النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

ثمَّ يسعى بين الصّفا والمروة. فإن طاف بالبيت أشواطا ، ثمَّ قطعه ناسيا ، وسعى بين الصّفا والمروة ، كان عليه أن يتمّم طوافه ، وليس عليه استينافه. فإن ذكر أنّه لم يكن أتمّ طوافه ، وقد سعى بعض السّعي ، قطع السّعي ، وعاد فتمّم طوافه ، ثمَّ تمّم السّعي.

والمتمتّع إذا أهلّ بالحجّ ، لا يجوز له أن يطوف ويسعى إلّا بعد أن يأتي منى ، ويقف بالموقفين ، إلا أن يكون شيخا كبيرا لا يقدر على الرّجوع إلى مكّة ، أو مريضا ، أو امرأة تخاف الحيض فيحول بينها وبين الطواف ، فإنّه لا بأس بهم أن يقدّموا طواف الحجّ والسعي.

وأمّا المفرد والقارن ، فإنّه لا بأس بهما أن يقدّما الطّواف قبل أن يأتيا عرفات.

وأمّا طواف النساء فإنّه لا يجوز إلّا بعد الرّجوع من منى مع الاختيار. فإن كان هناك ضرورة تمنعه من الرّجوع إلى مكّة ، أو امرأة تخاف الحيض ، جاز لهما تقديم طواف النساء ، ثمَّ يأتيان الموقفين ومنى ، ويقضيان المناسك ويذهبان حيث شاء. ولا يجوز تقديم طواف النّساء على السّعي. فمن قدّمه عليه ، كان عليه إعادة طواف النّساء. وإن قدّمه ناسيا أو ساهيا ، لم يكن عليه شي‌ء وقد أجزأه.

ولا بأس أن يعوّل الرّجل على صاحبه في تعداد الطّواف. وإن

٢٤١

تولّى ذلك بنفسه ، كان أفضل. ومتى شكّا جميعا في عدد الطّواف استأنفا من أوّله.

ولا يجوز للرّجل أن يطوف وعليه برطلة. ويستحبّ للإنسان أن يطوف بالبيت ثلاثمائة وستين أسبوعا. فإن لم يتمكّن من ذلك ، طاف ثلاثمائة وستّين شوطا ، فإن لم يتمكّن من ذلك ، طاف ما تيسّر منه. ومن نذر أن يطوف على أربع ، كان عليه طوافان : أسبوع ليديه ، وأسبوع لرجليه.

فإذا فرغ الإنسان من طوافه ، أتى مقام إبراهيم ، ويصلّي فيه ركعتين ، يقرأ في الأولى منهما الحمد وقل هو الله أحد ، وفي الثّانية الحمد وقل يا أيها الكافرون. وركعتا طواف الفريضة فريضة مثل الطّواف على السّواء. وموضع المقام حيث هو السّاعة. فمن نسي هاتين الرّكعتين ، أو صلّاهما في غير المقام ، ثمَّ ذكرهما ، فليعد إلى المقام ، فليصلّ فيه. ولا يجوز له أن يصلّي في غيره. فإن خرج من مكّة ، وكان قد نسي ركعتي الطّواف ، وأمكنه الرّجوع إليها ، رجع وصلّى عند المقام. وإن لم يمكنه الرّجوع ، صلّى حيث ذكر ، وليس عليه شي‌ء. وإذا كان في موضع المقام زحام ، فلا بأس أن يصلّي خلفه. فإن لم يتمكّن من الصّلاة هناك ، فلا بأس إن يصلّي حياله.

ووقت ركعتي الطّواف ، إذا فرغ منه أيّ وقت كان من ليل

٢٤٢

أو نهار ، سواء كان ذلك بعد العصر أو بعد الغداة ، اللهمّ إلّا أن يكون الطّواف نافلة. فإنّه متى كان كذلك وطاف بعد الغداة أو بعد العصر ، أخّر الصّلاة إلى بعد طلوع الشّمس أو بعد الفراغ من المغرب. ومن نسي ركعتي الطّواف ، وأدركه الموت قبل أن يقضيها كان على وليّه القضاء عنه.

باب السعي بين الصفا والمروة

إذا أراد الإنسان الخروج الى الصّفا يستحبّ له أن يستلم الحجر الأسود أوّلا ، ثمَّ يأتي زمزم فيشرب منها ، ويصبّ على بدنه دلوا من مائه. ويكون ذلك من الدّلو الذي بحذاء الحجر.

