النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

فإذا شهدت ثالثة ، طالبها أن تشهد رابعة. فإذا شهدت ، وعظها كما وعظ الرّجل ، وقال لها : « اتّق الله ، عزوجل ، فإنّ غضب الله شديد. وإن كنت قد اقترفت ما قد رماك به ، فتوبي إلى الله. فعقاب الدّنيا أهون من عقاب الآخرة ». فإن اعترفت بالفجور ، رجمها. وإن أقامت على تكذيب الزّوج ، قال لها : قولي : « إنّ غضب الله عليّ ، إن كان من الصّادقين ». فإذا قالت ذلك ، فرّق الحاكم بينهما ، ولا تحلّ له أبدا ، وكان عليها العدة من وقت لعانها.

ومتى نكل الرّجل عن اللّعان قبل استكمال الشّهادات ، كان عليها الحدّ حسب ما قدّمناه. فإن أكذب نفسه بعد مضيّ اللّعان ، لم يكن عليه شي‌ء ، ولا ترجع إليه امرأته. وإن اعترف بالولد قبل انقضاء اللّعان ، ألحق به ، وورثه أبوه ، وهو يرث أباه ، وكان عليه الحدّ. فإن اعترف به بعد مضيّ اللّعان ، ألحق به ، ويرثه ولده ، وهو لا يرث ابنه ، ويكون ميراث الابن لأمّه أو لمن يتقرّب إليه من جهة الأمّ دون الأب ومن يتقرّب إليه به ، وكان عليه الحدّ على ما روي في بعض الرّوايات. والأظهر ما ذكرناه أوّلا : أنّه لا حدّ عليه بعد مضيّ اللعان.

ومتى نكلت المرأة عن اللّعان قبل استيفاء الشّهادات ، كان عليها الرّجم. فإن اعترفت بالفجور بعد مضيّ اللّعان ،

٥٢١

لم يكن عليها شي‌ء. إلّا أن تقرّ أربع مرّات على نفسها بالفجور فإذا أقرّت أربع مرّات : أنّها زنت في حال إحصانها ، كان عليها الرّجم. وإن كانت غير محصنة ، كان عليها الحدّ مائة جلدة.

ومتى قذف الرّجل امرأته بالزّنا ، ولم يدّع المشاهدة مثل الميل في المكحلة ، لم يثبت بينهما لعان ، وكان عليه حدّ المفتري. وكذلك إن قال لها : « يا زانية » أو « قد زنيت » ، ولم يقم بذلك بيّنة أربعة شهود ، كان عليه حدّ المفتري. وإن قال : « وجدت معها رجلا في إزار ، ولا أدري ما كان بينهما » ، عزّر وأدّب ، ولم يفرّق بينهما.

ومتى قذفها بالفجور ، وادّعى المشاهدة ، وهي في حباله ، أو يكون قد طلّقها طلاقا يملك فيه رجعتها ، ثبت بينهما لعان. فإن قذفها بعد انقضاء عدّتها ، أو في عدّة لا رجعة له عليها فيها ، لم يثبت بينهما لعان ، وكان عليه حدّ المفتري.

وإذا قذف امرأته بما يجب فيه الملاعنة ، وكانت خرساء أو صمّاء لا تسمع شيئا ، فرّق بينهما ، وجلد الحدّ ، إن قامت عليه بيّنة. وإن لم تقم به بيّنة ، لم يكن عليه حدّ ، ولم تحلّ له أبدا ، ولم يثبت أيضا بينهما لعان.

ولا يكون اللّعان بين الرّجل وامرأته إلّا بعد الدّخول بها. فإن قذفها قبل الدّخول بها ، كان عليه الحدّ ، وهي امرأته ،

٥٢٢

لا يفرّق بينهما.

وإذا كان الزّوج مملوكا والمرأة حرّة ، أو يكون الرّجل حرّا والمرأة مملوكة أو يهوديّة أو نصرانيّة ، ثبت بينهما اللّعان. فإن كانت له أمة يطأها بملك اليمين ، لم يكن بينهما لعان ، وهو أبصر بشأنه معها.

وإن كانت الزّوجة متعة ، فلا لعان بينهما.

وإذا انتقى الرّجل من ولد امرأة حامل منه ، جاز له أن يتلاعنا ، إلّا أنّها إن اعترفت ونكلت عن الشّهادات ، لم يقم عليها الحدّ إلّا بعد وضع ما في بطنها.

