النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

وساعره على ثمنه ، كان جائزا وإن لم يوازنه ، ولا يناقده في الحال ، لأنّ ذلك في حكم الوزن والنّقد. ولا يجوز ذلك إذا كان ما يعطيه أقلّ من ماله. فإن أعطاه أقلّ من ماله ، وساعره ، مضى البيع في المقدار الذي أعطاه ، ولم يمض فيما هو أكثر منه. والأحوط في ذلك أن يوازنه ويناقده في الحال أو يجدّد العقد في حال ما ينتقد ويتّزن.

ولا بأس أن يبيع الإنسان ألف درهم ودينارا بألفي درهم من ذلك الجنس أو من غيره من الدّراهم. وإن كان الدّينار لا يساوي ألف درهم في الحال. وكذلك لا بأس أن يجعل بدل الدّينار شيئا من الثّياب أو جزءا من المتاع أو غير ذلك ليتخلّص به من الرّبا ، ويكون ذلك نقدا ، ولا يجوز نسيئة. وكذلك لا بأس أن يبيع ألف درهم صحاحا وألفا غلّة بألفين صحاحا أو بألفين غلّة نقدا ، ولا يجوز ذلك نسيئة. وكذلك لا بأس أن يبيع درهما بدرهم ويشترط معه صياغة خاتم أو غير ذلك من الأشياء.

وإذا باع الإنسان دراهم بالدّنانير ، لم يجز له أن يأخذ بالدّنانير دراهم مثلها ، إلّا بعد أن يقبض الدّنانير ، ثمَّ يشتري بها دراهم إن شاء.

وإذا اشترك نفسان في شراء دراهم بدنانير ، ونقد أحدهما الدّنانير عن نفسه وعن صاحبه ، وجعل نقده عنه دينا عليه ،

٣٨١

ثمَّ أراد أن يشتري منه حصّته بالدّنانير التي له عليه من ثمنها أو أقلّ منها أو أكثر ، لم يكن به بأس.

ولا بأس ببيع دينار ودرهم بدينارين. وكذلك لا بأس ببيع درهم ودينار بدرهمين ، ويكون ذلك نقدا ، ولا يجوز نسيئة. ولا يجوز إنفاق الدّراهم المحمول عليها ، إلّا بعد أن يبيّن حالها.

ولا يجوز بيع الفضّة إذا كان فيها شي‌ء من المسّ أو الرّصاص أو الذّهب أو غير ذلك إلّا بالدّنانير ، إذا كان الغالب الفضّة. فإن كان الغالب الذّهب ، والفضّة الأقلّ ، فلا يجوز بيعه إلّا بالفضّة. ولا يجوز بيعه بالذّهب. هذا إذا لم يحصل العلم بمقدار كلّ واحد منهما على التّحقيق. فإن تحقّق ذلك ، جاز بيع كلّ واحد منهما بجنسه مثلا بمثل من غير تفاضل.

ولا بأس أن يعطي الإنسان غيره دراهم أو دنانير ، ويشترط عليه أن ينقدها إيّاه بأرض أخرى مثلها في العدد أو الوزن من غير تفاضل فيه ، ويكون ذلك جائزا ، لأنّ ذلك يكون على جهة القرض لا على جهة البيع ، لأن البيع في المثلين لا يجوز إلّا مثلا بمثل نقدا ، ولا يجوز نسيئة.

وجوهر الفضّة لا يجوز بيعه إلّا بالذّهب أو بجنس غير الفضّة. وجوهر الذّهب لا يجوز بيعه إلّا بالفضّة أو بجنس غير الذّهب. وجوهر الذّهب والفضّة معا يجوز بيعه بالذّهب

٣٨٢

والفضّة معا.

ولا يجوز بيع تراب الصّاغة. فإن بيع ، كان ثمنه للفقراء والمساكين ، يتصدّق به عليهم ، لأنّ ذلك لأربابه الذين لا يتميّزون.

وجوهر الأسرب والنّحاس والصّفر لا بأس بالإسلاف فيه دراهم أو دنانير ، إذا كان الغالب عليه ذلك ، وإن كان فيه فضّة يسيرة أو ذهب قليل.

والأواني المصاغة من الذّهب والفضّة معا إن كان ممّا يمكن تخليص كلّ واحد منهما من صاحبه ، فلا يجوز بيعها بالذّهب أو الفضّة. وإن لم يمكن ذلك فيها ، فإن كان الغالب فيها الذّهب ، لم تبع إلّا بالفضّة. وإن كان الغالب فيها الفضّة ، لم تبع إلّا بالذّهب. فإن تساويا النّقدان ، بيع بالذّهب والفضّة معا. وإن جعل معها شي‌ء آخر من المتاع ، كان أولى وأحوط.

