النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

حياته. فإذا مات ، كان لورثته نقل السّاكن عن المسكن. وإن مات السّاكن وله ورثة ، كان لورثته ذلك الى أن يمضي زمان حياة المسكن. وإن جعل له السّكنى مدة حياة السّاكن ، كان ذلك ماضيا الى أن يتوفّاه الله تعالى. فإذا مات ، رجع اليه أو الى ورثته ، إن كان مات. وإن مات الذي جعل السّكنى ، لم يكن لورثته إزعاجه ، إلّا بعد أن تمضي مدّة حياته ، ومتى أسكنه ، ولم يذكر شيئا ، كان له إخراجه أيّ وقت شاء.

وإذا أسكن إنسان غيره ، لم يجز للسّاكن أن يسكن معه غيره إلّا ولده وأهله ، ولا يجوز له سواهم. ولا يجوز للسّاكن أيضا أن يواجره ، ولا أن ينتقل عنه ، فيسكن غيره إلّا بإذن صاحب المسكن.

وللإنسان أن يحبس فرسه في سبيل الله ، وغلامه أو جاريته في خدمة البيت الحرام ، وبعيره في معونة الحاجّ والزّوار. وإذا فعل ذلك لوجه الله ، لم يجز له تغييره. فإن عجزت الدّابة ، أو دبرت ، أو مرض الغلام أو الجارية ، وعجزا عن الخدمة ، سقط عنه فرضها. فإن عادا إلى الصّحّة ، كان الشّرط فيها قائما حتى يموت العبد وتنفق الدّابّة.

وإذا جعل الإنسان خدمة عبده أو أمته لغيره مدّة من الزّمان ، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك ، كان ذلك جائزا ، وكان على المملوك الخدمة في تلك المدّة. فإذا مضت المدّة ، صار حرّا. فإن أبق العبد

٦٠١

هذه المدّة ، ثمَّ ظفر به من جعل له خدمته ، لم يكن له بعد انقضاء تلك المدّة عليه سبيل. وإن كان صاحب الغلام أو الجارية جعل خدمته لنفسه مدّة من الزّمان ، ثمَّ هو حرّ بعد ذلك ، وأبق المملوك ، انتقض ذلك التّدبير. فإن وجده بعد ذلك ، كان مملوكا له ، يعمل به ما شاء.

باب النحل والهبة

الهبة على ضربين ، ضرب منها لصاحبها الرّجوع فيها ، وضرب ليس له الرّجوع فيه.

فأمّا الذي ليس له فيه رجوع ، فهو كلّ هبة وهبها الإنسان لذي رحمه ، ولدا كان أو غيره ، إذا كان مقبوضا. فإن لم يكن مقبوضا ، جاز له الرّجوع فيه. وإن مات ، كان ميراثا. إلّا أن تكون الهبة على ولده ويكونون صغارا ، فإنّه لا يكون له فيها رجوع على حال ، لأنّ قبضه قبضهم. فأمّا إذا كانوا كبارا ، أو يكونون غير أولاده وإن كانوا صغارا ، فإنّ له الرّجوع فيها ما لم يقبّض. فإن وهب للصّغير من ذوي أرحامه ، وقبّضه وليّه ، لم يكن له بعد ذلك رجوع فيها على حال.

وامّا الضّرب الآخر ، وهو الذي له الرّجوع فيه ، فهو كلّ هبة كانت على أجنبيّ ، ولم يتعوّض منها ، وكانت عينه قائمة ،

٦٠٢

فإنّ له الرّجوع في ذلك ، وإن كان قد قبّضها. وإن تعوّض عنها ، لم يكن له الرّجوع فيها بعد ذلك ، سواء كان ما تعوّض عنها قليلا أو كثيرا. وإن لم يتعوّض منها ، واستهلكت الهبة ، أو تصرّف فيها الموهوب له ، لم يكن أيضا للواهب الرّجوع فيها على حال.

ويكره أن يرجع الإنسان فيما يهبه لزوجته ، وكذلك يكره للمرأة الرّجوع فيما تهبه لزوجها. وما يهبه الإنسان لوجه الله ، فلا يجوز له الرّجوع فيه على حال. وما تصدّق الإنسان به لوجه الله ، فلا يجوز له أن يعود اليه بالبيع أو الهبة أو الصّدقة. وإن رجع اليه بالميراث ، كان جائزا. وإذا أخرج الإنسان شيئا لوجه الله يتصدّق به ، ففاته من يريد إعطاءه ، فليتصدّق به على غيره ولا يردّه في ماله.