وإذا طلّق الرّجل امرأته قبل الدّخول بها ، فادّعت عليه أنّها حامل منه ، فإن أقامت البيّنة أنّه أرخى سترا ، وخلا بها ، ثمَّ أنكر الولد ، لاعنها ، ثمَّ بانت منه ، وعليه المهر كملا.

وإن لم تقيم بذلك بيّنة ، كان عليه نصف المهر ، ووجب عليها مائة سوط بعد أن يحلف بالله تعالى أنّه ما دخل بها.

وإذا قذف الرّجل امرأته ، فترافعا الى الحاكم ، فماتت المرأة قبل أن يتلاعنا ، فإن قام رجل من أهلها مقامها ، فلاعنه ، فلا ميراث له. وإن أبى أحد من أوليائها أن يقوم مقامها ، أخذ الزّوج الميراث ، وكان عليه الحدّ ثمانين سوطا.

وإذا قذف امرأته بعد مضيّ اللّعان بينهما ، كان عليه حدّ القاذف. وإذا قال لامرأته : لم أجدك عذراء ، لم يكن عليه الحدّ

٥٢٣

تامّا ، وكان عليه التّعزير.

وأمّا المرتدّ عن الإسلام ، فعلى ضربين : فإن كان مسلما ولد على فطرة الإسلام ، فقد بانت امرأته في الحال ، وقسم ماله بين ورثته ، ووجب عليه القتل من غير أن يستتاب ، وكان على المرأة منه عدّة المتوفّى عنها زوجها.

وإن كان المرتدّ ممّن كان قد أسلم عن كفر ، ثمَّ ارتدّ ، استتيب فإن عاد إلى الإسلام ، كان العقد ثابتا بينه وبين امرأته. وإن لم يرجع ، كان عليه القتل. ومتى لحق هذا المرتدّ بدار الحرب ، ثمَّ رجع الى الإسلام قبل انقضاء عدّة ، المرأة ، وهي ثلاثة أشهر ، كان أملك بها. فإن رجع بعد انقضاء عدّتها ، لم يكن له عليها سبيل. وإن مات الرّجل ، وهو مرتدّ قبل انقضاء العدّة ، ورثته المرأة ، وكان عليها عدّة المتوفّى عنها زوجها. وإن ماتت هي ، لم يرثها الزّوج وهو مرتدّ عن الإسلام.

باب الظهار والإيلاء

الظّهار هو قول الرّجل لامرأته : أنت عليّ كظهر أمي أو بنتي أو أختي أو عمّي أو خالتي ، أو يذكر بعض المحرّمات عليه ، وتكون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها فيه بجماع ، ويشهد على ذلك رجلين مسلمين ، ويقصد بذلك التّحريم. فإذا فعل ذلك ، حرم عليه وطؤها ، ولا تحلّ له ذلك حتّى يكفّر ومتى اختلّ

٥٢٤

واحد من هذه الشرائط التي ذكرناها ، فإنّه لا يقع ظهار.

ثمَّ إنّه ينقسم قسمين : قسم منه يجب فيه الكفّارة قبل المواقعة. والثّاني لا تجب فيه الكفّارة إلّا بعد المواقعة.

فالقسم الأوّل هو أنّه إذا تلفّظ بالظّهار على ما قدّمناه ، ولا يعلّقه بشرط ، فإنّه يجب عليه الكفّارة قبل مواقعتها. فإن واقعها قبل أن يكفّر ، كان عليه كفّارة أخرى.

والضّرب الثّاني لا تجب فيه الكفّارة إلّا بعد أن يفعل ما شرط أنّه لا يفعله أو يواقعها. فمتى واقعها ، كانت عليه كفّارة واحدة. فإن كفّر قبل أن يواقع ، ثمَّ واقع ، لم يجزه ذلك عن الكفّارة الواجبة بعد المواقعة ، وكان عليه إعادتها. ومتى فعل ما ذكر أنّه لا يفعله ، وجبت عليه الكفّارة أيضا قبل المواقعة. فإن واقعها بعد ذلك ، كان عليه كفّارة أخرى ، إذا فعل ذلك متعمّدا ، فإن فعله ناسيا ، لم يكن عليه أكثر من كفّارة واحدة.

والكفّارة عتق رقبة. فإن لم يجده ، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع ، كان عليه إطعام ستّين مسكينا والصّوم لا يجزيه إلّا بعد العجز عن الرّقبة. وكذلك الإطعام لا يجزيه إلّا بعد العجز عن الصّوم. فإن عجز عن ذلك كلّه ، لم يجز له أن يطأ المرأة ، وجاز له المقام معها.