والسّيوف المحلّاة والمراكب المحلّاة بالذّهب والفضّة ، فإن كانت محلاة بالفضّة ، وعلم مقدار ما فيها ، جاز بيعها بالذّهب والفضّة نقدا ، ولا يجوز نسيئة. فإن بيع بالفضّة ، فيكون ثمن السّيف أكثر ممّا فيه من الفضّة. وإن كان أقلّ ، لم يجز ذلك فيه. وكذلك إن كان مثله إلّا أن يستوهب السّيف والسّير. وكذلك الحكم فيها إذا كانت محلّاة بالذّهب وعلم مقدار ما فيها ، بيع بمثلها وأكثر منه بالذّهب ، ولا يجوز

٣٨٣

بيعها بأقلّ ممّا فيها من الذّهب. ويجوز بيعها بالفضّة سواء كان أقلّ ممّا فيها من الذّهب أو أكثر ، إذا كان نقدا ، ولا يجوز ذلك نسيئة على حال. ومتى لم يعلم مقدار ما فيها وكانت محلّاة بالفضّة ، فلا يباع إلّا بالذّهب. وإن كانت محلّاة بالذّهب لم تبع إلّا بالفضّة أو بجنس آخر سوى الجنسين من السّلع والمتاع. ومتى كانت محلّاة بالفضّة ، وأراد بيعها بالفضّة ، وليس لهم طريق إلى معرفة مقدار ما فيها ، فليجعل معها شيئا آخر وبيع حينئذ بالفضّة ، إذا كان أكثر ممّا فيه تقريبا. ولم يكن به بأس. وكذلك الحكم فيما كان من الذّهب. ولا بأس ببيع السّيوف المحلّاة بالفضّة بالفضّة نسيئة إذا نقد مثل ما فيها من الفضّة ، ويكون ما يبقى ثمن السّير والنّصل.

ولا يجوز أن يشتري الإنسان سلعة بدينار غير درهم ، لأن ذلك مجهول. وإذا حصل مع إنسان دراهم محمول عليها ، لم يجز له صرفها إلّا بعد بيانها ، ولا إنفاقها وإن كانت صارت إليه بالجياد.

ومن أقرض غيره دراهم ، ثمَّ سقطت تلك الدّراهم ، وجاءت غيرها ، لم يكن له عليه إلّا الدّراهم التي أقرضها إيّاه ، أو سعرها بقيمة الوقت الذي أقرضها فيه.

٣٨٤

باب الشرط في العقود

لا يجوز أن يبيع الإنسان إلّا ما يملكه في الحال. فإن باع ما لا يملك ، كان البيع موقوفا على صاحبه : فإن أمضاه مضى ، وإن لم يمض كان باطلا. إن باع ما يملك وما لا يملك في صفقة واحدة ، مضى البيع فيما يملك ، وكان فيما لا يملك موقوفا حسب ما بيّنّاه.

وإذا باع ما يجوز بيعه من جملة ما يملك ، وما لا يجوز بيعه من المحظورات ، مضى البيع فيما يصحّ بيعه ، وبطل فيما لا يصحّ البيع فيه.

وإذا باع ، فلا ينعقد البيع ، إلّا بعد أن يفترق البيّعان بالأبدان. فإن لم يفترقا ، كان لكلّ واحد منهما فسخ البيع والخيار.

ومتى شرط المبتاع على البائع مدّة من الزّمان ، كان ذلك جائزا كائنا ما كان. فإن هلك المتاع في تلك المدّة من غير تفريط من المبتاع ، كان من مال البائع دون المبتاع. وإن كان بتفريط من جهته ، كان من ماله دون مال البائع. وإن هلك بعد انقضاء المدّة ، كان من مال المبتاع دون البائع على على كلّ حال.

وإذا باع الإنسان شيئا ، ولم يقبّض المتاع ولا قبّض الثّمن

٣٨٥

ومضى المبتاع ، كان العقد موقوفا إلى ثلاثة أيّام : فإن جاء المبتاع في مدّة ثلاثة أيام كان البيع له ، وإن مضى ثلاثة أيّام ، كان البائع أولى بالمتاع. فان هلك المتاع في هذه الثّلاثة أيّام ، ولم يكن قبّضه إيّاه ، كان من مال البائع دون مال المبتاع. وان كان قبّضه إيّاه ثمَّ هلك في مدّة الثّلاثة أيّام ، كان من مال المبتاع دون البائع. وإن هلك بعد الثّلاثة أيّام ، كان من مال البائع على كلّ حال ، لأنّ الخيار له بعد انقضاء الثّلاثة أيّام.

