النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

والمرأة إذا أريد جلدها ، ضربت مثل الرّجل غير أنّها لا تضرب قائمة ، بل تضرب وهي جالسة ، عليها ثيابها ، قد ربطت عليها ، لئلّا تتهتّك ، فتبدو عورتها.

وإذا فرّ من يقام عليه الجلد ردّ حتّى يستوفي منه الحدّ ، سواء كان أقرّ على نفسه أو قامت عليه بذلك بيّنة.

وإذا أراد الولي ضرب الزّاني أو رجمه ، ينبغي أن يشعر النّاس بالحضور ، ثمَّ يجلده بمحضر منهم ، لينزجروا عن مواقعة مثله. قال الله تعالى : ( وَلْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ). وأقلّ من يحضر عذابهما واحد فصاعدا. ولا ينبغي أن يحضر الحدّ على الزّناة إلّا خيار النّاس. ولا يرمي الزّاني إلّا من ليس لله تعالى في جنبه حدّ.

ومن وجب عليه الرّجم ، أقيم عليه على كلّ حال عليلا كان أو صحيحا ، لأنّ الغرض إتلافه وقتله. ومن وجب عليه الجلد ، وكان عليلا ، ترك حتى يبرأ ، ثمَّ يقام عليه الحدّ. فإن اقتضت المصلحة تقديم الحدّ عليه ، أخذ عرجون فيه مائة شمراخ أو ما ينوب منابه ، ويضرب به ضربة واحدة ، وقد أجزأه. ولا يضرب أحد في الأوقات الحارّة الشّديدة الحرّ ، ولا في الأوقات الشّديدة البرد ، بل يضرب في الأوقات المعتدلة.

ومن أقيم عليه الرّجم ، أمر بدفنه عاجلا ، ولا يترك على وجه الأرض.

٧٠١

ولا يقام الحدود في أرض العدوّ لئلّا يحمل المحدود الحميّة والغضب على اللّحوق بهم.

ولا يقام الحدّ أيضا على من التجأ إلى حرم الله وحرم رسوله أو حرم أحد من الأئمّة ، عليهم‌السلام ، بل يضيّق عليه في المطعم والمشرب ، ويمنع من مبايعته ومشاراته ، حتّى يخرج ، فيقام عليه الحدّ. فإن أحدث في الحرم ما يوجب الحدّ ، أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان.

والمرأة إذا زنت وهي حامل ، لم يقم عليها حدّ : لا الرّجم ولا الجلد ، حتّى تضع ما في بطنها ، وتخرج من نفاسها ، وترضع ولدها. فإذا فعلت ذلك ، أقيم عليها الحدّ : رجما كان أو جلدا.

ومن اجتمع عليه حدود ، أحدها القتل بدئ أوّلا بما ليس فيه القتل ، ثمَّ قتل. مثلا أن يكون قتل وسرق وزنا ، وهو غير محصن ، أو قذف ، فإنّه يجلد أوّلا للزّنا أو للقذف ، ثمَّ تقطع يده للسّرقة ، ثمَّ يقاد منه للقتل.

ومن وجب عليه الحدّ ، وهو صحيح العقل ثمَّ اختلط عقله ، وقامت البيّنة عليه بذلك ، أقيم عليه الحدّ كائنا ما كان.

ومن وجب عليه النّفي في الزّنا ، نفي عن بلده الّذي فعل فيه ذلك الفعل إلى بلد آخر سنة.

وقضى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، في من أقرّ على نفسه

٧٠٢

بحدّ ، ولم يبيّنه : أن يضرب حتّى ينهى هو عن نفسه الحدّ.

ومن أقرّ على نفسه بحدّ ، ثمَّ جحد ، لم يلتفت إلى إنكاره ، إلّا الرّجم. فإنّه إذا أقرّ بما يجب عليه الرّجم فيه ، ثمَّ جحده قبل إقامته ، خلّي سبيله.

والمستحاضة لا يقام عليها الحدّ حتّى ينقطع عنها الدّم.

باب الحد في اللواط

اللّواط هو الفجور بالذّكران وهو على ضربين :

أحدهما هو إيقاع الفعل في الدّبر كالميل في المكحلة ، والثّاني إيقاع الفعل فيما دونه.