فإن طلبت مفارقته ، ورفعته الى الحاكم ، أجّله ثلاثة أشهر. فإن كفّر ، وإلّا ألزمه طلاقها إذا كان متمكّنا من الكفّارة.

٥٢٥

فإن لم يكن متمكّنا منها ، لم يلزم الطّلاق. فإن طلّق المظاهر امرأته قبل أن يكفّر ، سقطت عنه الكفّارة. فإن راجعها قبل أن تخرج من العدّة ، لم يجز له وطؤها حتّى يكفّر. فإن خرجت من العدّة ، ثمَّ عقد عليها عقدا مستأنفا ، لم تكن عليها كفّارة ، وجاز له وطؤها.

ومتى ظاهر الرّجل من امرأته مرّة بعد أخرى ، كان عليه بعدد كلّ مرّة كفّارة. فإن عجز عن ذلك لكثرته ، فرّق الحاكم بينه وبين امرأته. وكذلك إن ظاهر الرّجل من نساء له جماعة بكلام واحد ، كان عليه عن كلّ واحدة منهنّ كفّارة ، ولم يجز له وطؤ واحدة منهنّ.

وإذا حلف الرّجل بالظّهار ، لم يلزمه حكمه. وإذا قال الرّجل : أنت عليّ كيد أمّي أو كرجلها أو شعرها أو شي‌ء من أعضائها ، وقصد بذلك الظّهار ، لزمه حكمه. ولا يقع ظهار على الإكراه ، ولا على الإجبار ، ولا على الغضب ، ولا في حال السّكر ، ولا في إضرار.

وعلى الرّجل أن يكفّر بعدد كلّ مرّة يواقعها كفّارة ، إذا كان لم يكفّر قبل المواقعة. والظّهار لا يقع إلّا على المدخول بها.

ومتى أراد أن يصوم في كفّارة ظهار ، كان عليه أن يصوم شهرين متتابعين. فإن صام شهرا ، وصام من الشّهر الثّاني شيئا ، جاز له أن يفرّق ما بقي عليه. وإن لم يصم من الثّاني شيئا ،

٥٢٦

وأفطر ، وجب عليه استيناف الصّيام.

ومتى أفطر قبل أن يصوم شهرا لمرض ، جاز له البناء عليه. ومتى دخل في الصّوم ، ثمَّ قدر على الرّقبة ، جاز له البناء على الصّوم وإتمامه. ويستحبّ له أن يترك الصّوم. ويعتق الرّقبة. ومتى عجز عن إطعام ستّين مسكينا ، صام ثمانية عشر يوما. فإن عجز عن ذلك أيضا ، كان حكمه ما قدّمناه من أنّها يحرم عليه وطؤها إلى أن يكفّر.

والإطعام يكون لكل رجل نصف صاع ، وهو مدّان ، أربعة أرطال ونصف بالعراقيّ.

والظّهار يقع بالحرّة والأمة ، سواء كانت الأمة زوجة أو موطوءة بملك يمين ، في أنّه متى ظاهر منها ، لم يجز له وطؤها ، إلّا بعد الكفّارة. والعبد إذا ظاهر من امرأته ، كان ظهاره واقعا ، إلّا أنّه لا يجب عليه من الكفّارة إلّا الصّوم. والصّوم عليه شهر واحد ، لا أكثر منه.

وأمّا الإيلاء فهو أن يحلف الرّجل بالله تعالى ألّا يجامع زوجته ، ثمَّ أقام على يمينه. فإذا فعل ذلك ، كانت المرأة بالخيار : إن شاءت صبرت عليه أبدا ، وإن شاءت خاصمته الى الحاكم. فإن استعدت عليه ، أنظره الحاكم بعد رفعها إليه أربعة أشهر ، ليراجع نفسه ويرتئي في أمره. فإن كفر عن يمينه ، وراجع زوجته ، فلا حقّ لها عليه. وإن أقام على عضلها والامتناع من

٥٢٧

وطيها ، خيّره الحاكم بين أن يكفّر ويعود الى زوجته أو يطلّق. فإن أبى الرّجوع والطّلاق جميعا ، وأقام على الإضرار بها ، حبسه الحاكم في حظيرة من قصب وضيّق عليه في المطعم والمشرب حتّى يفي‌ء إلى أمر الله ، ويرجع الى زوجته أو يطلّقها. فإن طلّقها ، كان عليها العدّة من يوم طلّقها ، وهو أملك برجعتها ما لم تخرج من العدّة. فإن خرجت من عدّتها ، لم يكن له عليها رجعة.

