النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

ولا تصحّ المزارعة ولا الإجارة إلّا بأجل معلوم. فمتى لم يذكر فيها الأجل ، كانت باطلة. وإن كان قد تصرّف فيها المستأجر ، وأنفق فيها ، كان له ما أنفق ، ولصاحب الأرض ما يخرج منها ، وللمزارع أجرة المثل إذا لم يكن ذكر الأجل ، ولم يكن له أكثر من ذلك.

ومن أخذ أرض الإنسان غصبا ، فزرعها ، أو عمرها وبنى فيها بغير إذنه ، كان لصاحب الأرض قلع ما زرع فيها وبنى ، وأخذ أرضه. فإن كان الغاصب زرع ، وبلغت الغلّة ، كانت الغلّة له ، ويكون لصاحب الأرض طسق الأرض. وإذا اكترى إنسان دارا ليسكنها ، وفيها بستان ، فزرع فيها زرعا ، وغرس شجرا ، فإن كان فعل ذلك بإذن صاحب الدّار ، ثمَّ أراد التّحوّل عنها ، وجب على صاحب الدّار أن يقوّم جميع ما فيها من الزّرع أو النّخل ، ويعطي ثمنه للزّارع والغارس. وإن لم يكن استأذن صاحب الدّار في ذلك ، كان له قلعه وإعطاؤه إيّاه.

ومن استأجر أرضا ، فباع صاحب الأرض أرضه ، لم تبطل بذلك إجارته ، وإن كان البيع بحضرة المستأجر ، ويكون البيع صحيحا ، غير أنّه يلزم المشتري أن يصبر الى وقت انقضاء مدّة الإجارة. فإن مات المشتري ، لم تبطل أيضا بموته الإجارة ، ووجب على ورثته الصّبر الى أن ينقضي زمان الإجارة. ومتى مات المستأجر أو المؤجر ، بطلت الإجارة بينهما ، وانقطعت في الحال.

٤٤١

ومال الإجارة لازم للمستأجر ، وان هلكت الغلّة بالآفات السّماويّة. ومن زارع أرضا على ثلث أو ربع وبلغت الغلّة ، جاز لصاحب الأرض أن يخرص عليه الغلّة ثمرة كانت أو غيرها. فإن رضي المزارع بما خرص ، أخذها ، وكان عليه حصّة صاحب الأرض ، سواء نقص الخرص أو زاد ، وكان له الباقي. فإن هلكت الغلّة بعد الخرص بآفة سماوية ، لم يكن عليه للمزارع شي‌ء.

والمساقاة في النّخل والشّجر والكرم جائزة بالنّصف والثّلث والرّبع. وكانت المئونة فيها على المساقي دون صاحب الأرض. ومتى ساقى صاحب النّخل والشّجر غيره ، ولم يذكر ماله من القسمة ، كانت المساقاة باطلة ، وكان لصاحب النّخل والشّجر ما يخرج من الثمرة وعليه للمساقي أجرة المثل من غير زيادة ولا نقصان.

ويكره لصاحب الأرض أن يشترط على المساقي مع المقاسمة شيئا من ذهب أو فضّة. فإن شرط ذلك على المساقي ، أو شرط له ، وجب عليهما الوفاء بما شرطا ، اللهمّ إلا أن تهلك الثّمرة بآفة سماويّة ، ولا يلزمه حينئذ شي‌ء ممّا شرط عليه على حال. وخراج الثّمرة على ربّ الأرض دون المساقي ، إلا أن يشرط ذلك على المساقي ، فيلزمه حينئذ الخروج منه.

ومن أخذ أرضا ميتة فأحياها ، كانت له ، وهو أولى

٤٤٢

بالتصرف فيها ، إذا لم يعرف لها ربّ ، وكان للسلطان طسق الأرض. وإن عرف لها ربّ ، كان له خراج الأرض وطسقها. فإن شرط على صاحب الأرض أنّه يحيها ، ويكون ارتفاعها مدّة من الزمان ، ثمَّ يسلّمها إليه ، كان ذلك جائزا. وكذلك إن شرط أن يكون على صاحب الأرض مئونة ما عليه للسّلطان ، كان ذلك جائزا ، ولصاحب الأرض أن يأخذها منه أيّ وقت شاء.

