النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

شهادة نفسين عدلين أيّ ضرب كان من أنواع القتل ، لا يختلف الحكم فيه.

والقسامة إنّما تكون مع التّهمة الظّاهرة ، ولا تكون مع ارتفاعها.

ومتى أقاموا نفسين يشهدان لهم بالقتل. أو أقاموا القسامة ، وجب على المدّعى عليه ، إن كان القتل عمدا إمّا القود أو الدّية حسب ما يتراضيان عليه. وان كان القتل خطأ أو شبيه عمد ، وجب عليه أو على عصبته الدّية على ما بيّنّاه.

ومتى لم يكن لأولياء المقتول من يشهد لهم من غيرهم ، ولا لهم قسامة من أنفسهم ، كان على المدّعى عليه أن يجي‌ء بخمسين يحلفون عنه : أنّه برئ ممّا ادّعي عليه. فإن لم يكن له من يحلف عنه ، كرّرت عليه الأيمان خمسين يمينا ، وقد برئت عهدته. فإن امتنع من اليمين ، ألزم القتل ، وأخذ به على ما يوجبه الحكم فيه.

والبيّنة في الأعضاء مثل البيّنة في النفس من شهادة مسلمين عدلين.

والقسامة فيها واجبة مثلها في النّفس. فكلّ شي‌ء من أعضاء الإنسان ، يجب فيه الدّية كاملة ، مثل العينين والسمع وما أشبههما ، كان فيه القسامة : ستة رجال يحلفون بالله تعالى : أنّ المدّعى عليه قد فعل بصاحبهم ما ادّعوه عليه. فإن لم يكن للمدّعي

٧٤١

قسامة كرّرت عليه ستّ أيمان. فإن لم يكن له من يحلف عنه ، ولا يحلف هو ، طولب المدّعى عليه بقسامة : ستة نفر يحلفون عنه : أنّه برئ من ذلك. فإن لم يكن له من يحلف ، حلّف هو ستّ مرّات : أنّه برئ ممّا ادّعي عليه.

وفيما نقص من الأعضاء ، القسامة فيها على قدر ذلك : إن كان سدس العضو ، فرجل واحد يحلف بذلك. وإن كان ثلثه ، فاثنان. وإن كان النّصف فثلاثة ، ثمَّ على هذا الحساب. وإن لم يكن له من يحلف. كان عليه بعد ذلك الأيمان : إن كان سدسا فيمين واحدة. وإن كان ثلثا فمرّتين. وإن كان النّصف فثلاث مرّات ، ثمَّ على هذا الحساب.

فإن لم يكن للمدّعي من يحلف عنه ، وامتنع هو من أن يحلف ، طولب المدّعى عليه : إمّا بمن يقسم عنه ، أو بتكرير الأيمان على حسب ما يلزم المدّعي على ما بيّناه.

وأمّا الإقرار فيكفي أن يقرّ به القاتل على نفسه دفعتين من غير إكراه ولا إجبار ، ويكون كامل العقل حرّا. فإن أقرّ ، وهو مكره أو هو ناقص العقل ، أو كان عبدا مملوكا ، فإنّه لا يقبل إقراره على حال.

ومتى شهد نفسان على رجل بالقتل ، وشهد آخران على غير ذلك الشّخص بأنّه قتل ذلك المقتول ، بطل هاهنا القود إن كان عمدا ، وكانت الدّية على المشهود عليهما نصفين. وإن كان القتل

٧٤٢

شبيه العمد ، فكمثل ذلك. وإن كان خطأ كانت الدّية على عاقلتها نصفين.

وإذا قامت البيّنة على رجل بأنّه قتل رجلا عمدا ، وأقرّ رجل آخر بأنّه قتل ذلك المقتول بعينه عمدا ، كان أولياء المقتول مخيّرين في أن يقتلوا أيّهما شاؤوا. فإن قتلوا المشهود عليه ، فليس لهم على الّذي أقرّ به سبيل ، ويرجع أولياء الّذي شهد عليه على الّذي أقرّ بنصف الدّية. وإن اختاروا قتل الّذي أقرّ ، قتلوه ، وليس لهم على الآخر سبيل. وليس لأولياء المقرّ على نفسه على الّذي قامت عليه البيّنة سبيل.

وإن أراد أولياء المقتول قتلهما جميعا ، قتلوهما معا ، وردّوا على أولياء المشهود عليه نصف الدّية ، ليس عليهم أكثر من ذلك. فإن طلبوا الدّية ، كانت عليهما نصفين : على الّذي أقرّ وعلى الّذي شهد عليه الشّهود.

