النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

فإنّه يجب فيه الدّية على عاقلته الى أن يبلغ عشر سنين أو خمسة أشبار. فإذا بلغ ذلك ، اقتصّ منه وأقيمت عليه الحدود التّامّة.

ومتى وطئ امرأة قبل أن تبلغ تسع سنين ، فأفضاها ، كان عليه ديتها ، وألزم النّفقة عليها ، إلّا أن يموت ، لأنّها لا تصلح للرّجال.

ومن أحدث في طريق المسلمين حدثا ليس له ، أو في ملك لغيره بغير إذنه من حفر بئر أو بناء حائط ، أو نصب خشبة أو إقامة جذع ، أو إخراج ميزاب أو كنيف ، وما أشبه ذلك ، فوقع فيه شي‌ء ، أو زلق به ، أو أصابه منه شي‌ء من هلاك أو تلف شي‌ء من الأعضاء أو كسر شي‌ء من الأمتعة ، كان ضامنا لما يصيبه قليلا كان أو كثيرا. فإن أحدث في الطّريق ما له إحداثه ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن رمى في دار غيره متعمّدا نارا ، فاحترقت وما فيها ، كان ضامنا لجميع ما تتلفه النّار من النّفوس والأثاث والأمتعة وغير ذلك ، ثمَّ يجب عليه بعد ذلك القتل. فإن أشعل في داره أو ملكه نارا ، فحملتها الرّيح الى موضع آخر ، فاحترق ، لم يكن عليه شي‌ء.

وإذا اغتلم البعير على صاحبه ، وجب عليه حبسه وحفظه. فإن جنى قبل أن يعلم به ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن علم به ، وفرّط في حفظه ، كان ضامنا لجميع ما يصيبه من قتل نفس أو

٧٦١

غيرها. فإن كان ذلك الّذي جنى عليه البعير ضرب البعير ، فقتله أو جرحه ، كان عليه بمقدار ما جنى عليه ممّا ينقص من ثمنه ، يطرح من دية ما كان جنى عليه البعير.

وإذا هجمت دابّة على دابّة غيره في مأمنها ، فقتلتها أو جرحتها ، كان صاحبها ضامنا لذلك. وإن دخلت عليها الدّابّة إلى مأمنها ، فأصابها سبب ، لم يكن على صاحبها شي‌ء.

ومن أصاب خنزير ذمّيّ ، فقتله ، كان عليه قيمته. فإن جرحه كان عليه قيمة ما نقص من ثمنه عند أهله.

ومن أركب غلاما له مملوكا دابّة ، فجنت الدّابّة جناية ، كان ضمانها على مولاه ، لأنّه ملكه.

ومن دخل دار قوم بغير إذنهم ، فعقره كلبهم ، لم يكن عليهم ضمانه. فإن كان دخلها بإذنهم ، كان عليهم ضمانه.

وإذا أفلتت دابّة ، فرمحت إنسانا ، فقتلته ، أو كسرت شيئا من أعضائه ، لم يكن على صاحبها شي‌ء.

ومن وطئ امرأته في دبرها ، فألحّ عليها ، فماتت ، كان عليه ديتها.

ومن تطبّب ، أو تبيطر ، فليأخذ البراءة من وليّه ، وإلّا فهو ضامن.

وإذا ركب اثنان دابّة ، فجنت جناية على ما ذكرناه ، كان أرشها عليهما بالسّويّة. وروي أنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ضمّن ختّانا قطع حشفة غلام.

٧٦٢

باب الاشتراك في الجنايات

روى الأصبغ بن نباتة قال : قضى أمير المؤمنين. عليه‌السلام ، في جارية ركبت جارية ، فنخستها جارية أخرى ، فقمصت المركوبة ، فصرعت الرّاكبة ، فماتت ، فقضى أنّ ديتها نصفين بين النّاخسة والمنخوسة.

وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر ، عليه‌السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، في أربعة شربوا ، فسكروا ، وأخذ بعضهم على بعض السّلاح ، فاقتتلوا ، فقتل اثنان وجرح اثنان ، فأمر بالمجروحين ، فضرب كلّ واحد منهما ثمانين ، وقضى دية المقتولين على المجروحين ، وأمر أن يقاس جراحة المجروحين ، فترفع من الدّية. وان مات واحد من المجروحين ، فليس على أحد من أولياء المقتولين شي‌ء.