ومن استأجر أرضا بشي‌ء معلوم ، جاز له أن يؤجر بعضها بأكثر ذلك المال ، ويتصرّف هو بما يبقى في الباقي. وكذلك إن اشترى مراعي ، جاز له أن يبيع شيئا منها بأكثر ماله ، ويرعى هو بالباقي ما يبقى منها. وليس له أن يبيع بمثل ما اشترى أو أكثر منه ، ويرعى معهم ، إلا أن يحدث فيه حدثا ، ويكون ذلك أيضا برضا صاحب الأرض. فإن لم يرض ببيعه من سواه ، لم يجز له ذلك ، وإنّما يكون له أن يرعاه بنفسه.

باب الإجارات

الإجارة لا تنعقد إلا بأجل معلوم ومال معلوم. ومتى لم يذكر الأجل ولا المال ، كانت الإجارة باطلة. وإن ذكر الأجل ولم يذكر مال الإجارة ، لم تنعقد الإجارة. ومتى ذكرهما ، كانت الإجارة صحيحة ، ولزم المستأجر المال إلى المدّة المذكورة ،

٤٤٣

وكان المؤجر بالخيار : إن شاء طالبه به أجمع في الحال ، وإن شاء أخّرها عليه ، اللهمّ إلّا أن يشرط المستأجر أن يعطيه المال عند انقضاء مدّة الإجارة أو في نجوم مخصوصة ، فيلزمه حينئذ بحسب ما شرط. والموت يبطل الإجارة على ما بيّناه. والبيع لا يبطلها على ما قدّمناه في الباب الأول. واجارة المشاع جائزة مثل إجارة المقسوم سواء.

ومتى استأجر الإنسان دارا أو مسكنا مشاهرة بأن يقول : كلّ شهر بكذا وكذا ، لم تنعقد الإجارة إلّا على شهر واحد ، وكان ما زاد عليه يلزمه فيه أجرة المثل.

ومتى لم يمكّن المؤجر المستأجر من التّصرف في الملك ، سقط عنه مال الإجارة. فإن كان قدّمه ، كان له أن يرجع عليه به. ومتى مكّنه من التّصرف فيه ، غير أنّه منعه منه ظالم ، لم يسقط عنه بذلك مال الإجارة ، وكان له الرّجوع على الظّالم بما منعه من التّصرّف فيه. ومتى استهدم المسكن ، سقط عن المستأجر أجرته ، إلى أن يعيده صاحبه إلى عمارته ، ويمكنه من التّصرّف فيه. فإن كان قد قدّم مال الإجارة ، كان له أن يرجع على المؤجر بمقدار أجرة الزّمان الذي انهدم فيه الملك. ومتى انهدم الملك أو احترق المسكن بتفريط من جهة المستأجر ، لم يسقط عنه مال الإجارة ، ويكون ضامنا لما تشعّث منه وانهدم. ومتى مكنه المؤجر من التّصرّف ،

٤٤٤

وامتنع المستأجر من التّصرّف ، لم يسقط عنه مال الإجارة.

ولا يجوز للإنسان أن يؤجر دارا أو مسكنا بأكثر ممّا استأجرها إلا أن يحدث فيها حدثا. فإن فعل ذلك ، كان له إجارتها بأكثر ممّا استأجرها. وإذا استأجر مسكنا على أن يسكنه هو ، لم يجز له أن يسكنه غيره. فإن استأجره من غير شرط ، كان بالخيار : إن شاء سكن هو ، وإن شاء أسكن غيره.

والملك إذا كان مشتركا بين نفسين وما زاد عليهما ، لم يكن لأحدهما أن يستبدّ بالإجارة دون صاحبه ، بل يتّفقان على الإجارة. فإن تشاحّا ، تناوبا بمقدار من الزّمان.