فإذا أراد الخروج إلى الصّفا ، فليكن خروجه من الباب المقابل للحجر الأسود حتّى يقطع الوادي. فإذا صعد الى الصّفا ، نظر الى البيت ، واستقبل الرّكن الذي فيه الحجر ، فحمد الله وأثنى عليه ، وذكر من آلائه وبلائه وحسن ما صنع به ما قدر. ويستحبّ له أن يطيل الوقوف على الصّفا. فإن لم يمكنه ، وقف بحسب ما تيسّر له. وليكبر الله سبعا ويهلّله سبعا ، ويقول : « لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد يحيي ويميت ، وهو على كلّ شي‌ء قدير » ثلاث مرّات. ثمَّ ليصلّ على النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، وليدع بالدعاء الذي ذكرناه في كتاب « تهذيب الأحكام » إن شاء الله. ثمَّ لينحدر إلى المروة ماشيا إن

٢٤٣

تمكّن منه. فإن لم يتمكّن منه ، جاز أن يركب. فإذا انتهى إلى أول زقاق عن يمينه بعد ما تجاوز الوادي إلى المروة ، سعى. فإذا انتهى اليه ، كفّ عن السّعي ومشى مشيا. فإذا جاء من عند المروة ، بدأ من عند الزّقاق الذي وصفناه. فإذا انتهى الى الباب قبل الصّفا بعد ما تجاوز الوادي ، كفّ عن السّعي ومشى مشيا.

والسّعي هو أن يسرع الإنسان في مشيه إن كان ماشيا. وإن كان راكبا ، حرّك دابّته في الموضع الذي ذكرناه. وذلك على الرّجال دون النساء.

والسّعي بين الصّفا والمروة فريضة لا يجوز تركه. فمن تركه متعمّدا ، فلا حجّ له. ومن تركه ناسيا ، كان عليه إعادة السّعي لا غير. فإن خرج من مكّة ثمَّ ذكر أنّه لم يكن قد سعى ، وجب عليه الرّجوع والسّعي بين الصّفا والمروة. فإن لم يتمكّن من الرّجوع ، جاز له أن يأمر من يسعى عنه. وإن ترك الرّمل بين الصّفا والمروة لم يكن عليه شي‌ء. ويجب البداءة بالصّفا قبل المروة والختم بالمروة. فمن بدأ بالمروة قبل الصّفا ، وجب عليه إعادة السّعي لا غير.

والسّعي المفروض بين الصّفا والمروة سبع مرّات. فمن سعى أكثر منه متعمّدا ، فلا سعي له ، ووجب عليه إعادته. فإن فعل ذلك ناسيا أو ساهيا ، طرح الزيادة واعتدّ بالسبعة. ومن سعى ثماني مرات ، ويكون قد بدأ بالصّفا ، فإن شاء أن يضيف إليها

٢٤٤

ستّا ، فعل ، وإن شاء أن يقطع ، قطع. وإن سعى ثماني مرّات وهو عند المروة ، أعاد السّعي ، لأنّه بدأ من المروة وكان يجب عليه البداءة بالصّفا. ومن سعى تسع مرّات وكان عند المروة في التّاسعة ، فليس عليه إعادة السّعي ، لأنّه بدأ بما بدأ الله به ، وختم بما ختم به. ومتى سعى الإنسان أقلّ من سبع مرّات ناسيا ، وانصرف ، ثمَّ ذكر أنّه نقص منه شيئا ، رجع ، فتمّم ما نقص منه. فإن لم يعلم كم نقص منه ، وجب عليه إعادة السّعي. وإن كان قد واقع أهله قبل إتمامه السّعي ، وجب عليه دم بقرة. وكذلك إن قصّر أو قلّم أظفاره ، كان عليه دم بقرة وإتمام ما نقص من السّعي. ولا بأس أن يسعى الإنسان بين الصّفا والمروة على غير وضوء. غير أنّ الوضوء أفضل.

فإذا دخل وقت صلاة الفريضة ، والإنسان في حال السّعي ، قطع السّعي ، وصلّى في بعض المساجد هناك ، ثمَّ عاد فتمّم السّعي. ولا بأس أن يجلس الإنسان بين الصّفا والمروة للاستراحة. ولا بأس أن يقطع السّعي لقضاء حاجة له أو لبعض إخوانه ، ثمَّ يعود فيتمّم ما قطع عليه. ومن نسي الرّمل في حال السّعي حتّى يجوز موضعه ، ثمَّ ذكر ، فليرجع القهقرى الى المكان الذي يرمل فيه.