ولا يكون الإيلاء إلّا بأسماء الله تعالى. ومتى آلى بغير اسم الله تعالى ، أو حلف بالطّلاق أو العتاق وما أشبه ذلك : إلّا يطأ زوجته ، فليرجع إليها وليطأها ، وليس عليه كفّارة. ومتى آلى ألّا يقرب زوجته وهي مرضعة ، خوفا من حملها ، فيضر ذلك بالولد ، لم يلزمه الحاكم حكم الإيلاء ، لأنّه حلف في صلاح. ولا يقع الإيلاء إلّا بعد الدّخول بها. فإن آلى قبل الدّخول بها ، لم يكن له تأثير. والمتمتّع بها ، لا يقع بها إيلاء على حال. وإذا ادّعت المرأة على الرّجل أنّه لا يقربها ، وزعم الرّجل أنّه يقربها ، كان عليه اليمين بالله تعالى أنّ الأمر على ما قال ، ويخلّي بينه وبينها وليس عليه شي‌ء.

باب الخلع والمبارأة والنشوز والشقاق

الخلع والمبارأة ممّا يؤثّران في كيفيّة الطّلاق. وهو أنّ كلّ واحد منهما متى حصل مع الطّلاق ، كانت التّطليقة بائنة.

٥٢٨

والفرق بينهما أن الخلع لا يكون إلّا بشي‌ء من جهة المرأة خاصّة. والمبارأة تكون من جهة المرأة والرّجل معا ، ولا يختصّ ذلك واحدا منهما دون الآخر.

وإنّما يجب الخلع إذا قالت المرأة لزوجها : إنّي لا أطيع لك أمرا ، ولا أقيم لك حدّا ، ولا أغتسل لك من جنابة ، ولأوطئنّ فراشك من تكرهه إن لم تطلّقني. فمتى سمع منها هذا القول ، أو علم من حالها عصيانه في شي‌ء من ذلك ، وإن لم تنطق به وجب عليه خلعها.

فإذا أراد خلعها ، اقترح عليها شيئا معلوما تعطيه ، سواء كان ذلك مثل المهر الذي أعطاها ، أو أكثر منه ، أو أنقص ، حسب ما يختاره. أيّ ذلك فعل ، جاز ، وحلّ له ما يأخذ منها.

فإذا تقرّر بينهما على شي‌ء معلوم ، طلّقها بعد ذلك ، وتكون تطليقة بائنة لا يملك فيها رجعتها. اللهمّ إلّا أن ترجع المرأة فيما بذلته من مالها. فإن رجعت في شي‌ء من ذلك ، كان له الرّجوع أيضا في بعضها ما لم تخرج من العدّة. فإن خرجت من العدّة ، ثمَّ رجعت في شي‌ء ممّا بذلته ، لم يلتفت إليها ، ولم يكن له أيضا عليها رجعة. فإن أراد مراجعتها قبل انقضاء عدّتها ، إذا لم ترجع هي فيما بذلته أو بعد انقضائها ، كان ذلك بعقد مستأنف ومهر جديد.

والخلع لا يقع ، إلّا أن تكون المرأة طاهرا طهرا لم يقربها

٥٢٩

فيه بجماع ، أو تكون غير مدخول بها ، أو يكون غائبا عنها زوجها المدّة التي قدّمناها ، أو لم تكن قد بلغت مبلغ النّساء ، أو تكون قد أيست من المحيض. وإن مات الرّجل أو المرأة بعد الخلع قبل انقضاء العدّة ، لم يقع بينهما توارث ، لأنّه قد انقطعت العصمة بينهما.

وامّا المبارأة فهي ضرب من الخلع ، إلّا أنّه تكون الكراهة من جهة الرّجل والمرأة من كلّ واحد منهما لصاحبه. فمتى عرفا ذلك من حالهما ، أو قالت المرأة لزوجها : أنا كرهت المقام معك وأنت أيضا قد كرهت المقام معي فبارئني ، أو يقول الرّجل : مثل ذلك على أن تعطيني كيت وكيت ، أو تتركي عليّ بعض المهر ، ويقترح عليها شيئا معلوما ، ويكون ذلك دون المهر الذي أعطاها ، ولا يكون أكثر منه ، فإذا بذلت من نفسها ذلك ، طلّقها حينئذ تطليقة واحدة للسّنة بشرائط الطّلاق ، وتكون التّطليقة بائنة لا رجعة له عليها ، إلّا أن ترجع في شي‌ء ممّا وهبته له. فإن رجعت في شي‌ء من ذلك ، كان له أيضا الرّجوع في بعضها ما لم تخرج من العدّة. فإن خرجت من عدّتها ، لم يكن لأحدهما على الآخر سبيل ، إلّا بعقد مستأنف ومهر جديد.