وإذا استأجر ملكا ، وسكن بعضه ، جاز منه أن يسكن الباقي غيره بأكثر مال الإجارة ، ولا يؤجرها بمثل ما قد استأجر ، اللهمّ إلّا أن يكون قد أحدث فيها حدثا. فإن فعل ذلك ، جاز له أن يؤجرها بما شاء. ومن اكترى دابّة ليركبها هو ، لم يجز أن يركبها غيره. فإن أركبها غيره ، فهلكت ، كان ضامنا. وإن عابت لزمه بمقدار عيبها. وإن اكتراها مطلقا ، جاز له أن يركبها إن شاء أو يركبها غيره. وإذا اكتراها على أن يركبها إلى موضع مخصوص ، لم يجز له أن يتجاوزه. وكذلك إن اكتراها على أن يحملها مقدارا بعينه ، لم يجز له أن يحمّلها أكثر من ذلك. وكذلك إن اكتراها على أن يسلك بها في طريق مخصوص ، لم يجز له أن يسلك بها

٤٤٥

في غير ذلك الطّريق. ومتى خالف في شي‌ء ممّا قلناه ، كان ضامنا لها ولكلّ ما يحدث فيها ، ولزمه إن سار عليها أكثر ممّا شرط ، أو حمّلها أكثر ممّا ذكر ، أجرة الزّيادة من غير نقصان. ومتى هلكت الدّابة ، والحال ما وصفناه ، كان ضامنا لها ، ولزمه قيمتها يوم تعدّى فيها.

فإن اختلفا في الثّمن ، كان على صاحبها البيّنة. فإن لم تكن له بيّنة ، كان القول قوله مع يمينه. فإن لم يحلف ، وردّ اليمين على المستأجر منه ، لزمه اليمين ، أو يصطلحان على شي‌ء. والحكم فيما سوى الدّابة فيما يقع الخلف فيه بين المستأجر والمستأجر منه ، كانت البيّنة على المدّعي واليمين على المدعى عليه.

ومن استأجر دابة ، ففرّط في حفظها أو علفها أو سقيها ، فهلكت ، أو عابت ، كان ضامنا لها ولما يحدث فيها من العيب.

والصّانع إذا تقبّل عملا بشي‌ء معلوم ، جاز له أن يقبّله لغيره بأكثر من ذلك ، إذا كان قد أحدث فيه حدثا. فإن لم يكن قد أحدث فيه حدثا ، لم يجز له ذلك. وإن قبّل غيره بإذن صاحب العمل ، ثمَّ هلك لم يكن عليه شي‌ء. وإن قبّله من غير إذنه ، ثمَّ هلك ، كان المتقبّل الأوّل ضامنا له. وكلّ من أعطى غيره شيئا ليصلحه ، فأفسده ، وتعدّى فيه ، كان

٤٤٦

ضامنا له. وذلك مثل الصّائغ يعطى شيئا ليصلحه فيفسده ، أو النّجار يعطى بابا أو غيره ليصلحه فيفسده ، أو القصّار يعطى ثوبا ليغسله فيخرقه أو يحرقه ، ومن أشبه هؤلاء من الصّنّاع ، فإنّه يلزمهم ثمن ما أفسدوه. هذا إذا انفسد بشي‌ء من جهتهم أو تفريط منهم ، وما أشبه ذلك. فإن هلك من غير ذلك ، لم يكن عليهم شي‌ء من ذلك.

والملّاح ضامن لما يحمله إذا غرق بتفريط من جهته. فإن غرقت السّفينة بالرّيح أو غير ذلك من غير تفريط منه ، لم يكن عليه شي‌ء. والمكاري مثل الملّاح يضمن ما يفرّط فيه ، وما لا يفرّط فيه لم يكن عليه شي‌ء في هلاكه. ولا ينبغي لأحد إن يضمّن صانعا شيئا ، إلّا إذا اتّهمه في قوله. فإذا كان مأمونا ثقة ، وجب أن يصدّقه ولا يغرّمه شيئا.

ومتى اختلف المكتري والمكاري في هلاك شي‌ء ، وهل وقع فيه تفريط أم لا ، كانت البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه. وإذا اختلف صاحب المتاع والصّانع في التّفريط ، كان على صاحب المتاع البيّنة. فإن لم يكن معه بيّنة ، فعلى الصّانع اليمين.

ومن استأجر غيره لينفذه في حوائجه ، كان ما يلزم الأجير من النّفقة على المستأجر دون الأجير. فإن شرط عليه أن تكون نفقته عليه ، كان ذلك جائزا. وينبغي أن لا يستأجر

٤٤٧

الإنسان أحدا إلّا بعد أن يقاطعه على أجرته. فإن لم يفعل ، ترك الاحتياط ، ولم يلزمه أكثر من أجرة المثل. وإذا فرغ الأجير من عمله ، وجب أن يوفّي الأجرة في الحال من غير تأخير. فإن كان قد أعطاه طعاما أو متاعا ، ثمَّ تغيّر سعره ، كان عليه بسعر وقت أعطى المتاع دون وقت المحاسبة.