وروى السّكونيّ عن ابي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : رفع الى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، ستّة غلمان كانوا في الفرات ، فغرق واحد منهم ، فشهد ثلاثة منهم على اثنين : أنّهما غرّقاه ، وشهد اثنان على الثّلاثة : أنّهم غرّقوه ، فقضى عليه‌السلام ، بالدّية ثلاثة أخماس على الاثنين وخمسين على الثّلاثة.

وروى محمد بن قيس عن أبي جعفر ، عليه‌السلام ، قال

٧٦٣

قضى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، في أربعة نفر اطّلعوا في زبية الأسد ، فخرّ أحدهم ، فاستمسك بالثّاني ، واستمسك الثاني بالثّالث ، واستمسك الثّالث بالرّابع ، فقضى بالأوّل فريسة الأسد ، وغرّم أهله ثلث الدّية لأهل الثّاني ، وغرّم الثّاني لأهل الثّالث ثلثي الدّية ، وغرّم الثّالث لأهل الرّابع الدّية كاملة.

وروى أبو بصير عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : قضى أمير المؤمنين في حائط اشترك في هدمه ثلاثة نفر ، فوقع على واحد منهم ، فمات ، فضمّن الباقين ديته ، لأنّ كلّ واحد منهم ضامن صاحبه.

باب ديات الأعضاء والجوارح والقصاص فيها

من قلب على رأس إنسان ماء حارّا ، فامتعط شعره ، فلم ينبت ، كان عليه الدّية كاملة. فإن نبت ورجع الى ما كان ، كان عليه أرشه حسب ما يراه الإمام. فإن كان امرأة ، كان عليه ديتها ، إذا لم ينبت الشعر. فإن نبت ، كان عليه مهر نسائها.

وفي الحاجبين إذا أذهب شعرهما خمسمائة دينار ، وفي كلّ واحد منهما مائتان وخمسون دينارا.

وفي شفر العين الأعلى ثلث دية العين ، مائة وستّة وستّون دينارا وثلثا دينار. وفي شفر العين الأسفل نصف دية العين مائتان وخمسون دينارا.

٧٦٤

وفي العينين الدّية كاملة ، وفي كلّ واحدة منها نصف دية النّفس ، وفي نقصان ضوءهما بحساب ذلك. فإن ادّعى النقصان في إحدى العينين ، اعتبر مدى ما يبصر بها من أربع جوانب بعد أن تشدّ الأخرى. فإن تساوى صدّق ، وإن اختلف كذّب. ثمَّ يقاس ذلك الى العين الصّحيحة ، فما كان بينهما من النقصان أعطي بحساب ذلك بعد أن يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدّمناه في باب القسامة. وإن ادّعى النّقصان في العينين جميعا ، قيس عيناه إلى عيني من هو من أبناء سنّه ، وألزم ضاربه ما بينهما من التفاوت ، ويستظهر عليه بالأيمان. ولا يقاس عين في يوم غيم ولا في أرض مختلفة الجهات في الضّوء والظّلمة ، بل يقاس في أرض مستقيمة. ومن ادّعى ذهاب بصره ، وعيناه مفتوحتان صحيحتان ، ولا يعلم صدق قوله ، حلّف حسب ما قدّمناه.

وقد روي أنّه يستقبل بعينيه عين الشمس. فإن كان كما قال ، بقيتا مفتوحتين في عين الشّمس. وإن لم تكن كما قال ، غمّضهما.

وفي العين العوراء الدّية كاملة ، إذا كانت خلقة ، أو قد ذهبت في آفة من جهة الله تعالى. فإن كانت قد ذهبت ، وأخذ ديتها ، أو استحقّ الدّية ، وإن لم يأخذها ، كان فيها نصف الدّية. والأعور إذا فقأ عين صحيح ، قلعت عينه ، وإن عمى ، فإنّ الحقّ أعماه. فإن قلعت عينه ، كان مخيّرا بين أن يأخذ

٧٦٥

الدّية كاملة ، أو يقلع إحدى عيني صاحبه ويأخذ نصف الدّية. وفي العين القائمة إذا خسف بها ، ثلث ديتها صحيحة.