ومتى فرغ من السّعي قصّر. فإذا قصّر ، أحلّ من كلّ شي‌ء

٢٤٥

أحرم منه. وأدنى التّقصير أن يقصّ أظفاره ، ويجزّ شيئا من شعر رأسه ، وإن كان يسيرا. ولا يجوز له أن يحلق رأسه كلّه. فإن فعله ، كان عليه دم يهريقه. وإذا كان يوم النّحر ، أمرّ الموسى على رأسه حين يريد أن يحلق. هذا إذا كان حلقه متعمّدا. فإن كان حلقه ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن نسي التّقصير حتّى يهلّ بالحجّ ، كان عليه دم يهريقه.

وينبغي للمتمتّع أن لا يلبس الثّياب ، ويتشبّه بالمحرمين من بعد إحلاله قبل الإحرام بالحجّ ندبا واستحبابا. فإن لبسها ، لم يكن مأثوما.

ومتى جامع الرّجل قبل التّقصير ، كان عليه بدنة إن كان موسرا. وإن كان متوسطا ، فبقرة. وإن كان فقيرا ، فشاة. ومن قبّل امرأته قبل التّقصير ، كان عليه دم شاة. ولا بأس بمواقعة النّساء بعد التّقصير وشمّ الطّيب وفعل جميع ما كان يحرم عليه في حال الإحرام ، إلّا الصّيد خاصة ، لأنّه في الحرم. ويحلّ له أن يأكل ما صيد وذبح في غير الحرم.

ولا ينبغي للمتمتّع بالعمرة إلى الحجّ أن يخرج من مكّة قبل أن يقضي مناسكه كلّها إلّا لضرورة. فإن اضطرّ الى الخروج ، خرج الى حيث لا يفوته الحجّ ، ويخرج محرما بالحجّ. فإن أمكنه الرّجوع الى مكّة ، وإلّا مضى إلى عرفات. فإن خرج بغير إحرام ثمَّ عاد ، فإن كان عوده في الشّهر الذي خرج فيه ، لم

٢٤٦

يضرّه أن يدخل مكّة بغير إحرام ، فإن دخل في غير الشّهر الذي خرج فيه ، دخلها محرما بالعمرة إلى الحجّ ، وتكون عمرته الأخيرة هي التي يتمتّع بها الى الحجّ.

ولا يجوز لأحد أن يدخل مكّة إلّا محرما أي وقت كان وقد رخّص للمريض والحطّابة دخولها من غير إحرام.

باب الإحرام للحج

إذا أراد الإنسان أن يحرم للحجّ ، فليكن ذلك عند زوال الشمس بعد أن يصلّي الفرضين ، ويكون على غسل. هذا إذا تمكّن منه وكان عليه وقت. فإن لم يتمكّن ، جاز له أن يحرم بقيّة نهاره أيّ وقت شاء. ومتى دخل إنسان يوم التّروية إلى مكّة طاف وسعى وقصّر وأحلّ ، ثمَّ عقد الإحرام للحجّ ، فإن لم يلحق مكّة إلّا ليلة عرفة ، جاز له أن يفعل ذلك أيضا ، فإن دخلها يوم عرفة ، جاز له أن يحلّ أيضا ما بينه وبين زوال الشّمس. فإذا زالت الشّمس ، فقد فاتته العمرة ، وكانت حجّة مفردة. هذا إذا علم أنّه يلحق عرفات. فان غلب على ظنه أنّه لا يلحقها ، فلا يجوز له أن يحلّ ، بل يقيم على إحرامه ، ويجعل حجّته مفردة.

وإذا أراد الإحرام ، فليغتسل وليتنظّف ، ويزيل الشّعر من ويأخذ من شاربه ، ويقلّم أظفاره ، ويفعل جميع ما

٢٤٧

فعله عند الإحرام الأوّل. ثمَّ ليلبس ثوبي إحرامه ، وليدخل المسجد حافيا وعليه السّكينة والوقار. وليصلّ ركعتين عند مقام إبراهيم عليه‌السلام ، أو في الحجر. وإن صلّى ستّ ركعات ، كان أفضل. وإن صلّى فريضة الظّهر ، ثمَّ أحرم في دبرها ، كان أفضل. وأفضل المواضع الّتي يحرم منها المسجد الحرام ، وفي المسجد من عند المقام. فمن أحرم من غير المسجد ، كان أيضا جائزا.

