النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

يعرف ويعتمد عليه إن شاء الله.

وأمّا ولد الزّنا ، فإنّه لا يرثه أحد إلّا ولده أو زوجه أو زوجته ، وهو أيضا لا يرث أحدا إلّا ولده أو زوجه أو زوجته. فإن مات ، وليس له ولد ولا زوج ولا زوجة ، فميراثه لإمام المسلمين ، ولا يرثه أبواه ، ولا أحد ممّن يتقرّب بهما إليه على حال.

وقال بعض أصحابنا أنّ ميراث ولد الزّنا مثل ميراث ولد الملاعنة. والمعتمد ما قلناه.

وأمّا الحميل ، فهو الذي يجلب من بلاد الكفر ، ويسترقّ فإذا تعارف منهم اثنان أو جماعة بنسب يوجب بينهم الموارثة في شرع الإسلام ، فإنّه يقبل قولهم في ذلك ، ويورّثون على نسبهم ، ولا يطالبون بالبيّنة على ذلك على حال.

وأمّا اللّقيط ، فإن كان توالى إلى إنسان ضمن جريرته وحدثه ، فإنّه يكون ميراثه له وحدثه عليه. فإن لم يكن له مولى ، كان ميراثه لبيت المال ، وليس لمن التقطه وربّاه شي‌ء من ميراثه. فإن طلب ما كان أنفقه عليه ، كان له أخذه من أصل تركته ، والباقي لبيت المال.

وأمّا المشكوك فيه ، فهو أن يطأ الرّجل امرأته أو جاريته ، ثمَّ يطأها غيره في تلك الحال ، وتجي‌ء بالولد ، فإنّه لا ينبغي له أن يلحقه به لحوقا صحيحا ، بل ينبغي له أن يربّيه ،

٦٨١

وينفق عليه. فإذا حضرته الوفاة ، عزل له شيئا من ماله قدر ما يتقوّى به على شأنه. وإن مات هذا الولد ، لم يكن له شي‌ء من تركته ، وكانت لبيت المال ، إن لم يخلّف ولدا ولا زوجا ولا زوجة.

وإذا وطئ نفسان فصاعدا جارية مشتركة بينهما ، فجاءت بولد ، أقرع بينهم. فمن خرج اسمه ، ألحق الولد به ، وضمن للباقين من شركائه حصّتهم ، وتوارثا. فإن وطئها نفسان في طهر واحد ، بعد انتقال الملك من واحد منهما إلى الآخر ، كان الولد لاحقا بمن عنده الجارية ، ويرثه الأب ، والولد أيضا مثل ذلك يرثه.

ومن تبرّأ عند السّلطان من جريرة ولده ومن ميراثه ، ثمَّ مات الولد وله مال ، كان ميراثه لعصبة أمّه دون أبيه.

باب ميراث المماليك والمكاتبين

المملوك لا يملك شيئا يستحقّه ورثته من الأحرار ، بل ماله لمولاه ، وكذلك حكم المدبّر.

فأمّا المكاتب ، فهو على ضربين : مشروط عليه ، ومطلق.

فإذا كان مشروطا عليه ، فحكمه حكم المماليك.

وإن كان غير مشروط عليه ، فإنّه يرث ويورث بقدر ما أدّى من مكاتبته من غير زيادة ولا نقصان ، ويحرم ما زاد على ذلك.

٦٨٢

وإذا اشترط المكاتب على الذي كاتبه بأن يكون ولاؤه له ، كان شرطه صحيحا. فإن شرط أن يكون ميراثه له دون ورثته ، كان ذلك باطلا.

وكذلك إذا كان عبد بين شريكين ، أعتق أحدهما نصيبه ، ثمَّ مات ، وخلّف مالا ، كان نصف ما ترك للذي لم يعتق ، والباقي لورثته. فإن لم يكن له ورثة ، كان ذلك لمولاه الذي أعتقه على ما بيّنّاه.

باب ميراث المجوس وسائر أصناف الكفار

اختلف أصحابنا في ميراث المجوس :

فقال قوم إنّهم يورّثون بالأنساب والأسباب الصّحيحة التي يجوز في شرع الإسلام ، ولا يورّثون بما لا يجوز فيه على حال.