ويثبت الحدّ فيهما بشيئين : أحدهما قيام البيّنة على فاعله ، وهم أربعة شهود عدول ، يشهدون على الفاعل والمفعول به بالفعل ، ويدّعون المشاهدة كالميل في المكحلة كما ذكرناه في باب الزّنا ، سواء. فإن لم يشهدوا كذلك ، كان عليهم حدّ الفرية إلّا أن يشهدوا بإيقاع الفعل فيما دون الدّبر من بين الفخذين. فحينئذ تثبت شهادتهم ، ويجب بها الحدّ الّذي نذكره.

وقد يثبت أيضا الحدّ بإقرار المقرّ على نفسه أربع مرّات كما ذكرناه في باب الزّنا ، فاعلا كان أو مفعولا به. فإن أقرّ دون ذلك ، لم يجب عليه حدّ اللّواط ، وكان للوالي تعزيره لإقراره على نفسه بالفسق.

٧٠٣

وإذا شاهد الإمام الفعل من بعض النّاس ، كان له أيضا إقامة الحدّ به.

ومن ثبت عليه حكم اللّواط بفعله الإيقاب ، كان حدّه إمّا أن يدهده من جبل أو حائط عال ، أو يرمي عليه جدار ، أو يضرب رقبته ، أو يرجمه الإمام والنّاس ، أو يحرقه بالنّار. والإمام مخيّر في ذلك ، أيّها رأى من ذلك صلاحا ، فعله. وإذا أقام عليه الحدّ بغير الإحراق. جاز له أيضا إحراقه بعد ذلك تغليظا وتهييبا للعقوبة وتعظيما لها. وله ألّا يفعل ذلك على ما يراه من المصلحة في الحال.

والضّرب الثّاني من اللّواط وهو ما كان دون الإيقاب فهو على ضربين : إن كان الفاعل أو المفعول به محصنا ، وجب عليه الرّجم. وإن كان غير محصن ، كان عليه الجلد مائة جلدة. ولا يختلف الحكم في ذلك ، سواء كان الفاعل أو المفعول به مسلما أو كافرا ، أو حرّا أو عبدا.

وإذا لاط الرّجل بغلام لم يبلغ ، كان عليه الحدّ كاملا ، وعلى الصّبيّ التّأديب لإمكانه من نفسه. وإذا فعل الصّبيّ بالرّجل البالغ ، كان على الصبيّ التّعزير ، وعلى الرّجل المفعول به الحدّ على الكمال.

وإذا لاط صبيّ بصبيّ مثله ، أدّبا جميعا ، ولم يقم على واحد منهما الحدّ على الكمال.

٧٠٤

وإذا لاط الرّجل بمملوكه ، أقيم عليه وعلى المملوك معا الحدّ على الكمال. فإن ادّعى المملوك أنّ مولاه أكرهه على ذلك ، درئ عنه الحدّ ، وأقيم على مولاه الحدّ على كلّ حال.

فإن لاط الرّجل بمجنون ، أقيم عليه الحدّ ، ولم يكن على المجنون شي‌ء. فإن لاط مجنون بغيره أقيم عليه الحدّ على الكمال.

وإذا لاط كافر بمسلم ، قتل على كلّ حال. وإذا لاط بكافر مثله ، كان الإمام مخيّرا بين أن يقيم عليه الحدّ بما توجبه شريعة الإسلام ، وبين أن يدفعه الى أهل ملّته ليقيموا عليه الحدّ على مذهبهم.

ومتى وجد رجلان في إزار واحد مجرّدين ، أو رجل وغلام ، وقامت عليهما بذلك بيّنة ، أو أقرّا بفعله ، ضرب كلّ واحد منهما تعزيرا من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا بحسب ما يراه الإمام. فإن عادا الى ذلك ، ضربا مثل ذلك. فإن عادا أقيم عليهما الحدّ على الكمال مائة جلدة.

وإذا لاط رجل ، ثمَّ تاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك ، سقط عنه الحدّ. فإن قامت بعد ذلك البيّنة ، لم يكن للإمام إقامة الحدّ عليه. فإن تاب بعد أن شهد عليه بالفعل ، لم يسقط عنه الحدّ ، ووجب على الإمام إقامته عليه. فإن كان تائبا عند الله ، فإنّ الله تعالى يعوّضه بما يناله من الألم ، ولم يجز له العفو عنه على حال. وإن كان اللائط قد أقرّ على نفسه ، ثمَّ تاب ، وعلم الإمام منه

٧٠٥

ذلك ، جاز له أن يعفو عنه. ويجوز له أيضا أن يقيم عليه الحدّ على حسب ما يراه من الصّلاح. ومتى لم تظهر التّوبة منه ، لم يجز العفو عنه على حال.