وإذا صلّى ركعتي الإحرام ، أحرم بالحجّ مفردا ، ويدعوا بالدّعاء كما كان يدعوا عند الإحرام الأول ، إلّا أنّه يذكر الحجّ مفردا ، لأنّ عمرته قد مضت. فإن كان ماشيا ، لبّى من موضعه الذي صلّى فيه. وإن كان راكبا ، لبّى إذا نهض به بعيره. فإذا انتهى الى الرّدم ، وأشرف على الأبطح ، رفع صوته بالتّلبية ، ثمَّ ليخرج إلى منى. ويكون تلبيته الى زوال الشّمس من يوم عرفة. فإذا زالت الشّمس ، قطع التّلبية.

ومن سها في حال الإحرام فأحرم بالعمرة ، عمل على أنّه أحرم بالحجّ ، وليس عليه شي‌ء. وإذا أحرم بالحجّ ، لم يجز له أن يطوف بالبيت الى أن يرجع من منى. فإن سها فطاف بالبيت ، لم ينتقض إحرامه ، غير أنه يعقده بتجديد التّلبية. ومن نسي الإحرام بالحجّ الى أن يحصل بعرفات ، جدّد الإحرام بها ، وليس عليه شي‌ء. فإن لم يذكر حتّى يرجع الى

٢٤٨

بلده ، فإن كان قد قضى مناسكه كلّها ، لم يكن عليه شي‌ء.

باب نزول منى

يستحبّ لمن أراد الخروج إلى منى ، الّا يخرج من مكّة حتّى يصلّي الظّهر يوم التّروية بها ، ثمَّ يخرج إلى منى ، إلّا الإمام خاصّة ، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر والعصر التّروية بمنى ، ويقيم بها الى طلوع الشّمس من يوم عرفة ، ثمَّ يعدوا الى عرفات. فإذا اضطر الإنسان إلى الخروج بأن يكون عليلا يخاف ألّا يلحق ، أو يكون شيخا كبيرا ، أو يخاف الزحام ، جاز له أن يتعجّل هبل أن يصلّي الظّهر.

فإذا توجّه إلى منى فليقل : « اللهم إياك أرجو وإياك أدعو. فبلّغني أملي ، وأصلح لي عملي ». فإذا نزل منى فليقل : « اللهمّ هذه منى ، وهي ممّا مننت به علينا من المناسك. فأسألك أن تمنّ عليّ بما مننت به على أنبيائك. فإنما أنا عبدك وفي قبضتك. » وحدّ منى من العقبة إلى وادي محسّر.

باب الغدو الى عرفات

يستحبّ للإمام أن لا يخرج من منى إلّا بعد طلوع الشّمس. من يوم عرفة. ومن عدا الإمام يجوز له الخروج بعد أن يصلّي الفجر بها ، وموسّع له أيضا الى طلوع الشّمس. ولا يجوز له

٢٤٩

أن يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشّمس. ومن اضطرّ الى الخروج قبل طلوع الفجر ، جاز له أن يخرج ويصلّي في الطّريق.

فإذا توجّه الى عرفات ، فليقل : اللهمّ إيّاك قصدت وإيّاك اعتمدت ووجهك أردت. أسألك أن تبارك لي في رحلي ، وأن تقضي لي حاجتي ، وأن تجعلني ممّن تباهي به اليوم من هو أفضل منّي ». ويكون على تلبيته على ما ذكرناه الى زوال الشّمس فإذا زالت ، اغتسل وصلّى الظهر والعصر جميعا ، يجمع بينهما ، ثمَّ يقف بالموقف ويدعو لنفسه ولوالديه ولإخوانه المؤمنين. والأدعية في ذلك كثيرة لم نوردها هاهنا مخافة التّطويل.

ويستحبّ أن يضرب الإنسان خباءه بنمرة ، وهي بطن عرنة دون الموقف ودون عرفة. وحدّ عرفة من بطن عرنة وثويّة ونمرة إلى ذي المجاز. ولا يرتفع الى الجبل الا عند الضّرورة الى ذلك. ويكون وقوفه على السّهل. ولا يترك خللا إن وجده ، إلّا سدّه بنفسه ورحله. ولا يجوز الوقوف تحت الأراك ولا في نمرة ولا في ثويّة ولا في ذي المجاز. فإنّ هذه المواضع ليست من عرفات. فمن وقف بها ، فلا حجّ له. ولا بأس بالنّزول فيها ، غير أنّه إذا أراد الوقوف ، دعاء الى الموقف فوقف هناك.

