النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

يده مع يد الذّابح ، ويسمّي الله تعالى ، ويقول « وَجَّهْتُ وَجْهِيَ » إلى قوله « وأنا من المسلمين » ثمَّ يقول : « اللهم منك ولك. بسم الله ، والله أكبر. اللهمّ تقبّل منّي » ثمَّ يمرّ السّكين. ولا ينخعه حتّى يموت. ومن أخطأ في الذّبيحة ، فذكر غير صاحبها ، كانت مجزئة عنه بالنّيّة. وينبغي أن يبدأ أيضا بالذّبح قبل الحلق ، وفي العقيقة بالحلق قبل الذّبح. فإن قدّم الحلق على الذّبح ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن السّنّة أن يأكل الإنسان من هديه لمتعته ، ومن الأضحيّة ويطعم القانع والمعترّ : يأكل ثلثه ، ويطعم القانع والمعترّ ثلثه ، ويهدي لأصدقائه الثّلث الباقي. وقد بيّنّا أنه لا يجوز أن يأكل من الهدي المضمون إلّا إذا كان مضطرّا. فإن أكل منه من غير ضرورة ، كان عليه قيمته. ولا بأس بأكل لحوم الأضاحي بعد ثلاثة أيام وادّخارها. ولا يجوز أن يخرج من منى من لحم ما يضحّيه. ولا بأس بإخراج السّنام منه. ولا بأس أيضا بإخراج لحم قد ضحّاه غيره. ويستحبّ أن لا يأخذ شيئا من جلود الهدي والأضاحي ، بل يتصدّق بها كلّها. ولا يجوز أيضا أن يعطيها الجزّار. وإذا أراد أن يخرج شيئا منها لحاجته إلى ذلك ، تصدّق بثمنه.

ولا يجوز أن يحلق الرّجل رأسه ، ولا أن يزور البيت ، إلا بعد الذّبح ، أو أن يبلغ الهدي محلّه. وهو أن يحصل في رحله

٢٦١

فإذا حصل في رحله بمنى ، وأراد أن يحلق ، جاز له ذلك. ومتى فعل ذلك ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء. ومن وجبت عليه بدنة في نذر أو كفّارة ، ولم يجدها ، كان عليه سبع شياه. فإن لم يجد ، صام ثمانية عشر يوما إمّا بمكّة أو إذا رجع إلى أهله.

والصّبيّ إذا حجّ به متمتّعا ، وجب على وليّه أن يذبح عنه.

ومن لم يتمكّن من شراء هدي ، إلّا يبيع بعض ثيابه التي يتجمّل بها ، لم يلزمه ذلك ، وكان الصوم مجزئا عنه.

ويجزي الهدي عن الأضحيّة. وإن جمع بينهما ، كان أفضل. ومن لم يجد الأضحيّة ، جاز له أن يتصدّق بثمنها. فإن اختلفت أثمانها ، نظر إلى الثّمن الأوّل والثّاني والثّالث ، وجمعها ثمَّ يتصدّق بثلثها ، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر لله تعالى أن ينحر بدنة ، فإن سمّى الموضع الذي ينحرها فيه ، وجب عليه الوفاء به ، وإن لم يسمّ الموضع ، لم يجز له أن ينحرها إلّا بفناء الكعبة. ويكره للإنسان أن يضحّي بكبش قد تولّى تربيته ، ويستحبّ أن يكون ذلك ممّا يشتريه.

باب الحلق والتقصير

يستحبّ أن يحلق الإنسان رأسه بعد الذّبح. وإن كان صرورة ، لا يجزئه غير الحلق. وإن كان ممّن حجّ حجّة الإسلام ، جاز له التّقصير ، والحلق أفضل. اللهمّ إلّا أن يكون قد لبّد

٢٦٢

شعره. فإن كان كذلك ، لم يجزئه غير الحلق في جميع الأحوال.

ومن ترك الحلق عامدا أو التّقصير إلى أن يزور البيت ، كان عليه دم شاة. وإن فعله ناسيا ، لم يكن عليه شي‌ء ، وكان عليه إعادة الطّواف. ومن رحل من منى قبل الحلق ، فليرجع إليها ، ولا يحلق رأسه إلّا بها مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من الرّجوع إليها ، فليحلق رأسه في مكانه ، ويردّ شعره إلى منى ، ويدفنه هناك فإن لم يتمكّن من ردّ الشعر ، لم يكن عليه شي‌ء.