وفي الأذنين الدّية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما نصف الدّية. وفيما قطع منهما بحساب ذلك. وفي شحمة الاذن ثلث دية الاذن. وكذلك في خرمها ثلث ديتها. وفي ذهاب السّمع الدّية كاملة ، وفيما نقص منه بحساب ذلك. ويعتبر نقصانه بأن يضرب الجرس من أربع جوانب وينظر الى مدى ما يسمع منه. فإن تساوى ، صدّق ، واستظهر عليه بالأيمان. وإن اختلف ، كذّب. ومتى ادّعى ذهاب سمعه كلّه ، كانت عليه القسامة حسب ما قدّمناه. ولا يقاس الاذن في يوم ريح ، بل يقاس في يوم ساكن الهواء.

وفي الأنف إذا استوصلت ، الدّية كاملة. وكذلك إذا قطع مارنها ، كان فيه الدّية. وفيما نقص منه بحساب ذلك. وكذلك في ذهاب الإحساس بها كلّه ، الدّية كاملة.

وقد روي عن أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، أنّه قال : يعتبر ذلك بأن يحرق الحرّاق ويقرّب منه. فإن دمعت عينه ، ونحّى أنفه ، كان كاذبا. وإن بقي كما كان ، صدّق ، وينبغي أن يستظهر عليه بالأيمان حسب ما قدّمناه.

وفي الشّفتين جميعا الدّية كاملة. وفي العليا منهما أربعمائة دينار. وفي السّفلى منهما ستّمائة دينار. وإنّما فضّلت السّفلى

٧٦٦

لأنّها تمسك الطّعام والشّراب. وفيما نقص منهما بحساب ذلك.

وفي اللّسان ، إذا قطع فلم يفصح بشي‌ء من الكلام ، الدّية كاملة. فإن أفصح ببعض ، ولم يفصح ببعض ، عرض عليه حروف المعجم ، وهي ثمانية وعشرون حرفا : فما أفصح به منها ، طرح عنه ، وما لم يفصح ، ألزم الدّية بحساب ذلك ، لكلّ حرف جزء من ثمانية وعشرين جزءا. وإذا كان لسانه صحيحا ، وادّعى أنّه لا يفصح بشي‌ء من الحروف ، كان عليه القسامة حسب ما قدّمناه.

وروي عن أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، قال : يضرب لسانه بإبرة : فإن خرج منه دم أسود ، كان صادقا في قوله : وإن خرج الدّم أحمر ، كان كاذبا.

وفي لسان الأخرس إذا قطع ، ثلث دية لسان الصّحيح.

وفي الأسنان كلها الدّية كاملة. والّتي يقسم عليها الدّية ثمانية وعشرون سنّا : ستّة عشر منها في مواخير الفم ، واثنا عشر في مقاديمه. فالّتي هي في مواخير الفم ، لكلّ سنّ منها خمسة وعشرون دينارا ، فذلك أربعمائة دينار. والّتي في مقاديم الفم ، لكلّ سنّ منها خمسون دينارا ، فذلك ستّمائة دينار ، الجميع ألف دينار. وما زاد على ما ذكرناه في العدد فليس له دية مخصوصة ، إلّا إذا قلعت مفردة. فإن قلع السّنّ الزّائد مفردا ، كان فيه ثلث دية السّن الأصليّ. وفي السّنّ الأسود ربع دية

٧٦٧

السّنّ الصّحيح. وإذا ضربت السّنّ ، فلم تسقط ، لكنّها اسودت أو انصدعت ، ففيها ثلثا دية سقوطها. ومن ضرب سنّ صبيّ بشي‌ء ، فسقط ، انتظر به : فإن نبتت ، لم يكن فيها قصاص ، وكان فيها الأرش : ينظر فيما ينقص من قيمته بذلك أن لو كان مملوكا ، ويعطى بحساب دية الحرّ منها ، ان شاء الله.

وفي اللّحية إذا حلقت فلم تنبت ، الدّية كاملة. فإن نبتت ، كان فيها ثلث الدّية.

وفي العتق إذا كسر ، فصار الإنسان منه أصور ، الدّية كاملة. وفي اليدين جميعا الدّية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما نصف الدّية.

وفي أصابع اليدين الدّية كاملة. وفي كل واحدة منها عشر الدّية. وقد روي أنّ في الإبهام ثلث دية اليد ، وفي الأربع أصابع ثلثي ديتها بينها بالسّويّة.

وفي الإصبع الزّائدة ثلث دية الإصبع الصّحيحة.