ومن استأجر مملوك غيره من مولاه ، كان ذلك جائزا ، وتكون الأجرة للمولى دون العبد. فإن شرط المستأجر للعبد أن يعطيه شيئا من غير علم مولاه ، لم يلزمه الوفاء به ، ولا يحلّ للمملوك أيضا أخذه. فإن أخذه ، وجب عليه ردّه على مولاه.

ومن استأجر غيره ليتصرّف له في حوائجه ، لم يجز له أن يتصرّف لغيره في شي‌ء إلّا بإذن من استأجره. فإن أذن له في ذلك ، كان جائزا. ومن استأجر مملوك غيره من مولاه ، فأفسد المملوك شيئا ، أو أبق قبل أن يفرغ من عمله ، كان مولاه ضامنا لذلك.

ومن اكترى من غيره دابّة على أن تحمل له متاعا إلى موضع بعينه في مدّة من الزّمان ، فإن لم يفعل ذلك ، نقص من أجرته كان جائزا ما لم يحط ذلك بجميع الأجرة. فإن أحاط الشّرط بجميع الأجرة ، كان الشّرط باطلا ، ولزمه أجرة المثل.

والصّانع والمكاري والملّاح إذا ادّعوا هلاك المتاع أو ضياعه كان عليهم البيّنة بذلك. فإن لم يكن معهم بيّنة ، كانوا

٤٤٨

ضامنين للمتاع. وصاحب الحمّام إذا ضاع من عنده شي‌ء من الثّياب وغيرها ، لم يكن عليه ضمان. ومن حمل متاعا على رأسه ، فصدم إنسانا فقتله ، أو كسر المتاع ، كان ضامنا لدية المقتول ولما انكسر من المتاع. وإذا استثقل البعير والدّابة بحملها ، فصاحبهما ضامن لما عليهما من المتاع.

٤٤٩

كتاب النكاح

باب ضروب النكاح

النّكاح على ثلاثة أضرب : ضرب منها هو النّكاح المستدام الذي لا يكون مؤجّلا بأيّام معلومة ولا شهور معيّنة. وبه تلحق الأولاد وتجب النّفقة. ويستحبّ فيه الإعلان والإشهاد عند العقد. وبه تجب الموارثة. وهو نكاح لا يزول إلّا بالطّلاق أو ما يقوم مقامه من أنواع الفرقة.

ونكاح المتعة وهو المنعقد بأجل معلوم ومهر معيّن. وبهذين الحكمين يتميّز من نكاح الغبطة. ومتى لم يذكر فيه الأجل ، وإن سمّي متعة ، كان النّكاح دائما. ومتى لم يذكر فيه المهر مع الأجل ، كان العقد غير صحيح.

ونكاح بملك الأيمان. وهو يختصّ بالإماء دون الحرائر.

ونحن نبيّن شرائط هذه الضّروب من النّكاح ، ونفرد لكل ضرب منها بابا ، ان شاء الله.

باب ما أحل الله تعالى من النكاح وما حرم منه

المحرّمات من النّساء على ضربين

٤٥٠

ضرب منهنّ يحرمن بالنّسب ، وضرب منهنّ يحرمن بالسّبب ، وما عداهما فمباح العقد عليهنّ.

فاللّواتي يحرمن بالنّسب : الأمّ وإن علت ، والبنت وإن نزلت ، والعمّة والخالة وان علتا ، والأخت وبناتها وان نزلن وبنات الأخ وإن نزلن. ولا يحرم من جهة النّسب غير هؤلاء المذكورات.

واللّواتي يحرمن بالسّبب ، فعلى ضربين : ضرب منهن يحرم العقد عليهنّ على جميع الأحوال. والضّرب الآخر يحرم العقد عليهنّ في حال دون حال. واللّواتي يحرم العقد عليهنّ على جميع الأحوال ، فجميع المذكورات من جهة النّسب ، ويحرم مثلهنّ من جهة الرّضاع. ونحن نبيّن كيفيّته في باب مفرد ، ان شاء الله.