وأمّا النّشوز فهو أن يكره الرّجل المرأة ، وتريد المرأة المقام معه ، وتكره مفارقته ، ويريد الرّجل طلاقها ، فتقول له : لا تفعل ، إنّي أكره أن تشمت بي ، ولكن انظر ليلتي ، فاصنع

٥٣٠

فيها ما شئت ، وما كان سوى ذلك من نفقة وغيرها فهو لك ، وأعطيك أيضا من مالي شيئا معلوما ، ودعني على حالتي ، فلا جناح عليهما أن يصالحا بينهما على هذا الصّلح.

وامّا الشّقاق فهو أنّه إذا كره كلّ واحد من الزّوجين الآخر ، ووقع بينهما الخصومة ، ولا يصطلحان لا على المقام ولا على الطّلاق ، فلا بأس أن يبعث الرّجل حكما من أهله ، وتبعث المرأة حكما من أهلها ، ويجعلا الأمر إليهما على ما يريان من الصّلاح. فإن رأيا من الصّلاح الجمع بينهما ، جمعا ، ولم يستأذنا ، ولم يكن لهما مخالفتهما. وإن رأيا من الصّلاح التّفريق بينهما ، لم يفرّقا حتّى يستأذنا ، فإذا استأذناهما ، ورضيا بالطّلاق ، فرّقا بينهما. وإن رأى أحد الحكمين التّفريق والآخر الجمع ، لم يكن لذلك حكم حتّى يصطلحا على أمر واحد : إما جمع أو تفريق.

باب العدد وأحكامها

إذا طلّق الرّجل زوجته قبل الدّخول بها ، لم يكن عليها منه عدّة ، وحلّت للأزواج في الحال. وإن قد كان فرض لها المهر ، كان عليه نصف ما فرض لها. وإن لم يكن سمّى لها مهرا ، كان عليه أن يمتّعها على قدر حاله : إن كان موسرا ، بجارية أو ثوب تبلغ قيمته خمسة دنانير فصاعدا ، وإن كان متوسّطا ، فبما بين

٥٣١

الثّلاثة دنانير الى ما زاد عليها ، وإن كان معسرا ، بخاتم وما أشبهه أو دينار فما زاد عليه. وتعتبر المتعة على ما جرت به عادة أمثال ذلك الرّجل وأمثال تلك المرأة في المتعة.

وإذا دخل بها ، ثمَّ أراد طلاقها ، فإن كانت لم تبلغ المحيض ، ومثلها لا تحيض ، وحدّ ذلك ما دون التّسع سنين ، لم يكن عليها منه عدّة ، ووجب عليه المهر كملا ، إذا سمّى لها المهر. وإن لم يكن قد سمّى المهر ، كان عليه مثل مهر نسائها ، ولا يجاوز خمسمائة درهم. وإن كانت لا تحيض ، ومثلها تحيض ، كان عليها أن تعتدّ بثلاثة أشهر. فإذا مضت ، فقد بانت منه ، وملكت نفسها. وإن كانت ممّن تحيض حيضا مستقيما ، كان عليها أن تعتدّ بثلاثة أقراء ، وهي الأطهار. فإذا رأت الدّم من الحيضة الثّالثة ، فقد ملكت نفسها ، ولم يكن له عليها سبيل ، إلّا أنّه لا يجوز لها أن تتزوّج إلّا بعد أن تطهر من حيضها وتغتسل. فإن عقدت على نفسها قبل الغسل ، كان العقد ماضيا غير أنّها تكون تاركة فضلا. ولا يجوز لها أن تمكّن الزّوج من نفسها إلّا بعد الغسل. وإذا مات الرّجل أو المرأة قبل أن تنقطع العصمة بينهما ، فإنّه يرث كلّ واحد منهما صاحبه.

وإذا كانت المرأة مسترابة ، فإنّها تراعي الشّهور والحيض. فإن مرّت بها ثلاثة أشهر بيض لم تر فيها دما ، فقد بانت منه بالشّهور. وإن مرّت بها ثلاثة أشهر إلّا يوما ، ثمَّ رأت الدّم ،

٥٣٢

كان عليها أن تعتدّ بالأقراء. فإن تأخّرت عنها الحيضة الثّانية ، فلتصبر من يوم طلّقها الى تمام التّسعة أشهر. فإن لم تر دما ، فلتعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر ، وقد بانت منه. وإن رأت الدّم فيما بينها وبين التسعة أشهر ثانيا ، واحتبس عليها الدّم الثّالث ، فلتصبر تمام السّنة ، ثمَّ تعتدّ بعد ذلك بثلاثة أشهر تمام الخمسة عشر شهرا ، وقد بانت منه. وأيّهما مات ما بينه وبين الخمسة عشر شهرا ، ورثه صاحبه.

