النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

صاحبه حيّا ، وجب أن يذكّيه. فإن لم يكن معه ما يذكّيه ، فليتركه حتّى يقتله ، ثمَّ ليأكل إن شاء.

وإذا انفلت كلب ، فصاد من غير أن يرسله صاحبه ، وسمّى لم يجز أكل ما يقتله. ومن نسي التّسمية عند إرسال الكلب ، وكان معتقدا لوجوب ذلك عليه ، جاز أكل ما يقتله. ولا يجوز أن يسمّي غير الذي يرسل الكلب. فإن أرسل واحد الكلب ، وسمّى غيره ، لم يجز أكل ما يقتله. وصيد الكلب إذا غاب عن العين ، ثمَّ وجد مقتولا ، لا يجوز أكله.

وإذا رمى إنسان سهما ، وسمّى عند الرّمي ، فأصاب وقتل ، جاز أكله. وإن ظنّ أنّ غير السّهم قتله ، لم يجز له أكله. وإن أصاب الصّيد سهم فتدهده من جبل ، أو وقع في الماء ، ثمَّ مات ، لم يجز أكله. لأنّه لا يأمن أن يكون قد مات في الماء ، أو من وقوعه من الجبل. وإذا طعن الصّيد برمح أو ضربه بسيف ، فقتله ، ويكون قد سمّى ، جاز له أكله.

فإن قدّه بنصفين ، ولم يتحرّك واحد منهما ، جاز له أكلهما ، إذا خرج منه الدّم. وإن تحرّك أحد النّصفين ، ولم يتحرّك الآخر ، أكل الذي تحرّك ، ورمي بما لم يتحرّك. وإن قطع منه قطعة بسيف ، أو أخذت الحبالة منه ذلك ، فليرم بالقطعة ، وليذكّ الباقي ، ويأكله.

وإذا أخذ الصّيد جماعة ، فتناهبوه ، وتوزّعوه قطعة قطعة ،

٥٨١

جاز أكله. ومتى رمى الإنسان صيدا بعينه ، وسمّى ، فأصاب غير ما رماه ، فقتله ، جاز اكله. وإذا وجد لحما لا يعلم : أذكيّ هو أم ميّت ، فليطرحه على النّار : فإن انقبض ، فهو ذكيّ ، وإن انبسط ، فليس بذكيّ.

وصيد الجراد أخذه ، ولا يراعى فيه التّسمية ، وإن سمّي كان أفضل. ولا يؤكل من الجراد ما مات في الماء ، أو الصّحراء قبل أن يؤخذ. ولا يؤكل منه الدّبا ، وهو الذي لا يستقلّ بالطّيران وإذا كان الجراد في أجمة أو قراح ، فأحرق الموضع ، فاحترق الجراد ، لم يجز أكله.

باب الذبح وكيفيته ووجوب التسمية

الذّباحة لا يجوز أن يتولّاها غير المسلمين. فمتى تولّاها كافر من أي أجناس الكفّار كان يهوديّا أو نصرانيّا أو مجوسيّا أو عابد وثن ، سمّي على ذبيحته أو لم يسمّ ، فلا يجوز أكل ذبيحته. ومن المسلمين لا يتولّاها إلّا أهل الحقّ. فإن تولّاها غير أهل الحقّ ، ويكون ممّن لا يعرف بعداوة لآل محمّد ، عليهم‌السلام ، لم يكن بأس بأكل ذبيحته. وإن كان ممّن ينصب لهم العداوة والشّنآن ، لم يجز أكل ذبيحته إلّا في حال التّقيّة. وكلّ ما يباع في أسواق المسلمين جاز شراؤه. وليس على من يبتاعه التّفتيش عنه. ولا بأس أن يتولّى الذّبيحة المرأة أو الغلام ، وإن لم يكن قد بلغ ،

٥٨٢

إذا قوي على ذلك ، وكان يحسن الذّباحة ، وكذلك المرأة. فإن لم يحسنا الذّباحة ، لم يجز أكل ما ذبحاه.

والتّسمية واجبة في حال الذّباحة. فمن تركها متعمّدا ، لم يجز أكل ذبيحته. وإن تركها ناسيا ، لم يكن به بأس.