والمرأة ليس عليها حلق ، ويكفيها من التّقصير مقدار أنملة.

وإذا أراد أن يحلق ، فليبدأ بناصيته من القرن الأيمن ويحلق إلى العظمين ويقول إذا حلق : « اللهمّ أعطني بكلّ شعرة نورا يوم القيامة ». ومن لم يكن على رأسه شعر ، فليمرّ الموسى عليه. وقد أجزأه. وإذا حلق رأسه ، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء والطّيب ، إن كان متمتّعا. فإن كان حاجّا غير متمتّع ، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف الزّيارة ، حلّ له كلّ شي‌ء إلّا النّساء. فإذا طاف طواف النّساء ، حلّت له أيضا النّساء.

ويستحبّ ألا يلبس الثّياب إلّا بعد الفراغ من طواف الزّيارة ، وليس ذلك بمحظور. وكذلك يستحبّ ألّا يمسّ الطّيب إلّا بعد الفراغ من طواف النّساء ، وإن لم يكن ذلك محظورا على ما قدّمناه.

٢٦٣

باب زيارة البيت والرجوع الى منى ورمي الجمار

فإذا فرغ من مناسكه بمنى ، فليتوجّه إلى مكّة ، وليزر البيت يوم النّحر ، ولا يؤخره إلّا لعذر. فإن أخّره لعذر ، زار من الغد ولا يؤخر أكثر من ذلك. هذا إذا كان متمتّعا. فإن كان مفردا أو قارنا ، جاز له أن يؤخر الى أيّ وقت شاء ، غير أنّه لا تحلّ له النّساء. وتعجيل الطّواف للقارن والمفرد أفضل من تأخيره.

ويستحبّ لمن أراد زيارة البيت أن يغتسل قبل دخول المسجد والطّواف بالبيت ، ويقلّم أظفاره ، ويأخذ من شاربه ، ثمَّ ثمَّ يزور. ولا بأس أن يغتسل الإنسان بمنى ، ثمَّ يجي‌ء إلى مكّة ، فيطوف بذلك الغسل بالبيت. ولا بأس أن يغتسل بالنّهار ويطوف بالليل ما لم ينقض ذلك الغسل بحدث أو نوم. فإن نقضه بحدث أو نوم ، فليعد الغسل استحبابا ، حتّى يطوف وهو على غسل. ويستحبّ للمرأة أيضا أن تغتسل قبل الطّواف.

وإذا أراد أن يدخل المسجد ، فليقف على بابه ، ويقول : « اللهمّ أعنّي على نسكك » إلى آخر الدّعاء الذي ذكرناه في الكتاب المقدّم ذكره. ثمَّ يدخل المسجد ، ويأتي الحجر الأسود فيستلمه ويقبّله. فإن لم يستطع ، استلمه بيده وقبّل يده. فإن لم يتمكّن من ذلك أيضا ، استقبله ، وكبّر ، وقال ما قال حين طاف بالبيت يوم قدم مكّة. ثمَّ يطوف بالبيت أسبوعا كما قدّمنا وصفه

٢٦٤

ويصلّي عند المقام ركعتين. ثمَّ ليرجع الى الحجر الأسود فيقبّله ، إن استطاع ، ويستقبله ويكبّر. ثمَّ ليخرج إلى الصّفا ، فيصنع عنده ما صنع يوم دخل مكّة. ثمَّ يأتي المروة ، ويطوف بينهما سبعة أشواط ، يبدأ بالصّفا ويختم بالمروة.

فإذا فعل ذلك ، فقد حلّ له كلّ شي‌ء أحرم منه إلّا النّساء. ثمَّ ليرجع الى البيت ، فيطوف به طواف النّساء أسبوعا ، يصلّي عند المقام ركعتين ، وقد حلّ له النّساء.