وإذا حاضت المرأة حيضة واحدة ، ثمَّ ارتفع حيضها ، وعلمت أنّها لا تحيض بعد ذلك ، فلتعتدّ بعد ذلك بشهرين ، وقد بانت منه.

وإذا كانت المطلّقة مستحاضة ، وتعرف أيّام حيضها ، فلتعتدّ بالأقراء. وإن لم تعرف أيّام حيضها ، اعتبرت صفة الدّم ، واعتدّت أيضا بالأقراء. فإن اشتبه عليها دم الحيض بدم الاستحاضة ، ولم يكن لها سبيل الى الفرق بينهما ، اعتبرت عادة نسائها في الحيض ، فتعتدّ على عادتهنّ في الأقراء. فإن لم تكن لها نساء. أو كنّ مختلفات العادة ، اعتدّت بثلاثة أشهر ، وقد بانت منه.

ومتى كانت المرأة لها عادة بالحيض في حال الاستقامة ، ثمَّ اضطربت أيّامها ، فصارت مثلا بعد أن كانت تحيض كلّ شهر لا تحيض إلّا في شهرين أو في ثلاثة أو فيما زاد عليه ، فلتعتدّ

٥٣٣

بالأقراء على ما جرت به عادتها في حال الاستقامة ، وقد بانت منه وإذا كانت المرأة لا تحيض إلّا في ثلاث سنين أو أربع سنين مرّة واحدة ، وكان ذلك عادة لها ، فلتعتدّ بثلاثة أشهر ، وقد بانت منه ، ليس عليها أكثر من ذلك.

وإذا طلّقها ، وكانت حاملا ، فعدّتها أن تضع حملها ، وإن كان بعد الطّلاق بلا فصل ، وحلّت للأزواج ، سواء كان ما وضعته سقطا أو غير سقط ، تامّا أو غير تامّ. وإن كانت حاملا باثنين ووضعت واحدا ، فقد ملكت نفسها ، غير أنّه لا يجوز لها أن تعقد على نفسها ، إلّا بعد وضع جميع ما في بطنها.

فإن ارتابت بالحمل بعد أن طلّقها ، أو ادّعت ذلك ، صبر عليها تسعة أشهر ، ثمَّ تعتدّ بعد ذلك ثلاثة أشهر ، وقد بانت منه فإن ادّعت بعد انقضاء هذه المدّة حملا ، لم يلتفت الى دعواها ، وكانت باطلة.

وإذا طلّق الرّجل امرأته طلاقا يملك فيه رجعتها ، فلا يجوز له أن يخرجها من بيته ، ولا لها أن تخرج إلّا أن تأتي بفاحشة مبيّنة. والفاحشة أن تفعل ما يجب فيه عليها الحدّ. فإذا فعلت ذلك ، أخرجت ، وأقيم عليها الحدّ. وقد روي أنّ أدنى ما يجوز له معه إخراجها : أن تؤذي أهل الرّجل. فإنّها متى فعلت ذلك ، جاز له إخراجها. ومتى اضطرّت المرأة إلى الخروج ، أو أرادت

٥٣٤

قضاء حقّ ، فلتخرج بعد نصف اللّيل ، ولترجع الى بيتها قبل الصّبح.

وإذا كانت عليها حجّة الإسلام ، جاز لها أن تخرج فيها غير أن يأذن لها زوجها. فإن أرادت أن تحجّ تطوّعا ، فلا يجوز لها ذلك ، إلّا بعد انقضاء عدّتها ، اللهمّ إلّا أن يأذن لها الزّوج في الخروج اليه.

ومتى كانت التّطليقة بائنة لا يملك فيها الرّجعة ، جاز له إخراجها في الحال ، ولا تلزمه أيضا نفقتها. اللهمّ إلّا أن تكون حاملا ، فتلزمه النّفقة عليها ، حتّى تضع ما في بطنها. وإذا لم تكن حاملا ، لزمته النّفقة عليها ، ما دام له عليها رجعة. فإذا انقطعت العصمة ، سقطت عنه النّفقة على كلّ حال.