وإذا اشترى إنسان عقارا أو أرضا ، وشرط البائع أن يردّ على المبتاع بالثّمن الذي ابتاعه به في وقت بعينه ، كان البيع صحيحا ، ولزمه ردّه عليه في ذلك الوقت. وإن مضى الوقت ولم يجي‌ء البائع ، كان بالخيار فيما بعد بين ردّه وإمساكه. فإن هلك المبيع في مدّة الأجل المضروبة ، كان من مال المبتاع دون مال البائع. وكذلك إن استغلّ منه شيئا ، كان له ، وكان له أيضا الانتفاع به على كلّ حال.

والشّرط في الحيوان كلّه الدّواب والحمير والبغال وغيرها ، وفي الأناسيّ من العبيد أيضا ثلاثة أيّام ، شرط ذلك في حال العقد أو لم يشرط. ويكون الخيار للمبتاع خاصة في هذه المدّة ما لم يحدث فيه حدثا. فإن أحدث فيها حدثا : بأن يركب دابة ، أو يستعمل حمارا ، أو يقبل جارية ، أو يلامسها

٣٨٦

أو يعتقها ، أو يدبّرها ، أو يكاتبها ، أو غير ذلك من أنواع التصرف ، لزمه البيع ، ولم يكن وإن كان الشي‌ء قائما بعينه ، كان لصاحبه انتزاعه من يد المبتاع. فإن أحدث المبتاع فيه حدثا نقص به ثمنه ، كان له انتزاعه منه وأرش ما أحدث فيه فإن كان الحدث يزيد في قيمته ، وأراد انتزاعه من يده ، كان عليه أن يردّ على المبتاع قيمة الزّيادة لحدثه فيه. فإن ابتاعه بحكم البائع في ثمنه ، فحكم بأقلّ من قيمته ، كان ذلك ماضيا ، ولم يكن له أكثر من ذلك. وإن حكم بأكثر من قيمته ، لم يكن له أكثر من القيمة في حال البيع ، اللهمّ إلّا أن يتبرّع المبتاع بالتزام ذلك على نفسه. فإن لم يفعل ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن باع شيئا بدراهم أو دنانير ، وذكر النّقد بعينه ، كان له من النّقد ما شرط. فإن لم يذكر نقدا بعينه ، كان له ما يجوز بين النّاس. وإن اختلف النّقد ، كان البيع باطلا.

باب البيع بالنقد والنسيئة

من باع شيئا بنقد ، كان الثّمن عاجلا. وإن باعه ولم يذكر لا نقدا ولا نسيئة ، كان أيضا الثّمن حالا. فإن ذكر أن يكون الثّمن آجلا ، كان على ما ذكر بعد أن يكون الأجل معيّنا ، ولا يكون مجهولا مثل قدوم الحاجّ ودخول القافلة وإدراك الغلّات وما يجري مجراها. فإن ذكر شيئا من هذه الأوقات ، كان البيع باطلا. وكذلك إن باع بنسيئة ولم يذكر الأجل أصلا ، كان أيضا البيع باطلا. فإن ذكر المتاع

٣٨٧

بأجلين ونقدين مختلفين بأن يقول : « ثمن هذا المتاع كذا عاجلا وكذا آجلا » ، ثمَّ أمضى البيع ، كان له أقلّ الثّمنين وأبعد الأجلين.

ومتى باع الشّي‌ء بأجل ، ثمَّ حضر الأجل ، ولم يكن مع المشتري ما يعطيه إيّاه ، جاز له أن يأخذ منه ما كان باعه إيّاه من غير نقصان من ثمنه. فإن أخذه بنقصان ممّا باع ، لم يكن ذلك صحيحا ، ولزمه ثمنه الذي كان أعطاه به. فإن أخذ من المبتاع متاعا آخر بقيمته في الحال ، لم يكن بذلك بأس. وإذا باع شيئا إلى أجل ، وأحضر المبتاع الثّمن قبل حلول الأجل ، كان البائع بالخيار بين قبض الثّمن وبين تركه إلى حلول الأجل ، ويكون ذلك في ذمّة المبتاع. فإن حلّ الأجل ، ومكّنه المبتاع من الثّمن ، ولم يقبض البائع ، ثمَّ هلك الثّمن ، كان من مال البائع دون المبتاع. وكذلك إن اشترى شيئا إلى أجل ، وأحضر البائع المبيع قبل حلول الأجل ، كان المبتاع ، مخيّرا بين أخذه وتركه. فإن هلك قبل حلول الأجل ، كان من مال البائع دون مال المبتاع. فإن حلّ الأجل ، وأحضر البائع المبتاع ومكّن المبتاع من قبضه ، فامتنع من قبضه ، ثمَّ هلك المتاع ، كان من مال المبتاع دون البائع.