متى اتهم الرّجل بأنّه قتل نفسا ، فأقرّ : بأنّه قتل ، وجاء آخر فأقرّ : أنّ الّذي قتل هو دون صاحبه ، ورجع الأوّل عن إقراره ، درئ عنهما القود والدّية ، ودفع الى أولياء المقتول الدّية من بيت المال. وهذه قضيّة الحسن بن عليّ عليهما‌السلام ، في حياة أبيه ، عليه‌السلام.

ومتى أقرّ نفسان فقال أحدهما : « أنا قتلت رجلا عمدا ، وقال الآخر : « أنا قتلته خطأ » ، كان أولياء المقتول مخيّرين

٧٤٣

فإن أخذوا بقول صاحب العمد ، فليس لهم على صاحب الخطإ سبيل ، وإن أخذوا بقول صاحب الخطإ ، فليس لهم على صاحب العمد سبيل.

والمتّهم بالقتل ينبغي أن يحبس ستّة أيّام. فإن جاء المدّعي ببيّنة أو فصل الحكم معه ، وإلّا خلّي سبيله.

ومن قتل رجلا ، ثمَّ ادّعى انّه وجده مع امرأته ، أو في داره ، قتل به ، أو يقيم البيّنة على ما قال.

باب الواحد يقتل اثنين أو أكثر منهما أو الاثنين والجماعة يقتلون واحدا

إذا قتل اثنان واحدا أو أكثر منهما عمدا ، كان أولياء المقتول مخيّرين : بين أن يقتلوا واحدا منهم ، يختارونه ، ويؤدّي الباقون على ورثته مقدار ما كان يصيبهم لو طولبوا بالدّية. فإن اختار أولياء المقتول قتلهم جميعا ، كان لهم ذلك ، إذا أدّوا إلى ورثة المقتولين المقادين ما يفضل عن دية صاحبهم يتقاسمونه بينهم بالسّويّة.

وإذا قتل نفسان واحدا بضربتين مختلفتين أو متّفقتين ، بعد أن يكون القتل يحدث عن ضربهما ، كان الحكم فيه سواء لا يختلف. فإن كان قتلهم خطأ ، كانت الدّية على عاقلتهما بالسّويّة. وإذا اشترك نفسان في قتل رجل : فقتله أحدهما ، وأمسكه الآخر ، قتل القاتل ، وحبس الممسك حتّى يموت. فإن

٧٤٤

كان معهما ثالث ينظر لهما ، سلمت عينه.

وإذا قتلت امرأتان رجلا عمدا ، قتلتا به جميعا. فإن كنّ أكثر من اثنين ، كان لهم قتلهنّ ، ويؤدّوا ما يفضل عن دية صاحبهم على أوليائهنّ ، يقسمونه بينهم بالحصص. وإن كان قتلهنّ خطأ ، كانت على عاقلتهنّ بالسّويّة.

فإن قتل رجل وامرأة رجلا ، كان لأولياء المقتول قتلهما جميعا ، ويؤدّون إلى أولياء الرّجل نصف ديته خمسة آلاف درهم. فإن اختاروا قتل المرأة كان لهم قتلها ، ويأخذون من الرّجل خمسة آلاف درهم. وإن اختاروا قتل الرّجل كان لهم قتله ، وتؤدّي المرأة إلى أولياء الرّجل نصف ديتها ألفين وخمسمائة درهم. فإن أراد أولياء المقتول الدّية ، كان نصفها على الرّجل ونصفها على المرأة سوى. وإن كان قتلهما خطأ ، كانت الدّية نصفها على عاقلة الرّجل ، ونصفها على عاقلة المرأة سواء.

فإن قتل رجل حرّ ومملوك رجلا على العمد ، كان أولياء المقتول مخيّرين : بين أن يقتلوهما ، ويؤدّوا إلى سيّد العبد ثمنه ، أو يقتلوا الحرّ ، ويؤدّي سيّد العبد الى ورثته خمسة آلاف درهم ، أو يسلّم العبد إليهم ، فيكون رقّا لهم ، أو يقتلوا العبد بصاحبهم خاصّة ، فذلك لهم ، وليس لسيّد العبد على الحرّ سبيل. فإن اختاروا الدّية ، كان على الحرّ النّصف منها ، وعلى سيّد العبد النّصف الآخر ، أو يسلّم العبد إليهم ، يكون رقّا لهم. وإن كان

٧٤٥

قتلهما له خطأ ، كان نصف ديته على عاقلة الرّجل ونصفها على مولى العبد ، أو يسلّمه إلى أولياء المقتول يسترقّونه ، وليس لهم قتله على حال.