وفي الظّفر إذا قلع ولم يخرج ، أو خرج أسود ، عشرة دنانير. فإن خرج أبيض ، فخمسة دنانير. ويتساوى في ذلك دية الرّجل والمرأة الى أن يبلغ ثلث دية النّفس. فإذا بلغ ذلك ، رجعت المرأة الى نصف دية الرّجل ، وبقي الرّجل على ما كان.

وفي الظّهر إذا كسر ثمَّ صلح ، ثلث الدّية. فإن أصيب ، حتّى صار بحيث لا ينزل في حال الجماع ، كان فيه الدّية كاملة.

٧٦٨

فإن أصيب الصّلب ، فاحدودب منه الإنسان ، كان فيه الدّية كاملة. وكذلك إن صار بحيث لا يقدر على القعود ، فيه الدّية كاملة.

وفي النّخاع إذا انقطع ، الدّية كاملة.

وإذا كسر بعصوص الإنسان أو عجانة ، فلم يملك بوله أو غائطه ، ففيه الدّية كاملة. فإن أصابه سلس البول ، ودام الى اللّيل فما زاد عليه ، كان فيه الدّية كاملة. وإن كان الى الظّهر ، ثلثي الدّية. وإن كان الى ضحوة ، ثلث الدّية ، ثمَّ على هذا الحساب.

وفي ذكر الرّجل ، إذا قطعت حشفته فما زاد عليها ، الدّية كاملة. وفي فرج المرأة ، إذا قطع ، ديتها. وفي ذكر العنّين ثلث دية الصّحيح.

وفي الأنثيين معا ، الدّية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما نصف الدّية. وقد روي أنّ في اليسرى منهما ثلثي الدّية. وفي اليمنى ثلث الدّية. لأنّ الولد يكون من اليسرى.

وفي أدرة الخصيتين أربعمائة دينار. فإن فحج ، فلم يقدر على المشي ، أو مشى مشيا لا ينتفع به ، كان فيه ثمانمائة دينار.

ومن أفضى جارية بأن يطأها قبل تسع سنين ، كان عليه ديتها كاملة ، ويلزم نفقتها الى أن تموت. فإن وطئها بعد تسع سنين ، فأفضاها ، لم يكن عليه شي‌ء. ومن افتضّ جارية

٧٦٩

بإصبعه ، فذهب بعذرتها ، كان عليه مهر نسائها ، سواء كان الفاعل رجلا أو امرأة.

وفي الرّجلين معا الدّية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما نصف الدّية. وفي أصابع الرّجلين الدّية كاملة. وفي كلّ واحدة منهما عشر الدّية. وحكم المرأة حكم الرّجل على ما قلناه في اليدين سواء.

وقد روي أنّ في الإبهام منها ثلث دية الرّجل والثّلثين في الأربع أصابع كما ذكرناه في اليدين سواء.

وكلّ ما كان في بدن الإنسان منه اثنان ، ففيهما الدّية كاملة ، وفي كلّ واحد منهما نصف الدّية ، إلّا ما استثنيناه فيما مضى. وكلّ ما كان منه في البدن واحد ، ففيه الدّية كاملة.

وجميع ما ذكرناه ، إذا كان في الرّجل الحرّ ، كان فيه ديته ، وإذا كان في المرأة ، كان فيها ديتها ، وإن كان في ذمّيّ ، كان فيه ديته على ما بيّنّاه. وإن كان في مملوك. ففيه قيمته على ما قدّمنا القول فيه.

واليد إذا ضربت فشلّت ولم تنفصل من الإنسان ، كان فيها ثلثا دية انفصالها. ومن كسر يد إنسان. ثمَّ برأت وصلحت ، لم يكن فيها قصاص. ويجب فيها الأرش على ما بيّنّاه. وفي اليد الشّلّاء ، إذا قطعت ثلث ديتها صحيحة. ومن رعد قلبه فطار ، كان فيها الدّية كاملة.

ومن داس بطن إنسان حتّى أحدث ، كان عليه ان يداس بطنه

٧٧٠

حتّى يحدث ، أو يفتديه بثلث الدّية.

ومن ضرب امرأة مستقيمة الحيض على بطنها ، فارتفع حيضها ، فإنه ينتظر بها سنة : فإن رجع طمثها الى ما كان ، وإلّا استحلفت ، وغرّم ضاربها ثلث ديتها.

وفي ثديي المرأة الدّية كاملة. وفي كلّ واحد منهما نصف ديتها.