وينبغي أن توجّه الذّبيحة إلى القبلة. فمن لم يستقبل بها القبلة متعمّدا لم يجز أكل ذبيحته. فإن فعل ذلك ناسيا ، لم يكن به بأس.

ولا يجوز الذّباحة إلّا بالحديد. فإن لم توجد حديدة ، وخيف فوت الذّبيحة ، أو اضطرّ الى ذباحتها ، جاز له أن يذبح بما يفري الأوداج من ليطة أو قصبة أو زجاجة أو حجارة حادّة الأطراف.

وذكاة ما يذبح أجمع لا يكون إلّا في الحلق. فإن ذبح في غير الحلق ، كان حراما. اللهمّ إلّا أن يكون في حال لا يتمكّن فيه من ذباحته في الحلق ، بأن يكون وقع في بئر لا يقدر على موضع ذكاته ، أو يكون ثور يستعصي فلا يقدر عليه ، جاز أن يذبح في غير الحلق ، ويؤخذ الثّور بالسّيوف والحراب ، وكان ذكيّا.

وحكم ما ينحر من الإبل في أنه متى ذبح لا يجوز أكله ، حكم ما ينبغي أن يذبح إذا نحر على السّواء ، ولا يحلّ أكله على حال. وكلّ ما ذبح ، وكان ينبغي أن ينحر ، أو نحر وكان ينبغي أن يذبح في حال الضّرورة ، ثمَّ أدرك ذكاته ، وجب تذكيته بما يجوز ذلك فيه. فإن لم يفعل ، لم يجز أكله.

٥٨٣

ومن السّنّة إلا ينخع الذّبيحة إلّا بعد أن تبرد ، وهو ألّا يبين الرّأس من الجسد ويقطع النّخاع. فإن سبقته السّكّين ، وأبان الرّأس ، جاز أكله ، إذا خرج منه الدّم. فإن لم يخرج الدّم ، لم يجز أكله. ومتى تعمّد ذلك ، لم يجز أكله. ولا يجوز أن يقلب السّكّين فيذبح الى فوق. بل ينبغي أن يبتدي من فوق الى أن يقطع الحلقوم.

وإذا أراد ذبح شي‌ء من الغنم ، فليعقل يديه وفرد رجله ، ويطلق فرد رجله ، ويمسك على صوفه أو شعره الى أن يبرد. ولا يمسك على شي‌ء من أعضائه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من البقر فليعقل يديه ورجليه ، ويطلق ذنبه. وإذا أراد نحر شي‌ء من الإبل ، شدّ أخفافه إلى آباطه ، ويطلق رجليه. وإذا أراد ذبح شي‌ء من الطّير ، فليذبحه ، وليرسله ، ولا يمسكه ، ولا يعقله. فإن انفلت منه الطّير ، جاز أن يرميه بالسّهم بمنزلة الصّيد. فإذا لحقه ، ذكّاه.

ولا يجوز ذبح شي‌ء من الحيوان صبرا ، وهو أن يذبح شيئا وينظر اليه حيوان آخر. ولا يجوز سلخ الذّبيحة إلّا بعد بردها. فإن سلخت قبل أن تبرد ، أو سلخ شي‌ء منها ، لم يحلّ أكله.

وإذا ذبحت الذّبيحة ، فلم يخرج الدّم ، أو لم يتحرّك شي‌ء من أعضائه : يده أو رجله أو غير ذلك ، جاز أكله.

وإذا ذبح شاة أو غيرها ، ثمَّ وجد في بطنها جنين ، فإن كان قد أشعر أو أوبر ، ولم تلجه الرّوح ، فذكاته ذكاة أمّه ، وإن لم

٥٨٤

يكن تامّا ، لم يجز أكله على حال ، وإن كان فيه روح ، وجبت تذكيته ، وإلّا فلا يجوز أكله.

ويكره الذّباحة بالليل إلّا عند الضّرورة والخوف من فوتها ، وكذلك يكره الذّباحة بالنّهار يوم الجمعة قبل الصّلاة.