فإن قتلت امرأة وعبد رجلا حرّا ، وأحبّ أولياء المقتول أن يقتلوهما ، قتلوهما. فإن كان قيمة العبد أكثر من خمسة آلاف درهم ، فليردّوا على سيّده ما يفضل بعد الخمسة آلاف درهم. وإن أحبّوا أن يقتلوا المرأة ، ويأخذوا العبد ، أخذوا. إلّا أن يكون قيمته أكثر من خمسة آلاف درهم ، فليردّوا على مولى العبد ما يفضل عن خمسة آلاف درهم ويأخذوا العبد أو يفتديه مولاه. وإن كان قيمة العبد أقلّ من خمسة آلاف درهم فليس لهم إلّا نفسه. وإن طلبوا الدّية ، كان على المرأة نصفها ، وعلى مولى العبد النّصف الآخر ، أو يسلّمه برمّته إليهم.

وإذا اشترك جماعة من المماليك في قتل رجل حرّ ، كان لأولياء المقتول قتلهم جميعا ، وعليهم أن يؤدّوا ما يفضل عن دية صاحبهم. فإن نقص ثمنهم عن ديته ، لم يكن لهم على مواليهم سبيل. فإن طلبوا الدّية ، كانت على موالي العبيد بالحصص ، أو تسليم العبيد إليهم. وإن كان قتلهم له خطأ ، كان على مواليهم دية المقتول ، أو تسليم العبيد إلى أولياء المقتول ، يستعبدونهم ، وليس لهم قتلهم على حال.

وإذا قتل رجل رجلين أو أكثر منهما ، وأراد أولياء المقتولين

٧٤٦

القود ، فليس لهم إلّا نفسه ، ولا سبيل لهم على ماله ولا على ورثته ولا على عاقلته. وإن أرادوا الدّية ، كان لهم عليه عن كلّ مقتول دية كاملة على الوفاء. وإن كان قتله لهم خطأ ، كان على عاقلته دياتهم على الكمال.

فإن قتل رجل رجلا وامرأة ، أو رجالا ونساء ، أو امرأتين أو نساء ، كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء.

والمشتركون في القتل إذا رضي عنهم أولياء المقتول بالدّية ، لزم كلّ واحد منهم الكفّارة ، الّتي قدّمنا ذكرها ، على الانفراد ، رجلا كان أو امرأة ، إلا المملوك ، فإنّه لا يلزمه أكثر من صيام شهرين متتابعين ، وليس عليه عتق ولا إطعام.

وإذا أمر إنسان حرّا بقتل رجل ، فقتله المأمور ، وجب القود على القاتل دون الآمر ، وكان على الإمام حبسه ما دام حيّا.

فإن أمر عبده بقتل غيره ، فقتله ، كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء. وقد روي : أنّه يقتل السيّد ، ويستودع العبد السّجن. والمعتمد ما قلناه.

باب القود بين الرجال والنساء والعبيد والأحرار والمسلمين والكفار

إذا قتل رجل امرأة عمدا ، وأراد أولياؤها قتله ، كان لهم ذلك ، إذا ردّوا على أوليائه ما يفضل عن ديتها ، وهو نصف دية

٧٤٧

الرّجل خمسة آلاف درهم أو خمسمائة دينار أو خمسون من الإبل أو خمسمائة من الغنم أو مائة من البقر أو مائة من الحلل. فإن لم يردّوا ذلك ، لم يكن لهم القود على حال. فإن طلبوا الدّية ، كان لهم عليه دية المرأة على الكمال ، وهو أحد هذه الأشياء الّتي ذكرناها.

وإذا قتلت امرأة رجلا ، واختار أولياؤه القود ، فليس لهم إلّا نفسها يقتلونها بصاحبهم ، وليس لهم على أوليائها سبيل. وقد روي أنّهم يقتلونها ، ويؤدّي أولياؤها تمام دية الرّجل إليهم. والمعتمد ما قلناه. فإن طلب أولياء المقتول الدّية ، ورضيت هي بذلك ، كان عليها الدّية كاملة : دية الرّجل إن كانت قتلته عمدا أو شبيه العمد ، في مالها خاصّة ، وإن كانت خطأ ، فعلى عاقلتها الدّية على ما بيّنّاه.