ولا بأس أن يبيع الإنسان متاعا حاضرا إلى أجل ، ثمَّ يبتاعه منه في الحال ، ويزن الثّمن بزيادة ممّا باعه أو نقصان.

٣٨٨

وإن اشتراه منه بنسيئة أيضا ، كان جائزا. ولا يجوز تأخير الثّمن عن وقت وجوبه بزيادة فيه. ولا بأس بتعجيله بنقصان شي‌ء منه. ويكره الاستحطاط من الأثمان بعد انتقال المبيع وانعقاد البيع ، وليس ذلك بمحظور.

وكلّ شي‌ء يصحّ بيعه قبل القبض ، صحّ أيضا الشركة فيه.

ولا بأس بابتياع جميع الأشياء حالّا ، وإن لم يكن حاضرا في الحال ، إذا كان الشي‌ء موجودا في ذلك الوقت ، أو يمكن وجوده. ولا يجوز أن يشتري حالا ما لا يمكن وجوده في الحال ، مثال ذلك أن يشتري الفواكه حالّة في غير أوانها ، فإن ذلك لا يمكن تحصيله. فأمّا ما يمكن تحصيله فلا بأس به ، مثل الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والثياب وغير ذلك ، وإن لم يكن عند بائعه في الحال.

ومن اشترى شيئا بنسيئة فلا يبيعه مرابحة. فإن باعه كذلك ، كان للمبتاع من الأجل مثل ماله. ولا يجوز أن يبيع الإنسان متاعا مرابحة بالنّسبة إلى أصل المال بأن يقول : « أبيعك هذا المتاع بربح عشرة واحدا أو اثنين » بل يقول بدلا من ذلك : « هذا المتاع عليّ بكذا ، وأبيعك إيّاه بكذا » بما أراد.

وإذا قوّم التّاجر متاعا على الواسطة بثمن معلوم وقال له : « فما زدت على رأس المال ، فهو لك ، والقيمة لي » ، كان ذلك

٣٨٩

جائزا ، وإن لم يواجبه البيع. فإن باع الواسطة المتاع بزيادة على ما قوّم عليه ، كان له. وإن باعه برأس المال ، لم يكن له على التّاجر شي‌ء. وإن باعه بأقلّ من ذلك ، كان ضامنا لتمام القيمة. فإن ردّ المتاع ولم يبعه ، لم يكن للتّاجر الامتناع من أخذه. ومتى أخذ الواسطة المتاع على ما ذكرناه ، فلا يجوز له أن يبيعه مرابحة ، ولا يذكر الفضل على القيمة في الشّراء. وإذا قال الواسطة للتّاجر : « خبّرني بثمن هذا المتاع ، واربح عليّ فيه كذا وكذا » ، ففعل التّاجر ذلك ، غير أنّه لم يواجبه البيع ولا ضمن هو الثّمن ، ثمَّ باع الواسطة بزيادة على رأس المال والثّمن ، كان ذلك للتّاجر ، وله أجرة المثل لا أكثر من ذلك. وإن كان قد ضمن الثّمن ، كان له ما زاد على ذلك من الرّبح ، ولم يكن للتّاجر أكثر من رأس المال الذي قرّره معه. وإذا قال الإنسان لغيره : « اشتر لي هذا المتاع ، وأزيدك شيئا » ، فإن اشترى التّاجر ذلك ، لم يلزم الآمر أخذه ، ويكون في ذلك بالخيار : إن شاء اشتراه ، وإن شاء لم يشتره.

ومتى أخذ الإنسان من تاجر مالا ، واشترى به متاعا يصلح له ، ثمَّ جاء به إلى التّاجر. ثمَّ اشتراه منه ، لم يكن بذلك بأس ، إذا كان قد ناب عنه في الشّراء ، ويكون التّاجر مخيّرا : بين أن يبيعه وألّا يبيعه. فإن كان شراؤه لنفسه ، وإنّما ضمن المال ، لم يكن للتّاجر عليه سبيل

٣٩٠

ولا بأس أن يبيع الإنسان متاعا بأكثر ممّا يسوى في الحال بنسيئة ، إذا كان المبتاع من أهل المعرفة. فإن لم يكن كذلك ، كان البيع مردودا.