ولا بأس أن يفضّل الإنسان بعض ولده على بعض بالهبة والنّحلة ، إلّا أنّه يكره ذلك في حال المرض ، إذا كان الواهب معسرا. فإذا كان موسرا ، لم يكن به بأس.

وإذا وهب الإنسان لبعض ولده شيئا ، وكتب له بذلك كتاب ابتياع ، ذكر فيه أنّه قبض الثّمن ، ثمَّ مات ، وطالبه الورثة بالثّمن أو اليمين بالله تعالى : أنّه سلّم الثّمن على الكمال ، جاز له أن يحلف : أنّه قد سلّم الثّمن ، ويورّي في نفسه ما يخرج به عن الكذب عند الله تعالى ، وليس عليه في ذلك شي‌ء على حال.

٦٠٣

كتاب الوصايا

باب الحث على الوصية

قال الله تعالى : ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ ، إِنْ تَرَكَ خَيْراً ، الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ ، حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ).

وروي عن رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، انّه قال : « من مات بغير وصية ، مات ميتة جاهليّة ».

وقال ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما ينبغي لامرئ مسلم أن يبيت ليلة ، إلّا ووصيّته تحت رأسه ».

وروى أبو الصباح الكنانيّ وأبو أسامة زيد الشحّام جميعا عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، أنّه قال : « الوصيّة حق على كلّ مسلم ».

وروي عنه أيضا ، عليه‌السلام : انّه قال : « ما من ميّت تحضره الوفاة ، إلّا ردّ الله عليه من سمعه وبصره وعقله للوصيّة ، أخذ الوصيّة أو ترك ، وهي الرّاحة التي يقال لها راحة الموت. فهي حقٌّ على كُلِّ مسلم ».

٦٠٤

وروى مسعدة بن صدقة ووهب بن وهب جميعا عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، انّه قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : « الوصيّة تمام ما نقص من الزّكاة ».

وروى السّكونيّ عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، أنّه قال : « من لم يوصّ عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث ، فقد ختم عمله بمعصية ».

وعنه عن أبي عبد الله عن أبيه عن آبائه عن عليّ ، عليهم‌السلام ، أنّه قال : « من أوصى ، ولم يحف ولم يضارّ ، كان كمن صدّق به في حياته ، وقال : ما أبالي : أضررت بورثتي أو سرقتهم ذلك المال ».

وروى سليمان بن جعفر الجعفريّ عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام : أنّه قال : قال رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : « من لم يحسن وصيته عند الموت ، كان نقصا في مروّته وعقله ».

باب الأوصياء

ينبغي للمسلم أن يختار لوصيّته عاقلا مسلما عدلا حكيما ، ولا يوصي الى سفيه ولا الى فاسق ، ولا يوصي الى عبد وإن كان عدلا مرضيّا ، لأنّه لا يملك مع سيّده شيئا. ولا بأس أن يوصي الى اثنين ، أحدهما صغير والآخر كبير ، بعد أن يكون الكبير كاملا عاقلا ، ويجعل للعاقل النّظر في الحال ، وللصّبيّ إذا بلغ

٦٠٥

فإن مات الصّبيّ ، أو بلغ وكان فاسد العقل ، كان للعاقل إنفاذ الوصيّة. وإذا أنفذ البالغ الكامل الوصيّة ، كان ذلك جائزا. فإن بلغ الصّبيّ ، ولم يرض بذلك ، لم يكن له ذلك ، إلّا أن يكون الكبير خالف شرط الوصيّة. ولا يجوز وصيّة المسلم الى كافر على حال. ويجوز وصيّة الكفّار بعضهم الى بعض. ولا بأس أن يوصي الإنسان الى امرأة إذا كانت عاقلة مأمونة.

وإذا وصّى الإنسان إلى نفسين ، وشرط أن لا يمضيا الوصيّة إلّا بعد أن يجتمعا ، لم يكن لكلّ واحد منهما الاستبداد بما يصيبه. فإن تشاحّا في الوصيّة والاجتماع ، لم ينفّذ شي‌ء ممّا يتصرّفان فيه ، إلّا ما يعود بمصلحة الورثة والكسوة لهم والمأكول. وعلى النّاظر في أمر المسلمين ، حملهم على الاجتماع على تنفيذ الوصيّة ، أو الاستبدال بهم إن رأى ذلك أصل في الحال. وإن لم يكن الموصي قد اشترط عليهما ذلك ، جاز لكلّ واحد منهما أن يستبدّ بما يصيبه ، ويطالب صاحبه بقسمة الوصيّة.

