أوّلا وضوء الصّلاة. وإن ترك تكفينه حتّى اغتسل كان أفضل ، إلّا أن يخاف على الميّت من ظهور حادثة به.

ويغتسل الغاسل للميّت فرضا واجبا ، وكذلك كلّ من مسّه بعد برده بالموت وقبل تغسيله ، فإنّه يجب عليه الغسل.

فإذا فرغ منه ، أخذ في تحنيطه ، فيعمد إلى قطن ، فيذر عليه شيئا من الذريرة ، ويضعه على فرجيه قبله ودبره ويحشو القطن في دبره ، لئلّا يخرج منه شي‌ء ، ويأخذ الخرقة ، ويكون طولها ثلاثة أذرع ونصفا في عرض شبر إلى شبر ونصف ، فيشدّها من حقويه ويضمّ فخذيه ضمّا شديدا ، ويلفّها في فخذيه ، ثمَّ يخرج رأسها من تحت رجليه إلى الجانب الأيمن ، ويغمزها في الموضع الّذي لفّ فيه الخرقة ، ويلفّ فخذيه من حقويه إلى ركبتيه لفّا شديدا ، ثمَّ يأخذ الإزار فيوزره به. ويكون عريضا

٣٥

يبلغ من صدره إلى الرّجلين. فإن نقص عرضه عن ذلك ، لم يكن به بأس.

ويعمد إلى الكافور ، فيسحقه بيده ويضعه على مساجده على جبهته وباطن كفيه ، ويمسح به راحتيه وأصابعهما ، ويضع على عيني ركبتيه وظاهر أصابع قدميه. ولا يجعل في سمعه وبصره وفيه شيئا من الكافور. ولا يجعل فيها شيئا أيضا من القطن إلّا أن يخاف خروج شي‌ء منها ، فإنّه لا بأس والحال هذه أن يجعل فيها شيئا من القطن. فإن فضل من الكافور شي‌ء ، جعله على صدره ويمسح به صدره ، ثمَّ يردّ القميص عليه.

ثمَّ يأخذ الجريدتين فيجعل إحديهما من جانبه الأيمن مع ترقوته ويلصقها بجلده ويضع الأخرى من جانبه الأيسر ما بين القميص والإزار.

ثمَّ يعمّمه فيأخذ وسط العمامة فيثنّيها على رأسه بالتّدوير ، ويحنّكه بها ويطرح طرفيها جميعا على صدره ، ولا يعمّمه عمّة الأعرابيّ.

ثمَّ يلفّه في اللّفّافة فيطوي جانبها الأيسر على جانبها الأيمن وجانبها الأيمن على جانبها الأيسر. ثمَّ يضع بالحبرة أيضا مثل ذلك. ويعقد طرفيها مما يلي رأسه ورجليه.

فاذا فرغ من جميع ما ذكرنا ، فليحمله إلى قبره على سريرة. وأفضل ما يمشي المشيّع للجنازة ، خلفها أو عن يمينها أو

٣٦

شمالها. فإن تقدّمها لعارض أو ضرورة ، لم يكن عليه حرج. وإن كان لغير ضرورة ، يكون قد ترك الأفضل ، وليس عليه شي‌ء. ويكره لمن يشيّع جنازة أن يكون راكبا إلّا لضرورة تدعو الى ذلك.

ويستحبّ لمن يشيّع جنازة المؤمن أن يحمله من أربع جوانبه : يبدأ بمقدّم السّرير الأيمن ، يمرّ عليه ويدور من خلفه إلى الجانب الأيسر ، ثمَّ يمرّ عليه حتّى يرجع إلى المقدّم كذلك دور الرّحا.

وينبغي أن يؤذّن المؤمنون بجنازة المؤمن إذا لم يعلموا ليتوفّروا على تشييعه. ويستحبّ لمن رأى جنازة أن يقول : « الحمد لله الّذي لم يجعلني من السّواد المخترم » ثمَّ يمرّ بها إلى المصلّى ، فيصلّي على ما سنبيّنه إن شاء الله. ثمَّ يحمله إلى القبر.

فاذا دنا من القبر ، وضعه دون القبر بمقدار ذراع ، ثمَّ يمرّ بها إلى شفير القبر ممّا يلي رجليه في ثلاث دفعات إن كان رجلا. ولا يفدحه بالقبر دفعة واحدة.

وإن كانت امرأة ، تركها على جانب القبر. ثمَّ ينزل إلى القبر الولي أو من يأمره الولي. ولا بأس أن يكون شفعا أو وترا. وإن كانت الميّت امرأة ، لا ينزل إلى قبرها إلّا زوجها أو ذو رحم لها. فإن لم يكن أحد منهم ، جاز أن ينزل إليه بعض الرّجال المؤمنين ويدفنها. وإن كان من ينزل إلى قبرها عند عدم ذوي أرحامها بعض النّساء المؤمنات ، كان أفضل. وليتحفّ من ينزل إلى القبر ويكشف رأسه ويحلّ أزراره. ويجوز عند الضّرورة

٣٧

والتقيّة أن ينزل بالخفّين.