وقال قوم : إنّهم يورّثون بالأنساب على كلّ حال ، ولا يورّثون بالأسباب إلّا بما هو جائز في شريعة الإسلام.

وقال قوم : انّهم يورّثون من الجهتين معا سواء كان ممّا يجوز في شريعة الإسلام أو لا يجوز.

هذا القول عندي هو المعتمد عليه ، وبه تشهد الرّوايات. وأيضا فإنّ أنسابهم وأسبابهم ، وإن لم تكن جائزة في شريعة الإسلام ، فهي جائزة عندهم ، وهي نكاح على رأيهم ومذهبهم ، وقد أمرنا أن نقرّهم على ما يرونه من المذاهب ونهينا عن قذفهم

٦٨٣

بالزّنا. وقيل : أليس ذلك عندهم نكاحا. وإذا كان ذلك ثابتا ، فينبغي أن يكون العمل عليه. مع أنّه قد رويت الرّواية الصّريحة ، وقد أوردناها في كتاب « تهذيب الأحكام » بأنّهم يورّثون من الجهتين جميعا ، وإن كان ذلك باطلا في شريعة الإسلام.

فأمّا من عدا المجوس من الكفّار ، فإذا تحاكموا إلينا ورثناهم أيضا على كتاب الله تعالى وسنّة نبيّه ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، سواء.

باب الإقرار بوارث

إذا أقرّ الإنسان بولد ، ألحق به ، سواء كان إقراره به في صحّة أو مرض ، وتوارثا معا ، سواء صدّقه الولد أو كذّبه ، إلّا أن يكون الولد مشهورا بغير ذلك النّسب. فإن كان كذلك ، لم يلحق به. فإن نفى من كان أقرّ به ، لم يلتفت إلى نفيه ، وألحق به.

وإذا أقرّ الإنسان بوالد أو والدة ، وكانا مصدّقين له ، قبل إقراره ، وتوارثا. فإن لم يكونا مصدّقين له ، لم يلتفت إلى إقراره.

وإذا أقرّ بزوجة ، وكانت مصدّقة له ، قبل إقراره ، وتوارثا. وإن لم تكن مصدّقة له ، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة.

٦٨٤

وكذلك إن أقرّت المرأة بزوج ، كان الحكم فيه أيضا مثل ذلك سواء.

وإذا أقرّ الإنسان بولد ولد أو أخ أو أخت أو جدّ أو جدّة أو عمّ أو عمّة أو خال أو خالة أو أحد ذوي أرحامه ، وكان له ورثة مشهوري النّسب ، لم يقبل إقراره إلّا ببيّنة ، ولم يتوارثا سواء صدّقه المقرّ له في قوله أو كذّبه. فإن لم يكن ورثة غير الذي أقرّ به ، فإن كان يصدّقه المقرّ له ، توارثا ، وإن لم يصدّقه وكذّبه في إقراره ، ولم يلتفت إلى إقراره.

وإذا مات إنسان ، وخلّف ورثة ، فأقرّ بعض الورثة بوارث آخر بالنّسب ، فإن كان المقرّ له أولى به من المقرّ ، أعطاه جميع ما في يده ، وإن كان مثله سواء ، أعطاه مقدار ما كان يصيبه من سهمه لا أكثر من ذلك ولا أقلّ منه.

ومتى أقرّ بورثة جماعة ، كان الحكم أيضا فيه مثل ذلك سواء. فإن أقرّ بوارثين ، أحدهما أولى من صاحبه ، غير أنّهما جميعا أولى منه بالمال ، أعطى جميع ما في يديه للذي هو أولى بالميّت ، وسقط الآخر.

فإن أقرّ بوارثين فصاعدا متساويين في الميراث ، وتناكروا هم ذلك النّسب ، لم يلتفت إلى إنكارهم ، وقبل إقراره لهم. وإذا أنكروا إقراره أيضا ، لم يكن لهم شي‌ء من المال. وإن أقرّوا له بمثل ما أقرّ به ، توارثوا بينهم إذا كان المقرّ له

٦٨٥

ولدا أو والدا. فإن كان غيرهما من ذوي الأرحام ، لم يتوارثوهم وإن صدّق بعضهم بعضا. ولا يعدّى الحكم فيه مال الميّت على حال.