وأعلم أنّ طواف النّساء فريضة في الحجّ وفي العمرة المبتولة. وليس بواجب في العمرة التي يتمتّع بها الى الحج. فإن مات من وجب عليه طواف النّساء. كان على وليّه القضاء عنه. وإن تركه وهو حيّ ، كان عليه قضاؤه. فإن لم يتمكّن من الرّجوع الى مكّة ، جاز له أن يأمر من يتوب عنه. فإذا طاف النّائب عنه ، حلّت له النّساء. وطواف النّساء فريضة على النّساء والرّجال والشّيوخ والخصيان ، لا يجوز لهم تركه على حال.

فإذا فرغ الإنسان من الطّواف فليرجع إلى منى ولا يبيت ليالي التّشريق إلّا بها. فإن بات في غيرها ، كان عليه دم شاة. فإن بات بمكّة ليالي التّشريق ، ويكون مشتغلا بالطّواف والعبادة ، لم يكن عليه شي‌ء. وإن لم يكن مشتغلا بهما ، كان عليه ما ذكرناه ، وان خرج من منى بعد نصف اللّيل ، جاز له أن يبيت بغيرها ، غير أنّه لا يدخل مكّة إلّا بعد طلوع الفجر. وإن تمكّن ألّا يخرج

٢٦٥

منها إلّا بعد طلوع الفجر ، كان أفضل. ومن بات الثّلاث ليال بغير منى متعمّدا ، كان عليه ثلاثة من الغنم. والأفضل أن لا يبرح الإنسان أيّام التّشريق من منى. فإن أراد أن يأتي مكّة للطّواف بالبيت تطوّعا ، جاز له ذلك ، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

وإذا رجع الإنسان إلى منى لرمي الجمار ، كان عليه أن يرمي ثلاثة أيّام : الثّاني من النّحر والثّالث والرّابع ، كلّ يوم بإحدى وعشرين حصاة. ويكون ذلك عند الزّوال ، فإنّه الأفضل. فإن رماها ما بين طلوع الشمس الى غروبها ، لم يكن به بأس.

فإذا أراد أن يرمي ، فليبدأ بالجمرة الأولى ، فليرمها عن يسارها من بطن المسيل بسبع حصيات يرميهنّ خذفا. ويكبّر مع كلّ حصاة ، ويدعوا بالدّعاء الذي قدّمناه. ثمَّ يقوم عن يسار الطّريق ويستقبل القبلة ، ويحمد الله تعالى ويثني عليه ، ويصلّي على النّبيّ وآله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ثمَّ ليتقدم قليلا ويدعوا ويسأله أن يتقبّل منه. ثمَّ يتقدّم أيضا ويرمي الجمرة الثّانية ، ويصنع عندها كما صنع عند الأولى ، ويقف ويدعوا ، ثمَّ يمضي إلى الثّالثة فيرميها كما رمى الأوليين ، ولا يقف عندها.

وإذا غابت الشّمس ، ولم يكن قد رمى بعد ، فلا يجوز له أن يرمي إلّا في الغد. فإذا كان من الغد ، رمى ليومه مرّة ، ومرّة قضاء لما فاته ، ويفصل بينهما بساعة. وينبغي أن يكون الذي يرمي لأمسه بكرة ، والذي ليومه عند الزّوال. فإن فاته رمي يومين ،

٢٦٦

رماها كلّها يوم النّفر ، وليس عليه شي‌ء. وقد بينا أنّه لا يجوز الرّمي باللّيل. وقد رخّص للعليل والخائف والرّعاة والعبيد الرّمي باللّيل. ومن نسي رمي الجمار الى أن أتى مكّة ، عاد إلى منى ، ورماها ، وليس عليه شي‌ء. وحكم المرأة في جميع ما ذكرناه حكم الرّجل سواء.

فإن لم يذكر الى أن يخرج من مكّة ، لم يكن عليه شي‌ء. إلّا أنّه إن حجّ في العام المقبل ، أعاد ما كان قد فاته من رمي الجمار. وإن لم يحجّ أمر وليّه أن يرمي عنه. فإن لم يكن له وليّ ، استعان برجل من المسلمين في قضاء ذلك عنه.