٢٥٠

باب الإفاضة من عرفات والوقوف بالمشعر الحرام ونزول منى

إذا غربت الشّمس من يوم عرفة فليفض الحاجّ من عرفات إلى المزدلفة. ولا يجوز الإفاضة قبل غيبوبة الشّمس. فمن أفاض قبل مغيبها متعمّدا ، كان عليه بدنة ، ينحرها يوم النّحر بمنى. فإن لم يقدر ، صام ثمانية عشر يوما إمّا في الطّريق أو إذا رجع الى أهله. وإن كانت إفاضته قبل مغيب الشّمس على طريق السّهو أو يكون جاهلا بأنّ ذلك لا يجوز ، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد أن يفيض ، فليقل : « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من هذا الموقف ، وارزقنيه أبدا ما أبقيتني ، واقلبني اليوم مفلحا منجحا مستجابا لي مرحوما مغفورا لي بأفضل ما ينقلب به اليوم أحد من وفدك عليك. وأعطني أفضل ما أعطيت أحدا منهم من الخير والبركة والرّحمة والرّضوان والمغفرة. وبارك لي فيما أرجع اليه من مال أو أهل أو قليل أو كثير. وبارك لهم فيّ ».

واقتصد في السير وسر سيرا جميلا. فإذا بلغت الى الكثيب الأحمر عن يمين الطّريق ، فقل : « اللهمّ ارحم موقفي ، وزد في عملي ، وسلّم لي ديني ، وتقبّل مناسكي » ولا يصلّي المغرب

٢٥١

والعشاء الآخرة إلّا بالمزدلفة. وإن ذهب من اللّيل ربعه أو ثلثه. فإن عاقه عائق عن المجي‌ء إلى المزدلفة الى أن يذهب من اللّيل أكثر من الثّلث ، جاز له أن يصلّي المغرب في الطّريق. ولا يجوز ذلك مع الاختيار. وينبغي أن يجمع بين الصّلاتين بالمزدلفة بأذان واحد وإقامتين. ولا يصلّي بينهما نوافل. بل يؤخّر نوافل المغرب الى بعد العشاء الآخرة. وإن فصل بين الفرضين بالنّوافل ، لم يكن مأثوما ، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وحدّ المشعر الحرام ما بين المأزمين إلى الحياض والى وادي محسّر. فلا ينبغي أن يقف الإنسان إلا فيما بين ذلك. فإن ضاق عليه الموضع ، جاز له أن يرتفع الى الجبل. فإذا أصبح يوم النّحر ، صلّى الفجر ، ووقف للدّعاء ، إن شاء قريبا من الجبل ، وإن شاء في موضعه الذي بات فيه. وليحمد الله تعالى وليثن عليه ، وليذكر من آلائه وحسن بلائه ما قدر عليه. ويصلّي على النّبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله. ويستحبّ للصّرورة أن يطأ المشعر الحرام ، ولا يتركه مع الاختيار. فإذا كان قبيل طلوع الشمس بقليل ، رجع الى منى. ولا يجوز وادي محسّر إلّا بعد طلوع الشّمس.

ولا يجوز للإمام أن يخرج من المشعر الا بعد طلوع الشّمس وإن أخّر غير الإمام الخروج بعد طلوع الشّمس لم يكن به بأس. ولا يجوز الخروج من المشعر الحرام قبل طلوع الفجر.

٢٥٢

فإن خرج قبل طلوعه متعمّدا ، كان عليه دم شاة. وإن كان خروجه ناسيا أو ساهيا ، لم يكن عليه شي‌ء. ومرخّص للمرأة والرّجل الذي يخاف على نفسه ، أن يفيضا إلى منى قبل طلوع الفجر.

فإذا بلغ وادي محسّر ، وهو واد عظيم بين جمع ومنى ، وهو الى منى أقرب ، فليسع فيه حتّى يجاوزه. ويقول : « اللهم سلّم عهدي ، واقبل توبتي ، وأجب دعوتي ، واخلفني فيمن تركت بعدي ». فإن ترك السعي في وادي محسّر ، فليرجع وليسع فيه ، إن تمكّن منه ، وإن لم يتمكّن ، فليس عليه شي‌ء.

وينبغي أن يأخذ حصى الجمار من جمع. وإن أخذه من مني أو من بعض الطّريق ، كان أيضا جائزا. ويجوز أخذ حصى الجمار من سائر الحرم سوى المسجد الحرام ومسجد الخيف ومن حصى الجمار. ولا يجوز أخذ الحصى من غير الحرم. ولا يجوز أن يرمى الجمار الا بالحصى. ويكره أن تكون صمّا. ويستحبّ أن تكون برشا ويكون قدرها مثل الأنملة منقّطة كحليّة. ويكره أن يكسر من الحصى شي‌ء بل يلتقط بعدد ما يحتاج اليه.