فإن أقرّ بوارث أولى منه بالمال ، وجب أن يعطيه المال على ما بيّنّاه. فإن أقرّ بعد ذلك بوارث آخر هو أولى منهما ، لزمه أن يغرم له مثل جميع المال.

فإن أقرّ بعد ذلك بوارث آخر هو أولى منهم كلّهم ، لزمه أن يغرم أيضا مثل جميع المال. ثمَّ على هذا المثال بالغا ما بلغ إقراره.

فإن أقرّ بوارث أولى منه بالمال ، فأعطاه ما في يده ، ثمَّ أقرّ بوارث مساو للمقرّ له في الميراث ، لزمه أن يغرم له مثل ما كان يصيبه من أصل التّركة.

فإن أقرّ بوارث مساو له في الميراث ، فقاسمه المال ، ثمَّ أقرّ بوارث أولى منهما ، لزمه أن يغرم له مثل جميع المال على هذا المثال بالغا ما بلغ إقراره.

فإن أقرّ بزوج للميّتة ، أعطى الزّوج مقدار ما كان يصيبه من سهمه. فإن أقرّ بعد ذلك بزوج آخر ، كان إقراره باطلا ، اللهمّ إلّا أن يكذّب نفسه في الإقرار بالزّوج الأوّل ، فليلزمه حينئذ أن يغرم للزّوج الثّاني ، وليس له على الأوّل سبيل.

فإن أقرّ الولد بزوجة للميت ، أعطاها ثمن ما كان في يده. فإن أقرّ بزوجة أخرى ، أعطاها أيضا نصف ثمن ما في

٦٨٦

يده. فإن أقرّ بثالثة ، أعطاها ثلث ثمن ما في يده. فإن أقرّ برابعة ، أعطاها ربع ثمن ما في يده. فإن أقرّ بخامسة ، وقال : إنّ إحدى من أقرّ لها ، ليست زوجة ، لم يلتفت إلى إنكاره لها ، ولزمه أن يغرم للتي أقرّ لها بعد ذلك. وإن لم ينكر واحدة من الأربع ، لم يلتفت إلى إقراره بالخامسة ، وكان باطلا. فإن أقرّ لأربع نسوة في دفعة واحدة ، لم يكن لهنّ أكثر من الثمن بينهنّ بالسّويّة.

ومتى أقرّ اثنان من الورثة بوارث آخر ، فإن كانا مرضيّين مشهوري العدالة ، قبلت شهادتهما للمقرّ له ، وألحق نسبه بالميّت ، وقاسم الورّاث إلّا أن يكون مشهورا بغير ذلك النّسب. فإن كان كذلك ، لم يلتفت إلى إقرارهما وشهادتهما.

فإن كانا غير مرضيّي العدالة ، لم يثبت نسب المقرّ له ، ولزمهما في نصيبهما بمقدار ما كان يصيبه من حظّهما ، لا أكثر من ذلك ولا أقلّ ، كما ذكرناه في المقرّ الواحد.

وكذلك الحكم في المسائل الأخر ، لا يختلف الحكم فيها فينبغي أن يعرف هذا الباب ، ويعتمد عليه ، فإنّه يشرف به على سائر ما طوّل به من المسائل في الكتب ، وأصولها ما لخّصناه.

٦٨٧

كتاب الحدود

باب ماهية الزنا وما به يثبت ذلك

الزّنا الموجب للحدّ هو وطء من حرّم الله تعالى وطأه من غير عقد ولا شبهة عقد ، ويكون الوطء في الفرج خاصّة ، ويكون الواطئ بالغا كاملا.

فأمّا العقد فهو ما ذكرناه في باب النّكاح من أقسامه ممّا قد أباحه الله تعالى في شريعة الإسلام.

وأمّا شبهة العقد ، فهو أن يعقد الرّجل على ذي محرم له من أمّ أو بنت أو أخت أو عمّة أو خالة أو بنت أخ أو بنت أخت ، وهو لا يعرفها ولا يتحقّقها ، أو يعقد على امرأة لها زوج ، وهو لا يعلم ذلك ، أو يعقد على امرأة ، وهي في عدّة لزوج ، إمّا عدّة طلاق رجعيّ أو بائن ، أو عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وهو جاهل بحالها ، أو يعقد عليها وهو محرم أو هي محرمة ناسيا ، ثمَّ علم شيئا من ذلك ، فإنه يدرأ عنها الحدّ ، ولم يحكم له بالزّنا.