باب ما يحل من الميتة ويحرم من الذبيحة وحكم البيض والجلود

يحرم من الإبل والبقر والغنم وغيرها ممّا يحلّ أكله ، وإن كانت مذكّاة : الدّم والفرث والطّحال والمرارة والمشيمة والفرج ظاهره وباطنه والقضيب والأنثيان والنّخاع والعلباء والغدد وذات الأشاجع والحدق والخرزة تكون في الدّماغ. وتكره الكليتان ، وليستا بمحظورتين. ويحلّ من الميّتة : الصّوف والشّعر والوبر والرّيش إذا جزّ. ولا يحلّ شي‌ء منه إذا قلع منها. ويحلّ أيضا العظم والنّاب والسّنّ والظلف والقرن والإنفحة واللّبن والبيض إذا كان قد اكتسى الجلد الفوقانيّ. فإذا لم يكتس ذلك الجلد ، فلا يجوز أكله. وإذا جعل الطّحال في سفّود مع اللّحم ، ثمَّ جعل في التّنّور ، فإن كان مثقوبا ، وكان فوق اللّحم ، لم يؤكل اللّحم ولا ما كان تحته ، وإن كان تحته ، أكل اللّحم ، ولم يؤكل ما تحته ، وإن لم يكن مثقوبا ، جاز أكل جميع ما يكون تحته.

٥٨٥

وإذا اختلط اللّحم الذّكيّ بالميتة ، ولم يكن هناك طريق الى تمييزه منها ، لم يحلّ أكل شي‌ء منه ، وبيع على مستحلّي الميتة ، ولا يجوز أن يأكل الميتة ، إلّا إذا خاف تلف النّفس. فإذا خاف ذلك ، أكل منها ما أمسك رمقه ، ولا يتملّأ منه. والباغي الذي يبغي الصيد بطرا ولهوا ، والعادي الذي يخرج لقطع الطّريق ، لم يحلّ لهما أكل الميتة ، وإن اضطرّا اليه.

ويؤكل من البيض ما كان بيض ما يؤكل لحمه على كلّ حال. وإذا وجد بيض ، ولم يعلم أهو بيض ما يؤكل لحمه ، أم بيض ما لا يؤكل لحمه ، اعتبر : فما اختلف طرفاه ، أكل ، وما استوى طرفاه ، اجتنب.

والجلود على ضربين : فضرب منها جلد ما يؤكل لحمه. فمتى ذكّي جاز استعمال جلده ولبسه والصّلاة فيه ، إذا كان خاليا من دم أو نجاسة ، قبل الدّباغ وبعده وعلى كلّ حال. وما لم يذكّ ومات ، لم يجز استعمال جلده في شي‌ء من الأشياء ، لا قبل الدّباغ ولا بعده.

وما لا يؤكل لحمه فعلى ضربين : ضرب منه لا يجوز استعماله لا قبل الذّكاة ولا بعدها دبغ أو لم يدبغ ، وهو جلد الكلب والخنزير.

والضّرب الآخر يجوز استعماله إذا ذكّي ودبغ ، غير أنّه لا يجوز الصّلاة فيه ، وهي جلود السّباع كلّها مثل النّمر

٥٨٦

والذّئب والفهد والسّبع والسّمور والسّنجاب والأرنب وما أشبه ذلك من السّباع والبهائم. وقد رويت رخصة في جواز الصّلاة في السّمور والسّنجاب والفنك. والأصل ما قدّمناه. ولا يجوز استعمال شي‌ء من هذه الجلود ما لم يذكّ. فإن استعمله إنسان قبل الذّكاة ، نجست يده ، ووجب عليه غسلها عند حضور الصّلاة. وكذلك شعر الخنزير لا يجوز له أن يستعمله مع الاختيار. فإن اضطرّ الى استعماله ، فليستعمل منه ما لم يكن بقي فيه دسم ، ويغسل يده عند حضور الصّلاة ، ويجوز أن يعمل من جلود الميتة دلو يستقى به الماء لغير وضوء الصّلاة والشرب. وتجنّبه أفضل.

وإذا قطع شي‌ء من أليات الغنم ، وهنّ أحياء ، لم يجز أكله ، ولا الاستصباح به ، لأنّه ميتة.

ويكره للإنسان أن يربّي شيئا من النّعم ، ثمَّ يذبحه بيده. بل إذا أراد ذبح شي‌ء من ذلك ، فليشتره في الحال ، وليس ذلك بمحظور.