وإذا اشترى الإنسان ثيابا جماعة بثمن معلوم ، ثمَّ قوّم كلّ ثوب منها على حدة مع نفسه ، لم يجز له أن يخبر بذلك الشّراء ولا أن يبيعه مرابحة ، إلّا بعد أن يبيّن أنّه إنّما قوّم ذلك كذلك. وإذا اشترى الإنسان متاعا ، جاز له أن يبيعه في الحال ، وإن لم يقبضه ، ويكون قبض المتاع الثّاني قبضا عنه. وإذا اشترى الإنسان ثيابا جماعة ، فلا يجوز أن يبيع خيارها مرابحة ، لأنّ ذلك لا يتميّز ، وهو مجهول. ولا يجوز أن يشتري الإنسان ثوبا بدينار إلّا درهما ، لأنّه مجهول. وإذا باع الإنسان المتاع مرابحة ، فلا بدّ أن يذكر النّقد الّذي وزنه وكيفيّة الصّرف في يوم وزن المال ، وليس عليه شي‌ء من ذلك إذا باعه مساومة.

ولا يجوز بيع المتاع في أعدال محزومة وجرب مشدودة ، إلّا أن يكون له بارنامج يوقفه منه على صفة المتاع في ألوانه وأقداره. فإذا كان كذلك ، جاز بيعه. فإذا نظر اليه المبتاع ، ورآه موافقا لما وصف له وذكر ، كان البيع ماضيا. وإن كان بخلاف ذلك ، كان البيع مردودا. ومن أمر غيره أن يبتاع له متاعا ، وينقد من عنده الثّمن عنه ، فاشتراه ، ونقد عنه ثمنه ، ثمَّ سرق المتاع ، أو هلك ، كان من مال الآمر ، دون المبتاع.

٣٩١

باب العيوب الموجبة للرد

من اشترى شيئا على شرط الصّحة والسّلامة ، ثمَّ ظهر له فيه عيب سبق وجوده عقدة البيع ، ولم يكن قد تبرّأ صاحبه اليه من العيوب كلّها ، كان له أن يردّ المتاع ، ويسترجع الثّمن إن شاء ، أو يطالب بالأرش بين قيمة المتاع صحيحا وبينه معيبا ، وليس للبائع عليه في ذلك خيار. ومتى كان البائع قد تبرّأ إلى المتاع من جميع العيوب ، لم يكن له الرّجوع عليه بشي‌ء من ذلك ، وإن لم يفصل له العيوب في الحال. والأفضل أن يفصّل له العيوب كلّها ، ويظهرها في حال البيع ، ليقع العقد عليه مع العلم بها أجمع ، وليس ذلك بواجب ، بل يكفي التّبرّؤ من العيوب.

ومتى اختلف البائع والمشتري في العيب ، فذكر البائع : « أنّ هذا العيب حدث عند المبتاع ، ولم يكن في المتاع وقت بيعي إيّاه » ، وقال المبتاع : « بل باعني معيبا ، ولم يحدث فيه عندي عيب » ، ولم يكن لأحدهما بيّنة على دعواه ، كان على البائع اليمين بالله : أنّه باعه صحيحا لا عيب فيه. فإن حلف ، برئ من العهدة. وإن لم يحلف ، كان عليه الدّرك فيه. وإذا قال البائع : « بعت على البراءة من العيوب » ، وأنكر المبتاع ذلك ، فعلى البائع البيّنة فيما ادّعاه. فإن لم يكن معه بيّنة ، حلف المبتاع : أنّه لم يتبرّأ إليه من العيوب ، وباعه على الصحّة. فإذا حلف ،

٣٩٢

كان له الرّد إن شاء ، أو أرش العيب حسب ما قدّمناه.

ومتى اختلف أهل الخبرة في قيمته ، عمل على أوسط القيم فيما ذكروه.

فإن كان المبيع جملة ، فظهر العيب في البعض ، كان للمبتاع أرش العيب في البعض الذي وجد فيه. وإن شاء ، ردّ جميع المتاع ، واسترجع الثّمن ، وليس له ردّ المعيب دون ما سواه.

ومتى أحدث المشتري حدثا في المتاع ، لم يكن له بعد ذلك ردّه ، وكان له الأرش بين قيمته معيبا وصحيحا ، وسواء كان إحداثه ما أحدث فيه مع علمه بالعيب أو مع عدم العلم. وليس علمه بالعيب ووقوفه عليه ، بموجب لرضاه. ومتى حدث فيه حادث ينضاف الى العيب الذي كان فيه ، كان له أرش العيب الذي كان فيه وقت ابتياعه إيّاه ، ولم يكن له أرش ما حدث عنده فيه على حال.