ويستحبّ أن لا يرمي الإنسان الجمار إلّا على طهر. فإن رماها على غير طهر ، لم يكن عليه إعادة. فإذا أراد رمي الجمار

٢٥٣

فليرمها حذفا : يضع كلّ حصاة منها على بطن إبهامه ، ويدفعها بظفر السّبّابة ، ويرميها من بطن الوادي. وينبغي أن يرمي يوم النّحر الجمرة القصوى بسبع حصيات يرميها من قبل وجهها. ويستحبّ أن يكون بينه وبين الجمرة قدر عشرة أذرع إلى خمس عشر ذراعا ، ويقول حين يريد أن يرمي الحصى : « اللهم هؤلاء حصياتي فأحصهن لي وارفعهنّ في عملي ». ويقول مع كلّ حصاة : « اللهمّ ادحر عنّي الشّيطان. اللهمّ تصديقا بكتابك وعلى سنّة نبيّك ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، اللهمّ اجعله حجّا مبرورا وعملا مقبولا وسعيا مشكورا وذنبا مغفورا ».

باب الذبح

الهدي واجب على المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ. ومن ليس بمتمتّع ، فلا يجب عليه ذلك. فإن تطوّع به ، كان له فيه فضل كبير وثواب جزيل. وإن لم يفعل ، فليس عليه شي‌ء. ومن وجب عليه الهدي ، ولا يقدر عليه ، فإن كان معه ثمنه ، خلّفه عند من يثق به ، حتّى يشتري له هديا ، ويذبح عنه في العام المقبل في ذي الحجّة. فإن أصابه هو في مدّة مقامه بمكّة إلى انقضاء ذي الحجّة ، جاز له أن يشتري ويذبح. وان لم يصبه ، فعل ما ذكرناه.

ومن لم يقدر على الهدي ولا على ثمنه ، وجب عليه صيام عشرة أيّام : ثلاثة في الحجّ وسبعة إذا رجع الى أهله. وصوم

٢٥٤

ثلاثة أيّام : يوم قبل التّروية ويوم التّروية ويوم عرفة. فإن فاته صوم هذه الثّلاثة أيام ، فليصم يوم الحصبة ، وهو يوم النّفر ، ويومان بعده متواليات. فإن فاته ذلك أيضا ، صامهنّ في بقيّة ذي الحجّة. فإن أهلّ المحرم ، ولم يكن قد صامهنّ ، وجب عليه دم شاة ، وليس له صوم. فإن مات من وجب عليه الهدي ، ولم يكن معه ثمنه ، ولا يكون قد صام أيضا ، صام عنه وليّه الثلاثة أيّام ، وليس عليه قضاء السبعة أيّام. وإذا صام الثلاثة أيّام ، ورجع الى أهله ، كان عليه بقيّة الصيام من السبعة أيّام. فإن جاوز بمكّة ، انتظر مدّة وصول أهل بلده الى البلد أو شهرا ، ثمَّ صام بعد ذلك السبعة أيّام. ولا يجوز أن يصوم الثلاثة أيّام بمكّة في أيّام التّشريق.

ومن فاته صيام يوم قبل يوم التّروية ، صام يوم التّروية ويوم عرفة ، ثمَّ صام يوما آخر بعد انقضاء أيّام التّشريق. فإن فاته صوم يوم التّروية ، فلا يصومنّ يوم عرفة ، بل يصوم الثّلاثة أيّام بعد انقضاء أيّام التّشريق متتابعات. وقد رخّص في تقديم صوم الثّلاثة أيّام من أوّل العشر. ومن ظنّ أنّه إن صام يوم التّروية ويوم عرفة ، أضعفه عن القيام بالمناسك ، جاز له أن يؤخّر صوم هذه الأيام الى بعد انقضاء أيّام التشريق. ومن صام هذه الثّلاثة أيّام بعد أيّام التّشريق فلا يصمهنّ إلّا متتابعات. وكذلك أن قدّم صومهنّ على ما ذكرناه من الرّخصة. ومن لم

٢٥٥

يصم هذه الثّلاثة أيّام ، وخرج عقيب أيّام التّشريق ، فليصمها في الطّريق. فإن لم يتمكن من ذلك ، صام مع السّبعة أيّام إذا رجع الى أهله. ولا بأس بتفريق صوم السّبعة أيّام. ومن لم يصم الثّلاثة أيام بمكّة ، ولم يصمها أيضا في الطّريق حتّى رجع إلى أهله ، وكان متمكّنا من الهدي ، فليبعث به إلى مكّة ، فإنّه أفضل من الصّيام. ومن صام ثلاثة أيّام ثمَّ أيسر ، أو وجد ثمن الهدي ، فالأفضل أن يشتري الهدي. وإن صام ما بقي عليه ، كان أيضا جائزا.