ويحرم العقد على امرأة قد عقد عليها الأب أو الابن. ويحرم وطي جارية قد ملكها الأب أو الابن ، إذا جامعاها أو نظرا منها إلى ما يحرم على غير مالكها النّظر إليها ، أو قبّلاها بشهوة. ويحرم العقد على أمّ الزوجة ، سواء دخل بالبنت أو لم يدخل بها ، وإذا عقد على الأمّ ودخل بها ، حرم عليه العقد على جميع بناتها ، سواء كانت ربائب في حجره أو لم يكن كذلك. وإذا لم يدخل بها ، وفارقها ، جاز له أن يعقد عليهنّ بعد ذلك. والحكم في هاتين في نكاح المتعة مثل الحكم

٤٥١

في نكاح الدّوام ، وكذلك الحكم في ملك الأيمان. لأنّه إذا وطئ الرّجل جارية بملك اليمين ، حرم عليه وطؤ أمّها على جميع الأحوال ، ولا بأس أن يملكها. وكذلك إذا ملك الأمّ ووطئها ، حرم عليه وطؤ جميع بناتها بالملك والعقد. فإن لم يطأ الأمّ ، جاز له أن يطأ البنت ، وإن لم تخرج الأمّ عن ملكه وليس كذلك الحكم في العقود عليها ، لأنّه وإن لم يدخل بالأم ، فلا يجوز له العقد على البنت ، إلّا بعد مفارقتها. ومتى عقد الرّجل على امرأة ولم يدخل بها ، غير أنّه رأى منها ما يحرم على غيره النّظر إليه ، فإنّه يكره له العقد على ابنتها ، وليس ذلك بمحظور.

وإذا زنا الرّجل بامرأة ، حرم على أبيه وابنه العقد عليها. فإن زنا بها بعد أن يكون قد عقد عليها الأب أو الابن ، فلا يبطل ذلك العقد. وإذا ملك الرّجل جارية ، فوطئها ابنه قبل أن يطأها ، حرم على الأب وطؤها. فإن وطئها بعد وطي الأب ، لم يحرّم ذلك على الأب وطئها. ومن فجر بامرأة لها زوج ، لم يجز له العقد عليها أبدا. وكذلك الحكم إن كان فجوره في عدّة لزوجها عليها فيها رجعة ، يحرم عليه العقد عليها.

وإذا لا عن الرّجل امرأته ، فرّق بينهما ، ولا تحلّ له أبدا. وإذا طلّق الرّجل امرأته تسع تطليقات طلاق العدّة قد تزوّجت فيما بينها زوجين ، لم تحلّ له أبدا.

٤٥٢

وإذا عقد المحرم على امرأة وهو عالم بأنّ ذلك محرّم ، فرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبدا. فان لم يكن عالما بذلك ، فرّق بينهما. فإذا أحلّا ، وأرادا أن يستأنفا العقد ، فلا ، وليس عليهما شي‌ء.

ومن فجر بغلام فأوقب ، حرم عليه العقد على أمّه وأخته وبنته على جميع الأحوال. فإن كان الفعل دون الإيقاب لم يكن بالعقد عليهنّ بأس.

ومن قذف امرأته وهي صماء أو خرساء ، فرق بينهما ، ولم تحلّ له أبدا. ومن فجر بعمّته أو خالته ، لم تحلّ له ابنتاهما أبدا. وإذا تزوّج الرّجل بصبيّة لم تبلغ تسع سنين ، فوطئها ، فرّق بينهما ولم تحلّ له أبدا.

وإذا تزوّج الرّجل بامرأة في عدّتها وهو عالم بذلك ، فرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبدا ، وإن لم يكن قد دخل بها ، سواء كانت عدّتها عدّة المطلّقة أو عدّة المتوفّى عنها زوجها. وإن لم يكن عالما بذلك ، فارقها حتّى تخرج من العدّة. فإذا خرجت من العدّة ، عقد عليها ، إن شاء ، ما لم يكن قد دخل بها. وإن كانت المرأة عالمة بذلك ، لم يجز لها أن ترجع إلى هذا الزّوج بعقد آخر. ومتى لم يكن عالما بذلك ، وكان قد أعطاها المهر ، كان له الرّجوع عليها. ومتى عقد عليها في العدّة ، ودخل بها ، فرّق بينهما ، ولم تحلّ له أبدا ، سواء

٤٥٣

كان عالما أو جاهلا ، وكان لهما المهر بما استحلّ من فرجها ، وكان عليها عدّتان : تمام العدّة من الزّوج الأوّل ، وعدة أخرى من الزّوج الثّاني. فإن جاءت بولد لأقلّ من ستّة أشهر ، كان لاحقا بالأوّل. وان كان لستّة أشهر فصاعدا ، كان لاحقا بالثّاني.