ومن قبّل غلاما ليس بمحرم له ، وجب عليه التّعزير. فإن فعل ذلك وهو محرم ، غلّظ تأديبه ، كي ينزجر عن مثله في المستقبل.

والمتلوّط الّذي يقام عليه الحدّ ثلاث مرّات ، قتل في الرّابعة مثل الزّاني.

باب الحد في السحق

إذا ساحقت المرأة أخرى وقامت عليهما البيّنة بذلك ، وجب على كلّ واحدة منهما الحدّ مائة جلدة إن لم تكونا محصنتين. فإن كانتا محصنتين ، كان على كلّ واحدة منهما الرّجم.

ويثبت الحكم بذلك بقيام البيّنة ، وهي شهادة أربعة نفر عدول ، أو إقرار المرأة على نفسها أربع مرّات ، كما اعتبرناه في الزّنا سواء.

وإذا ساحقت المرأة جاريتها ، وجب على كلّ واحدة منهما الحد. فإن ذكرت الجارية أنّها أكرهتها ، درئ عنها الحدّ ، وأقيم الحدّ على سيّدتها كاملا.

وإذا ساحقت المجنونة ، أقيم عليها الحدّ. فإن فعل بها ذلك ، لم يقم عليها الحدّ.

٧٠٦

وإذا ساحقت المسلمة الكافرة ، وجب على كلّ واحدة منهما الحدّ ، وكان الإمام في الكافرة مخيّرا بين إقامة الحدّ عليها ، وبين إنفاذها إلى أهل ملّتها ، ليعملوا بها ما يقتضيه مذهبهم.

وإذا ساحقت المرأة صبيّة لم تبلغ ، أقيم عليها الحدّ ، وأدّبت الصّبية.

فإن تساحقت صبيّتان ، أدّبتا ، ولم يقم على واحدة منهما الحدّ على الكمال.

وإذا وطئ الرّجل امرأته ، فقامت المرأة فساحقت جارية بكرا ، وألقت ماء الرّجل في رحمها ، وحملت الجارية ، وجب على المرأة الرّجم ، وعلى الجارية إذا وضعت الجلد مائة ، وألحق الولد بالرّجل ، وألزمت المرأة المهر للجارية ، لأنّ الولد لا يخرج منها إلّا بعد ذهاب عذرتها. بذلك قضى الحسن بن علي ، عليهما‌السلام.

وإن افتضّت المرأة جارية بإصبعها ، فذهبت بعذرتها ، لزمها مهرها ، وكان عليها التّعزير مغلّظا.

وإذا وجدت امرأتان في إزار واحد مجرّدتين من ثيابهما ، وليس بينهما رحم ، ولا أحوجهما الى ذلك ضرورة من برد وغيره ، كان على كلّ واحدة منهما التّعزير من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين حسب ما يراه الإمام أو الوالي. فإن عادتا الى مثل ذلك ، نهيتا وأدّبتا. فإن عادتا ثالثة أقيم عليهما الحدّ كاملا مائة جلدة. فإن عادتا رابعة كان عليهما القتل.

٧٠٧

وإذا ساحقت المرأة ، وأقيم عليها الحدّ ثلاث مرّات ، قتلت في الرّابعة مثل الزّانية سواء. وإذا تابت المساحقة قبل أن ترفع الى الإمام ، سقط عنها الحدّ. فإن قامت عليها بعد ذلك البيّنة ، لم يقم عليها الحدّ. وإن قامت البيّنة عليها ، ثمَّ تابت بعد ذلك ، أقيم عليها الحدّ على كلّ حال. فإن كانت أقرّت بالفعل عند الإمام ، أو من ينوب عنه ، ثمَّ أظهرت التّوبة ، كان للإمام العفو عنها ، وله إقامة الحدّ عليها حسب ما يراه أصلح في الحال.

