النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

وعنده حقة ، أخذت منه ، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة ، وعنده جذعة ، أخذت منه ، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء ، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك ، كان هذا حكمه : في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة ، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم ، فليس فيها زكاة ، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء ، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك ، وزادت واحدة ، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة ، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك ، وزادت واحدة ، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه ، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة ، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين ، لم يكن عليه شي‌ء ، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه ، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة ، وإن كانت في مواضع متفرّقة ، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس ، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة ، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة ، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر ، فقد حال على المال الحول ، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر ، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر ، وجبت عليه الزّكاة ، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب ، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام ، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء ، وإن حال عليها حول ، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة ، وحال عليهما الحول ، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم ، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة ، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت ، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها ، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى ، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة ، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة ، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له ، عزله عن ماله ، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة ، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة ، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين ، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهم عليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها ، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا ، ويعتبر فيه ما ذكرناه ، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق ، فأمّا مع وجوده ، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن : وهم الفقراء ، والمساكين ، والعاملون عليها ، و ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون ، ( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

( وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك ، ولا يكون عنده ، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا : إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال ، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا ، أو من نصبه الإمام حاصلا ، فتحمل الزّكاة إليه ، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية ، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض ، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا ، ولا من نصبه الإمام حاصلا ، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم ، وهم الفقراء والمساكين ( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم ( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد ، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه ، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات ، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه ، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك ، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق ، لم يجزئه ، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته ، ثمَّ استبصر ، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط ، وللبعيد قسط ، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها ، عزلها من ماله ، وانتظر بها مستحقّها ، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت ، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا ، فلم يعطه ، وآثر من يكون في بلد آخر ، كان ضامنا لها ، إن هلكت ، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة ، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه ، فوجده ، ولم يعطه. بل أخّره ، ثمَّ هلك ، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب ، وعقيل بن أبي طالب ، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال ، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم ، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به ، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته ، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم ، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها ، جاز له أن يقبل الزّكاة ، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة ، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه ، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله ، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية ، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك ، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة ، وهو يستحيي من التعرّض لذلك ، ولا يؤثر إن تعرفه ، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها ، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين ، ولا يقدر على قضائه ، وهو مستحقّ لها ، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت ، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين ، وقد مات ، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك ، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة ، ووجدت مملوكا يباع ، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا ، ولا وارث له ، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه ، إذا كان مؤمنا ، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك ، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها ، وكان مستحقّا للزّكاة ، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا ، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك ، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب ، وهو درهم إن كان من الدراهم ، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير ، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة ، مسلما كان أو ذمّيّا ، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله ، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان ، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان ، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد ، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة ، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة ، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك ، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة ، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة ، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم ، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم ، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان ، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان ، أن يخرجوا الحنطة والشّعير ، وعلى أهل طبرستان الأرز ، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط ، فإذا عدموه ، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها ، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة ، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس ، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه ، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره ، لم يكن به بأس ، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر ، فليخرجها ، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا ، عزلها من ماله ، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا ، وأخّرها ،

١٩١

كان ضامنا لها ، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا ، وأخرجها من ماله ، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام ، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه ، جاز له له ذلك ، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها ، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة ، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له ، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة ، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع ، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك ، كان تاركا فضلا ، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها ، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار ، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت ، فأسلم قبل أن يعطيها ، سقطت عنه ، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية ، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم ، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم ، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام :

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال ، فتترك في أيديهم ، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر ، وكانت ملكا لهم ، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها ، وتركوها خرابا ، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض ، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته ، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين ، ما أخذ عنوة بالسّيف ، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة ، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه ، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة ، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم : المقاتلة ، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها ، وهي أرض الجزية ، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع ، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها ، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء ، ويسقط عنهم الصّلح ، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم ، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف ، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع ، كلّ أرض انجلى أهلها عنها ، أو كانت مواتا فأحييت ، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها ، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة ، ليس لأحد معه فيها نصيب ، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه ، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع ، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره ، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها ، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك ، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه ، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها ، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام ، ولا يتميّز له ، وأراد تطهيره ، أخرج منه الخمس ، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام ، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما ، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا ، أخرج منه الخمس ، واستعمل الباقي ، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا ، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع ، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا ، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة ، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير ، يجب فيها الخمس فيما وجد منها ، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه ، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها ، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس ، والباقي تكون للمسلمين قاطبة : مقاتليهم وغير مقاتليهم ، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام :

قسما لله ، وقسما لرسوله ، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة ، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد ، وسهم لمساكينهم ، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء ، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس ، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة ، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين ، وكان أبوه منهم ، حلّ له الخمس ، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم ، وأمّه منهم ، لم يحلّ له الخمس ، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته ، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال ، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها ، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب ، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم : الجارية الحسناء ،

١٩٩

والفرس الفاره ، والثّوب المرتفع ، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام ، فغنموا ، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه ، كان عاصيا ، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام ، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة ، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك ، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه ، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم : إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم : إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة ، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