ولا بأس أن يوصي الإنسان إلى أولاده أو الى من يرثه أو الى زوجته. فإن أوصى إليهم ، وكان فيهم صغار وكبار ، كان للأكابر إنفاذ الوصيّة ، وأن لا ينتظروا بلوغ الصّغار ، إلّا أن يكون الموصي قد اشترط إيقاف الوصيّة إلى وقت بلوغ الصّغار ، وكان الشّي‌ء الذي أوصى به يجوز تأخيره. فإن كان كذلك لم يجز لهم أن ينفّذوا شيئا منها إلّا بعد بلوغ الأصاغر منهم.

٦٠٦

وإذا وصّى الإنسان إلى غيره ، كان بالخيار في قبول الوصيّة وردّها ، إذا كان حاضرا شاهدا. فإن كان الموصى إليه غائبا ، كان له ردّ الوصيّة ما دام الموصي حيّا. فإذا مات الموصي قبل أن يبلغ اليه الامتناع من قبول الوصيّة ، لم يكن للوصيّ الغائب الامتناع من القيام بها.

وإذا حضر الوصيّ الوفاة وأراد أن يوصي الى غيره ، جاز له أن يوصي اليه بما كان يتصرّف فيه من الوصيّة ، ويلزم الموصى إليه القيام بذلك. وقال بعض أصحابنا : أنّه ليس له أن يوصي الى غيره بما كان يتصرّف فيه. فإذا مات ، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم من ينظر في ذلك. فإن لم يكن هناك إمام كان لفقهاء آل محمد العدول وذوي الآراء منهم أن يتصرّفوا في ذلك إذا تمكّنوا منه. فإن لم يتمكّنوا ، فليس عليهم شي‌ء. ولست أعرف بهذا حديثا مرويّا.

وللموصي أن يستبدل بالأوصياء ما دام حيّا. فإذا مضى لسبيله ، لم يكن لأحد أن يغيّر وصيّته ، ولا يستبدل بأوصيائه. فإن ظهر من الوصيّ بعده خيانة ، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يعزله ويقيم أمينا مقامه. وإن لم تظهر منه خيانة ، إلّا أنّه ظهر منه ضعف وعجز عن القيام بالوصيّة ، كان للنّاظر في أمر المسلمين أن يقيم معه أمينا ضابطا يعينه على تنفيذ الوصيّة ، ولم يكن له عزله لضعفه. والوصيّ إذا خالف ما أمر به ، كان ضامنا للمال.

٦٠٧

وإذا أمر الموصي الوصيّ أن يتصرّف في تركته لورثته ، ويتّجر لهم بها ، ويأخذ نصف الرّبح ، كان ذلك جائزا ، وحلال له نصف الرّبح.

وإذا كان للوصيّ على الميّت مال ، لم يجز له أن يأخذه من تحت يده إلّا ما تقوم له به البيّنة. ومتى باع الوصيّ شيئا من التّركة لمصلحة الورثة ، وأراد أن يشتريه لنفسه ، جاز له ذلك ، إذا أخذه بالقيمة العدل من غير نقصان.

وإذا مات إنسان من غير وصيّة ، كان على النّاظر في أمر المسلمين أن يقيم له ناظرا ينظر في مصلحة الورثة ، ويبيع لهم ويشتري ، ويكون ذلك جائزا. فإن لم يكن السّلطان الذي يتولّى ذلك أو يأمر به ، جاز لبعض المؤمنين أن ينظر في ذلك من قبل نفسه ، ويستعمل فيه الأمانة ، ويؤدّيها من غير إضرار بالورثة ، ويكون ما يفعله صحيحا ماضيا.

باب الوصية وما يصح منها وما لا يصح

الوصيّة بالخمس أفضل من الوصيّة بالرّبع ، وهي بالرّبع أفضل منها بالثّلث ، ولا يجوز الوصيّة بأكثر من الثّلث. فإن وصّى إنسان بأكثر من الثلث ، لم تمض الوصيّة إلّا في الثّلث ، وتردّ فيما زاد عليه ، إلّا أن يرضى الورثة بذلك. فإن وصّى بأكثر من الثّلث ، ورضي به الورثة ، لم يكن لهم بعد ذلك امتناع من

٦٠٨

إنفاذها لا في حال حياته ولا بعد وفاته.