فإن كان المتمتّع مملوكا وكان قد حجّ بإذن مولاه ، كان مولاه مخيّرا : بين أن يذبح عنه أو يأمره بالصّيام ، أيّ ذلك فعل ، فقد أجزأه. فإن لحق العبد عتق قبل انقضاء الوقوف بالموقفين ، وجب عليه الهدي ، ولم يجزأه الصّيام ، إلّا إذا لم يجد ذلك. وإن لم يصم العبد الى أن تمضي أيّام التّشريق ، فالأفضل لمولاه أن يهدي عنه ولا يأمره بالصّيام. وان أمره ، لم يكن به بأس. وإنّما يكون مخيّرا قبل انقضاء هذه الأيّام.

ولا يجوز أن يذبح الهدي الواجب في الحجّ إلّا بمنى. وما ليس بواجب ، جاز ذبحه أو نحره بمكّة. ومن ساق هديا في الحجّ ، فلا يذبحه أيضا إلّا بمنى. وإن ساقه في العمرة ، فلينحره بمكّة قبالة البيت بالحزورة.

وأيّام النّحر بمنى أربعة أيّام : يوم النّحر وثلاثة أيّام بعده.

٢٥٦

وفي غيره من البلدان ثلاثة أيّام : يوم النّحر ويومان بعده.

هذا لمن أراد أن يتطوّع بالأضحية. فأما هدي المتعة فإنّه يجوز ذبحه طول ذي الحجّة على ما بيّنّاه.

وأفضل ما يكون الهدي البدن. فإن لم يجد ، فمن البقر. فإن لم يجد ففحلا من الضّأن ، فإن لم يجد فتيسا من المعز. فإن لم يجد إلّا شاة ، كان ذلك جائزا عند الضّرورة. ولا يجوز الهدي إذا كان خصيّا ، ولا التّضحية به أيضا. فإن كان موجوءا لم يكن به بأس. وهو أفضل من الشّاة ، والشّاة أفضل من الخصيّ. وأفضل الهدي والأضاحي من البدن والبقر ذوات الأرحام ، ومن الغنم الفحولة. ولا يجوز من الإبل إلّا الثّنيّ فما فوقه. ولا يجوز التّضحية بثور ولا جمل بمنى. ولا بأس بهما في البلاد. والإناث أفضل.

ويستحبّ أن تكون الأضحية من الغنم فحلا سمينا أقرن ينظر في سواد ويمشي في سواد. فإن اشترى أضحيّته على أنّها سمينة ، فخرجت مهزولة ، أجزأت عنه. فإن اشتراها على أنّها مهزولة ، فخرجت سمينة ، كانت أيضا جائزة. وإن اشتراها على أنّها مهزولة ، فكانت كذلك ، لم تجزأ عنه. وإذا لم يجد الهدي والأضحيّة بالصّفة التي ذكرناها ، فليشتر ما تيسّر له. وقد بيّنّا أنّه لا يجوز من البدن إلّا الثّنيّ ، وهو الذي قد تمَّ له خمس سنين ودخل في السّادسة. ولا يجوز من البقر

٢٥٧

والمعز إلّا الثّنيّ ، وهو الذي قد تمّت له سنة ودخل في الثّانية. ويجزي من الضّأن الجذع لسنته. ولا يجوز التّضحية بمنى إلّا بما قد أحضر عرفات. فإن اشتراه على أنّه قد عرّف به ، فقد أجزأه ، ولا يلزمه هو أن يعرف به.

ولا يجوز الهدي الواجب ، البقرة والبدنة ، مع التّمكّن والاختيار إلّا عن واحد. وقد يجوز ذلك عند الضّرورة عن خمسة وعن سبعة وعن سبعين. وكلّما أقلّ المشتركون فيه ، كان أفضل. وإذا كان الهدي تطوّعا ، جاز أن يشتركوا فيه جماعة ، إذا كانوا أهل خوان واحد مع الاختيار. ويجوز أن يشتركوا فيه عند الضّرورة ، وإن لم يكونوا من أهل خوان واحد. ولا بأس أن يضحّى بالجاموس. فإن كان ذكرا ضحّي به عن واحد ، وإن كانت أنثى جازت عن سبعة.