فإن عقد على واحدة ممّن ذكرناه عالما أو متعمّدا ، ثمَّ

٦٨٨

وطئها ، كان حكمه حكم الزّنا سواء ، ويجب عليه ما يجب به على حدّ واحد.

ويثبت حكم الزّنا بشيئين : أحدهما إقرار الفاعل بذلك على نفسه مع كمال عقله من غير إكراه ولا إجبار أربع مرّات دفعة بعد أخرى. فإذا أقرّ أربع مرّات بالوطئ في الفرج ، حكم له بالزّنا ، ووجب عليه ما يجب على فاعله. وإن أقرّ أقلّ من ذلك ، أو أقرّ أربع مرّات بوطء ما دون الفرج ، لم يحكم عليه بالزّنا ، وكان عليه التعزير حسب ما يراه الإمام.

والثّاني قيام البيّنة بالزّنا. وهو أن يشهد أربعة نفر عدول على رجل بأنّه وطئ امرأة ، وليس بينه وبينها عقد ولا شبهة عقد ، وشاهدوه وطئها في الفرج. فإذا شهدوا كذلك ، قبلت شهادتهم ، وحكم عليه بالزّنا ، وكان عليه ما على فاعله ممّا نبيّنه فيما بعد ، إن شاء الله.

فإن شهد الأربعة الذين ذكرناهم عليه بالزّنا ، ولم يشهدوا بالمعاينة ، كان على كلّ واحد منهم حدّ الفرية.

وإن شهد عليه أقلّ من الأربعة واحدا كان أو اثنين أو ثلاثة ، وادّعى المشاهدة ، كان عليهم أجمع حدّ الفرية.

فإن شهد الأربعة ، واختلفوا في شهادتهم ، فبعضهم شهد بالمعاينة وبعضهم بغير ذلك ، كان أيضا عليهم حدّ الفرية.

فإن شهد الأربعة باجتماع الرّجل مع امرأة في إزار واحد

٦٨٩

مجرّدين من ثيابهما ، أو شهدوا بوطء ما دون الفرج ، ولم يشهدوا بالزّنا ، قبلت شهادتهم ، ووجب على فاعل ذلك التعزير.

وإذا شهدوا بالوطئ في الدّبر ، كان حكمه حكم الوطي في القبل سواء. وكذلك حال الإقرار بذلك ، لا يختلف الحكم فيه.

وإذا شهد الشّهود على امرأة بالزّنا ، وادّعت هي أنّها بكر ، أمر النّساء أن ينظرن إليها : فإن كانت كما ذكرت ، لم يكن عليها حدّ ، وإن لم تكن كذلك ، أقيم عليها الحدّ.

وإذا شهد أربعة نفر على امرأة بالزّنا ، أحدهم زوجها ، وجب عليها الحدّ. وقد روي أنّ الثّلاثة يجلدون حدّ المفتري ، ويلاعنها زوجها. وهذه الرّواية محمولة على أنّه إذا لم تعدّل الشّهود ، أو اختلفوا في إقامة الشّهادة ، أو اختلّ بعض شرائطها ، فأمّا مع اجتماع شرائط الشّهادة ، كان الحكم ما قدّمناه.

ولا تقبل شهادة الشّهود في الزّنا إلّا في مكان واحد ومقام واحد في وقت واحد. فإن شهد بعضهم ، وقال : الآن يجي‌ء الباقون ، جلد حدّ المفتري ، لأنّه ليس في ذلك تأخير.

ولا تقبل في الزّنا شهادة النّساء على الانفراد. فإن شهد ثلاثة رجال وامرأتان ، قبلت شهادتهم في الزّنا ، ويجب بشهادتهم الرّجم. فإن شهد رجلان وأربع نسوة ، لم يجب

٦٩٠

بشهادتهم الرّجم ، ويجب بها الحدّ.

فإن شهد رجل وستّ نساء أو أقلّ أو أكثر ، لم تقبل شهادتهم ، وكان على كلّ واحد منهم حدّ الفرية.