وللإنسان أن يرجع في وصيّته ما دام فيه روح ، ويغيّر شرائطها وينقلها من شي‌ء إلى شي‌ء ومن إنسان إلى غيره. وليس لأحد عليه فيه اعتراض.

وإذا دبّر مملوكه ، كان ذلك مثل الوصيّة يجوز له الرّجوع فيه. فإن لم يرجع فيه ، كان من الثّلث فإن أعتقه في الحال ، مضى العتق وليس لأحد عليه سبيل.

وإذا أوصى الإنسان بوصيّة ، ثمَّ أوصى بأخرى ، فإن أمكن العمل بهما جميعا ، وجب العمل بهما ، وإن لم يمكن العمل بهما ، كان العمل على الأخيرة دون الأولى.

وإذا أوصى بوصيّة ، فليس لأحد مخالفته فيما أوصى به ، ولا تغيير شي‌ء من شرائطها ، إلّا أن يكون قد وصّى بما لا يجوز له أن يوصّي به ، مثل أن يكون قد وصّى بماله في غير مرضات الله ، أو أمر بإنفاقه في وجوه المعاصي : من قتل النفوس ، وسلب الأموال ، أو إعطائه الكفّار ، أو إنفاقه على مواضع قربهم : من البيع ، والكنائس ، وبيوت النّيران. فإن فعل شيئا من ذلك ، كان للوصيّ مخالفته في جميع ذلك ، وصرف الوصيّة إلى الحقّ ، وكان على إمام المسلمين معاونته على ذلك. فإن أوصى الإنسان لأحد أبويه ، أو بعض قرابته شيئا من ثلثه ، وجب إيصاله إليهم ، وإن كانوا كفّارا ضلّالا.

٦٠٩

ولا بأس بالوصيّة للوارث إذا لم يكن بأكثر من الثّلث. فإن كانت بأكثر منه ، ردّت الى الثّلث. وإذا أوصى بوصية ، ثمَّ قتل نفسه ، كانت وصيّته ماضية ، لم يكن لأحد ردّها. فإن جرح نفسه بما فيه هلاكها ، ثمَّ وصى ، كانت وصيّته مردودة ، لا يجوز العمل عليها. وإذا أوصى بوصيّة ، ثمَّ قتله غيره خطأ ، كانت وصيّته ماضية في ثلث ماله وثلث ديته. وإن جرحه غيره ، ثمَّ وصّى ، كان الحكم أيضا فيه مثل ذلك في أنّه تمضى الوصيّة في ثلث ماله وثلث ما يستحقّه من أرش الجراح.

وإذا وصّى الإنسان لعبده بثلث ماله ، نظر في قيمة العبد قيمة عادلة : فإن كانت قيمته أقلّ من الثلث ، أعتق ، وأعطي الباقي. وإن كانت مثله ، أعتق ، وليس له شي‌ء ، ولا عليه شي‌ء. وإن كانت القيمة أكثر من الثّلث بمقدار السّدس أو الرّبع أو الثّلث ، أعتق بمقدار ذلك ، واستسعي في الباقي لورثته. وإن كانت قيمته على الضّعف من ثلثه ، كانت الوصيّة باطلة.

وإذا أوصى الإنسان بعتق مملوك له ، وكان عليه دين ، فإن كان قيمة العبد ضعفي الدّين ، استسعي العبد في خمسة أسداس قيمته : ثلاثة أسهم للدّيّان ، وسهمان للورثة ، وسهم له ، وإن كانت قيمته أقلّ من ذلك ، بطلت الوصيّة. ومن وصّى لعبد غيره ، لم تصحّ وصيّته.

فإن وصّى لمكاتب مشروط عليه ، كان أيضا مثل ذلك. فإن لم يكن مشروطا عليه ، جازت الوصيّة له بمقدار ما أدّى من

٦١٠

كتابته ، لا أكثر من ذلك.

وإذا أوصى لأمّ ولده ، أعتقت من نصيب ولدها ، وأعطيت ما أوصى لها به.

وإذا أوصى الموصي بإخراج بعض الورثة من الميراث ، لم يلتفت الى وصيّته وقوله ، إذا كان مقرّا به قبل ذلك ، أو كان مولودا على فراشه ، لم يكن قد انتفى منه في حال حياته.