باب من نكح ميتة أو وطئ بهيمة أو استمنى بيده

من وطئ امرأة ميتة ، كان حكمه حكم من وطئها وهي حيّة ، في أنّه يجب عليه الرّجم إن كان محصنا ، والجلد إن لم يكن كذلك ، ويؤدّب أيضا لانتهاكه حرمة الأموات. وإن كانت الموطوءة زوجته ، وجب عليه التّعزير دون الحدّ الكامل حسب ما يراه الإمام في الحال.

ويثبت الحكم بذلك بإقرار الرّجل على نفسه مرّتين أو بشهادة شاهدين من أهل العدالة.

وحكم المتلوّط بالأموات ، حكم المتلوّط بالاحياء على السّواء ، لا يختلف الحكم في ذلك ، بل يغلّظ عقوبته لانتهاكه حرمة الأموات.

ومن نكح بهيمة ، كان عليه التّعزير بما دون الحدّ حسب

٧٠٨

ما يراه الإمام في الحال ، ويغرّم ثمن البهيمة لصاحبها إن لم تكن له. فإن كانت ملكه ، لم يكن عليه شي‌ء. وإن كانت البهيمة ممّا تقع عليه الذّكاة ، ذبحت ، وأحرقت بالنّار ، لأنّ لحمها قد حرم ولحم جميع ما يكون من نسلها.

فإن اختلطت البهيمة الموطوءة بغيرها من البهائم ، ولم تتميّز ، قسم القطيع الّذي فيه تلك البهيمة ، وأقرع بينهما.

فما وقعت عليه القرعة ، قسم من الرأس ، وأقرع بينهما إلى أن لا تبقى إلّا واحدة. ثمَّ تؤخذ وتحرق بالنار بعد أن تذبح ، وليس ذلك على جهة العقوبة لها ، لكن لما يعلم الله تعالى من المصلحة في ذلك ، ولدفع العار بها عن صاحبها.

وإن كانت البهيمة ممّا لا تقع عليها الذّكاة ، أخرجت من البلد الّذي فعل بها إلى بلد آخر ، وبيعت هناك ، لكيلا يعيّر صاحبها بها.

ويثبت الحكم بذلك إمّا بالإقرار من الفاعل أو بشهادة شاهدين عدلين مرضيّين لا أكثر من ذلك.

ومتى تكرّر الفعل من واطئ البهيمة والميّتة ، وكان قد أدّب وحدّ ، وجب عليه القتل في الرّابعة.

ومن استمنى بيده حتّى أنزل ، كان عليه التّعزير والتّأديب ، ولم يكن عليه حدّ على الكمال. وذلك بحسب ما يراه الإمام أصلح في الحال. وقد روي : أنّ أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، ضرب يد

٧٠٩

من فعل ذلك حتّى احمرّت ، وزوّجه من بيت المال ، واستتابه من ذلك الفعل.

باب الحد في القيادة

الجامع بين النّساء والرّجال والغلمان للفجور ، إذا شهد عليه شاهدان ، أو أقرّ على نفسه بذلك ، يجب عليه ثلاثة أرباع حدّ الزّاني خمسة وسبعون جلدة ، ويحلّق رأسه ويشهّر في البلد ، ثمَّ ينفى عن البلد الّذي فعل ذلك فيه الى غيره من الأمصار.

والمرأة إذا فعلت ذلك ، فعل بها ما يفعل بالرّجل من الجلد ، ولا تشهّر ، ولا تحلق رأسها ، ولا تنفى عن البلد الّذي فعلت فيه ما فعلت كما يفعل ذلك بالرّجال.

ومن رمى غيره بالقيادة ، كان عليه التّعزير بما دون الحدّ في الفرية لئلّا يعود إلى أذى المسلمين.

باب الحد في شرب الخمر والمسكر من الشراب والفقاع وغير ذلك من الأشربة والمآكل المحظورة

من شرب شيئا من المسكر ، خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا ، أو غير ذلك من سائر الأشربة التي يسكر قليلها أو كثيرها ، وجب عليه الحدّ ثمانون جلدة حدّ المفتري ، سواء كان مسلما أو كافرا ، حرّا كان أو عبدا ، لا يختلف الحكم فيه.