فأمّا الجراح فإنّه يشترك فيها النّساء والرّجال : السّنّ بالسّنّ ، والإصبع بالإصبع ، والموضحة بالموضحة إلى أن تتجاوز المرأة ثلث دية الرّجل. فإذا جاوزت الثّلث ، سفلت المرأة وتضاعف الرّجل على ما نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.

وإذا قتل الذّمّي مسلما عمدا ، دفع برمّته هو وجميع ما يملكه إلى أولياء المقتول. فإن أرادوا قتله ، كان لهم ذلك. ويتولّى ذلك عنهم السّلطان. وإن أرادوا استرقاقه ، كان رقّا لهم. فإن أسلم بعد القتل ، فليس عليه إلّا القود أو المطالبة بالدّية كما يكون على المسلم سواء. فإن كان قتله له خطأ ، كانت الدّية عليه في ماله

٧٤٨

خاصّة ، إن كان له مال. فان لم يكن له مال ، كانت ديته على إمام المسلمين ، لأنّهم مماليك له ، ويؤدّون الجزية إليه كما يؤدّي العبد الضّريبة إلى سيّده ، وليس لهم عاقلة غير الإمام.

وإذا قتل المسلم ذمّيّا عمدا ، وجب عليه ديته ، ولا يجب عليه القود. الّا ان يكون معتادا لقتل أهل الذّمّة. فإن كان كذلك ، وطلب أولياء المقتول القود ، كان على الإمام أن يقيده به ، بعد أن يأخذ من أولياء الذّمّي ما يفضل من دية المسلم ، فيردّه على ورثته. فإن لم يردّوه ، أو لم يكن معتادا ، فلا يجوز قتله به على حال.

ودية الذّمّي ثمانمائة درهم جيادا أو قيمتها من العين ، ودية نسائهم على النّصف من دية رجالهم.

وإذا كان الإنسان متعوّدا لقتل أهل الذّمّة ، جاز للإمام أن يلزمه الدّية أربعة آلاف درهم كي يرتدع عن مثله في المستقبل.

وإذا خرج أهل الذّمّة عن ذمّتهم ، بتركهم شرائطها ، من ارتكابهم الفجور أو التظاهر بشرب الخمور وما يجري مجرى ذلك ممّا قد ذكرناه فيما تقدّم ، حلّ دمهم ، وبطلت ذمتهم ، غير أنّه لا يجوز لأحد أن يتولّى قتلهم إلّا الإمام أو من يأمره الإمام به.

وديات أعضاء أهل الذّمّة وأرش جراحاتهم على قدر دياتهم سواء ، لا يختلف الحكم فيه.

٧٤٩

ودية جنين أهل الذّمّة عشر دية آبائهم كما أنّ دية جنين المسلم كذلك على ما نبيّنه فيما بعد ، إن شاء الله. وإذا قتل أهل الذّمّة بعضهم بعضا ، أو تجارحوا ، أقيد بينهم ، واقتصّ لبعضهم من بعض كما يقتصّ للمماليك بعضهم من بعض.

وإذا قتل حرّ عبدا ، لم يكن عليه قود ، وكان عليه ديته ، وديته قيمة العبد يوم قتله ، الا أن يزيد على دية الحرّ المسلم. فإن زاد على ذلك ، ردّ إلى دية الحرّ. وإن نقص عنها ، لم يكن عليه أكثر من قيمته.

فإن اختلفوا في قيمة العبد يوم قتله ، كان على مولاه البيّنة بأنّ قيمته كان كذا يوم قتل. فإن لم يكن له بيّنة وجب على القاتل اليمين بأنّ قيمته كان كذا. فإن ردّ اليمين على المولى ، فحلف ، كان ذلك أيضا جائزا.

ودية الأمة قيمتها ، ولا يجاوز بقيمتها دية الحرائر من النّساء. فإن زاد ثمنها على دية الحرّة. ردّت إلى دية الحرّة. وإن كانت أقلّ من ذلك ، لم يكن على قاتلها أكثر من القيمة. وإن كان قتلها خطأ ، كانت الدّية على عاقلته على ما بيّنّاه.