باب شرائط الوصية

من شرط الوصيّة أن يكون الموصي عاقلا حرّا ثابت العقل ، سواء كان صغيرا أو كبيرا. فإن بلغ عشر سنين ، ولم يكن قد كمل عقله ، غير أنّه لا يضع الشّي‌ء إلّا في موضعه ، كانت وصيته ماضية في المعروف من وجوه البرّ ، ومردودة فيما لم يكن كذلك. ومتى كان سنّه أقلّ من ذلك ، لم يجز وصيّته. وقد روي : أنّه إذا كان ابن ثمان سنين ، جازت وصيّته في الشّي‌ء اليسير في أبواب البرّ. والأول أحوط وأظهر في الرّوايات.

وكذلك يجوز صدقة الغلام إذا بلغ عشر سنين ، وهبته ، وعتقه ، إذا كان بالمعروف وفي وجه البرّ. وأمّا ما يكون خارجا عن ذلك ، فليس بممضاة على حال.

وحدّ بلوغ الصّبيّ إمّا أن يحتلم أو يشعر أو يكمل عقله. فمتى حصل فيه شي‌ء من هذه الأوصاف ، فقد دخل في حدّ الكمال ،

٦١١

ووجب على وليّه تسليم ماله اليه وتمكينه من التّصرّف فيه ، إلّا أن يكون سفيها ضعيف العقل ، فإنّه لا يمكّن من التّصرّف على حال.

وحدّ بلوغ المرأة تسع سنين. فإذا بلغت ذلك ، جاز تصرّفها في مالها بسائر أنواع التّصرّف ، وأمرها نافذ فيه ، إلّا أن تكون ضعيفة العقل سفيهة. فإذا كانت كذلك ، فإنّها لا تمكّن من المال.

ومن شرط الوصيّة أن يشهد عليها الموصي نفسين عدلين مرضيّين لئلّا يعترض فيها الورثة. فإن لم يشهد أصلا ، وأمكن الوصيّ إنفاذ الوصيّة ، جاز له إنفاذها على ما أوصى به اليه.

ولا يجوز شهادة من ليس على ظاهر الإسلام في الوصيّة ، إلّا عند الضّرورة وفقد المسلم. بان يكون الموصي في موضع لا يجد فيه أحدا من المسلمين ليشهده على وصيّته ، فإنّه يجوز ، والحال هذه ، أن يشهد نفسين من أهل الذّمّة ممّن ظاهره الأمانة عند أهل ملّته. ولا يجوز شهادة غير أهل الذّمّة على حال.

ويجوز شهادة النّساء في الوصيّة عند عدم الرّجال. فإن لم لم تحضر إلّا امرأة واحدة ، جازت شهادتها في ربع الوصيّة. فإن حضرت اثنتان جازت شهادتهما في النّصف ، ثمَّ على هذا الحساب.

وإذا أشهد إنسان عبدين له على حمل بجارية أنّه منه ،

٦١٢

وأعتقهما ، فشهدا عند الورثة بذلك. فلم يقبلوا شهادتهما ، واسترقّوهما وبيعا ، ثمَّ أدركهما العتاق ، فشهد للمولود بالنسب ، قبلت شهادتهما على الورثة ، ولا يسترقّهما المولود على حال.

باب الوصية المبهمة والوصية بالعتق والحج

إذا أوصى الإنسان يجزئ من ماله ولم يبيّنه ، كان ذلك سبعا من ماله. وقد روي أنّه يكون العشر. والأوّل أوضح. فإن أوصى بسهم من ماله ، كان ذلك الثّمن من جميع تركته. وقد روي : أنّه سهم من عشرة. والأوّل أكثر في الرّواية. وإن أوصى بشي‌ء ، ولم يبيّن ، كان ذلك السّدس من ماله.

فإن أوصى بثلث ماله في سبيل الله ولم يسمّ ، أخرج في معونة المجاهدين لأهل الضّلال والكافرين. فإن لم يحضر مجاهد في سبيل الله ، وضع في أبواب البرّ من معونة الفقراء والمساكين وأبناء السّبيل وصلة آل الرّسول. بل يصرف أكثره في فقراء آل محمّد ، عليهم‌السلام ، ومساكينهم وأبناء سبيلهم ، ويصرف ما بقي بعد ذلك في وجوه البرّ.