٧١٠

إلّا أنّ المسلم يقام عليه الحدّ على كلّ حال شرب عليها. والكافر إذا استسرّ بالشّرب ، أو شربه في بيته أو بيعته أو كنيسته ، لم يكن عليه الحدّ. وإنّما يجب عليه الحدّ ، إذا أظهر الشّرب بين المسلمين ، أو خرج بينهم سكران.

وسواء كان الشّارب من الخمر أو الشّراب المسكر شرب قليلا منه أو كثيرا ، فإنّ القليل منه يوجب الحدّ كما يوجبه الكثير ، لا يختلف الحكم في ذلك على حال.

ويثبت الحكم في إيجاب الحدّ بشهادة نفسين مسلمين عدلين ، يشهدان على فاعله بشرب شي‌ء من المسكرات ، أو يشهدان بأنّه قاء ذلك. فإن شهد أحدهما بالشّرب والآخر بالقي‌ء ، قبلت أيضا شهادتهما ، وأقيم بها الحدّ.

ولا تقبل شهادة على شهادة في شي‌ء من الحدود.

ولا يجوز أيضا أن يكفّل من وجب عليه الحدّ ، بل ينبغي أن يقام عليه الحدّ على البدار.

ولا تجوز الشّفاعة في إسقاط حدّ من الحدود لا عند الإمام ولا عند غيره من النّائبين عنه.

ويثبت أيضا بإقرار الشّارب على نفسه مرّتين. ويجب به الحدّ كما يجب بالبيّنة سواء.

ومن شرب الخمر مستحلّا لها ، حلّ دمه ، ووجب على الإمام أن يستتيبه. فإن تاب ، أقام عليه حدّ الشّراب ، إن كان شربه.

٧١١

وإن لم يتب ، قتله.

وليس المستحلّ لما عدا الخمر من المسكرات يحلّ دمه. وللإمام أن يعزّره ، إن رأى ذلك صوابا. والحدّ في شربه لا يختلف على ما بيّنّاه.

وشارب الخمر وسائر الأشربة المسكرات ، يجلد عريانا على ظهره وكتفيه ، ولا يضرب على وجهه وفرجه على حال.

ولا يجوز أكل طعام فيه شي‌ء من الخمر ، ولا الاصطباغ بشي‌ء فيه شي‌ء من الخمر ، ولا استعمال دواء فيه شي‌ء منه. فمن أكل شيئا ممّا ذكرناه ، أو شرب ، كان عليه الحدّ ثمانين جلدة. فإن أكل ذلك أو شرب ، وهو لا يعلم أنّ فيه خمرا ، لم يكن عليه شي‌ء.

ولا ينبغي لمسلم أن يجالس شرّاب شي‌ء من المسكرات ، ولا أن يجلس على مائدة يشرب عليها شي‌ء من ذلك ، خمرا كان أو غيره. وكذلك الحكم في الفقّاع. فمتى فعل ذلك ، كان عليه حدّ التّأديب حسب ما يراه الإمام.

ولا يقام الحدّ على السّكران في حال سكره ، بل يمهل حتّى يفيق ، ثمَّ يقام عليه الحد.

وشارب الخمر إذا أقيم عليه الحدّ مرّتين ، ثمَّ عاد ثالثة ، وجب عليه القتل.

ومن بايع الخمر ، أو الشّراب المسكر ، أو اشتراه ، كان عليه

٧١٢

التّأديب. فإن فعل ذلك مستحلّا له ، استتيب. فإن تاب. وإلّا وجب عليه ما يجب على المرتدّ.

وحكم الفقّاع في شربه ، ووجوب الحدّ على من شربه ، وتأديب من اتّجر فيه ، وتعزير من استعمله ، حكم الخمر على السّواء بما ثبت عن أئمة آل محمّد ، عليهم‌السلام.

ومن استحل الميتة أو الدّم أو لحم الخنزير ممّن هو مولود على فطرة الإسلام ، فقد ارتدّ بذلك عن الدّين ، ووجب عليه القتل بالإجماع. ومن تناول شيئا من ذلك محرّما له ، كان عليه التّعزير. فإن عاد بعد ذلك ، أدّب وغلّظ عقابه. فإن تكرّر منه ذلك دفعات ، قتل ليكون عبرة لغيره.

ومن أكل الرّبا بعد الحجّة عليه في تحريمه ، عوقب على ذلك ، حتّى يتوب. فإن استحلّ ذلك ، وجب عليه القتل. فإن أدّب دفعتين ، وعاد ثالثا ، وجب عليه القتل.