فإن قتل عبد حرّا عمدا ، كان عليه القتل إن أراد أولياء المقتول ذلك. فإن لم يطلبوا القود ، وطلبوا الدّية ، كان على مولاه الدّية كاملة ، أو يسلّم العبد إليهم : فإن شاؤوا استرقّوه ، وإن شاؤوا قتلوه. فإن أرادوا قتله ، تولّى ذلك عنهم السّلطان أو

٧٥٠

يأذن لهم فيه. وإن كان قتله خطأ ، كان على مولاه أن يؤدّي عنه الدّية ، أو يسلّمه إليهم ، يكون رقّا لهم ، وليس لهم قتله على حال. وللسّلطان أن يعاقب من يقتل العبيد بما ينزجر عن مثله في المستقبل.

وإذا قتل العبيد بعضهم بعضا ، أو تجارحوا ، أقيد بينهم. واقتصّ لبعضهم من بعض ، إلّا أن يتراضى مواليهم بدون ذلك من الدّية والأرش.

وإذا قتل مدبّر حرّا ، كانت الدّية على مولاه الّذي دبّره إن شاء ، أو يسلّمه برمّته إلى أولياء المقتول. فإن شاؤوا ، قتلوه ، إن كان قتل صاحبهم عمدا ، وإن شاؤوا ، استرقّوه. وان كان قتله خطأ ، استرقّوه وليس لهم قتله. فإذا مات الّذي كان دبّره ، استسعي في دية المقتول ، وصار حرّا.

ومتى قتل مكاتب حرّا ، فإن كان لم يؤدّ من مكاتبته شيئا ، أو كان مشروطا عليه ، وإن أدّى من مكاتبته شيئا ، فحكمه حكم المماليك سواء. وإن كان غير مشروط عليه ، وقد أدّى من مكاتبته شيئا ، كان على مولاه من الدّية بقدر ما بقي من كونه رقّا ، وعلى إمام المسلمين من بيت المال بقدر ما تحرّر منه.

ومتى قتل حرّ مكاتبا ، وكان قد أدّى من مكاتبته شيئا ، كان عليه بمقدار ما قد تحرّر منه من دية الحرّ ، وبمقدار ما قد بقي منه من قيمة المماليك وليس عليه أكثر من ذلك.

٧٥١

وديات الجوارح والأعضاء وأروش جراحاتهم على قدر أثمانهم ، كما أنّها كذلك في الأحرار.

ويلزم قاتل العبد إذا كان مسلما من الكفّارة ، ما يلزمه من قتل حرّ سواء : من عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين ، وإطعام ستّين مسكينا ، إذا كان قتله عمدا. وإن كان خطأ ، كان عليه الكفّارة على التّرتيب الّذي رتبناه في الحرّ سواء.

ومن قتل عبده متعمّدا ، كان على الإمام أن يعاقبه عقوبة تردعه عن مواقعة مثله في المستقبل ، ويغرمه قيمة العبد ، فيتصدّق بها على الفقراء ، وكان عليه بعد ذلك كفّارة قتل العمد. وإن كان قتله خطأ ، لم يكن عليه إلّا الكفّارة حسب ما قدّمناه.

ومتى جرح إنسان عبدا ، أو قطع شيئا من أعضائه ممّا يجب فيه قيمته على الكمال ، وجب عليه القيمة ، ويأخذ العبد يكون رقّا له.

ومتى قتل عبد حرّين أو أكثر منهما ، أو جرحهما جراحة تحيط بثمنه واحدا بعد الآخر ، كان العبد لأولياء الأخير ، لأنه إذا قتل واحدا ، فصار لأوليائه ، فإذا قتل الثّاني ، انتقل منهم إلى أولياء الثّاني ، ثمَّ هكذا بالغا ما بلغ. ومتى قتلهم بضربة واحدة أو جناية واحدة ، كان بين أوليائهم بالسّويّة ، وليس على مولاه أكثر منه.

ومتى جرح عبد حرّا فإن شاء الحرّ أن يقتصّ منه ، كان له

٧٥٢

ذلك. وإن شاء ، أخذه ، إن كانت الجراحة تحيط برقبته. وإن كانت لا تحبط برقبته ، افتداه مولاه. فإن أبى مولاه ذلك ، كان للحرّ المجروح من العبد بقدر أرش جراحته ، والباقي لمولاه ، يباع العبد. فيأخذ المجروح حقّه ويردّ الباقي على المولى.

وإذا قتل عبد مولاه ، قتل به على كلّ حال. وإذا كان لإنسان مملوكان قتل أحدهما صاحبه ، كان بالخيار : بين أن يقيده به ، أو يعفو عنه. ولا قصاص بين المكاتب الّذي أدّى من مكاتبته شيئا وبين العبد ، كما لا قصاص بين الحرّ والعبد ، ويحكم فيهما بالدّية والأرش حسب ما يقتضيه حساب المكاتب على ما بيّنّاه. وإذا قتل عبد حرّا خطأ ، فأعتقه مولاه ، جاز عتقه ، ولزمه دية المقتول لأنّه عاقلته على ما بيّنّاه.