فإن أوصى بوصيّة ، وجعلها أبوابا مسمّاة ، فنسي الوصيّ بابا منها ، فليجعل ذلك السّهم في وجوه البرّ.

وإذا أوصى الإنسان لغيره بسيف ، وكان في جفن وعليه حلية ، كان السّيف له بما فيه وعليه. وإذا أوصى بصندوق لغيره ،

٦١٣

وكان فيه مال ، كان الصّندوق بما فيه للذي أوصى له به. وكذلك إن أوصى له بسفينة ، وكان فيها متاع ، كانت السّفينة بما فيها للموصى له. وكذلك إن وصّى بجراب ، وكان فيه متاع ، كان الجراب بما فيه للموصى له ، إلّا أن يستثني ما فيه. هذا إذا كان الموصي عدلا مأمونا. فإن لم يكن عدلا ، وكان متّهما ، لم تنفّذ الوصيّة في أكثر من ثلثه من الصّندوق والسّفينة والسّيف والجراب وما فيها.

وإذا أوصى الإنسان بشي‌ء معيّن لأعمامه وأخواله ، كان لأعمامه الثّلثان ولأخواله الثّلث. فإن أوصى إنسان لأولاده ، وكانوا ذكورا وإناثا ، ولم يذكر كيفيّة القسمة فيهم ، كان ذلك بينهم بالسّويّة. فإن قال هو بينهم على كتاب الله. كان ( لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ).

وإذا أوصى بثلث ماله لقرابته ، ولم يسمّ أحدا ، كان ذلك في جميع ذوي نسبه الرّاجعين الى آخر أب له وأم له في الإسلام ، ويكون ذلك بين الجماعة بالسّويّة.

والوصيّة للجيران والعشيرة والقوم على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء. والقول فيما يوصى للمسلمين أو المؤمنين أو العلويّين أو الطالبيّين أو غيرهم ممّن يتناولهم الاسم العامّ ، على ما ذكرناه في باب الوقوف على السّواء.

ومن وصّى لحمل غير موجود ، كانت الوصيّة ماضية. فإن

٦١٤

سقط الحمل أو مات ، رجع ميراثا على ورثة الموصي. فإن وضعته أمّه حيّا ، واستهلّ وصاح ، ثمَّ مات ، كان ما أوصى له به ميراثا لورثته دون ورثة الموصي. ومن أوصى لمعدوم غير موجود ، كانت الوصيّة باطلة.

فإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في مواليه ، وكان له موال ولأبيه موال ، كانت الوصيّة لمواليه خاصّة دون موالي أبيه. فإن سمّى لمواليه شيئا ولموالي أبيه شيئا آخر ، ولم يبلغ ثلثه ذلك ، كان النّقصان داخلا على موالي أبيه ، ويوفّى مواليه ما سمّى لهم على الكمال.

وإذا وصّى المسلم بثلث ماله للفقراء ، كان ذلك لفقراء المسلمين خاصّة. فإن أوصى الكافر للفقراء ، كان ذلك لفقراء أهل ملّته دون غيرهم. وإذا أوصى الإنسان بثلث ماله في صدقة وعتق وحجّ ، ولم يبلغ الثّلث ذلك ، بدئ بالحجّ ، لأنّه فريضة من فرائض الله تعالى. وما فضل بعد ذلك ، جعل طائفة في العتق وطائفة في الصّدقة.

وإذا أوصى بعتق مملوك وبشي‌ء لقرابته ، ولم يبلغ الثّلث ذلك ، بدئ بعتق المملوك ، وما فضل بعد ذلك ، كان لمن وصّى له به. وإذا وصّى بعتق ثلث عبيده ، وكان له عبيد جماعة ، استخرج ثلثهم بالقرعة ، وأعتقوا. وإذا قال : فلان وفلان وفلان من مماليكي أحرار بعد موتي ، وكانت قيمتهم أكثر من الثّلث ، بدئ بالأوّل فالأوّل إلى أن يستوفي الثّلث ، وكان النّقصان

٦١٥

فيمن ذكرهم أخيرا. فإن ذكر جماعة من عبيده معدودين ، ولم يميّزهم بصفة ، ولا رتّبهم في القول ، استخرجوا بالقرعة وأعتقوا.

وإذا أعتق مملوكا له عند موته ، ولا يملك غيره ، انعتق ثلثه ، واستسعي فيما يبقى لورثته. وكذلك إن أعتق ثلث عبده استسعي فيما يبقى للورثة ، إذا لم يكن له مال غيره. فإن كان له مال غيره أعتق الباقي من ثلثه.