والتّجارة في السّموم القاتلة محظورة ، ووجب على من اتّجر في شي‌ء منها العقاب والتأديب. فإن استمرّ على ذلك ، ولم ينته وجب عليه القتل.

ويعزّر آكل الجرّيّ والمارماهي ومسوخ السّمك كلّها ، والطّحال ومسوخ البرّ والسبع وسباع الطّير وغير ذلك من المحرّمات. فإن عاد ، أدّب ثانية. فإن استحل شيئا من ذلك ، وجب عليه القتل.

٧١٣

ومن تاب من شرب الخمر أو غيره ممّا يوجب الحدّ أو التّأديب قبل قيام البيّنة عليه ، سقط عنه الحدّ. فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه ، أقيم عليه الحدّ على كلّ حال. فإن كان أقرّ على نفسه ، وتاب بعد الإقرار ، جاز للإمام العفو عنه ، ويجوز له إقامة الحدّ عليه.

ومن شرب المسكر في شهر رمضان ، أو في موضع مشرّف مثل حرم الله وحرم رسوله أو شي‌ء من المشاهد ، أقيم عليه الحدّ في الشّرب بعد ذلك ، لانتهاكه حرمة حرم الله تعالى.

باب الحد في السرقة

السّارق الّذي يجب عليه القطع هو الّذي يسرق من حرز ربع دينار فصاعدا أو ما قيمته كذلك ، ويكون كامل العقل ، والشّبهة عنه مرتفعة ، حرّا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا. فإن سرق إنسان من غير حرز ، لم يجب عليه القطع ، وإن زاد على ما ذكرناه في المقدار ، بل يجب عليه التّعزير.

والحرز هو كلّ موضع لم يكن لغير المتصرّف فيه الدّخول اليه إلّا بإذنه ، أو يكون مقفّلا عليه ، أو مدفونا. فأمّا المواضع الّتي يطرقها النّاس كلّهم ، وليس يختصّ بواحد دون غيره ، فليست حرزا. وذلك مثل الخانات والحمّامات والمساجد والأرحية وما أشبه ذلك من المواضع. فإن كان الشّي‌ء في أحد هذه

٧١٤

المواضع مدفونا ، أو مقفّلا عليه ، فسرقه إنسان ، كان عليه القطع ، لأنّه بالقفل والدّفن قد أحرزه.

وإذا نقب الإنسان نقبا ، ولم يخرج متاعا ولا مالا ، وإن جمعه وكوّره وحمله ، لم يجب عليه قطع ، وكانت عليه العقوبة والتّأديب. وإنّما يجب القطع إذا أخرجه من الحرز. وإذا أخرج المال من الحرز ، وجب عليه القطع ، إلّا أن يكون شريكا في المال الّذي سرقه ، أو له حظّ في المال الّذي سرق بمقدار ما إن طرح من المال المسروق. كان الباقي أقلّ من النّصاب الّذي يجب فيه القطع. فإن كان الباقي قد بلغ المقدار الّذي يجب فيه القطع ، كان عليه القطع على كلّ حال.

ومن سرق من مال الغنيمة قبل أن يقسم ، مقدار ما يصيبه منها ، لم يكن عليه قطع ، وكان عليه التّأديب ، لجرأته على ذلك وإقدامه عليه. فإن سرق ما يزيد على قسمته بمقدار ما يجب فيه القطع أو زائدا عليه ، كان عليه القطع. هذا إذا كان مسلما له سهم في الغنائم. فإن كان كافرا ، قطع على كلّ حال إذا بلغ النّصاب.

وإذا أخرج المال من الحرز ، فأخذ ، فادّعى أنّ صاحب المال أعطاه المال ، درئ عنه القطع ، وكان على من ادّعى عليه السّرقة البيّنة بأنّه سارق.

ومتى سرق من ليس بكامل العقل بأن يكون مجنونا أو صبيّا

٧١٥

لم يبلغ ، وإن نقب وكسر القفل ، لم يكن عليه قطع. فإن كان صبيّا ، عفى عنه مرّة. فإن عاد ، أدّب. فإن عاد ثالثة ، حكّت حتّى أصابعه تدمى. فإن عاد ، قطعت أنامله. فإن عاد بعد ذلك. قطع أسفل من ذلك كما يقطع الرّجل سواء.