وإذا شهد أربعة نفر على رجلين وامرأتين أو أكثر منهم بالزّنا ، قبلت شهادتهم ، وأقيم على الّذين شهدوا عليهم الحدّ. وإذا رأى الإمام أو الوالي من قبله ، تفريق الشّهود ، أصلح في بعض الأوقات ، بعد أن يكونوا حضروا لإقامة الشّهادة ، كان ذلك جائزا.

وحكم المرأة حكم الرجل في جميع ما ذكرناه على حدّ واحد ، في أنّه يحكم عليها بالزّنا ، إمّا بالإقرار أو البيّنة على ما بيّنّاه ، ويدرأ عنها الحدّ في الموضع الّذي يدرأ فيه الحدّ عن الرّجل ، لا يختلف الحكم في ذلك ، إلا ما نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.

وإذا أخذ رجل وامرأة ، فادّعيا الزّوجيّة درئ عنهما الحدّ.

وإذا شاهد الإمام من يزني أو يشرب الخمر ، كان عليه أن يقيم الحدّ عليه ، ولا ينتظر مع مشاهدته قيام البيّنة ولا الإقرار. وليس ذلك لغيره ، بل هو مخصوص به. وغيره ، وإن شاهد ، يحتاج أن يقوم له بيّنة ، أو إقرار من الفاعل على ما بيّنّاه.

٦٩١

وأمّا القتل والسّرقة والقذف وما يجب من حقوق المسلمين من الحدّ والتّعزير ، فليس له أن يقيم الحدّ ، إلّا بعد مطالبة صاحب الحقّ حقّه ، وليس يكفي فيه مشاهدته إيّاه. فإن طلب صاحب الحقّ إقامة الحدّ فيه ، كان عليه إقامته ، ولا ينتظر مع علمه البيّنة والإقرار على ما بيّنّاه.

باب أقسام الزناة

الزّناة على خمسة أقسام :

فقسم منهم يجب عليه الحدّ بالقتل على كلّ حال.

والثاني يجب عليه الجلد ثمَّ الرّجم.

والثّالث يجب عليه الرّجم وليس عليه الجلد.

والرّابع يجب عليه الجلد ثمَّ النّفي.

والخامس يجب عليه الجلد ، ولا يجب عليه النّفي.

فأمّا من يجب عليه القتل على كلّ حال ، سواء كان محصنا أو غير محصن ، حرّا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، شيخا كان أو شابّا ، وعلى كلّ حال ، فهو كلّ من وطئ ذات محرم له أمّا أو بنتا أو أختا أو بنتها أو بنت أخيه أو عمّته أو خالته ، فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال.

وكذلك الذّمّي إذا زنا بامرأة مسلمة ، يجب عليه القتل على كلّ حال ، وكان على المسلمة الحدّ : إمّا الرّجم أو الجلد ، على

٦٩٢

ما تستحقّه من الحدّ. فإن أسلم الذّميّ ، لم يسقط بذلك عنه الحدّ بالقتل ، ووجب قتله على كلّ حال. ومن غصب امرأة فرجها ، فإنّه يجب عليه القتل على كلّ حال ، محصنا كان أو غير محصن. ومن زنا بامرأة أبيه ، وجب أيضا عليه القتل على كل حال ، محصنا كان أو غير محصن.

وأمّا القسم الثّاني ، وهو من يجب عليه الجلد ثمَّ الرّجم ، فهو الشّيخ والشّيخة إذا زنيا وكانا محصنين ، فإنّ على كلّ واحد منهما جلد مائة ثمَّ الرّجم ، يقدّم الجلد عليه ثمَّ بعده الرّجم.

والقسم الثّالث ، وهو من يجب عليه الرّجم ، ولا يجب عليه الجلد ، فهو كلّ محصن أو محصنة ليسا بشيخين ، فإنّهما إذا زنيا كان على كلّ واحد منهما الرّجم وليس عليهما الجلد.

وحدّ الإحصان في الرّجل ، هو أن يكون له فرج يتمكن من وطئه ، ويكون مالكا له ، سواء كان بالعقد أو ملك اليمين. ويراعى في العقد أن يكون مالكا له على جهة الدّوام دون نكاح المتعة. فإن المتعة لا تحصّن. فأمّا العقد الدّائم ، فلا فرق بين أن يكون على حرّة أو أمة أو يهودية أو نصرانيّة ، فإن جميع ذلك يحصّن الرّجل ، وملك اليمين أيضا يحصّن على ما قلناه.