ومن ابتاع أمة ، فظهر له فيها عيب لم يكن علم به في حال ابتياعه إيّاها ، كان له ردّها واسترجاع ثمنها أو أرش العيب دون الرّدّ ، لا يجبر على واحد من الأمرين. فإن وجد بها عيبا بعد أن وطئها ، لم يكن له ردّها ، وكان له أرش العيب خاصّة. اللهمّ إلّا أن يكون العيب من حبل ، فيلزمه ردّها على كلّ حال وطئها أو لم يطأها. ويردّ معها إذا وطئها نصف عشر قيمتها. ومتى وجد عيبا فيها بعد أن يعتقها ، لم يكن له ردّها ، وكان له

٣٩٣

له أرش العيب. فإن وجد العيب بعد تدبيرها أو هبتها ، كان مخيّرا بين الرّدّ وأرش العيب ، أيّهما اختار ، كان له ذلك ، لأنّ التّدبير والهبة له أن يرجع فيهما. وليس كذلك العتق ، لأنّه لا يجوز الرجوع فيه على حال.

وتردّ الشّاة المصرّاة ، وهي التي جمع بائعها في ضرعها اللّبن يومين وأكثر من ذلك ، ولم يحلبها ليدلّسها به على المشتري ، فيظنّ إذا رأى ضرعها وحلب لبنها : أنّه لبن يومها لعادة لها. وإذا ردّها ، ردّ معها قيمة ما احتلب من لبنها بعد إسقاط ما أنفق عليها الى أن عرف حالها.

ويردّ العبيد والإماء من أحداث السّنة. مثل الجذام والجنون والبرص ما بين وقت الشرى وبين السّنة فإن ظهر بعد مضي السّنة شي‌ء من ذلك ، لم يكن له ردّ شي‌ء من ذلك على حال. وإذا أبق المملوك من عند المشتري ، ثمَّ وجده ، لم يكن ردّه على البائع بالعيب ، إلّا أن يعلم أنّه كان قد أبق أيضا عنده. فإن علم ذلك ، كان له ردّه عليه واسترجاع الثّمن.

وما يحدث من العيب في شي‌ء من الحيوان ما بين حال البيع وبين الثّلاثة أيّام ، كان للمبتاع ردّه ما لم يحدث فيه حدثا. وإذا أحدث بعد انقضاء الثّلاثة أيّام ، لم يكن ردّه على حال إلّا ما استثنيناه من أحداث السّنة. ومتى أحدث في مدّة الثّلاثة أيّام فيه حدثا ، ثمَّ وجد فيه عيبا ، لم يكن له ردّه.

ومن اشترى جارية على أنّها بكر ، فوجدها ثيّبا ، لم يكن له

٣٩٤

ردّها ، ولا الرّجوع على البائع بشي‌ء من الأرش ، لأنّ ذلك قد يذهب من العلّة والنّزوة. ومن اشترى جارية لا تحيض في مدّة ستة أشهر ، ومثلها تحيض ، كان له ردّها ، لأنّ ذلك عيب.

ومن اشترى زيتا أو بزرا ، ووجد فيه درديّا ، فإن كان يعلم : أنّ ذلك يكون فيه ، لم يكن له ردّه : وإن لم يعلم ذلك ، كان له ردّه.

ومن اشترى شيئا ، ولم يقبضه ، ثمَّ حدث فيه عيب ، كان له ردّه. وإن أراد أخذه وأخذ الأرش ، كان له ذلك. وإذا قبض بعضه ، ولم يقبضه البعض الآخر ، كان الحكم فيما لم يأخذه إذا حدث فيه حادث ما قدّمناه.

ومتى هلك المبيع كلّه ، كان من مال البائع دون مال المبتاع.

باب السلف في جميع المبيعات

السّلف جائز في جميع المبيعات ، إذا جمع شرطين : أحدهما تمييز الجنس من غيره من الأجناس وتحديده بالوصف. والثّاني ذكر الأجل فيه. فإن ذكر الجنس ، ولم يحدّد بالوصف ، كان البيع باطلا. وإن ذكر الجنس والوصف ، ولم يذكر الأجل كان البيع غير صحيح. فإذا جمع الشرطين معا ، صحّ البيع.

وكلّ شي‌ء لا يتحدّد بالوصف ولا يمكن ذلك فيه ، لا يصحّ السّلف فيه. ولا يجوز أن يكون ذكر الأجل بما لا يتعيّن مثل

٣٩٥

قدوم الحاجّ ودخول القوافل وإدراك الغلّات وهبوب الرّياح وما يجرى مجراه. وإنّما يصحّ من ذلك ما يذكره من السّنين والأعوام أو الشّهور والأيّام.