ومتى قذفها زوجها أو غيره بما فعلته من الفعل ، فإن كانت عالمة بذلك ، لم يكن عليه شي‌ء ، وإن كانت جاهلة. وجب عليه حدّ القاذف.

وأمّا اللّواتي يحرمن على حال دون حال ، فإنّه لا يجوز للرّجل أن يعقد على امرأة لها زوج ما دامت في حبالته. فإذا فارقته بموت أو طلاق ، جاز له حينئذ العقد عليها. ولا يجوز له أن يجمع بين الأختين في نكاح الدّوام ولا نكاح المتعة في حالة واحدة. فإن عقد عليهما في حالة واحدة ، كان مخيّرا بين أن يمسك أيّتهما شاء. فإن عقد على واحدة ثمَّ عقد على أختها ، كان العقد على الثّانية باطلا. فإن وطئ الثّانية ، فرّق بينهما ، ولم يرجع إلى الأولى حتّى تخرج التي وطئها من عدّتها. ومتى عقد على امرأة ، ثمَّ عقد على أختها أو أمّها بجهالة ، فرّق بينهما. فإن وطئها ، وجاءت بولد ، كان لاحقا به. ولا يقرب الزّوجة الأولى حتّى تنقضي عدّتها. ومتى طلّق الرّجل امرأته طلاقا يملك فيه الرّجعة ، لم يجز له العقد على

٤٥٤

أختها حتّى تنقضي عدّتها. فإن كانت تطليقة بائنة ، جاز له العقد على أختها في الحال. وقد روي في المتمتّعة إذا انقضى أجلها : أنّه لا يجوز له العقد على أختها حتّى تنقضي عدّتها. وإذا ماتت إحدى الأختين ، جاز له أن يعقد على أختها في الحال.

ولا بأس أن يجمع الرّجل بين الأختين في الملك ، لكنّه لا يجمع بينهما في الوطئ ، لأن حكم الجمع بينهما في الوطئ حكم الجمع بينهما في العقد. فمتى ملك الأختين ، فوطئ واحدة منهما ، لم يجز له وطؤ الأخرى حتّى تخرج تلك عن ملكه بالبيع أو الهبة وغير ذلك. فإن وطئ الأخرى بعد وطئه للأولى ، وكان عالما بتحريم ذلك عليه ، حرمت عليه الأولى حتّى تموت الثّانية. فإن أخرج الثّانية عن ملكه ليرجع إلى الأولى ، لم يجز له الرجوع إليها. وإن أخرجها من ملكه لا لذلك ، جاز له الرّجوع إلى الأولى. وإن لم يعلم تحريم ذلك عليه ، جاز له الرّجوع إلى الأولى على كلّ حال ، إذا أخرج الثّانية من ملكه.

ولا يجوز للرّجل الحرّ أن يعقد على أكثر من أربع من الحرائر أو أمتين. ولا بأس أن يجمع بين حرّة وأمتين أو حرّتين وأمتين بالعقد. فأمّا بملك اليمين ، فليجمع ما شاء منهنّ مع العقد على أربع حرائر. فإن كان الرّجل عنده ثلاث

٤٥٥

نسوة ، وعقد على اثنتين في عقد واحد ، أمسك أيّتهما شاء ، ويخلّي سبيل الأخرى. فإن كان قد عقد عليهما بلفظة واحدة ، ثمَّ دخل بواحدة منهما ، كان عقدها ثابتا ، ويخلّي سبيل الأخرى. فإن كان قد عقد عليهما بلفظتين ، ثمَّ دخل بالتي بدأ باسمها ، كان عقدها صحيحا. وإن دخل بالتي ذكرها ثانيا ، كان النّكاح باطلا ، وتلزمها العدّة لأجل الدّخول.