٥٨٧

كتاب الأطعمة والأشربة

باب الأطعمة المحظورة والمباحة

كلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الخمر أو النّبيذ المسكر أو الفقّاع قليلا كان ما حصل فيه أو كثيرا ، فإنّه ينجس ذلك الطّعام ، ولا يجوز استعماله على حاله. وإذا كانت القدر تغلي على النّار ، فوقع فيها شي‌ء من الخمر ، أهريق ما فيها من المرق ، وغسل اللّحم ، وأكل بعد ذلك. فإن حصل فيها شي‌ء من الدّم ، وكان قليلا ، ثمَّ غلى ، جاز أكل ما فيها ، لأنّ النّار تحيل الدّم. وإن كان كثيرا ، لم يجز أكل ما وقع فيه.

وكلّ طعام حصل فيه شي‌ء من الميتات ممّا له نفس سائلة ، فإنّه ينجس بحصوله فيه ، ولا يحلّ استعماله. فإن كان ما حصل فيه الميتة جامدا ، مثل السّمن والعسل ، ألقي منه ما حوله ، واستعمل الباقي. وإن كان ما حصل فيه الميتة مائعا ، لم يجز استعماله ، ووجب إهراقه. فإن كان دهنا مثل البزر والشّيرج ، جاز الاستصباح به تحت السّماء. ولا يجوز الاستصباح به تحت الظّلال ، ولا الادّهان به.

وكلّ ما ليس له نفس سائلة مثل الجراد والنّمل والزّنبور

٥٨٨

والخنافس وبنات وردان ، إذا مات في شي‌ء من الطّعام والشّراب ، جامدا كان أو مائعا ، فإنّه لا ينجس بحصوله فيه.

ولا يجوز مؤاكلة الكفّار على اختلاف مللهم ولا استعمال أوانيهم إلّا بعد غسلها بالماء. وكلّ طعام تولّاه بعض الكفّار بأيديهم ، وباشروه بنفوسهم ، لم يجز أكله ، لأنّهم أنجاس ينجس الطّعام بمباشرتهم إيّاه. وقد رخّص في جواز استعمال الحبوب وما أشبهها ممّا لا يقبل النّجاسة ، وإن باشروه بأيديهم.

ولا يجوز استعمال أواني الشراب المسكر إلّا بعد أن يغسل بالماء ثلاث مرّات ويجفّف. وإذا حصلت ميتة لها نفس سائلة في قدر ، أهريق ما فيها ، وغسل اللّحم ، وأكل بعد ذلك.

ولا بأس بأكل ما باشره الجنب والحائض من الخبز والطّبيخ وأشباه ذلك من الإدام إذا كانا مأمونين. ويكره أكله ، إذا عالجه من لا يتحفّظ ، ولا يؤمن عليه إفساد الطّعام بالنّجاسات.

ولا يجوز الأكل والشّرب في أواني الذّهب والفضّة. فإن كان هناك قدح مفضّض ، يجتنب موضع الفضّة منه عند الشّرب. ولا بأس بما عدا الذّهب والفضّة من الأواني من صفر كان أو من نحاس أو أيّ شي‌ء كان.

ولا بأس بطعام أو شراب أكل منه سنّور. ويكره أكل ما أكل منه الفأر وليس بمحظور.

ويكره أن يدعو الإنسان أحدا من الكفّار الى طعامه ، فيأكل

٥٨٩

معه. فإن دعاه فليأمره بغسل يديه ، ثمَّ يأكل معه إن شاء.

ولا يجوز أكل شي‌ء من الطّين على اختلاف أجناسه إلا طين قبر الحسين بن عليّ عليهما‌السلام ، فإنّه يجوز أن يؤكل منه اليسير للاستشفاء به. ولا يجوز الإكثار منه على حال.

ولا بأس أن يأكل من بيت من ذكره الله تعالى ، في قوله : ( لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا ) الآية ، بغير إذنه. ولا يجوز أن يحمل منه شي‌ء ، ولا إفساده.

ولا بأس بأكل الثّوم والبصل مطبوخا ونيّا غير أنّ من يأكلهما يكره له دخول المسجد ، لئلّا يتأذّى النّاس برائحته.

وإذا نجس الماء بحصول شي‌ء من النّجاسات فيه ، ثمَّ عجن به ، وخبز منه ، لم يجز أكل ذلك الخبز. وقد رويت رخصة في جواز أكله ، وذكر أن النّار طهّرته. والأحوط ما قدّمناه.