فإذا أسلف الإنسان في شي‌ء من الثّياب ، فينبغي أن يعيّن جنسها ويذكر صفتها ويصف طولها وعرضها وغلظها ورقّتها. فإن أخلّ بشي‌ء من ذلك ، كان العقد باطلا. ولا يجوز أن يذكر في الثّوب نساجة إنسان بعينه أو غزل امرأة بعينها. فإن اشتراه كذلك ، كان البيع باطلا.

وإذا أسلف في طعام أو شي‌ء من الغلّات ، فليذكر جنسه ويعيّن صفته. فإن لم يذكره ، لم يصحّ البيع. ولا يذكر أن تكون الغلّة من أرض بعينها أو من قرية مخصوصة. فإن اشتراه كذلك ، لم يكن البيع مضمونا. لأنّه إذا اشترى الحنطة مثلا من أرض بعينها ، ولم تخرج الأرض الحنطة ، لم يلزم البائع أكثر من ردّ الثّمن. ومتى اشتراه ، ولم ينسبه إلى أرض بعينها ، كان لازما في ذمّته الى أن يخرج منه.

ولا بأس أن يسلف الإنسان في شي‌ء ، وإن لم يكن للمستسلف شي‌ء من ذلك ، غير أنّه إذا حضر الوقت اشتراه ، ووفّاه إيّاه.

ولا يجوز السّلف فيما لا يتحدّد بالوصف مثل الخبز واللّحم وروايا الماء ، لأنّ ذلك تحديده لا يمكن بوصف لا يختلط به سواه.

٣٩٦

ولا بأس بالسّلم في الحيوان كلّه ، إذا ذكر الجنس والوصف والأسنان ، من الإبل والغنم والدّوابّ والبغال والحمير والرّقيق وغيرها من أجناس الحيوان. فإذا أسلم الإنسان في شي‌ء ممّا ذكرناه ، ثمَّ حلّ الأجل ، ولم يكن عند البائع ما يوفّيه إيّاه ، جاز له أن يأخذ منه رأس المال من غير زيادة عليه.

فإن أعطاه البائع مالا ، وجعل اليه أن يشتري لنفسه ما كان باعه إيّاه ، ووكّله في ذلك ، لم يكن به بأس. والأفضل أن يتولّى ذلك غيره. وإن حضر الأجل ، وقال البائع : « خذ منّي قيمته الآن » ، جاز له أن يأخذ منه في الحال ، ما لم يزد ثمنه على ما كان أعطاه إيّاه. فإن زاد على ذلك ، لم يجز بيعه إيّاه. هذا إذا باعه بمثل ما كان اشتراه من النّقد. فإن اختلف النّقدان ، بأن يكون كان قد اشتراه بالدّرهم والدّنانير ، وباعه إيّاه في الحال بشي‌ء من العروض والمتاع أو الغلّات أو الرّقيق أو الحيوان ، لم يكن لذلك بأس ، وإن كان لو قوّم ما يعطيه في الحال ، زاد على ما كان أعطاه إيّاه.

ولا بأس بالسّلم في مسوك الغنم إذا عيّن الغنم وشوهد الجلود ، ولم يجز ذلك مجهولا.

ولا بأس أن يبيع الإنسان ما هو موجود في الوقت ، وإن لم يكن حاضرا بالصفة. فإذا أحضر وكان على ما وصف ، كان البيع ماضيا. فإن لم يكن كذلك ، كان البيع مردودا.

٣٩٧

ولا بأس بالسّلف في الفواكه كلّها إذا ذكر جنسها ولم ينسب إلى شجرة بعينها. ولا بأس بالسّلف في الشّيرج والبزر ، إذا لم يذكر أن يكون من سمسم بعينه أو كتّان بعينه. فإن ذكر ذلك ، كان البيع باطلا. ولا بأس بالسّلف في الألبان والسّمون إذا ذكر أجناسها.

ومتى أعطي الإنسان غيره دراهم أو دنانير ، وأخذ منه شيئا من المتاع ، ولم يساعره في حال ما أعطاه المال ، كان المتاع بسعر يوم قبضه ، دون يوم قبض المال. ولا يجوز أن يبيع الإنسان ماله على غيره في أجل لم يكن قد حضر وقته ، وإنّما يجوز له بيعه إذا حلّ الأجل. فإذا حضر ، جاز له أن يبيع على الذي عليه أو على غيره من النّاس. وإن باع على غيره ، وأحال عليه بالمتاع ، كان ذلك جائزا ، وإن لم يقبض هو المتاع ، ويكون قبض المبتاع الثّاني قبضا عنه. وذلك فيما لا يكال ولا يوزن. ويكره ذلك فيما يدخله الكيل والوزن. فإن وكل المبتاع منه بقبضه ، ويكون هو ضامنا ، لم يكن بذلك بأس على كلّ حال. ولا بأس أن يبتاع الإنسان ما اكتاله غيره من النّاس ، ويصدّقه في قوله ، غير أنّه إذا أراد بيعه لم يبعه إلّا بعد الكيل.

