النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة ، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة ، عليها‌السلام ، ركعتان : يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة ، وإنا أنزلناه مائة مرّة ، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر » : يبتدئ الصّلاة ، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها ، سبّح خمس عشرة مرة ، ثمَّ ليركع ، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه ، قاله عشرا. فإذا سجد ، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية ، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا ، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية ، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف ، ويقرأ في الثّانية و « العاديات » ، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله ، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين : يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة ، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات ، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم ، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث ، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب ، اثنتي عشرة ركعة : يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن ، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها ، جلس في مكانه ، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد ، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك ، والمعوذّتين ، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول : « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر » أربع مرّات ، ويقول : « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات : يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه ، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين : يقرأ فيهما ما شاء من السّور ، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم : دعا بما أراد ، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة ، يقول : « أستخير الله في جميع أموري » ، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة ، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين ، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح ، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر ، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته ، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى : يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد ، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم ، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية ، إذا قام به البعض ، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك ، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة ، حرّا أو عبدا ، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا ، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين ، لم تجب الصّلاة عليه ، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه ، فليتقدّم أولى النّاس به ، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل ، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه ، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل ، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة ، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء ، فليقفن آخر الصّفوف ، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض ، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين ، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء ، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة ، إن كانت لرجل ، عند وسطها ، وان كانت لامرأة ، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة ، ويجعل الرّجل ممّا يليها ، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي ، فليقدّم الصّبي ، ثمَّ المرأة ، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي ، ثمَّ المرأة ، ثمَّ العبد ، ثمَّ الرّجل ، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم ، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه ، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير ، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه ، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل ، أو كان عليه خفّ ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير ، ويكبّر خمس تكبيرات ، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب ، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها ، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة ، فليشهد : أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله ، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله ، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين ، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك ، وكان ناصبا معلنا بذلك ، لعنه في صلاته ، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل : ربنا اغفر ( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه ، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك ، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة ، فيراها على أيدي الرّجال ، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات ، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة ، كبّر عليها ، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر ، كبّر على القبر ما بقي له ، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام ، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة ، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك ، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار ، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة ، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت ، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث ، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه ، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك ، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة ، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة ، سوّيت ، وأعيد عليها الصّلاة ، ما لم يدفن. فإن دفن ، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة ، ولم يكن على طهارة ، تيمّم ، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه ، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا ، والمرأة إذا كانت حائضا ، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال ، اغتسلا ، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين ،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى ، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى ، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى ، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه ، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت ، ليس فيهنّ رجل ، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط ، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة ، فلا يتقدّم منهم أحد ، بل يقف في الوسط ، ويكبّر ، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا ، ترك في القبر أوّلا ، وغطّى سوأته ، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك ، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك ، وهو في الشّريعة كذلك ، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين : ضرب يجب الإمساك عنه ، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين : ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه ، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه ، كان مأثوما ، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه ، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه ، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش ، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به ، ولمس ما لا يحلّ ملامسته ، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه ، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر ، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين : مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين : ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار ، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه ، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد ، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين : منهم من إذا لم يصم متعمّدا ، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك ، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم ، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم ، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه ، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه ، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان ، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له ، ورؤي في البلد رؤية شائعة ، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة ، ولم يره جميع أهل البلد ، ورآه خمسون نفسا ، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان ، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب ، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة ، ولم ير في البلد الهلال أصلا ، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان ، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة ، وطلب فلم ير الهلال ، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد ، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته ، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما ، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم ، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان ، فقد وفّق له ، وأجزأ عنه ، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه ، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه ، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه ، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان ، لم يجزئ عنه ، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر ، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف ، كان أفضل. فإن لم يفعلها ، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر ، وذكر في بعض النّهار ، جدّد النّيّة ، وقد أجزأه. فان لم يذكرها ، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر ، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه ، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان ، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان ، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر ، فتوخّى شهرا فصامه ، فوافق ذلك شهر رمضان ، أو كان بعده ، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان ، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان ، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال ، وقد أجزأه ، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام ، أمسك بقيّة النّهار ، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس ، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام ، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب ، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة ، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع ، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه ، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل ، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق ، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك ، صلّى الفرض ، وأفطر ، ثمَّ عاد ، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك ، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه ، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه ، قام إلى الصّلاة ، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين : ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين : ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة ، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة ، فالأكل ، والشّرب ، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع ، والإمناء على جميع الوجوه ، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة ، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّة عليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا ، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق ، والارتماس في الماء ، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك ، من أصابته جنابة ، ونام من غير اغتسال ، ثمَّ انتبه ، ثمَّ نام ، ثمَّ انتبه ثانيا ، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام ، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا ، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل ، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن ، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة ، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر ، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع ، قضا ذلك اليوم ، وليستغفر الله تعالى ، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان ، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة ، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها ، لم يكن عليها شي‌ء ، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة ، فمن أجنب في أوّل اللّيل ، ونام ، ثمَّ انتبه ، ولم يغتسل ، فنام ثانيا ، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر ، كان عليه القضاء ، وصيام ذلك اليوم ، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة ، فدخل الماء حلقه ، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا ، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء ، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه ، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده ، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا ، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل ، فقيل له : قد طلع الفجر ، فلم يمتنع ، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا ، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع ، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا ، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء ، ولم يعلم بدخول الليل ، ولا غلب على ظنّه ذلك ، فأفطر ، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا ، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل ، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا ، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام ، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة ، أو القضاء وحده ، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا ، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا ، وجب عليه ما قدّمناه ، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات ، يرفع فيها إلى الإمام : فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه ، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما ، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك ، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد ، إذا احتاج إلى ذلك ، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف ، كره له ذلك ، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه ، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه ، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف ، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا ، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة ، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة ،