وإذا لم يكن متمكنا من الوطي بأن يكون غائبا عن زوجته غيبة لا يمكنه الوصول إليها ، أو يكون مع كونه حاضرا غير متمكّن من وطئها بأن يكون محبوسا أو ما أشبه ذلك ، أو لا

٦٩٣

يكون قد دخل بها بعد ، فإنّ جميع ما ذكرناه يخرجه من كونه محصنا.

والإحصان في المرأة مثل الإحصان في الرّجل سواء ، وهو أن يكون لها زوج يغدو إليها ويروح مخلّا بينه وبينها ، غير غائب عنها ، وكان قد دخل بها ، حرّا كان أو عبدا ، وعلى كلّ حال.

والقسم الرّابع ، وهو من يجب عليه الجلد ثمَّ النّفي ، فهو البكر والبكرة. والبكر هو الّذي قد أملك على امرأة ، ولا يكون قد دخل بها بعد ، ثمَّ زنا ، فإنه يجب عليه الجلد مائة ونفي سنة عن مصره إلى مصر آخر بعد أن يجزّ رأسه. والبكرة تجلد مائة ، وليس عليها جزّ الشّعر ، ولا نفي على كل حال.

والقسم الخامس وهو من يجب عليه الجلد ، وليس عليه أكثر من ذلك ، فهو كلّ من زنا ، وليس بمحصن ولا بكر ، فإنّه يجب عليه جلد مائة ، ليس عليه أكثر من ذلك ، رجلا كان أو امرأة. ومن هذه صورته إذا زنا فجلد ، ثمَّ زنا ثانية فجلد ، ثمَّ زنا ثالثة فجلد ، ثمَّ زنا رابعة ، كان عليه القتل. فإن زنا أربع مرّات أو أكثر من ذلك ، ولم يقم عليه الحدّ ، فليس عليه أكثر من مائة جلدة.

وجميع هذه الأحكام الّذي ذكرناها خاصّة في الحرّ والحرّة إلّا القسم الأول ، فإنّه يشترك فيه العبيد والأحرار. فأمّا ما عدا

٦٩٤

ذلك ، فحكم المملوك غير حكم الحرّ.

وحكم المملوك والمملوكة إذا زنيا ، أن يجب على كلّ واحد منهما خمسون جلدة ، زنيا بحرّ أو حرّة أو مملوك أو مملوكة ، لا يختلف الحكم فيه ، شيخين كانا أو شابّين ، محصنين كانا أو غير محصنين ، بكرين أو غير بكرين ، وعلى كلّ حال ، وليس عليهما أكثر من ذلك غير أنّهما إذا زنيا ثماني مرات ، وأقيم عليهما الحدّ في ذلك ، ثمَّ زنيا التّاسعة ، كان عليهما القتل. فإن لم يقم عليهما الحدّ في شي‌ء من ذلك ، وإن كان أكثر من ثماني مرّات ، لم يجب عليهما أكثر من خمسين جلدة حسب ما قدّمناه.

وزنا الرّجل الحرّ بالحرّة المسلمة والأمة المسلمة إذا كانت لغيره ، سواء كانت لزوجته أو والدته أو غيرهما من الأجنبي ، على حدّ واحد لا يختلف الحكم فيه. وكذلك حكم المرأة لا فرق بين أن تزني بحرّ أو عبد ملك لها أو لغيرها ، فإن الحكم في ذلك لا يختلف.

وإذا زنا الرّجل بصبيّة لم تبلغ ولا مثلها قد بلغ ، لم يكن عليه أكثر من الجلد ، وليس عليه رجم. فإن أفضاها ، أو أعابها ، كان ضامنا لعيبها.

وكذلك المرأة إذا زنت بصبيّ لم يبلغ ، لم يكن عليها

٦٩٥

رجم ، وكان عليها جلد مائة. ويجب على الصبيّ والصبيّة التّأديب.

والرّجل إذا زنا بمجنونة ، لم يكن عليه رجم ، وكان عليه جلد مائة ، وليس على المجنونة شي‌ء. فإن زنا مجنون بامرأة كان عليه الحدّ تامّا جلد مائة أو الرّجم.