باب من لا يعرف قاتله ومن لا دية له إذا قتل والقاتل في الحرم والشهر الحرام

من مات في زحام يوم الجمعة ، أو يوم عرفة ، أو على جسر وما أشبه ذلك من المواضع الّتي يتزاحم النّاس فيها ، ولا يعرف قاتله ، كانت ديته على بيت المال ، إن كان له وليّ يطلب ديته. فإن لم يكن له وليّ ، فلا دية له.

وإذا وجد قتيل في باب دار قوم أو في قرية أو في قبيلة ولا يدرى من قتله ، كانت ديته على أهل تلك الدّار أو القبيلة أو القرية

٧٥٣

الّتي وجد المقتول فيها. هذا إذا كانوا متّهمين بقتله ، أو امتنعوا من القسامة على ما بيّنّاه. فإن لم يكونوا متّهمين بذلك ، أو أجابوا إلى القسامة لم يكن عليهم شي‌ء ، وكانت ديته على بيت المال.

فإن وجد القتيل بين قريتين ، كانت ديته على أهل أقرب القريتين إليه. فإن كانت القريتان متساويتين إليه في المسافة ، كانت ديته على أهل القريتين.

وإذا وجد قتيل في مواضع متفرّقة مقطّعا ، كانت ديته على أهل الموضع الّذي وجد فيه قلبه وصدره ، وليس على الباقين شي‌ء. إلّا أن يتّهم قوم آخرون. فيكون حينئذ الحكم فيهم إمّا إقامة البيّنة أو القسامة على الشّرح الّذي قدّمناه.

وإذا دخل صبيّ دار قوم ، فوقع في بئرهم ، فإن كانوا متّهمين بعداوة بينهم وبين أهله ، كانت عليهم ديته إن كان دخل عليهم بإذنهم. وإن كانوا مأمونين ، أو دخل عليهم من غير إذنهم ، لم يكن عليهم شي‌ء.

وإذا وقعت فزعة باللّيل ، فوجد فيها قتيل أو جريح ، لم يكن فيه قصاص ولا أرش ، وكانت ديته على بيت المال.

وإذا وجد قتيل في أرض فلاة ، كانت ديته على بيت المال. وإذا وجد قتيل في معسكر ، أو في سوق من الأسواق ، ولم يعرف له قاتل ، كانت ديته على بيت المال.

٧٥٤

ومن طلب إنسانا على نفسه أو ماله ، فدفعه عن نفسه ، فأدّى ذلك الى قتله ، فلا دية له ، وكان دمه هدرا.

ومن أراد امرأة أو غلاما على فجور ، فدفعاه عن أنفسهما ، فقتلاه ، كان دمه هدرا. ومن اطّلع على قوم في دارهم ، أو دخل عليهم من غير إذنهم ، فزجروه فلم ينزجر ، فرموه ، فقتلوه ، أو فقؤوا عينه ، لم يكن عليهم شي‌ء.

ومن قتله القصاص أو الحدّ ، فلا قود له ولا دية.

ومن أخطأ عليه الحاكم بشي‌ء من الأشياء ، فقتله أو جرحه ، كان ذلك على بيت المال.

وقضى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام في صبيان يلعبون بأخطار لهم ، فرمى أحدهم بخطره ، فدقّ رباعية صاحبه ، فرفع إليه ، فأقام الرّامي البيّنة بأنّه قال : « حذار ». فقال ، عليه‌السلام : ليس عليه قصاص ، وقد أعذر من حذّر.

ومن اعتدى على غيره ، فاعتدي عليه ، فقتل ، لم يكن له قود ولا دية.

وروى عبد الله بن طلحة عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : سألته عن رجل سارق ، دخل على امرأة ليسرق متاعها ، فلمّا جمع الثّياب ، تابعته نفسه ، فكابرها على نفسها ، فواقعها فتحرّك ابنها ، فقام فقتله بفأس كان معه ، فلما فرغ ، حمل الثّياب ، وذهب ليخرج ، حملت عليه بالفأس فقتلته ، فجاء أهله يطلبون بدمه من الغد. فقال أبو عبد الله عليه‌السلام : اقض

٧٥٥

على هذا كما وصفت لك. فقال : يضمن مواليه الذين طلبوا بدمه دم الغلام ، ويضمّن السّارق فيما ترك أربعة آلاف درهم لمكابرتها على فرجها ، إنّه زان ، وهو في ماله غرامة ، وليس عليها في قتلها إيّاه شي‌ء ، لأنّه سارق.