وإذا طلّقها وهي آيسة من المحيض ، ومثلها تحيض ، كان عدّتها ثلاثة أشهر. وإن كانت آيسة من المحيض ، ومثلها لا تحيض ، فليس عليها منه عدّة ، وبانت في الحال ، وحلّت للأزواج.

والحرّة إذا كانت تحت مملوك ، فعدّتها مثل عدّتها ، إذا كانت تحت حرّ ، لا يحتلف الحكم فيه.

والأمة إذا كانت تحت حرّ ، وطلّقها ، فعدّتها قرءان إن كانت ممّن تحيض. وإن كانت ممّن لا تحيض ، ومثلها تحيض فعدّتها خمسة وأربعون يوما. فإن طلّقها طلاقا يملك فيه

٥٣٥

الرّجعة ، ثمَّ أعتقت ، وجب عليها أن تعتدّ عدّة الحرّة. وإن كانت التّطليقة بائنة ، فعدّتها عدّة الأمة حسب ما قدّمناه.

والمتمتّع بها إذا انقضى أجلها ، فعدّتها قرءان. وإن كانت ممّن لا تحيض ، ومثلها تحيض ، فعدّتها خمسة وأربعون يوما.

وعدّة المتوفّى عنها زوجها ، أربعة أشهر وعشرة أيّام ، إذا كانت حرّة ، سواء كانت زوجة على طريق الدّوام أو متمتّعا بها ، وسواء دخل بها الرّجل أو لم يدخل. وان كانت أمة ، فإن كانت أمّ ولد لمولاها ، فعدّتها أيضا مثل عدّة الحرّة ، أربعة أشهر وعشرة أيّام ، وإن كانت مملوكة ليست أمّ ولد ، فعدّتها شهران وخمسة أيّام.

فإن طلّقها الرّجل ، ثمَّ مات عنها ، فإن كان طلاقا يملك فيه رجعتها ، كان عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيام ، إذا كانت أمّ ولد ، وإن لم تكن أمّ ولد ، كانت عدّتها شهرين وخمسة أيّام حسب ما قدّمناه ، وإن لم يملك رجعتها ، فعدّتها عدّة المطلّقة حسب ما قدّمناه.

وإذا مات عنها زوجها ، ثمَّ عتقت ، كان عدّتها أربعة أشهر وعشرة أيّام. وكذلك إن كانت الأمة يطؤها بملك يمين وأعتقها بعد وفاته ، كان عليها أن تعتدّ أربعة أشهر وعشرة أيّام فإن أعتقها في حال حياته ، كان عدّتها ثلاثة قروء ، أو ثلاثة أشهر حسب ما قدّمناه.

٥٣٦

وإذا طلّق الرّجل زوجته الحرّة ، ثمَّ مات عنها ، فإن كان طلاقا يملك فيه الرّجعة ، فعدّتها أبعد الأجلين : أربعة أشهر وعشرة أيّام ، وإن لم يملك رجعتها ، كان عدّتها عدّة المطلّقة.

وإن مات الرّجل عن زوجته وهي حامل ، فعدّتها أيضا أبعد الأجلين. فإن وضعت قبل انقضاء أربعة أشهر وعشرة أيّام ، كان عليها أن تستوفي تمام ذلك. وإن مضى بها المدّة المذكورة ، ولم تضع ما في بطنها ، فعليها أن تعتدّ الى أن تضع ما في بطنها.

ولا نفقة للتي مات عنها زوجها من تركة الرّجل. فإن كانت حاملا أنفق عليها من نصيب ولدها الذي في بطنها. ويجوز لها أن تبيت في الدّار التي مات فيها زوجها حيث شاءت.

وعليها الحداد إذا كانت حرّة. فإن كانت أمة لم يكن عليها حداد.

والحداد هو ترك الزّينة وأكل ما فيه الرائحة الطيبة وشمّه.

وإذا مات الرّجل غائبا ، ثمَّ جاء نعيه إلى المرأة ، وجب عليها أن تعتدّ من يوم يبلغها الخبر ، لأنّ عليها الحداد.

وإذا طلّقها ، وهو غائب ، فلتعتدّ من يوم طلّقها ، ويكون عدّتها بالشهور ثلاثة أشهر. فإن كان قد انقضى ثلاثة أشهر من يوم طلّقها ، جاز لها أن تتزوّج في الحال. وإن لم يكن قد انقضى ذلك ، كان عليها أن تستوفي المدّة ، وقد بانت منه. هذا إذا قامت البيّنة لها على أنّه طلّقها في يوم معلوم. فإن لم

٥٣٧

تقم لها بيّنة بأكثر من أنّه طلّقها ، كان عليها أن تعتدّ من يوم يبلغها.