ومن قطع أنف إنسان وأذنيه ، وقلع عينيه ، ثمَّ قتله ، اقتصّ منه أوّلا ، ثمَّ يقاد به ، إذا كان قد فرّق ذلك به. وإن كان قد ضربه ضربة واحدة ، فجنت الضربة هذه الجنايات ، وأدّت إلى القتل ، لم يكن عليه أكثر من القود ، أو الدّية على ما بيّنّاه.

ومن ضرب إنسانا على رأسه ضربة فذهب عقله انتظر به سنة : فإن مات فيما بينه وبين سنة ، قيد به ، وإن لم يمت ، ولم يرجع عليه عقله ، كان عليه أيضا الدّية كاملة ، فإن رجع عقله ، كان عليه أرش الضّربة. وإن كان أصابه مع ذهاب عقله شجّة إمّا موضحة أو مأمومة أو غيرهما من الجراحات ، لم يكن فيه أكثر من الدّية كاملة. اللهمّ إلّا أن يكون ضربه ضربتين أو ثلاثة ، فجنت كلّ ضربة منها جناية ، كان عليه حينئذ ديتها.

ومن قطع يمين رجل ، قطعت يمينه بها. فإن لم يكن له يمين ، وكانت له يسار ، قطعت به. فإن لم يكن له يدان ، قطعت رجله باليد. فإن لم يكن له يدان ولا رجلان ، كان عليه الدّية

٧٧١

لا غير ، ويسقط القصاص. وكذلك إذا قطع أيدي جماعة ، قطعت يداه بالأوّل فالأوّل والرّجل بالآخر فالآخر ، ومن يبقى بعد ذلك ، كان له الدّية لا غير.

باب القصاص وديات الشجاج

من قطع شيئا من جوارح الإنسان ، وجب أن يقتصّ منه ، إن أراد ذلك المقطوع. وان جرحه جراحة ، فمثل ذلك ، إلّا أن يكون جراحة يخاف في القود منها على هلاك النّفس ، فإنه لا يحكم له فيها بالقصاص ، وإنّما يحكم فيها بالأرش. وذلك مثل المأمومة والجائفة وما أشبههما.

وكسر الأعضاء الّتي يرجى انصلاحها بالعلاج ، فلا قصاص أيضا فيها ، بل يراعى حتّى ينجبر الموضع إمّا مستقيما أو على عثم ، فيحكم حينئذ بالأرش. فإن كان شيئا لا يرجى صلاحه ، فإنّه يقتص من جانبه على كلّ حال.

والقصاص : النّفس بالنّفس ، والعين بالعين ، والأنف بالأنف ، والاذن بالأذن ، والسّنّ بالسّنّ ، والجروح ( قِصاصٌ ).

ولا قصاص بين الحرّ والعبد. فإن جرح حرّ عبدا ، كان عليه أرشه بمقدار ذلك من ثمنه. وكذلك الحكم في سائر أعضائه. فإن كانت الجناية تحيط بثمنه ، كان عليه القيمة ، ويأخذ العبد. فإن جرح عبد حرّا ، كان على مولاه جنايته ، أو

٧٧٢

يسلّمه الى المجروح ليسترقّه بمقدار ما له منه. فإن استغرق أرش الجراحة ثمنه ، لم يكن لمولاه فيه شي‌ء. وإن لم يستغرق ، كان له منه بمقدار ما يفضل من أرش الجراح.

ولا قصاص بين المسلم والذّميّ. فإن جرح ذمّيّ مسلما ، أو قطع شيئا من جوارحه ، كان عليه أن يقطع جارحته ، إن كان قطع ، أو يقتصّ منه ، إن كان جرح ، ويردّ مع ذلك فضل ما بين الدّيتين. فإن جرحه المسلم ، كان عليه أرش جراحته بمقدار ديته الّتي ذكرناها. فإن كان معتادا لذلك ، جاز للإمام أن يقتصّ منه لأولياء الذّمّيّ بعد أن يردّوا عليه فضل ما بين الدّيتين.

ويقتصّ للرّجل من المرأة ، وللمرأة من الرّجل ويتساوى جراحهما ما لم يتجاوز ثلث الدّية. فإذا بلغت ثلث الدّية نقصت المرأة وزيد الرّجل. وإذا جرح الرّجل المرأة بما يزيد على الثّلث ، وأرادت المرأة أن تقتصّ منه ، كان لها ذلك ، إذا ردّت عليه فضل ما بين جراحتيهما. وإن جرحت المرأة الرّجل ، وأراد أن يقتصّ منها ، لم يكن له عليها أكثر من جراحة مثلها ، أو المطالبة بالأرش على التّمام.