ويثبت وجوب القطع بقيام البيّنة على السّارق ، وهي شهادة نفسين عدلين يشهدان عليه بالسّرقة. فإن لم تقم بيّنة ، وأقرّ السّارق على نفسه بالسّرقة مرّتين ، كان عليه أيضا القطع. اللهمّ إلّا أن يكون عبدا ، فإنّه لا يقبل إقراره على نفسه بالسّرقة ولا بالقتل. لأنّه مقرّ على مال غيره ليتلفه. فإن قامت عليه البيّنة بالسّرقة ، قطع كما يقطع الحرّ سواء.

وحكم الذّمي حكم المسلم سواء في وجوب القطع عليه إذا ثبت انّه سارق على ما بيّنّاه.

وحكم المرأة حكم الرّجل سواء في وجوب القطع عليها إذا سرقت.

ويقطع الرجل إذا سرق من مال والديه. ولا يقطع الرّجل إذا سرق من مال ولده. وإذا سرقت الأمّ من مال ولدها ، قطعت على كلّ حال. ويقطع الرّجل إذا سرق من مال زوجته ، إذا كانت قد أحرزته. وكذلك تقطع المرأة ، إذا سرقت من مال زوجها ، إذا كان قد أحرز دونها.

ولا يقطع العبد إذا سرق من مال مولاه. وإذا سرق عبد

٧١٦

الغنيمة من المغنم ، لم يقطع أيضا. والأجير إذا سرق من مال المستأجر ، لم يكن عليه قطع. وكذلك الضّيف إذا سرق من مال مضيفه ، لا يجب عليه قطع. وإذا أضاف الضّيف ضيفا آخر ، فسرق ، وجب عليه القطع ، لأنّه دخل عليه بغير إذنه.

ومن وجب عليه القطع ، فإنّه تقطع يده اليمنى من أصول الأصابع الأربعة ، وتترك له الرّاحة والإبهام.

فإن سرق بعد قطع يده من حرز ، المقدار الّذي قدّمنا ذكره ، قطعت رجله اليسرى من أصل السّاق ، ويترك عقبه ليعتمد عليها في الصّلاة. فإن سرق بعد ذلك ، خلّد السّجن. فإن سرق في السّجن من حرز القدر الّذي ذكرناه ، قتل.

ومن وجب عليه قطع اليمين فكانت شلّاء ، قطعت ، ولا تقطع يسراه. وكذلك من وجب عليه قطع رجله اليسرى ، فكانت كذلك ، قطعت ، ولا تقطع رجله اليمنى. ومن سرق وليس له اليمنى ، فإن كانت قطعت في القصاص أو غير ذلك ، وكانت له اليسرى ، قطعت يسراه ، فإن لم تكن له أيضا اليسرى ، قطعت رجله ، فإن لم يكن له رجل ، لم يكن عليه أكثر من الحبس على ما بيّنّاه.

وإذا قطع السّارق ، وجب عليه مع ذلك ردّ السرقة بعينها ، إن كانت باقية. فإن كان أهلكها ، وجب عليه أن يغرمها. فإن كان قد تصرّف فيها بما نقص من ثمنها ، وجب عليه

٧١٧

أرشها. فإن لم يكن معه شي‌ء استسعي في ذلك.

ولا يجب القطع ولا ردّ السّرقة على من أقرّ على نفسه تحت ضرب أو خوف. وإنّما يجب ذلك إذا قامت البيّنة ، أو أقرّ مختارا. فإن أقرّ تحت الضّرب بالسّرقة ، وردّها بعينها ، وجب عليه أيضا القطع.

ومن أقرّ بالسّرقة مختارا ، ثمَّ رجع عن ذلك ، ألزم السّرقة وسقط عنه القطع.

ومن تاب من السّرقة قبل قيام البيّنة عليه ، ثمَّ قامت عليه البيّنة ، سقط عنه القطع ، ووجب عليه ردّ السّرقة. فإن قامت بعد ذلك عليه البيّنة ، لم يجز للإمام أن يقطعه. فإن تاب بعد قيام البيّنة عليه ، لم يجز للإمام العفو عنه. فإن كان قد أقرّ على نفسه ، ثمَّ تاب بعد الإقرار ، جاز للإمام العفو عنه ، أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه أردع في الحال. فأمّا ردّ السّرقة ، فإنّه يجب عليه على كلّ حال.