وعدّة اليهوديّة والنّصرانيّة مثل عدّة الحرّة المسلمة إذا مات عنها زوجها : أربعة أشهر وعشرة أيّام.

وإذا غاب الرّجل عن زوجته غيبة لم يعرف فيها خبره ، فالأمر إليها في ذلك : إن صبرت ، كان لها ، وإن لم تصبر ، ورفعت خبرها إلى الإمام ، كان عليه أن يلزم وليّه النّفقة عليها. فإن أنفق ، لم يكن لها بعد ذلك خيار ، ووجب عليها الصّبر أبدا. وإن لم يكن له وليّ ، أو يكون غير أنّه لا يكون في يده مال للغائب فعلى الإمام أن يبعث من يتعرّف خبره في الآفاق ، وتصبر أربع سنين.

فإن وجد له خبر ، لم يكن لها سبيل الى التّزويج ، وكان على الإمام أن ينفق عليها من بيت المال. وإن لم يعرف له خبر بعد أربع سنين ، من يوم رفعت أمرها الى الإمام ، اعتدّت من الزّوج عدّة المتوفّى عنها زوجها ، ثمَّ لتتزوّج إن شاءت. فإن جاء زوجها كان أملك بها ما لم تخرج من العدّة ، أو تكون قد خرجت ، غير أنها لم تكن قد تزوّجت. فإن كانت تزوّجت بعد انقضاء عدّتها ، فلا سبيل للأوّل عليها ، وكانت زوجة للثّاني.

٥٣٨

كتاب العتق والتدبير والمكاتبة

باب من يصح ملكه ومن لا يصح ومن إذا ملك انعتق اما في الحال أو فيما بعده من غير أن يعتقه صاحبه

كلّ من أقرّ على نفسه بالعبوديّة ، وكان بالغا ، أو قامت البيّنة على عبوديّته ، وإن لم يكن بلغ ، جاز تملّكه ، والتصرّف بالبيع والشّراء والهبة وما أشبهها.

وكلّ من خالف الإسلام من سائر أصناف الكفّار يصحّ استرقاقهم ، ثمَّ هم ينقسمون قسمين :

قسم منهم تقبل منهم الجزية ، ويقرّون على دينهم وأحكامهم ويعفون من الاسترقاق ، وهم أهل الكتاب : اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم أهل الكتاب. فإن امتنعوا من قبول الجزية ، قتلوا ، وسبي ذراريّهم ، واسترقّوا.

ومن عدا أهل الكتاب لا يقبل منهم إلّا الإسلام. فإن امتنعوا كان الحكم فيهم القتل واسترقاق الذّراريّ.

ولا بأس باسترقاق جميع أصناف الكفّار ، وإن سباهم أهل الفسق والضّلال.

٥٣٩

وكذلك لا بأس أن يشتري الإنسان ممّا يسبي بعض الكفّار من بعض.

ولا بأس أيضا أن يشتري من الكافر بعض أولاده أو زوجته أو أحد ذوي أرحامه ، ويكون ذلك حلالا له ، ويسوغ له التّصرّف فيه بالبيع والهبة والوطي وغير ذلك.

وإذا كان العبد ممّا يباع في أسواق المسلمين فلا بأس بشرائه. فإن ادّعى أنّه حرّ ، لم يقبل قوله إلّا ببيّنة عادلة.

ومتى ملك الإنسان أحد والديه ، أو ولده ذكرا كان أو أنثى ، أو أخته أو عمّته أو خالته ، أو واحدة من المحرّمات عليه في النّكاح من ذوي أرحامه ، انعتقوا في الحال ، ولم يثبت لهم معه استرقاق على حال.

ولا بأس أن يملك أخاه أو ابن أخيه أو ابن أخته أو عمّه أو خاله وغيرهم من الرّجال ، إلّا أنّه يستحبّ له إذا ملك واحدا من ذوي أرحامه أن يعتقهم.

وكلّ من ذكرناه من المحرّمات من جهة النسب ، وأنّه لا يثبت استرقاقهم ، فإنّه لا يثبت استرقاقهم ، إذا كانوا من جهة الرّضاع ، وهم الأبوان والولد والأخت والعمّة والخالة. ومن عدا هؤلاء ، فلا بأس باسترقاقهم على جميع الوجوه.

والمملوك إذا عمي أو جذم أو أقعد أو نكّل به صاحبه أو مثّل به ، انعتق في الحال ، ولا سبيل لصاحبه عليه.

٥٤٠