والترتيب واجب في الرّمي. يجب أن يبدأ بالجمرة العظمى ثمَّ الوسطى ثمَّ جمرة العقبة. فمن خالف شيئا منها ، أو رماها منكوسة ، كان عليه الإعادة. ومن بدأ بجمرة العقبة ثمَّ الوسطى ثمَّ الأولى ، أعاد على الوسطى ثمَّ جمرة العقبة وقد أجزأه. فإن نسي فرمى الجمرة الأولى بثلاث حصيات ، ورمى الجمرتين الأخريين على التّمام ، كان عليه ان يعيد عليها كلّها. وإن كان قد رمى من الجمرة الأولى بأربع حصيات ثمَّ رمى الجمرتين على التّمام ، كان عليه أن يعيد على الأولى بثلاث حصيات. وكذلك إن كان قد رمى على الوسطى أقل من أربعة ، أعاد عليها وعلى ما بعدها. وإن رماها بأربعة ، تمّمها ، وليس عليه شي‌ء من الإعادة على الثّالثة. ومن رمى جمرة بست حصيات ، وضاعت عنه واحدة ،

٢٦٧

أعاد عليها بحصاة ، وإن كان من الغد. ولا يجوز له أن يأخذ من حصى الجمار فيرمي بها. ومن علم أنّه قد نقص حصاة واحدة ، ولم يعلم من أي الجمار هي ، أعاد على كلّ واحدة منها بحصاة. فإن رمى بحصاة ، فوقعت في محمله ، أعاد مكانها حصاة أخرى. فإن أصابت إنسانا أو دابّة ، ثمَّ وقعت على الجمرة ، فقد أجزأه.

ولا بأس أن يرمي الإنسان راكبا. وإن رمى ماشيا ، كان أفضل ولا بأس أن يرمى عن العليل والمبطون والمغمى عليه والصّبيّ.

وينبغي أن يكبّر الإنسان بمنى عقيب خمس عشرة صلاة. يبدأ بالتّكبير يوم النّحر من بعد الظّهر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّالث من أيّام التّشريق ، وفي الأمصار عقيب عشر صلوات ، يبدأ عقيب الظّهر من يوم النّحر إلى صلاة الفجر من اليوم الثّاني من أيّام التّشريق ، ويقول في التّكبير : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الله أكبر على ما هدانا ، والحمد لله على ما أولانا ورزقنا من بهيمة الأنعام ».

باب النفر من منى ودخول الكعبة ووداع البيت

لا بأس أن ينفر الإنسان من منى اليوم الثّاني من أيّام التّشريق وهو اليوم الثّالث من يوم النّحر. فإن أقام إلى النّفر الأخير ، وهو اليوم الثّالث من أيّام التّشريق والرّابع من يوم النّحر ، كان أفضل. فإن كان ممّن أصاب النّساء في إحرامه أو صيدا ، لم يجز له أن

٢٦٨

ينفر في النّفر الأوّل. ويجب عليه المقام الى النّفر الأخير. وإذا أراد أن ينفر في النّفر الأوّل ، فلا ينفر إلّا بعد الزّوال ، إلّا أن تدعوه ضرورة إليه من خوف وغيره ، فإنّه لا بأس أن ينفر قبل الزّوال ، وله أن ينفر بعد الزّوال ما بينه وبين غروب الشّمس. فإذا غابت الشّمس ، لم يجز له النّفر ، وليبت بمنى الى الغد. وإذا نفر في النّفر الأخير ، جاز له أن ينفر من بعد طلوع الشّمس أيّ وقت شاء. فإن لم ينفر وأراد المقام بمنى ، جاز له ذلك ، إلّا الإمام خاصّة ، فإنّ عليه أن يصلّي الظّهر بمكّة.

ومن نفر من منى ، وكان قد قضى مناسكه كلّها ، جاز له أن لا يدخل مكّة. وإن كان قد بقي عليه شي‌ء من المناسك ، فلا بدّ له من الرّجوع إليها. والأفضل على كلّ حال الرّجوع إليها لتوديع البيت وطواف الوداع.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان بمسجد منى ، وهو مسجد الخيف. وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله مسجده عند المنارة التي في وسط المسجد ، وفوقها إلى القبلة نحوا من ثلاثين ذراعا ، وعن يمينها وعن يسارها مثل ذلك. فإن استطعت أن يكون مصلّاك فيه ، فافعل. ويستحبّ أن يصلّي الإنسان ستّ ركعات في مسجد منى. فإذا بلغ مسجد الحصباء ، وهو مسجد رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، فليدخله وليسترح فيه قليلا وليستلق على قفاه.