وكلّ ما يكال أو يوزن ، فلا يجوز بيعه جزافا ، وكذلك حكم ما يباع عددا ، فلا يجوز بيعه جزافا.

وإذا اشتري الإنسان شيئا بالكيل أو الوزن وعيّره ، فزاد أو

٣٩٨

نقص منه شي‌ء يسير لا يكون مثله غلطا ولا تعدّيا ، لم يكن به بأس. فإن زاد ذلك أو نقص شيئا كثيرا ، ولا يكون مثله إلّا غلطا أو تعمّدا ، وجب عليه ردّه على صاحبه ما زاد ، وكان فيما نقص بالخيار ، إن شاء طالبه به ، وإن شاء تركه.

ومن أسلف في متاع موصوف ثمَّ أخذ دون ما وصف برضا منه ، كان ذلك جائزا ، وكذلك إن اعطي فوق ما وصف برضا من الذي باعه ، لم يكن به بأس.

ولا بأس بالسّلف في الصّوف والشّعر والوبر إذا ذكر الوزن فيه. فإن أسلف في الغنم ، وشرط معه أصواف نعجات بعينها كائنا ما كان ، لم يكن به بأس.

ولا يجوز أن يسلف السّمسم بالشّيرج ، ولا الكتّان بالبزر ، بل ينبغي أن يثمّن كلّ واحد منهما على حياله. ولا بأس بالسّلف في جنسين مختلفين كالحنطة والأرزّ والتّمر والزّبيب والمروي والحرير وما أشبه ذلك ، بعد أن يذكر المبيع ويميّز بالوصف ويذكر الثّمن والأجل على ما قدّمناه.

باب بيع الغرر والمجازفة وما يجوز بيعه وما لا يجوز

قد بيّنّا أنّ ما يباع كيلا أو وزنا ، فلا يجوز بيعه جزافا. فإن بيع كذلك ، كان البيع باطلا. فإن كان ما يباع وزنا يتعذّر وزنه ، جاز أن يكال ، ثمَّ يعيّر مكيال منه ، ويؤخذ الباقي على ذلك الحساب. وكذلك ما يباع بالعدد ، لا يجوز بيعه جزافا.

٣٩٩

فإن تعذّر عدّه ، وزن منه مكيال وعدّ ، وأخذ الباقي على حسابه.

ولا يجوز أن يباع اللّبن في الضّروع. فمن أراد بيع ذلك ، حلب من الغنم شيئا من اللّبن ، واشتراه مع ما بقي في ضرعه في الحال أو مدّة من الزّمان. وإن جعل معه عرضا آخر ، كان أحوط.

ولا بأس أن يعطي الإنسان الغنم والبقر بالضّريبة مدّة من الزّمان بشي‌ء من الدّراهم والدّنانير والسّمن ، وإعطاء ذلك بالذّهب والفضّة أجود في الاحتياط.

ولا يجوز أن يبيع الإنسان أصواف الغنم وشعرها على ظهورها. فإن أراد بيعها ، جعل معها شيئا آخر. وكذلك لا يجوز أن يبيع ما في بطون الأنعام والأغنام وغيرهما من الحيوان.

فإن أراد بيع ذلك ، جعل معه شيئا آخر. فإن لم يكن ما في البطون حاصلا ، كان الثّمن في الآخر. ومتى اشتري أصواف الغنم مع ما في بطونها في عقد واحد ، كان البيع صحيحا ماضيا.

ولا يجوز أن يبتاع الإنسان من الصّيّاد ما يضرب بشبكته ، لأنّ ذلك مجهول. ولا بأس أن يشتري الإنسان ، أو يتقبّل بشي‌ء معلوم ، جزية رؤوس أهل الذّمّة ، وخراج الأرضين ، وثمرة الأشجار ، وما في الآجام من السّموك ، إذا كان قد أدرك شي‌ء من هذه الأجناس ، وكان البيع في عقد واحد. ولا يجوز ذلك ما لم يدرك منه شي‌ء على حال. ولا بأس أن يشتري الإنسان تبن البيدر لكلّ كرّ من الطّعام تبنة بشي‌ء معلوم وإن لم يكل بعد الطّعام.

٤٠٠