ثمَّ يؤخذ الميت من قبل الرّجلين في القبر ، فيسلّ سلّا ، فيبدأ برأسه ، فيؤخذ. وينزل به القبر ، ويقول عند معاينة القبر من يأخذه : « اللهم اجعلها روضة من رياض الجنّة ، ولا تجعلها حفرة من حفر النّيران » ويقول إذا تناوله : « بسم الله وبالله وفي سبيل الله وعلى ملّة رسول الله. اللهمّ إيمانا بك وتصديقا بكتابك. ( هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ. وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ ). اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ». ثمَّ يضجعه على جانبه الأيمن ويستقبل به القبلة ، ويحلّ عقد كفنه من قبل رأسه ورجليه ، ويضع خدّه على التّراب.

ويستحبّ أن يجعل معه شي‌ء من تربة الحسين عليه‌السلام. ثمَّ يشرّج عليه اللّبن ويقول من يشرّجه : « اللهمّ صل وحدته ، وآنس وحشته ، وارحم غربته ، وأسكن إليه من رحمتك رحمة يستغني بها عن رحمة من سواك ، واحشره مع من كان يتولّاه ».

ويستحبّ أن يلقّن الميّت الشّهادتين وأسماء الأئمّة عند وضعه في القبر قبل تشريح اللّبن عليه ، فيقول الملقّن : « يا فلان ابن فلان اذكر العهد الّذي خرجت عليه من دار الدّنيا : شهادة أنّ لا إله إلّا الله وحده لا شريك له ، وأنّ محمّدا عبده ورسوله ، وأنّ عليا أمير المؤمنين والحسن والحسين ـ ويذكر الأئمة إلى آخرهم ـ أئمتك أئمة الهدى الأبرار ».

٣٨

فإذا فرغ من تشريج اللّبن عليه ، أهال التّراب عليه. ويهيل كلّ من حضر الجنازة استحبابا بظهور أكفّهم ، ويقولون عند ذلك : « إِنّا لِلّهِ وَإِنّا إِلَيْهِ راجِعُونَ. هذا ما وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ. وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ. اللهمّ زدنا إيمانا وتسليما ». ولا يهيل الأب على ولده التّراب ، ولا الولد على والده ، ولا ذو رحم على ذي رحمه ، وكذلك لا ينزل إلى قبره ، فإنّ ذلك يقسي القلب.

فإذا أراد الخروج من القبر ، فليخرج من قبل رجليه ، ثمَّ يطمّ القبر ، ويرفع من الأرض مقدار أربع أصابع. ولا يطرح فيه من غير ترابه. ويجعل عند رأسه لبنة أو لوح. ثمَّ يصبّ الماء على القبر ، يبدأ بالصّبّ من عند الرّأس ثمَّ يدار من أربع جوانبه ثمَّ يعود إلى موضع الرّأس. فإن فضل من الماء شي‌ء ، صبّ على وسط القبر. فإذا سوّى القبر وضع يده على القبر من أراد ذلك ، ويفرّج أصابعه ، ويغمزها فيه بعد ما نضح بالماء ، ويدعو للميّت.

فإذا انصرف الناس عن القبر ، يتأخّر أولى النّاس بالميّت ، ويترحم عليه ، وينادي بأعلى صوته إن لم يكن في موضع تقيّة : « يا فلان بن فلان : الله ربّك ومحمد نبيّك وعليّ إمامك والحسن والحسين ـ ويسمّي الأئمّة واحدا واحدا ـ أئمّتك أئمّة الهدى الأبرار ».

وإذا كان الميّت مجدورا أو كسيرا أو صاحب قروح أو محترقا ولم يخف من غسله ، غسل. فإن خيف من مسّه ، صبّ

٣٩

عليه الماء صبّا. فإن خيف أيضا من ذلك ، يتيمّم بالتّراب.

وإن كان الميّت غريقا أو مصعوقا أو مبطونا أو مدّخنا أو مهدوما عليه ، استبرئ بعلامات الموت. فإن اشتبه ، ترك ثلاثة أيّام وغسل ودفن بعد أن يصلّى عليه.

فإن كان الميّت شهيدا ، وهو أن يقتل بين يدي إمام عدل في نصرته أو بين يدي من نصبه الإمام ، دفن بثيابه ولم يغسل ، ويدفن معه جميع ما عليه ممّا أصابه الدّم ، إلّا الخفّين. وقد روي أنّهما إذا أصابهما الدّم دفنا معه. وإن حمل من المعركة وبه رمق ثمَّ مات ، نزعت عنه ثيابه ، وغسل وكفّن وحنّط وصلّي عليه ودفن. وكلّ قتيل سوى ذلك ، فلا بدّ من غسله وتحنيطه وتكفينه. فإن كان المقتول قودا أو مرجوما ، يومر بالاغتسال والتكفّن والتحنّط. ثمَّ يقام عليه الحد. فإذا وجد من المقتول قطعة ، فإن كان فيها عظم ، وجب غسلها وتحنيطها وتكفينها ودفنها. وإن كان موضع الصدر ، وجب مثل ذلك أيضا والصّلاة عليها. ويجب على من مسّها الغسل. وكذلك إن كانت القطعة الّتي فيها العظم قطعت من الحيّ ، وجب على من مسّها الغسل. وإن لم يكن فيها عظم ، دفنت كما هو ولم تغسل ، ولا يجب على من مسّها أيضا الغسل.

وإذا أراد الغاسل للمقتول غسله ، بدأ بغسل دمه ثمَّ صبّ عليه الماء صبا. ولا يدلك جسده. ويبدأ بيديه ودبره. ويربط جراحاته

٤٠