وإذا وجد الإنسان طعاما ، فليقوّمه على نفسه ، ثمَّ يأكل منه. فإذا جاء صاحبه ، ردّ عليه ثمنه.

ولا بأس بألبان الأتن والإبل حليبا ويابسا وعلى كلّ حال. ولا بأس بأن يستشفى بأبوال الإبل.

باب الأشربة المحظورة والمباحة

كلّ ما أسكر كثيره ، فالقليل منه حرام ، لا يجوز استعماله بالشّرب والتصرّف فيه بالبيع والهبة. وينجس ما يحصل فيه

٥٩٠

خمرا كان أو نبيذا أو بتعا أو نقيعا أو مزرا أو غير ذلك من أجناس المسكرات. وحكم الفقّاع حكم الخمر على السّواء في أنّه حرام شربه وبيعه والتصرّف فيه.

والعصير لا بأس بشربه وبيعه ما لم يغل. وحدّ الغليان الذي يحرّم ذلك ، هو أن يصير أسفله أعلاه. فإذا غلى ، حرم شربه وبيعه الى أن يعود الى كونه خلّا. وإذا غلى العصير على النّار ، لم يجز شربه الى أن يذهب ثلثاه ، ويبقى ثلثه. وحدّ ذلك هو أن يراه صار حلوا ، أو يخضب الإناء ويعلق به ، أو يذهب من كلّ درهم ثلاثة دوانيق ونصف ، وهو على النّار ، ثمَّ ينزل به ، ويترك حتى يبرد. فإذا برد ، فقد ذهب ثلثاه ، وبقي ثلثه. ولا يجوز أن يؤتمن على طبخ العصير من يستحلّ شربه على أقلّ من الثّلث ، وإن ذكر أنّه على الثّلث. ويقبل قول من لا يشربه إلّا على الثّلث ، إذا ذكر أنّه كذلك ، وإن كان على أقلّه ، ويكون ذلك في رقبته. ويكره الاستسلاف في العصير ، فإنّه لا يؤمن أن يطلبه صاحبه ، ويكون قد تغيّر الى حال الخمر ، بل ينبغي أن يبيعه يدا بيد. وإن كان لو فعل ذلك ، لم يكن محظورا.

ولا بأس أن يبيع العنب والتّمر ممّن يعلم أنّه يجعله خمرا أو نبيذا ، لأنّ الإثم على من يجعله كذلك ، وليس على البائع شي‌ء ، غير أنّ الأفضل أن يعدل عنه الى غيره.

وإذا خاف الإنسان على نفسه من العطش ، جاز أن يتناول شيئا

٥٩١

من الخمر بقدر ما يمسك رمقه. ولا يجوز أن يتداوى بشي‌ء من الأدوية ، وفيها شي‌ء من المسكر ، وله عنه مندوحة. فإن اضطرّ الى ذلك ، جاز ان يتداوى به للعين. ولا يجوز له أن يشربه على حال.

ولا بأس بشرب النّبيذ غير المسكر ، وهو أن ينقع التّمر أو الزّبيب ثمَّ يشربه وهو حلو قبل أن يتغيّر.

ويكره أن يسقى شي‌ء من الدّوابّ والبهائم الخمر أو المسكر.

ويكره الاستشفاء بالمياه الحارّة التي تكون في الجبال.

ومن شرب الخمر ثمَّ بصق على ثوب ، فإن علم : أنّ معه شيئا من الخمر ، لم يجز الصّلاة فيه ، وإن لم يعلم ذلك ، جازت الصّلاة فيه.

وأواني الخمر ما كان من الخشب أو القرع وما أشبههما ، لم يجز استعمالها في شي‌ء من المائعات حسب ما قدّمناه. وما كان من صفر أو زجاج أو جرار خضر أو خزف ، جاز استعمالها ، إذا غسلت بالماء ثلاث مرّات حسب ما قدّمناه. وينبغي أن تدلك في حال الغسل.

والذّميّ إذا باع خمرا أو خنزيرا ، ثمَّ أسلم ، جاز له أن يقبض ذلك الثّمن ، وكان حلالا له.