ومن لطم إنسانا في وجهه ، فنزل الماء في عينيه ، وعيناه صحيحتان ، وأراد القصاص ، فإنّه يؤخذ مرآة محميّة بالنار ، ويؤخذ كرسف مبلول ، فيجعل على أشفار عينيه على جوانبها لئلّا يحترق أشفاره ، ثمَّ يستقبل عين الشّمس بعينه ، وتقرّب

٧٧٣

منها المرآة ، فإنّه تذوب النّاظر ، ويبقى أعمى ، وتبقى العين.

ومن قطعت أصابعه ، فجاءه رجل ، فأطار كفّه ، وأراد القصاص من قاطع الكفّ ، فليقطع يده من أصله ، ويردّ عليه دية الأصابع.

ومن قتل إنسانا مقطوع اليد ، وأراد أولياؤه القود ، فإن كانت يده قطعت في جناية جناها على نفسه ، أو قطعت فأخذ ديتها ، قتلوا قاتله بعد أن يردّ على أوليائه دية اليد. فإن كانت يده قطعت في غير جناية ولم يأخذ ديتها ، قتلوا قاتله ، ولم يكن عليهم شي‌ء.

ومن شجّ غيره موضحة ، فعفا صاحبه عن أرشها ، فرجعت عليه ، فمات منها ، كان على جارحه ديته إلا دية الموضحة. فإن أرادوا القود ، ردّوا على قاتله قيمة الموضحة الّتي عفا عنها صاحبها.

ومن قطع شحمة أذن إنسان ، فطلب منه القصاص ، فاقتصّ له منه ، فعالج أذنه حتّى التصق المقطوع بما انفصل عنه ، كان للمقتصّ منه أن يقطع ما اتّصل به من شحمة أذنه حتّى يعود الى الحال الّتي استحقّ لها القصاص. وكذلك القول فيما سوى ذلك من الجوارح والأعضاء.

ومن قتل غيره ، فسلّمه الوالي إلى أولياء المقتول ليقتلوه ، فضربه الوليّ ضربة أو ضربات ، وتركه ظنّا منه أنّه قد مات ، وكان به رمق ، فحمل ودووي فصلح ، ثمَّ جاء الوليّ فطلب منه القود ،

٧٧٤

كان له ذلك ، وعليه أن يردّ عليه دية الجراحات الّتي جرحه أو يقتصّ له منه.

ومن ضرب غيره ضربا بالسّوط أو الخشب أو العصا ، وجب أن يقتصّ منه بمثل ما ضرب. ومن جرح غيره جراحة في غير مقتل ، أو ضربه كذلك ، فمرض المجروح أو المضروب ، ثمَّ مات ، فإنّه يعتبر حاله : فإن علم : أنّه مات من الجراح أو الضّرب أو من شي‌ء جناه ، كان عليه القود أو الدّية على الكمال على ما قدّمناه. فان كان مات لغير ذلك ، أو اشتبه الأمر فيه ، فلا يعلم : أنّه مات منه ، أو من غيره ، لم يكن عليه أكثر من القصاص.

والجراحات ثمانية : أوّلها الحارصة ، وهي الدّامية ، وفيها بعير. ثمَّ الباضعة ، وهي الّتي تبضع اللّحم وفيها بعيران. ثمَّ المتلاحمة ، وهي التي تنفذ في اللّحم ، وفيها ثلاثة أبعر. ثمَّ السّمحاق ، وهي التي تبلغ القشرة الّتي بين اللّحم والعظم ، وفيها أربعة أبعر. ثمَّ الموضحة ، وهي الّتي تبلغ العظم وتوضحه ، وفيها خمسة أبعر. ثمَّ الهاشمة ، وهي الّتي تهشم العظم فتكسره من غير أن تفسده ، وفيها عشرة أبعر. ثمَّ المنقّلة ، وهي الّتي تحوج الى نقل العظم من موضعه ، وفيها خمسة عشر بعيرا. ثمَّ المأمومة ، وهي الّتي تبلغ أمّ الرّأس ، وفيها ثلث الدّية ، ثلاث وثلاثون بعيرا ، أو ثلث الدّية من الغنم أو البقر أو الذّهب أو الفضّة أو الحلّة.