ومن سرق شيئا من كم إنسان أو جيبه ، وكانا باطنين ، وجب عليه القطع. فإن كانا ظاهرين ، لم يجب عليه القطع ، وكان عليه التّأديب والعقوبة بما يردعه عن مثله.

ومن سرق حيوانا يجوز تملّكه ، ويكون قيمته ربع دينار فصاعدا ، وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأشياء.

وإذا سرق نفسان فصاعدا ما قيمته ربع دينار ، وجب

٧١٨

عليهما القطع. فإن انفرد كلّ واحد منهما ببعضه ، لم يجب عليهما القطع ، لأنّه قد نقص عن المقدار الذي يجب فيه القطع ، وكان عليهما التّعزير. ومن سرق شيئا من الفواكه وهو بعد في الشّجر ، لم يكن عليه قطع ، بل يؤدّب تأديبا لا يعود إلى مثله ، ويحلّ له ما يأكل منه ، ولا يحمله معه على حال. فإذا سرق شيئا منهما بعد أخذها من الشّجر ، وجب عليه القطع كما يجب في سائر الأشياء.

وإذا تاب السّارق ، فليردّ السّرقة على صاحبها. فإن كان قد مات ، فليردّها على ورثته. فإن لم يكن له وارث ولا مولى نعمة ولا مولى جريرة ، فليردّها على إمام المسلمين. فإذا فعل ذلك ، فقد برئت ذمّته.

وإذا سرق السّارق ، فلم يقدر عليه ، ثمَّ سرق ثانية ، فأخذ ، وجب عليه القطع بالسّرقة الأخيرة ، ويطالب بالسّرقتين معا. وإذا شهد الشّهود على سارق بالسّرقة دفعتين ، لم يكن عليه أكثر من قطع اليد. فإن شهدوا عليه بالسّرقة الأولى ، وأمسكوا حتّى يقطع ، ثمَّ شهدوا عليه بالسّرقة الأخيرة ، وجب عليه قطع رجله اليسرى بالسّرقة الأخيرة على ما بيّنّاه.

وروي عن ابي عبد الله ، عليه‌السلام ، أنّه قال : لا قطع على من سرق شيئا من المأكول في عام مجاعة.

٧١٩

باب حد المحارب والنباش والمختلس والخناق والمبنج والمحتال

المحارب هو الذي يجرّد السّلاح ، ويكون من أهل الرّيبة ، في مصر كان أو غير مصر ، في بلاد الشّرك كان أو في بلاد الإسلام ، ليلا كان أو نهارا. فمتى فعل ذلك ، كان محاربا.

ويجب عليه إن قتل ، ولم يأخذ المال ، أن يقتل على كلّ حال ، وليس لأولياء المقتول العفو عنه. فإن عفوا عنه ، وجب على الإمام قتله ، لأنّه محارب.

وإن قتل ، وأخذ المال ، وجب عليه أولا أن يردّ المال ، ثمَّ يقطع بالسّرقة ، ثمَّ يقتل بعد ذلك ، ويصلب. وإن أخذ المال ، ولم يقتل ، ولم يجرح ، قطع ، ثمَّ نفي عن البلد. وإن جرح ، ولم يأخذ المال ، ولم يقتل ، وجب عليه أن يقتصّ منه ، ثمَّ ينفى بعد ذلك من البلد الّذي فعل ذلك فيه إلى غيره. وكذلك إن لم يجرح ، ولم يأخذ المال ، وجب عليه أن ينفى من البلد الّذي فعل فيه ذلك الفعل إلى غيره ، ثمَّ يكتب إلى أهل ذلك المصر بأنّه منفيّ محارب ، فلا تؤاكلوه ، ولا تشاربوه ولا تبايعوه ولا تجالسوه. فإن انتقل إلى غير ذلك من البلدان ، كوتب أيضا أهلها بمثل ذلك. فلا يزال يفعل به ذلك ، حتّى يتوب. فإن قصد بلاد الشّرك ، لم يمكّن من الدّخول فيها ، وقوتلوا هم على تمكينهم من دخولها.

٧٢٠