والخمر إذا صار خلّا ، جاز استعماله ، سواء صار كذلك من قبل نفسه أو بعلاج ، غير أنّه يستحبّ أن لا يغيّر بشي‌ء يطرح فيه ، بل يترك حتّى يصير خلّا من قبل نفسه. وإذا وقع شي‌ء

٥٩٢

من الخمر في الخلّ ، لم يجز استعماله إلّا بعد أن يصير ذلك الخمر خلّا.

ويجوز أن يعمل الإنسان لغيره الأشربة من التّمر والزّبيب والعسل وغير ذلك ، ويأخذ عليها الأجرة ، ويسلّمها اليه قبل تغيّرها. ولا بأس بربّ التّوت والرّمان والسّفرجل والسّكنجبين والجلّاب ، وإن شمّ منه رائحة السّكر لأنّه ممّا لا يسكر كثيره.

باب آداب الأكل والشرب

يستحبّ أن يغسل الإنسان يديه قبل أن يأكل الطّعام ويغسلهما بعد الأكل ، وليس ذلك بواجب. ويستحبّ أيضا أن يسمّي الله تعالى ، عند تناول الطّعام والشّراب ، ويحمد الله تعالى ، عند الفراغ. وإن كان على مائدة عليها ألوان مختلفة ، فليسمّ عند تناول كلّ لون منها. وإن قال بدلا من ذلك : « بسم الله على أوّله وآخره » كان جائزا. وإن سمّى واحد من الجماعة أجزأ عن الباقين.

ولا يجوز الأكل على مائدة يشرب عليها شي‌ء من المسكرات أو الفقّاع.

ولا ينبغي أن يقعد الإنسان متّكئا في حال الأكل ، بل ينبغي أن يقعد على رجله. وكثرة الأكل مكروه ، وربّما بلغ حدّ الحظر. ويكره الأكل على الشّبع. ويكره الأكل والشّرب باليسار.

٥٩٣

وينبغي أن يتولّى ذلك باليمين ، إلّا عند الضّرورة. ولا بأس بالأكل والشرب ماشيا واجتنابه أفضل. ويكره الشّرب بنفس واحد ، بل ينبغي أن يكون ذلك بثلاثة أنفاس.

ويستحبّ أن يبدأ صاحب الطّعام بالأكل ، ويكون هو آخر من يرفع يده منه. فإذا أرادوا غسل أيديهم يبدأ بمن هو عن يمينه حتّى ينتهي إلى آخرهم. ويستحبّ أن تجمع غسالة الأيدي في إناء واحد.

وإذا حضر الطّعام والصّلاة ، فالبداءة بالصّلاة أفضل. فإن كان هناك قوم ينتظرونه للإفطار معه ، وكان أوّل الوقت ، فالبداءة بالطّعام أفضل. وإن كان قد تضيّق الوقت ، لا يجوز إلّا البداءة بالصّلاة. ويستحبّ لمن أكل الطّعام أن يستلقي على قفاه ، ويضع رجله اليمنى على اليسرى.

٥٩٤

كتاب الوقوف والصدقات

باب الوقوف وأحكامها

شرائط الوقوف شيئان :

أحدهما أن يكون ما يقفه ملكا للواقف يجوز له التّصرّف فيه والثّاني أن يقبّض الوقف ويخرجه من يده.

فمتى وقف ما لا يملكه ، كان الوقف باطلا. وإن وقف ما يملك ، ولا يخرجه من يده ، ولم يقبّضه الموقوف عليه أو من يتولّى عنهم ، لم يصحّ أيضا الوقف ، وكان باقيا على ما كان عليه من الملك. فإن مات ، والحال ما ذكرناه ، كان ميراثا.

وإذا وقف على ولده الكبار فلا بدّ من تقبيضهم الوقف ، وإلّا لم يصحّ على ما بيّنّاه في الأجنبيّ. وإن كان أولاده صغارا ، جاز الوقف ، وإن لم يقبّضهم إيّاه ، لأنّه الذي يتولّى القبض عنهم وإذا وقف ملكا ، وأخرجه عن يده وملكه ، لم يجز له بعد ذلك الرّجوع فيه ، ولا تغيير شرائطه ولا نقله عن وجوهه وسبله.

ومتى شرط الواقف أنّه : متى احتاج الى شي‌ء منه ، كان له بيعه والتّصرّف فيه ، كان الشّرط صحيحا ، وكان له أن يفعل

٥٩٥

ما شرط. إلّا أنّه إذا مات ، والحال ما ذكرناه ، رجع ميراثا ، ولم يمض الوقف.