وعنه قال : قلت : رجل تزوّج بامرأة ، فلمّا كان ليلة البناء ، عمدت المرأة إلى صديق لها ، فأدخلته الحجلة. فلمّا دخل الرّجل يباضع أهله ، ثار الصّديق ، واقتتلا في البيت ، فقتل الزّوج الصّديق ، وقامت المرأة فضربت الزّوج ضربة فقتلته بالصّديق. فقال : تضمّن المرأة دية الصّديق ، وتقتل بالزّوج.

ومن قتل غيره في الحرم ، أو في أحد أشهر الحرم : رجب وذي القعدة وذي الحجّة والمحرّم ، وأخذت منه الدّية ، كان عليه دية وثلث : دية للقتل وثلث الدّية لانتهاكه حرمة الحرم وأشهر الحرم. فإن طلب منه القود ، قتل بالمقتول. فإن كان إنما قتل في غير الحرم ، ثمَّ التجأ إليه ، ضيّق عليه في المطعم والمشرب ، ومنع من مخالطته ومبايعته الى أن يخرج ، فيقام عليه الحدّ. وكذلك الحكم في مشاهد الأئمة عليهم‌السلام.

باب ضمان النفوس وغيرها

من دعا غيره ليلا ، وأخرجه من منزله ، فهو له ضامن الى أن يردّه إلى منزله أو يرجع هو بنفسه إليه. فإن لم يرجع الى المنزل ، ولا يعرف له خبر ، كان ضامنا لديته. فإن وجد قتيلا ، كان على

٧٥٦

الّذي أخرجه القود ، أو يقيم البيّنة بأنّه برئ من دمه. فإن لم يقم بيّنة ، وادّعى أنّ غيره قتله ، طولب بإقامة البيّنة على القاتل أو إحضاره ، ليحكم بما تقتضيه شريعة الإسلام. فإن تعذّر عليه ذلك ، كان عليه القود ، أو الدّية يسلّمها إلى أوليائه ، إذا رضوا بها عنه.

وقد روي أنه إذا ادّعى أنه برئ من قتله ، ولم تقم عليه بيّنة بالقتل ، كان عليه الدّية ، دون القود. وهذا هو المعتمد.

ومتى أخرجه من البيت ، ثمَّ وجد ميّتا ، وادّعى أنّه مات حتف أنفه ، كان عليه الدّية أو البيّنة على ما ادّعاه.

وإذا استأجر إنسان ظئرا ، فأعطاها ولده ، فغابت بالولد سنين ، ثمَّ جاءت بالولد ، فزعمت أمّه أنّها لا تعرفه ، وزعم أهلها أنّهم لا يعرفونه ، فليس لهم ذلك ، فليقبلوه ، فإنّما الظّئر مأمونة. اللهم إلّا أن يتحقّقوا العلم بذلك ، وأنّه ليس بولد لهم ، فلا يلزمهم حينئذ الإقرار به ، وكان على الظّئر الدّية أو إحضار الولد بعينه ، أو من يشتبه الأمر فيه.

وإذا استأجرت الظّئر ظئرا أخرى من غير إذن صاحب الولد فغابت به ، ولا يعرف له خبر ، كان عليها الدّية.

ومتى انقلبت الظّئر على الصّبيّ في منامها ، فقتلته ، فإن كانت إنّما طلبت المظاءرة للفخر والعزّ ، كان عليها الدّية في

٧٥٧

مالها خاصّة ، وإن كانت إنما فعلت للحاجة ، كانت الدّية على عاقلتها.

ومن نام ، فانقلب على غيره ، فقتله ، فإن ذلك شبيه العمد ، تلزمه الدّية في ماله خاصة ، وليس عليه قود.

ومن قتل غيره متعمّدا ، فدفعه الوالي إلى أولياء المقتول ليقيدوه بصاحبهم ، فخلّصه إنسان ، كان عليه ردّه. فإن لم يردّه كان عليه الدّية.

وإذا أعنف الرّجل على امرأته ، أو المرأة على زوجها ، فقتل أحدهما صاحبه ، فإن كانا متّهمين ، ألزما الدّية ، وإن كانا مأمونين ، لم يكن عليهما شي‌ء.