وقد بيّنّا أنّه لا يجوز في الهدي الخصيّ. فمن ذبح خصيّا ، وكان قادرا على أن يقيم بدله ، لم يجزئه ذلك ، ووجبت عليه الإعادة. فإن لم يتمكّن من ذلك ، فقد أجزأ عنه.

وقد بيّنّا أنّه ينبغي أن يكون الهدي سمينا ، ولا يجزي إذا كان مهزولا. وحدّ الهزال الذي لا يجزي في الهدي أن لا يكون على كليتيه شي‌ء من الشّحم. ومن اشترى هديه ، ثمَّ أراد أن يشتري أسمن منه ، اشتراه ، وباع الأوّل ، إن شاء. وإن ذبحهما ، كان أفضل.

٢٥٨

ولا يجوز في الهدي والأضحيّة العرجاء البيّن عرجها ولا العوراء البيّن عورها ولا العجفاء ولا الخرماء ولا الجذّاء ، وهي المقطوعة الاذن ، ولا العضباء ، وهي المكسورة القرن. فإن كان القرن الدّاخل صحيحا ، فلا بأس به ، وإن كان ما ظهر منه مقطوعا. فلا بأس به ، وإن كانت أذنه مشقوقة أو مثقوبة ، إذا لم يكن قطع منها شي‌ء. ومن اشترى هديا على أنّه تام ، فوجده ناقصا ، لم يجزئ عنه ، إذا كان واجبا. فإن كان تطوّعا ، لم يكن به بأس.

وجميع ما يلزم الحاجّ المتمتّع وغير المتمتّع من الهدي والكفّارات في الإحرام لا يجوز ذبحه ولا نحره إلّا بمنى. وكلّ ما يلزمه في إحرام العمرة ، فلا ينحره إلّا بمكّة. ومن اشترى هدية فهلك ، فان كان واجبا أو مضمونا ، وجب عليه أن يقيم بدله ، وإن كان تطوّعا ، فليس عليه شي‌ء.

والهدي إذا كان واجبا ، لا يجوز أن يأكل الإنسان منه. وهو كلّ ما يلزمه في النّذور والكفّارات. وإن كان تطوّعا ، فلا بأس أن يأكل منه.

وإذا هلك الهدي قبل أن يبلغ المنحر ، فلينحره أو يذبحه ، وليغمر النّعل في الدّم ، ويضرب به صفحة سنامه ، ليعلم بذلك أنّه هدي. وإذا أصاب الهدي كسر ، فلا بأس ببيعه. ولكن يتصدّق بثمنه ، ويقيم آخر بدله. وإن ساقه

٢٥٩

على ما به إلى المنحر ، فقد أجزأه. وإذا سرق الهدي من موضع حصين ، فقد أجزأ عن صاحبه. وإن أقام بدله ، كان أفضل.

ومن وجد هديا ضالا ، فليعرّفه يوم النّحر والثّاني والثالث. فإن وجد صاحبه ، وإلّا ذبح عنه. وقد أجزأ عن صاحبه إذا ذبح بمنى. فإن ذبح بغيرها ، لم يجزئه. وإذا عطب الهدي في موضع لا يوجد فيه من يتصدّق به عليه ، فلينحر ويكتب كتاب ويوضع عليه ليعلم من يمرّ به أنّه صدقة. وإذا ضاع من الإنسان هدية واشترى بدله ، ثمَّ وجد الأوّل ، كان بالخيار : إن شاء ذبح الأوّل ، وإن شاء الأخير. إلّا أنّه متى ذبح الأوّل ، جاز له بيع الأخير ، ومتى ذبح الأخير ، لزمه أن يذبح الأوّل. ولا يجوز له بيعه. وهذا إذا كان قد أشعره. فإن لم يكن قد أشعره ولا قلّده ، جاز له بيع الأوّل بعد ذبح الثّاني. ومن اشترى هديا وذبحه ، فاستعرفه رجل ، وذكر أنّه هدية ضلّ منه ، وأقام بذلك شاهدين ، فإن له لحمه ، ولا يجزي عن واحد منهما ، وإذا نتج الهدي ، كان حكم ولده حكمه في وجوب نحره. ولا بأس بركوب الهدي وشرب لبنه ما لم يضرّ به ولا بولده.

وإذا أراد الإنسان أن ينحر بدنته ، فلينحرها وهي قائمة من قبل اليمين ، ويربط يديها ما بين الخفّ إلى الرّكبة ، ويطحن في لبّتها. ويستحبّ أن يتولّى الذّبح بنفسه. فإن لم يحسنه ، جعل

٢٦٠