ولا يصحّ الوقف إلّا بعد أن يذكر الموقوف عليه. فإن لم يذكر الموقوف عليه ، كان الوقف باطلا.

وكلّ ما يملكه الإنسان ، جاز له أن يقفه سواء كان مشاعا أو مقسوما وعلى كلّ حال. والوقف والصّدقة شي‌ء واحد ، ولا يصحّ شي‌ء منهما إلّا ما يتقرّب به الى الله تعالى. فإن لم يقصد بذلك وجه الله ، لم يصحّ الوقف. والوقف لا بدّ أن يكون مؤبّدا ، ولا يجوز أن يكون موقّتا. فإن جعله موقّتا ، لم يصحّ ، إلّا أن يجعله سكنى على ما نبيّنه فيما بعد ، إن شاء الله.

والوقف يجري على حسب ما يقفه الإنسان ويشترط فيه. فإن وقف على قوم مخصوصين ، كان لهم ذلك ، وليس لغيرهم معهم شي‌ء على حال. وإن وقف عامّا ، كان على حسب ذلك أيضا ، يجرى على من يتناوله ذلك الاسم.

ولا يجوز أن يقف على من لم يوجد بعد. فإن وقف كذلك ، كان الوقف باطلا. فإن وقف على ولده الموجودين وكانوا صغارا ، ثمَّ رزق بعد ذلك أولادا ، جاز أن يدخلهم معهم فيه ، ولا يجوز له أن ينقله عنهم بالكليّة إليهم.

وإذا وقف الوقف على ولده ، وكانوا ذكروا وإناثا ، فإن شرط تفضيل بعضهم على بعض ، كان على حسب ما شرط ، وإن

٥٩٦

لم يذكر شيئا من ذلك ، كان الذّكر والأنثى فيه سواء من ولده وولد ولده ، لتناول الاسم لهم. فإن قال : الوقف بينهم على كتاب الله ، كان بينهم ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ). وإذا وقف على والديه ، كان أيضا مثل ذلك ، يكون بينهما بالسّويّة ، إلّا أن يفضّل أحدهما على الآخر بالتّعيين.

ولا بأس أن يقف المسلم على والديه أو ولده أو من بينه وبينه رحم ، وإن كانوا كفّارا. ولا يجوز وقفه على كافر لا رحم بينه وبينه على حال. وكذلك إن أوصى لهم بشي‌ء ، كان ذلك جائزا.

ولا بأس أن يقف الإنسان على المساجد والكعبة والمشاهد والمواضع التي يتقرّب فيها الى الله تعالى ، على مصالحها ومراعاة أحوالها وسكّانها. ولا يجوز وقف المسلم على البيع والكنائس وبيوت النّيران ومواضع قرب سائر أصناف الكفّار.

وإذا وقف الكافر على أحد المواضع التي يتقرّبون فيها الى الله تعالى ، كان وقفه صحيحا. وإذا وقف الكافر وقفا على الفقراء ، كان ذلك الوقف ماضيا في فقراء أهل ملّته دون غيرهم من سائر أصناف الفقراء.

وإذا وقف المسلم شيئا على المسلمين ، كان ذلك لجميع من أقرّ بالشّهادتين وأركان الشريعة من الصّلاة والزّكاة والصّوم والحجّ والجهاد ، وإن اختلفوا في الآراء والدّيانات.

فإن وقف على المؤمنين ، كان ذلك خاصّا لمجتنبي الكبائر

٥٩٧

من أهل المعرفة بالإمامة دون غيرهم ، ولا يكون للفسّاق منهم معهم شي‌ء على حال.

وإذا وقف على الشّيعة ، ولم يميّز منهم قوما دون قوم ، كان ذلك ماضيا في الإماميّة والجاروديّة ، دون البتريّة. ويدخل معهم سائر فرق الإماميّة من الكيسانيّة والنّاوسيّة والفطحيّة والواقفة والاثنى عشريّة.

فإن وقفه على الإمامية خاصّة ، كان ذلك فيمن قال بإمامة الاثنى عشر منهم. وإن وقف على الزيديّة ، كان على القائلين بإمامة زيد بن عليّ وإمامة كلّ من خرج بالسّيف من ولد فاطمة ، عليها‌السلام.