وإذا وقع إنسان من علوّ على غيره ، فمات الأسفل أو الأعلى ، أو ماتا جميعا ، لم يكن على واحد منهما شي‌ء. فإن كان الّذي وقع ، دفعه دافع أو أفزعه ، كانت دية الأسفل على الّذي وقع عليه ، ويرجع هو بها على الّذي دفعه. وإن كان أصابه شي‌ء رجع عليه أيضا به.

ومن كان راكبا ، فنفّر إنسان دابّته ، فرمت به ، أو نفرت الدّابّة ، فجنت على غيره ، كانت جناية ما يصيبه أو يصيب غيره على الّذي نفّر بها.

ومن غشيته دابّة ، وخاف أن تطأه ، فزجرها عن نفسه ، فجنت على الرّاكب أو على غيره ، لم يكن عليه شي‌ء.

٧٥٨

ومن ركب دابّة ، وساقها ، فوطئت إنسانا ، أو كسرت شيئا ، كان ما تصيبه بيديها ضامنا له ، ولم يكن عليه لما وطئته برجلها شي‌ء. فإن ضربها ، فرمحت ، فأصابت شيئا ، كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها. وكذلك إذا وقف عليها ، كان عليه ضمان ما تصيبه بيديها ورجليها.

وإن كان يسوق دابة ، فوطئت شيئا بيديها أو رجليها ، كان ضامنا له. وإن كان يقودها ، فوطئت شيئا بيديها ، كان ضامنا له. وليس عليه ضمان ما تصيب برجلها ، إلّا أن يضربها. فإن ضربها ، فرمحت برجلها ، فأصابت شيئا ، كان ضامنا له.

ومن آجر دابّته إنسانا ، فركبها وساقها ، فوطئت شيئا ، كان ضمان ما تطأه على صاحب الدّابّة دون الرّاكب. فإن لم يكن صاحب الدّابّة معها ، وكان الرّاكب يراعيها ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكان على الرّاكب. فإن رمت الدّابّة بالرّاكب ، لم يكن على الذي آجرها شي‌ء ، سواء كان معها أو لم يكن ، إلّا أن يكون نفر بها. فإن نفّر بها ، كان ضامنا لما يكون منها من الجنايات.

وحكم الدّابّة في جميع ما قلناه ، حكم سائر ما يركب من البغال والحمير والجمال على حدّ ، لا يختلف الحكم فيه.

ومن حمل على رأسه متاعا بأجرة ، فكسره ، أو أصاب إنسانا به ، كان عليه ضمانه أجمع ، اللهمّ إلّا أن يكون إنسان آخر دفعه ، فيكون حينئذ ضمان ذلك عليه.

ومن قتل مجنونا عمدا ، فإن كان المجنون أراده ، فدفعه

٧٥٩

عن نفسه ، فأدّى ذلك الى قتله ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكان دمه هدرا. وإن لم يكن المجنون أراده ، وقتله عمدا ، كان عليه ديته ، ولم يكن عليه قود. وإن كان قتله خطأ ، كانت الدّية على عاقلته.

وإذا قتل مجنون غيره ، كان عمده وخطأه واحدا. فإنّه تجب فيه الدّية على عاقلته. فإن لم تكن له عاقلة ، كانت الدّية على بيت المال. اللهمّ إلّا أن يكون المجنون قتل من أراده ، فيكون حينئذ دم المقتول هدرا.

ومن قتل غيره وهو صحيح العقل ، ثمَّ اختلط ، فصار مجنونا ، قتل بمن قتله ، ولا تكون فيه الدّية.

ومن قتل غيره وهو أعمى ، فإنّ عمدة وخطأه سواء ، فإن فيه الدّية على عاقلته.

ومن ضرب غيره ضربة سالت منها عيناه فقام المضروب ، فضرب ضاربه وقتله ، فإنّ الحكم فيه أن يجعل دية المقتول على عاقلة الّذي قتله ، وليس عليه قود ، لأنّه ضربه حين ضربه وهو أعمى ، وعمد الأعمى وخطأه سواء. فإن لم تكن له عاقلة ، كانت الدّية في ماله خاصّة يوفّيها في ثلاث سنين ، ويرجع هو بدية عينيه على ورثة الّذي ضربه ، فيأخذها من تركته.

ومن قتل صبيّا متعمّدا ، قتل به. فإن قتله خطأ ، كانت الدّية على عاقلته.

وإذا قتل الصّبيّ رجلا متعمّدا ، كان عمده ، وخطأه واحدا.

٧٦٠