١٥٦

فأمذى ، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى ، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر ، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر ، والطّباخ أن يذوق المرق ، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به ، يجب عليه الإفطار ، ولا يجزي عنه إن صامه ، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار ، ثمَّ صحّ فيما بقي منه ، أمسك تأديبا ، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض ، ومات من مرضه الذي أفطر فيه ، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك ، ولم يقض ما فاته ، ثمَّ مات ، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر ، ثمَّ مات قبل أن يقضي ، وكان متمكّنا من القضاء ، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان ، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر ، ولم يصحّ فيما بينهما ، صام الحاضر ، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن ، لم يكن عليه شي‌ء ، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين ، ولم يقض ما عليه ، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني ، ثمَّ مرض ، صام الثّاني ، وقضى الأوّل ، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا ، وجب عليه أن يصوم الثّاني ، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه ، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين ، ثمَّ مات ، تصدّق عنه عن شهر ، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا ، حكمها حكم ما ذكرناه ، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث ، لا يجب على أحد القضاء عنها ، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء ، فلم تقضه ، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار ، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه : أنه إن صام ، زاد ذلك في مرضه ، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم ، أو يكون رمدا ، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة ، إذا عجزا عن الصّيام ، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا ، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا : أنه يجوز لهم الإفطار ، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام ، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب ، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان ، وقد مضت منه أيّام ، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام ، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه ، إن أسلم قبل طلوع الفجر ، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر ، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم ، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه ، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله ، وكان قد أفطر ، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا ، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم ، وجب عليه الإمساك ، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر ، وهو بعد خارج البلد ، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم ، ويدخل بلده ، فيتمّ صومه ذلك اليوم ، وبين أن يفطر ، فإذا دخل إلى بلده ، أمسك بقيّة نهاره تأديبا ، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل ، إذا علم أنّه يصل إلى بلده ، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده ، تمّم صومه ، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض ، إذا طهرت في وسط النّهار ، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا ، وكان عليها القضاء ، سواء كانت أفطرت قبل ذلك ، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض ، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار ، أو قدر على الصّوم ، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم ، كان عليه الإمساك

١٦٠