وإذا وقف على الهاشميّين ، كان ذلك على ولد هاشم بن عبد مناف وولد ولده ، الذّكور منهم والإناث. وإذا وقفه على الطّالبيّين ، كان ذلك على أولاد أبي طالب ، رحمة الله عليه ، وولد ولده من الذّكور والإناث. وإذا وقفه على العلويّة ، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين عليّ ، عليه‌السلام ، من الحسنيّة والحسينيّة والمحمّدية والعبّاسيّة والعمريّة وولد ولدهم ، الذّكور منهم والإناث.

فإن وقفه على ولد فاطمة ، كان ذلك على ولد الحسن والحسين عليهما‌السلام ، الذكور منهم والإناث. فإن وقفه على الحسنيّة ، لم يكن للحسينيّة معهم شي‌ء. وإن وقف على الحسينيّة لم يكن

٥٩٨

للحسنيّة معهم شي‌ء على حال. فإن وقفه على الموسويّة ، كان ذلك على أولاد موسى بن جعفر ، عليهما‌السلام ، الذّكور منهم والإناث.

وإذا وقف الإنسان شيئا على جيرانه ، أو أوصى بشي‌ء ، ولم يسمّهم بأسمائهم ، ولا ميّزهم بصفاتهم ، كان مصروفا إلى أربعين ذراعا من أربع جوانبها. وليس لمن بعد عن هذا الحدّ شي‌ء. وإن وقف على قومه ، ولم يسمّهم ، كان ذلك على جماعة أهل لغته من الذّكور دون الإناث. فإن وقفه على عشيرته ، كان على الخاصّ من قومه الذين هم أقرب النّاس إليه في نسبه.

فإن وقفه على مستحقّ الخمس ، كان ذلك على ولد أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، وولد العبّاس وجعفر وعقيل. فإن وقفه على مستحقّ الزّكاة ، كان ذلك على الثّمانية أصناف المذكورة في القرآن.

ومتى وقف الإنسان على أحد الأجناس ممّن ذكرناهم ، وكانوا كثيرين في البلاد منتشرين ، كان ذلك مقصورا على من يحضر البلد الذي فيه الوقف دون غيره من البلدان.

ومتى وقف الإنسان شيئا في وجه من الوجوه أو على قوم بأعيانهم ، ولم يشترط بعد انقراضهم عوده على شي‌ء بعينه ، فمتى انقرض أرباب الوقف ، رجع الوقف إلى ورثة الواقف.

ولا يجوز بيع الوقف ولا هبته ولا الصّدقة به ، إلّا أن يخاف

٥٩٩

على الوقف هلاكه أو فساده ، أو كان بأرباب الوقف حاجة ضروريّة كان معها بيع الوقف أصلح لهم وأردّ عليهم ، أو يخاف وقوع خلاف بينهم ، فيؤدّي ذلك الى وقوع فساد بينهم ، فحينئذ يجوز بيعه ، وصرف ثمنه فيهم على ما يستحقّونه من الوقف. ولا يجوز بيع الوقف مع عدم شي‌ء من ذلك.

وإذا وقف المسلم شيئا على مصلحة ، فبطل رسمها ، جعل في وجه البرّ. وإذا وقف في وجوه البرّ ، ولم يسمّ شيئا بعينه ، كان للفقراء والمساكين ومصالح المسلمين.

وإذا وقف إنسان مسكنا ، جاز له أن يقعد فيه مع من وقفه عليه ، وليس له أن يسكن غيره فيه.

باب السكنى والعمرى والرقبى والحبيس

لا بأس أن يجعل الإنسان داره أو منزله أو ضيعته أو عقاره سكنى لإنسان حسب ما أراد. فإن جعله له مدّة من الزّمان ، كان ذلك ماضيا ، ولم يجز له نقله عنه ، إلّا بعد مضيّ تلك المدّة. وكذلك لا يجوز له بيعه إلّا بعد انقضاء المدّة ، أو يشترط على المشتري مقدار ذلك الزّمان. ومتى مات ، والحال ما ذكرناه ، لم يكن لورثته نقل السّاكن عنه ، إلّا بعد أن تمضي المدّة المذكورة.

ومتى أسكنه إيّاه مدّة عمره ، كان ذلك ماضيا مقدار زمان

٦٠٠