٢٦٩

فإذا جاء إلى مكّة فليدخل الكعبة ، إن تمكّن من ذلك سنّة واستحبابا. والصّرورة لا يترك دخولها على حال مع الاختيار. فإن لم يتمكّن من ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء.

فإذا أراد دخول الكعبة فليغتسل قبل دخولها سنّة مؤكّدة. فإذا دخلها ، فلا يمتخط فيها ، ولا يبصق. ولا يجوز دخولها بحذاء. ويقول إذا دخلها : « اللهمّ إنّك قلت : ومن دخله كان آمنا ، فآمنّى من عذابك عذاب النار ».

ثمَّ يصلّي بين الأسطوانتين على الرّخامة الحمراء ركعتين ، يقرأ في الأولى منهما « حم السّجدة » وفي الثّانية عدد آياتها ، ثمَّ ليصلّ في زوايا البيت كلّها ، ثمَّ يقول : « اللهمّ من تهيّأ وتعبّأ » إلى آخر الدّعاء. فإذا صلّى عند الرّخامة على ما قدّمناه ، وفي زوايا البيت ، قام فاستقبل الحائط بين الرّكن اليمانيّ والغربيّ ، ويرفع يديه ، ويلتصق به ، ويدعوا. ثمَّ يتحوّل الى الرّكن اليمانيّ ، فيفعل به مثل ذلك. ثمَّ يأتي الرّكن الغربيّ ، ويفعل به أيضا مثل ذلك ، ثمَّ ليخرج. ولا يجوز أن يصلّي الإنسان الفريضة جوف الكعبة مع الاختيار. فإن اضطرّ الى ذلك ، لم يكن عليه بأس بالصّلاة فيها. فأمّا النّوافل فالصّلاة فيها مندوب اليه.

فإذا خرج من البيت ونزل عن الدرجة ، صلّى عن يمينه ركعتين. فإذا أراد الخروج من مكّة ، جاء الى البيت ، فطاف به أسبوعا طواف الوداع سنّة مؤكّدة. فإن استطاع أن يستلم الحجر

٢٧٠

والرّكن اليمانيّ في كل شوط ، وفعل. وإن لم يتمكّن ، افتتح به ، وختم به ، وقد أجزأه. فإن لم يتمكن من ذلك أيضا ، لم يكن عليه شي‌ء. ثمَّ يأتي المستجار ، فيصنع عنده كما صنع يوم قدم مكّة. ويتخيّر لنفسه من الدّعاء ما أراد. ثمَّ يستلم الحجر الأسود ، ثمَّ يودّع البيت ويقول : « اللهمّ لا تجعله آخر العهد من بيتك » ثمَّ ليأت زمزم فيشرب منه ، ثمَّ ليخرج ، ويقول : « آئبون تائبون ، عابدون ، لربّنا حامدون ، الى ربّنا راغبون ، الى ربّنا راجعون ». فإذا خرج من باب المسجد ، فليكن خروجه من باب الحنّاطين. فيخرّ ساجدا ، ويقوم مستقبل الكعبة ، فيقول : « اللهمّ إني أنقلب على لا إله إلا الله ».

ومن لم يتمكّن من طواف الوداع ، أو شغله شاغل عن ذلك حتى خرج ، لم يكن عليه شي‌ء. فإذا أراد الخروج من مكّة ، فليشتر بدرهم تمرا ، وليتصدّق به ، ليكون كفّارة لما دخل عليه في الإحرام ، إن شاء الله.

باب فرائض الحج

فرائض الحجّ : الإحرام من الميقات ، والتّلبيات الأربع ، والطّواف بالبيت ، إن كان متمتّعا ، ثلاثة أطواف : طواف للعمرة ، وطواف للزيارة ، وطواف للنّساء ، وإن كان قارنا أو مفردا ، طوافان : طواف للحجّ ، وطواف للنّساء ، ويلزمه مع

٢٧١

كلّ طواف ركعتان عند المقام ، وهما أيضا فرضان ، والسّعي بين الصّفا والمروة ، والوقوف بالموقفين : عرفات والمشعر الحرام وإن كان متمتّعا ، كان الهدي أيضا واجبا عليه أو ما يقوم مقامه.