وإذا أوصى بعتق نسمة مؤمنة ، ولم يوجد كذلك ، جاز أن تعتق من أفناء النّاس ممّن لا يعرف بنصب ولا عداوة. فإن وجدت مؤمنة ، لم يجز غيرها. فإن اشتري نسمة على أنّهم مؤمنة ، وأعتقت ، ثمَّ ظهر بعد ذلك أنّها لم تكن كذلك ، فقد مضى العتق ، وأجزأ عن الوصيّ.

ومن أوصى بعتق رقبة ، جاز أن يعتق عنه نسمة : رجلا كان أو امرأة ، صغيرا كان أو كبيرا. وإذا أوصى بأن يعتق عنه رقبة بثمن معلوم ، فلم يوجد بذلك القدر ، ووجد بأكثر منه ، لم يجب شراؤه ، وتركت الوصيّة إلى وقت ما يوجد بالثّمن المذكور. وإن وجد بأقلّ من ذلك ، اشتري ، وأعطي الباقي ثمَّ أعتق.

وإذا أوصى الإنسان بعتق جميع مماليكه ، له مماليك يخصّونه ومماليك بينه وبين غيره ، أعتق من كا ن في ملكه ، وقوّم

٦١٦

من كان في الشّركة ، وأعطي شريكه حقّه ، إن كان ثلثه يحتمل. فإن لم يحتمل ، أعتق منهم بقدر ما يحتمله.

وإذا أوصى الإنسان أن يحجّ عنه ، ولم يبيّن كم يحجّ عنه ، فإنّه يجب أن يحجّ عنه ما بقي من ثلثه شي‌ء. وإذا أوصى أن يحجّ عنه كلّ سنة من ارتفاع ضيعة بعينها ، فلم يرتفع كلّ سنة مقدار ما يحجّ به عنه ، أجاز أن يجعل ارتفاع سنتين وثلاثة لسنة واحدة ، وحجّ به عنه. وإذا قال : حجّوا عنّي حجّة واحدة فإن كانت حجّة الإسلام ، حجّ عنه من أصل المال ، وإن كانت تطوّعا ، حجّ عنه من الثّلث. فإن لم يبلغ الثّلث مقدار ما يحجّ عنه من الموضع ، حجّ به عنه من الموضع الذي يمكن ذلك فيه.

وإذا قال الموصي : أعط إنسانا كلّ سنة شيئا معلوما ، فمات الموصى له ، كان ما أوصى له لورثته ، إلّا أن يرجع فيه الموصي. فإن رجع فيه ، كان ذلك له ، سواء رجع فيه قبل موت الموصى له أو بعد موته. فإن لم يرجع في وصيّته حتّى يموت ، ولم يخلّف الموصى له أحدا ، رجعت الوصيّة على ورثة الموصي.

وإذا قال الموصي : أعطوا فلانا كذا ، ولم يقل إنّه له ، ولا أمره فيه بأمر ، وجب تسليمه اليه ، وكان الأمر في ذلك اليه : إن شاء أخذه لنفسه ، وإن شاء تصدّق به عنه ، كلّ ذلك جائز له.

باب الإقرار في المرض والهبة فيه وغير ذلك

إقرار المريض جائز على نفسه للأجنبيّ وللوارث على كلّ حال ،

٦١٧

إذا كان مرضيّا موثوقا بعدالته ، ويكون عقله ثابتا في حال الإقرار ، ويكون ما أقرّ به من أصل المال. فإن كان غير موثوق به ، وكان متّهما ، طولب المقرّ له بالبيّنة. فإن كانت معه بيّنة ، أعطي من أصل المال. وإن لم يكن معه بيّنة ، أعطي من الثّلث ، إن بلغ ذلك. فإن لم يبلغ ، فليس له أكثر منه.

ومتى أقرّ الإنسان بشي‌ء ، وقال لوصيّه : سلّمه إليه ، فإنّه له ، وطالب الورثة الوصيّ بذلك. فإن كان المقرّ مرضيّا عند الوصيّ ، جاز له أن ينكره ويحلف عليه ، ويسلّم الشي‌ء الى من أقر له به. وإن لم يكن مرضيّا ، لم يجز له ذلك ، وعليه أن يظهره ، وعلى المقرّ له البيّنة بأنّه له. فإن لم يكن معه بيّنة ، كان ميراثا للورثة.