والقصاص ثابت في جميع هذه الجراح إلّا في المأمومة خاصّة ،

٧٧٥

لأنّ فيها تغريرا بالنفس ، وليس فيها أكثر من ديتها.

وهذه الجراح في الرّأس والوجه سواء. وأمّا إذا كانت في البدن فلها حكم مفرد نذكره إن شاء الله.

والجائفة في البدن ، وهي الّتي تبلغ الجوف ، مثل المأمومة في الرّأس ، وفيها ثلث الدّية ، وليس فيها قصاص.

وفي اللّطمة في الوجه إذا اسودّ أثرها ، ستّة دنانير. فإن اخضرّ ، فثلاثة. فإن احمرّ ، فدينار ونصف. وإذا كانت اللّطمة في الجسد ، فديتها على النّصف من ديتها إذا كانت في الوجه.

وفي كسر عظم من عضو خمس دية ذلك العضو ، وفي موضحته ربع دية كسره. وإذا كسر عظم. فجبر على غير عثم ولا عيب ، كانت ديته أربعة أخماس كسره.

وفي كسر الصّلب الدّية كاملة. فإن جبر فبرأ على غير عثم ولا عيب ، ففيه مائة دينار عشر دية كسره.

وفي الأنف إذا كسرت ، ففسدت ، كان فيها الدّية. وكذلك إذا استوصل قطعها على ما قدّمناه. فإن جبرت فبرأت على غير عثم ولا عيب ، كان فيها مائة دينار ، وفي روثة الأنف ، وهو الحاجز بين المنخرين ، إذا قطع واستوصل ، خمسمائة دينار. فإن نفذت في الأنف نافذة لا تنسدّ ، فديتها ثلث دية النّفس. فإن عولجت وانسدّت ، فديتها خمس دية الأنف : مائتا دينار. فإن كانت النافذة في أحد المنخرين الى الخيشوم ، وهو الحاجز

٧٧٦

بين المنخرين ، فعولجت وبرأت والتأمت ، فديتها عشر دية الأنف ، مائة دينار.

وإذا انشقّت الشّفتان حتّى بدت الأسنان منها ، ولم تبرأ ، فدية شقّها ثلث دية النّفس. فإن عولجت فبرأت والتأمت ، فديتها خمس دية النّفس : مائتا دينار. وفي شقّ إحداهما بحساب ذلك. فإن التأمت وصلحت ، ففيها خمس ديتها.

والعظم إذا رضّ ، كان فيه ثلث دية العضو الّذي هو فيه. فإن صلح على غير عيب ، فديته أربعة أخماس دية رضّه. فإن فكّ عظم من عضو ، فتعطّل به العضو ، فديته ثلثا دية العضو. فإن جبر فصلح والتأم ، فديته أربعة أخماس دية فكّه.

وفي نقل عظام الأعضاء لفسادها ، مثل ما في نقل عظام الرّأس بحساب دية العضو. وكذلك في غيرها من الجراحات.

وفي الشّلل في اليدين والرّجلين ثلثا دية اليد. وفي اليد الشّلّاء أو الرّجل الشّلّاء إذا قطعت ، ثلث ديتها صحيحة. وكذلك الحكم في الأصابع.

واعلم أنّ لتفصيل هذه الأعضاء وما فيها من تفصيل الجراح ودياتها شرحا طويلا قد ذكره أصحابنا في كتبهم ، مثل ظريف ابن ناصح والحسن بن محبوب وعلي بن رئاب وغيرهم ، وقد أوردناه نحن في كتاب ( تهذيب الأحكام ) فمن أراد الوقوف عليه ، فليقف عليه من هناك إن شاء الله.

٧٧٧

ولا ينبغي للحاكم أن يحكم في شي‌ء من الجراحات وكسر الأعضاء حتّى تبرأ ، ثمَّ ينظر في ذلك ، ويرجع فيه الى أهل الخبرة ، فيحكم حسب ما تقتضيه الجناية إن شاء الله.

ومن أراد القصاص فلا يقتصّ بنفسه ، وإنّما يقتص له النّاظر في أمر المسلمين ، أو يأذن له في ذلك. فإن أذن له ، جاز له حينئذ الاقتصاص بنفسه.