فمن ترك الإحرام متعمّدا ، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا حتّى يجوز الميقات ، كان عليه أن يرجع إليه ، ويحرم منه ، إذا تمكّن منه. فإن لم يتمكّن لضيق الوقت أو الخوف أو ما جرى مجراهما من أسباب الضّرورات ، أحرم من موضعه وقد أجزأه. فإن كان قد دخل مكّة ، وأمكنه الخروج الى خارج الحرم ، فليخرج وليحرم منه. فإن لم يستطع ذلك ، أحرم من موضعه.

ومن ترك التّلبية متعمّدا ، فلا حجّ له. وإن تركها ناسيا ، ثمَّ ذكر ، فليجدّد التّلبية ، وليس عليه شي‌ء.

ومن ترك طواف الزّيارة متعمّدا ، فلا حجّ له. وإن تركه ناسيا ، أعاد الطّواف أيّ وقت ذكره.

ومن ترك طواف النّساء متعمّدا ، لم يبطل حجّة ، إلّا أنّه لا تحلّ له النّساء ، حتى يطوف عنه حسب ما قدّمناه. وركعتا الطّواف متى تركهما ناسيا ، كان عليه قضاءهما حسب ما قدّمناه.

ومن ترك السّعي متعمّدا ، فلا حجّ له. فإن تركه ناسيا ،

٢٧٢

عليه قضاؤه حسب ما قدّمناه.

ومن ترك الوقوف بعرفات متعمّدا ، أو بالمشعر الحرام ، فلا حجّ له. فإن ترك الوقوف بعرفات ناسيا ، كان عليه أن يعود ، فيقف بها ما بينه وبين طلوع الفجر من يوم النّحر. فإن لم يذكر إلّا بعد طلوع الفجر ، وكان قد وقف بالمشعر ، فقد تمَّ حجّه ، وليس عليه شي‌ء.

وإذا ورد الحاجّ ليلا ، وعلم : أنّه مضى الى عرفات ، وقف بها وإن كان قليلا ، ثمَّ عاد الى المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس ، وجب عليه المضيّ إليها والوقوف بها ، ثمَّ يجي‌ء إلى المشعر الحرام. فإن غلب على ظنّه أنّه إن مضى الى عرفات ، لم يلحق المشعر قبل طلوع الشّمس ، اقتصر على الوقوف بالمشعر ، وقد تمَّ حجّه ، وليس عليه شي‌ء.

ومن أدرك المشعر الحرام قبل طلوع الشّمس ، فقد أدرك الحجّ. وإن أدركه بعد طلوع الشّمس ، فقد فاته الحجّ.

ومن وقف بعرفات ، ثمَّ قصد المشعر ، فعاقه في الطّريق عائق ، فلم يلحق الى قرب الزّوال ، فقد تمَّ حجّه ، ويقف قليلا بالمشعر ويمضي إلى منى. ومن لم يكن قد وقف بعرفات ، وأدرك المشعر بعد طلوع الشّمس ، فقد فاته الحجّ ، لأنّه لم يلحق أحد الموقفين في وقته.

ومن فاته الحجّ ، فليقم على إحرامه الى انقضاء أيّام

٢٧٣

التّشريق ، ثمَّ يجي‌ء ، فيطوف بالبيت ، ويسعى بين الصّفا والمروة ، ويجعل حجّته عمرة. وإن كان قد ساق معه هديا ، فلينحره بمكّة وكان عليه الحجّ من قابل إن كانت حجته حجّة الإسلام. وإن كانت حجّة التّطوّع ، كان بالخيار : إن شاء حجّ ، وإن شاء لم يحجّ. ومن حضر المناسك كلّها ورتّبها في مواضعها. إلّا أنّه كان سكرانا ، فلا حجّ له ، وكان عليه الحجّ من قابل.

باب مناسك النساء في الحج والعمرة

قد بيّنّا فيما تقدّم من أن الحجّ واجب على النّساء كوجوبه على الرّجال. فمتى كانت المرأة لها زوج ، فلا تخرج إلّا معه. فإن منعها زوجها من الخروج في حجّة الإسلام ، جاز لها خلافه. ولتخرج ، وتحجّ حجّة الإسلام. وإن أرادت أن تحجّ تطوّعا ، فمنعها زوجها ، فليس لها مخالفته.