والذّمّي إذا كان عنده أكثر من أربع نساء ، ثمَّ أسلم ، فليمسك منهنّ أربعا ، وليخلّ سبيل الأخر. وإذا طلّق الرّجل واحدة من الأربع طلاقا يملك فيه الرّجعة ، فلا يجوز له العقد على الأخرى حتّى تخرج تلك من العدّة. وإن كان طلاقا لا يملك فيه رجعتها ، جاز له العقد على الأخرى في الحال.

والمملوك لا يجمع بين أكثر من حرّتين أو أربع إماء بالعقد. ولا بأس أن يعقد على حرّة وأمتين. ولا يعقد على حرّتين ، ويضيف إليهما العقد على أمة.

وقد بيّنّا أن جميع المحرّمات من جهة النّسب يحرمن من جهة الرّضاع. ولو أنّ رجلا عقد على جارية رضيعة ، فأرضعتها امرأته ، حرمتا عليه جميعا. وإن أرضعت الجارية امرأتان له ، حرمت عليه الجارية والمرأة التي أرضعتها أوّلا ، ولم تحرم عليه التي أرضعتها ثانيا. وإن عقد على جاريتين رضيعتين ، فأرضعتهما امرأة ، حرمت عليه المرضعة والجاريتان معا.

٤٥٦

فإن أرضعت امرأتان له لهاتين الجاريتين ، حرمن عليه كلّهنّ.

ولا يجوز للرّجل المسلم أن يعقد على المشركات على اختلاف أصنافهنّ يهودية كانت أو نصرانيّة أو عابدة وثن. فإن اضطرّ إلى العقد عليهنّ ، عقد على اليهوديّة والنّصرانية ، وذلك جائز عند الضّرورة.

ولا بأس أن يعقد على هذين الجنسين عقد المتعة مع الاختيار ، لكنّه يمنعهنّ من شرب الخمور وأكل لحم الخنزير وجميع المحرّمات في شريعة الإسلام.

ولا بأس أن يطأ بملك اليمين اليهوديّة والنصرانيّة ، ويكره له وطؤ المجوسيّة بملك اليمين وعقد المتعة ، وليس ذلك بمحظور.

وإذا أسلم اليهوديّ والنّصرانيّ والمجوسيّ ، ولم تسلم امرأته : جاز له أن يمسكها بالعقد الأوّل ، ويطأها. فإن أسلمت المرأة ، ولم يسلم الرّجل ، وكان الرّجل على شرائط الذّمّة ، فإنه يملك عقدها ، غير أنّه لا يمكّن من الدّخول إليها ليلا ، ولا من الخلوّ بها ، ولا من إخراجها من دار الهجرة إلى دار الحرب. وان لم يكن بشرائط الذّمّة ، انتظر به عدّتها : فإن أسلم قبل انقضاء عدّتها ، فإنه يملك عقدها ، وإن أسلم بعد انقضاء العدّة ، فلا سبيل له عليها.

وكذلك الحكم فيمن لا ذمّة له من سائر أصناف الكفّار ،

٤٥٧

فإنّه ينتظر به انقضاء العدّة. فإن أسلم ، كان مالكا للعقد. وإن لم يسلم الّا بعد ذلك ، فقد بانت منه ، وملكت نفسها.

ولا يجوز العقد على المرأة النّاصبة المعروفة بذلك. ولا بأس بالعقد على من لا ينصبن ولا يعرفن.

ولا يجوز تزويج المؤمنة إلّا بالمؤمن ، ولا يجوز تزويجها بالمخالف في الاعتقاد.

ويكره للرّجل أن يتزوّج بامرأة فاجرة معروفة بذلك. فإن تزوّج بها ، فليمنعها من ذلك. وإذا فجرت المرأة عند الرّجل ، كان مخيّرا في إمساكها وطلاقها ، والأفضل له طلاقها. وإذا فجر بامرأة غير ذات بعل ، فلا يجوز له العقد عليها ما دامت مصرّة على مثل ذلك الفعل. فإن ظهر له منها التّوبة ، جاز له العقد عليها. وتعتبر توبتها بأن يدعوها إلى مثل ما كان منه : فإن أجابت ، امتنع من العقد عليها ، وإن امتنعت عرف بذلك توبتها. وإذا كان عند الرّجل امرأة ، ففجر بأمّها أو ابنتها ، لم يحرّم ذلك عليه امرأته. فإن فجر بامرأة ، لم يجز له أن يعقد على أمّها من النّسب ومن جهة الرّضاع ، ولا على بنتها على حال. وان كان منه ملامسة دون الجماع أو قبلة وما أشبههما ، فلا بأس بأن يعقد بعد ذلك على أمّها وابنتها. وكذلك لا يجوز أن يعقد على أمّ امرأة قد فجر بها وبنتها ومن

٤٥٨

جهة الرّضاع. وحكمها في هذا الباب ، حكم النّسب سواء.