باب دية الجنين والميت إذا قطع رأسه أو شي‌ء من أعضائه

الجنين أوّل ما يكون نطفة ، وفيه عشرون دينارا. ثمَّ يصير علقة ، وفيه أربعون دينارا ، وفيما بينهما بحساب ذلك. ثمَّ يصير مضغة ، وفيها ستّون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه. ثمَّ يصير عظما ، وفيه ثمانون دينارا ، وفيما بين ذلك بحسابه. ثمَّ يصير مكسوّا عليه اللّحم خلقا سوّيّا شقّ له العين والأذنان والأنف قبل أن تلجه الرّوح ، وفيه مائة دينار ، وفيما بين ذلك بحسابه. ثمَّ تلجه الرّوح ، وفيه دية كاملة.

وإذا قتلت المرأة وهي حامل متمّ ، ومات الولد في بطنها ، ولا يعلم : أذكر هو أم أنثى ، حكم فيها بديتها كاملة ، وفي ولدها بنصف دية الرّجل ونصف دية المرأة. فيكون المبلغ اثنى عشر ألف درهم وخمسمائة درهم : للمرأة خمسة آلاف ،

٧٧٨

ونصف دية الرّجل خمسة آلاف ، ونصف دية المرأة ألفان وخمسمائة.

وفي قطع جوارح الجنين وأعضائه الدّية من حساب ديته مائة دينار.

والمرأة إذا شربت دواء لتلقي ما في بطنها ، كان عليها الدّية بحساب ما ذكرناه لورثة المولود ، ولم يكن لها من ميراثه شي‌ء.

ومن أفزع امرأة أو ضربها ، فألقت شيئا ممّا ذكرناه ، كان عليه ديته حسب ما قدّمناه. ودية جنين الذّمّي عشر ديته ، وما يكون من أعضائه بحساب ذلك. وجنين الأمة إذا كانت حاملا بمملوك عشر ثمنها. وما كان من جراح وغير ذلك فبحساب ذلك. وفي جنين البهيمة عشر قيمتها ، وفيما كان من ذلك بحساب ذلك.

ومن أفزع رجلا وهو على حال الجماع ، فعزل عن امرأته ، كان عليه دية ضياع النّطفة ، عشر دية الجنين ، عشرة دنانير.

وكذلك إذا عزل الرّجل عن زوجته الحرّة بغير اختيارها ، كان عليه عشر دية الجنين يسلّمه إليها على ما روي في الأخبار. وفي عزله عن الأمة ليس عليه شي‌ء.

وحكم الميّت حكم الجنين ، وديته ديته سواء. فمن فعل بميّت فعلا لو فعله بالحيّ لكان فيه تلف نفسه ، كان عليه ديته مائة دينار. وفيما يفعل به من كسر يد أو قطعها أو قلع عين أو

٧٧٩

جراحة ، فعلى حساب ديته كما تكون دية هذه الأعضاء في الحيّ ، كذلك لا يختلف الحكم فيه. والفرق بين الجنين والميّت ، أنّ دية الجنين يستحقّها ورثته ، ودية الميّت لا يستحقّها أحد من ورثته ، بل تكون له خاصّة يتصدق بها عنه.

باب الجنايات على الحيوان

من أتلف حيوانا لغيره ممّا لا تقع عليه الذّكاة ، كان عليه قيمته يوم أتلفه. وذلك مثل الفهد أو البازي أو الصّقر أو غير ذلك ممّا يجوز للمسلمين تملّكه. فإن أتلف عليه ما لا يحلّ للمسلم تملّكه ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أتلف شيئا من ذلك على ذمّيّ ، وجب عليه قيمته. ومتى أتلف عليه شيئا مما تقع عليه الذّكاة على وجه يمنعه من الانتفاع به ، كان حكمه أيضا حكم ما لا تقع عليه الذّكاة في أنّه يجب عليه قيمته يوم أتلفه. فإن أتلفه على وجه يمكنه الانتفاع به ، كان صاحبه مخيّرا بين أن يلزمه قيمته يوم أتلفه ، ويسلّم اليه ذلك الشّي‌ء ، أو يطالبه بقيمة ما بين كونه متلفا وكونه حيّا.

ودية الكلب السّلوقيّ أربعون درهما لا يزاد عليه. ودية كلب الحائط والماشية عشرون درهما. وفي كلب الزّرع قفيز من طعام. وليس في شي‌ء من الكلاب غير هذه شي‌ء على حال.

والقول في جراح البهائم وقطع أعضائها بحسب ما بيّنّا

٧٨٠