وينبغي أن لا تخرج إلّا مع ذي محرم لها من أب أو أخ أو عمّ أو خال. فإن لم يكن لها أحد ممّن ذكرناه. جاز لها أن تخرج مع من تثق بدينه من المؤمنين.

وإذا كانت المرأة في عدّة الطّلاق ، جاز لها أن تخرج في حجّة الإسلام ، سواء كان للزّوج عليها رجعة أو لم تكن. وليس لها أن تخرج إذا كانت حجّتها تطوّعا ، إلّا أن تكون العدّة

٢٧٤

لزوجها عليها فيها رجعة. فأمّا عدّة المتوفّى عنها زوجها ، فلا بأس بها أن تخرج فيها الى الحجّ فرضا كان أو نفلا.

وإذا خرجت المرأة ، وبلغت ميقات أهلها ، فعليها أن تحرم منه ، ولا تؤخره. فإن كانت حائضا ، توضّأت وضوء الصّلاة واحتشت واستثفرت وأحرمت ، إلّا أنها لا تصلّي ركعتي الإحرام فإن تركت الإحرام ظنّا منها أنّه لا يجوز لها ذلك ، وجازت الميقات ، كان عليها أن ترجع الى الميقات ، فتحرم منه ، إذا أمكنها ذلك. فإن لم يمكنها ، أحرمت من موضعها. إذا لم تكن قد دخلت مكّة. فإن كانت قد دخلت مكّة ، فلتخرج الى خارج الحرم ، وتحرم من هناك. فإن لم يمكنها ذلك ، أحرمت من موضعها ، وليس عليها شي‌ء.

فإذا دخلت المرأة مكّة ، وكانت متمتّعة ، طافت بالبيت ، وسعت بين الصّفا والمروة ، وقصّرت. وقد أحلّت من كلّ ما أحرمت منه مثل الرّجل سواء.

فإن حاضت قبل الطّواف ، انتظرت ما بينها وبين الوقت الذي تخرج الى عرفات. فإن طهرت ، طافت وسعت. وإن لم تطهر ، فقد مضت متعتها ، وتكون حجّة مفردة ، تقضي المناسك كلّها ثمَّ تعتمر بعد ذلك عمرة مبتولة. فإن طافت بالبيت ثلاثة أشواط ثمَّ حاضت ، كان حكمها حكم من لم يطف. وإذا طافت أربعة أشواط ، ثمَّ حاضت ، قطعت الطّواف ،

٢٧٥

وسعت بين الصّفا والمروة ، وقصّرت ، ثمَّ أحرمت بالحجّ ، وقد تمّت متعتها.

فإذا فرغت من المناسك ، وطهرت تمّمت الطّواف. وإن كانت قد طافت الطّواف كلّه ، ولم تكن قد صلّت الرّكعتين عند المقام ، فلتخرج من المسجد ، ولتسع ، وتعمل ما قدّمناه من الإحرام بالحجّ وقضاء المناسك ، ثمَّ تقضي الرّكعتين إذا طهرت. وإذا طافت بالبيت بين الصّفا والمروة وقصّرت ، ثمَّ أحرمت بالحجّ ، وخافت أن يلحقها الحيض فيما بعد ، فلا تتمكّن من طواف الزّيارة وطواف النّساء ، فجائز لها أن تقدّم الطّوافين معا ، والسّعي بين الصّفا والمروة ، ثمَّ تخرج فتقضي المناسك كلّها ، ثمَّ ترجع الى منزلها.

فإن كانت قد طافت طواف الزّيارة ، وبقي عليها طواف النّساء ، فلا تخرج من مكّة إلّا بعد أن تقضيه. وإن كانت قد طافت منه أربعة أشواط وأرادت الخروج ، جاز لها أن تخرج وإن لم تتمّ الطّواف.

والمستحاضة لا بأس بها أن تطوف بالبيت ، وتصلّي عند المقام ، وتشهد المناسك كلّها ، إذا فعلت ما تفعله المستحاضة. والفرق بينها وبين الحائض ، أنّ الحائض لا يحلّ لها دخول المسجد ، فلا تتمكّن من الطّواف ، ولا يجوز لها أيضا الصّلاة ، والطّواف لا بدّ فيه من الصّلاة ، وليس هذا حكم المستحاضة.