ومن زنا ، وتاب قبل قيام البيّنة عليه بذلك ، درأت التّوبة عنه الحدّ. فإن تاب بعد قيام الشهادة عليه ، وجب عليه الحدّ. ولم يجز للإمام العفو عنه. فإن كان أقرّ على نفسه عند الإمام ، ثمَّ أظهر التّوبة ، كان للإمام الخيار في العفو عنه أو إقامة الحدّ عليه حسب ما يراه من المصلحة في ذلك. ومتى لم يتب ، لم يجز للإمام العفو عنه على حال.

وإذا زنا اليهوديّ أو النّصرانيّ بأهل ملّته ، كان الإمام مخيّرا بين إقامة الحدّ عليه بما تقتضيه شريعة الإسلام ، وبين تسليمه إلى أهل دينه أو دين المرأة ، ليقيموا عليهم الحدود على ما يعتقدونه.

ومن عقد على امرأة في عدّتها ، ودخل بها عالما بذلك ، وجب عليه الحدّ. فإن كان عدّتها عدّة الطّلاق الّذي يملك فيه رجعتها ، كان عليها الرّجم. وإن كانت التّطليقة بائنة ، أو كانت عدّة المتوفّى عنها زوجها ، كان عليها مائة جلدة لا غير. فإن ادّعيا أنّهما لم يعلما أنّ ذلك لا يجوز في شرع الإسلام ،

٦٩٦

لم يصدّقا فيه ، وأقيم عليهما الحدّ على ما بيّنّاه.

والمكاتب إذا زنا ، وكان مشروطا عليه ، فحدّه حدّ المماليك.

وإن كان غير مشروط عليه ، وقد أدّى من مكاتبته شيئا ، جلد بحساب ما أدّى حدّ الحرّ من مائة جلدة ، وبحساب ما بقي من حدّ المملوك من خمسين جلدة ، وليس عليه الرّجم على حال ، إلّا بعد أن تنقضي مكاتبته ويطأ بعد ذلك زوجته وهو حر.

فإذا زنا بعد ذلك ، وجب عليه حينئذ الرّجم. وكذلك المملوك المحصن إذا أعتق ثمَّ زنا ، فإن كان قد وطئ امرأته بعد العتق وقبل الزّنا ، كان عليه الرّجم ، فإن لم يكن وطئها بعد العتق ، كان عليه الجلد مائة ، لأنّه بحكم من لم يدخل بزوجته.

ومن كان له جارية يشركه فيها غيره ، فوطئها ، كان عليه الجلد بحساب ما لا يملك منها ، ويدرأ عنه الحدّ بحساب ما يملك منها.

ومن وطئ جارية من المغنم قبل أن يقسم ، قوّمت عليه ، وأسقط عنه من قيمتها بمقدار ما يصيبه منها ، والباقي بين المسلمين ، ويقام عليه الحدّ ، ويدرأ عنه بمقدار ما كان له منها.

والمرأة إذا زنت ، فحملت من الزّنا ، فشربت دواء ، فأسقطت ، أقيم عليها الحدّ للزّنا ، وعزّرها الإمام على جنايتها بسقوط الحمل حسب ما يراه.

٦٩٧

ومن زنا في شهر رمضان نهارا ، أقيم عليه الحدّ ، وعوقب زيادة عليه ، لانتهاكه حرمة شهر رمضان ، وألزم الكفّارة للإفطار. فإن زنا ليلا ، كان عليه التّعزير والحدّ دون الكفّارة.

ومن زنا في حرم الله وحرم رسوله أو حرم أحد من الأئمّة ، عليهم‌السلام ، كان عليه الحدّ للزّنا والتّعزير لانتهاكه حرمة حرم الله وأوليائه. وكذلك إذا فعل شيئا يوجب الحدّ أو التّعزير في مسجد أو موضع عبادة ، فإنّه يجب عليه مع الحدّ التّعزير ، وفيما يوجب التّعزير تغليظ العقوبة.

ومن زنا في اللّيالي الشّريفة مثل ليالي الجمعة أو ليلة النصف من شعبان أو ليلة الفطر أو الأضحى أو يومهما أو يوم سبعة وعشرين من رجب أو خمسة وعشرين من ذي القعدة أو ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأوّل أو يوم الغدير أو ليلته أو ليلة عاشوراء أو يومه ، فإنّه يغلظ عليه العقوبة.