ولا يجوز العقد على امرأة وعند الرّجل عمّتها أو خالتها إلّا برضا منهما. فإن عقد عليها ، كانت العمّة والخالة مخيّرة بين إمضاء العقد وبين الاعتزال. فإن أمضت ، كان ماضيا ، ولم يكن لها بعد ذلك فسخ. وإن اعتزلت واعتدّت ثلاثة أقرء ، كان ذلك فراقا بينها وبين الزّوج ومغنيا عن الطّلاق. ولا بأس بالعقد على العمّة والخالة وعنده بنت الأخ أو بنت الأخت ، وإن لم ترضيا بذلك. وحكم العمّة والخالة من جهة الرّضاع حكمها من جهة النّسب على السّواء.

ولا يجوز للرّجل أن يعقد على أمة وعنده حرّة إلّا برضاها. فإن عقد عليها من غير رضاها ، كان العقد باطلا. فإن أمضت الحرّة العقد ، مضى ولم يكن لها بعد ذلك اختيار. وإن أبت واعتزلت وصبرت ثلاثة أقراء ، كان ذلك فراقا بينها وبين الزّوج. فان عقد في حالة واحدة على حرّة وأمة ، كان العقد على الحرّة ماضيا ، والعقد على الأمة باطلا. فإن عقد على حرّة وعنده أمة. وهي لا تعلم ذلك ، فإذا علمت أنّ له امرأة أمة ، كانت مخيّرة بين الصبر على ذلك ، وبين الاعتزال ، وتنتظر مدّة انقضاء عدّتها. فإذا مضت العدة ، كان ذلك فراقا بينها وبين الزّوج. ومتى رضيت بذلك ، لم يكن لها بعد ذلك اختيار.

٤٥٩

ويكره العقد على الأمة مع وجود الطّول. فأمّا مع عدمه ، فلا بأس بالعقد عليها. ومتى عقد على الأمة مع وجود الطّول ، كان العقد ماضيا ، غير أنّه يكون قد ترك الأفضل.

ويكره العقد على القابلة وابنتها. ولا بأس أن يجمع الرّجل بين امرأة قد عقد عليها ، وبين امرأة أبيها أو وليدته ، إذا لم تكن أمّها. ويكره أن يزوّج الرّجل ابنه بنت امرأة كانت زوجته ، وقد دخل بها ، إذا كانت البنت قد رزقت بعد مفارقتها إيّاه ، وليس ذلك بمحظور. وإن كانت البنت رزقت قبل عقد الرّجل عليها ، لم يكن بذلك بأس.

ولا بأس للمريض أن يتزوّج في حال مرضه. فإن تزوّج ودخل بها ، ثمَّ مات ، كان العقد ماضيا ، وتوارثا. وإن مات قبل الدّخول بها ، كان العقد باطلا.

وإذا أقام رجل بيّنة على العقد على امرأة ، وأقامت أخت المرأة البيّنة بأنّها امرأة الرّجل ، كانت البيّنة بيّنة الرّجل ، ولا يلتفت إلى بيّنتها ، إلا أن تكون بيّنتها قبل بيّنة الرّجل ، أو يكون مع بيّنتها قد دخل بها. فإن ثبت لها أحد هذين الشيئين ، أبطلت بيّنة الرّجل. وإذا عقد الرّجل على امرأة ، فجاء آخر ، فادعى أنّها زوجته ، لم يلتفت إلى دعواه ، إلّا أن يقيم البيّنة. ولا بأس أن يتزوّج الرّجل أخت أخيه ، إذا لم تكن أختا له. وإن تركه ، كان أفضل. ويكره للرّجل أن

٤٦٠