وإذا كان عليه دين ، فأقرّ : أنّ جميع ما في ملكه لبعض ورثته ، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة. فإن لم تكن مع المقرّ له بيّنة ، أعطي صاحب الدّين حقّه أوّلا ، ثمَّ ما يبقى يكون ميراثا.

وإذا قال : لفلان وفلان ، لأحدهما عندي ألف درهم ، فمن أقام البيّنة منهما ، كان الحقّ له. فإن لم تكن مع واحد منهما بيّنة ، كانت الألف بينهما نصفين.

وإذا أقرّ بعض الورثة بدين على الميّت ، جاز إقراره على نفسه ، ولزمه بمقدار ما يخصّه من الميراث لا أكثر من ذلك. فإن أقرّ اثنان بالدّين ، وكانا مرضيّين ، قبلت شهادتهما ، وأجيزت على

٦١٨

باقي الورثة. وإن لم يكونا مرضيّين ، ألزما من الدّين بمقدار ما يصيبهما من الميراث.

وأوّل ما يبدأ به من التّركة ، الكفن ثمَّ الدّين ثمَّ الوصيّة ثمَّ الميراث.

وإذا كان على الميّت دين ، وخلّف مالا دون ذلك ، قضي بما ترك دينه ، وليس هناك وصيّة ولا ميراث ، ويكون ذلك بين أصحاب الدّين بالحصص. فإن وجد متاع بعض الدّيّان بعينه ، وكان فيما بقي من تركته وفاء لدين الباقين ، ردّ عليه متاعه بعينه ، وقضي دين الباقين من التّركة. وإن لم يخلّف غير ذلك المتاع ، كان صاحبه وغيره من الدّيّان فيه سواء ، يقتسمون بينهم على قدر أموالهم.

وإذا قتل الإنسان وعليه دين ، وجب على أوليائه أن يقضوا دينه من ديته ، سواء كان قد قتل خطأ أو عمدا. فإن كان قد قتل عمدا ، وأراد أولياؤه القود أو العفو ، لم يكن لهم ذلك إلّا بعد أن يرضوا أصحاب الدّيون أولا. ثمَّ إن شاءوا بعد ذلك ، قتلوه ، وإن شاءوا ، عفوا عنه ، وإن شاءوا ، قبلوا الدّية.

وإذا قال الموصي لوصيّه : اقض عنّي ديني ، وجب عليه أن يبدأ به قبل الميراث. فإن تمكّن من قضائه ، ولم يقضه ، وهلك المال ، كان ضامنا له ، وليس على الورثة لصاحب الدين سبيل. وإن كان قد عزل من أصل المال ، ولم يتمكّن من إعطائه

٦١٩

أصحاب الدّيون ، وهلك من غير تفريط من جهته ، كان لصاحب الدّين مطالبة الورثة بالدّين من الذي أخذوه.

ومن أقرّ أنّ عليه زكاة سنين كثيرة ، وأمر إخراجها عنه ، وجب أن تخرج من جميع المال ، لأنّه بمنزلة الدّين ، وما يبقى بعد ذلك يكون ميراثا. فإن كان عليه شي‌ء من الزّكاة ، وكان قد وجب عليه حجّة الإسلام ، ففرّط فيها ، وخلّف دون ما تقضى عنه به الحجّة والزّكاة ، حجّ عنه من أقرب المواضع ، ويجعل ما بقي في أرباب الزّكاة.

وإذا أقرّ المريض بأنّ بعض مماليكه ولده ، ولم يصفه بصفة ، ولا عيّنه بذكر ، ثمَّ مات ، أخرج بالقرعة واحد منهم ، ويلحق به ، ويورّث.

وإذا لم يخلّف الميّت إلّا مقدار ما يكفّن به ، كفّن به ، ولم يقض به الدّين. فإن تبرّع إنسان بتكفينه ، كان ما خلّف يقضى به الدّين.

والهبة في حال المرض صحيحة ، إذا قبضها ، ولم يكن للورثة الرّجوع فيها. فإن لم يقبّضها ، ومات ، كان ما وهب راجعا الى الميراث. وكذلك ما يتصدّق به في حال حياته.

والبيع في حال المرض صحيح كصحّته في حال الصحة ، إذا كان المريض مالكا لرأيه وعقله. فإن كان المرض غالبا على عقله ، كان ذلك باطلا.

٦٢٠