وإذا أقرّ الإنسان على نفسه بالزّنا ، كان عليه الحدّ على ما بيّنّاه. فإن أقرّ أنّه زنا بامرأة بعينها ، كان عليه حدّ الزّنا وحدّ القذف. وكذلك حكم المرأة إذا قالت : زنا بي فلان ، فإنّه يجب عليها حدّ الزّنا وحدّ الفرية.

والسّكران إذا زنا ، أقيم عليه حدّ الزّنا والسّكر ، ولم يسقط عنه الحدّ لسكره وزوال عقله.

والأعمى إذا زنا وجب عليه الحدّ كما يجب على البصير ،

٦٩٨

ولم يسقط عنه الحدّ لعماه. فإن ادّعى أنّه اشتبه عليه الأمر ، فظنّ أنّ الّتي وطئها كانت زوجته أو أمته ، لم يصدّق ، وأقيم عليه الحدّ.

وقد روي أنّ امرأة تشبّهت لرجل بجاريته ، واضطجعت على فراشه ليلا ، فظنّها جاريته ، فوطئها من غير تحرّز ، فرفع خبره إلى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، فأمر بإقامة الحدّ على الرّجل سرّا ، وإقامة الحدّ على المرأة جهرا.

ولا يحدّ من ادّعى الزّوجيّة إلّا أن تقوم البيّنة بخلاف دعواه. ولا حدّ أيضا مع الإلجاء والإكراه. وإنّما يجب الحدّ بما يفعله الإنسان مختارا.

ومن افتضّ جارية بكرا بإصبعه ، غرّم عشر ثمنها وجلد من ثلاثين سوطا إلى تسعة وتسعين سوطا عقوبة لما جناه. وإن كانت الجارية حرّة ، غرّم عقرها ، وهو مهر مثل نسائها بلا نقصان. فإن كان قد زنا بها ، فذهب بعذرتها ، لم يكن لها عقر على حال. ومن زوّج جاريته من رجل ، ثمَّ وقع عليها ، كان عليه الحدّ.

باب كيفية إقامة الحد في الزنا

المحصن الّذي وجب عليه الجلد والرّجم ، يجلد أوّلا ثمَّ يترك حتّى يبرأ جلده. فإذا برأ ، رجم. فإذا أراد الإمام أن

٦٩٩

يرجمه ، فإن كان الذي وجب عليه ذلك قد قامت عليه به بيّنة ، أمر بأن يحفر له حفيرة ، ودفن فيها الى حقويه ، ثمَّ يرجم. والمرأة مثل ذلك ، تدفن الى صدرها ، ثمَّ ترجم. فإن فرّ واحد منهما من الحفيرة ، ردّ حتّى يستوفي منه الحدّ بالرّجم. وإن كان الرّجم وجب عليهما بإقرار منهما على أنفسهما ، فعل بهما مثل ذلك ، غير أنّه إذا فرّا ، وكان قد أصابهما شي‌ء من الحجر ، لم يردّا ، ويتركان حتّى يمضيا. وإن فرّا قبل أن ينالهما شي‌ء من الحجر ، ردّا على كلّ حال.

وإذا كان الّذي وجب عليه الرّجم قد قامت عليه به بيّنة ، كان أوّل من يرجمه الشّهود ، ثمَّ الإمام ، ثمَّ النّاس. وإن كان قد وجب عليهما ذلك بالإقرار ، كان أوّل من يرجمه الإمام ، ثمَّ النّاس.

والرّجم يكون بأحجار صغار ، ولا يكون بالكبار منها. وينبغي أن يكون الرّجم من وراء المرجوم ، لئلّا يصيب وجهه شي‌ء من ذلك.

ومن وجب عليه الجلد دون الرّجم جلد مائة جلدة كأشدّ ما يكون من الضّرب. ويجلد الرّجل قائما على حالته الّتي وجد عليها : إن وجد عريانا ، جلد كذلك ، وإن وجد وعليه ثياب ، ضرب وعليه ثيابه. ويضرب بدنه كلّه ، ويتّقى وجهه ورأسه وفرجه. فإن مات من يجلد من الضّرب ، لم يكن له قود ولا دية.

٧٠٠