٢٧٦

وإذا أرادت الحائض وداع البيت ، فلا تدخل المسجد ، ولتودّع من أدنى باب من أبواب المسجد ، وتنصرف ، إن شاء الله.

وإذا كانت المرأة عليلة لا تقدر على الطّواف ، طيف بها ، وتستلم الأركان والحجر. فإن كان عليها زحمة ، فتكفيها الإشارة. ولا تزاحم الرّجال. وإن كان بها علّة تمنع من حملها والطّواف بها ، طاف عنها وليّها ، وليس عليها شي‌ء. وكذلك إذا كانت عليلة لا تعقل عند الإحرام ، أحرم عنها وليّها ، وجنّبها ما يجتنب المحرم ، وقد تمَّ إحرامها. وليس على النّساء حلق ولا دخول البيت. فإن أرادت دخول البيت ، فلتدخله إذا لم يكن هناك زحام. ولا يجوز للمستحاضة دخول البيت على حال.

باب من حج عن غيره

من وجب عليه الحجّ ، لا يجوز له أن يحجّ عن غيره إلّا بعد أن يقضي حجّته التي وجبت عليه. فإذا قضاها ، جاز له بعد ذلك أن يحجّ عن غيره. ومن ليس له مال يجب عليه الحجّ ، جاز له أن يحجّ عن غيره. فإن تمكّن بعد ذلك من المال ، كان عليه أن يحجّ عن نفسه ، وقد أجزأت الحجّة التي حجّها عمّن حجّ عنه.

وينبغي لمن يحجّ عن غيره أن يذكره في المواضع كلّها ،

٢٧٧

فيقول عند الإحرام : اللهمّ ما أصابني من تعب أو نصب أو لغوب فأجر فلان بن فلان ، وأجرني في نيابتي عنه. وكذلك يذكره عند التّلبية والطّواف والسّعي وعند الموقفين وعند الذّبح وعند قضاء جميع المناسك ، فإن لم يذكره في هذه المواضع ، وكانت نيته الحجّ عنه ، كان جائزا.

ومن أمر غيره أن يحجّ عنه متمتّعا ، فليس له أن يحجّ عنه مفردا ولا قارنا. فإن حجّ عنه كذلك ، لم يجزئه ، وكان عليه الإعادة. وإن أمره أن يحجّ عنه مفردا أو قارنا ، جاز له أن يحجّ عنه متمتّعا ، لأنه يعدل الى ما هو الأفضل. ومن أمر غيره أن يحجّ عنه على طريق بعينها ، جاز له أن يعدل عن ذلك الطّريق الى طريق آخر. وإذا أمره أن يحجّ عنه بنفسه ، فليس له أن يأمر غيره بالنّيابة عنه. فإن جعل الأمر في ذلك اليه ، جاز له أن يستنيب غيره فيه. وإذا أخذ حجة عن غيره ، لا يجوز له أن يأخذ حجة أخرى ، حتى يقضي التي أخذها.

وإذا حجّ عن غيره ، فصدّ عن بعض الطّريق ، كان عليه ممّا أخذه بمقدار ما بقي من الطّريق. اللهم إلّا أن يضمن الحجّ فيما يستأنف ، ويتولّاه بنفسه.

فإن مات النّائب في الحجّ ، وكان موته بعد الإحرام ودخول الحرم ، فقد سقطت عنه عهدة الحجّ ، وأجزأ عمّن حجّ عنه وإن مات قبل الإحرام ودخول الحرم ، كان على ورثته ، إن

٢٧٨

خلّف في أيديهم شيئا ، مقدار ما بقي عليه من نفقة الطّريق. وإذا أخذ حجة ، فأنفق ما أخذه في الطّريق من غير إسراف ، واحتاج الى زيادة ، كان على صاحب الحجّة أن يتمّمه استحبابا. فإن فضل من النّفقة شي‌ء ، كان له ، وليس لصاحب الحجّة الرّجوع عليه بالفضل. ولا يجوز للإنسان أن يطوف عن غيره وهو بمكّة ، إلّا أن يكون الذي يطوف عنه مبطونا لا يقدر على الطّواف بنفسه ، ولا يمكن حمله والطّواف به. وإن كان غائبا ، جاز أن يطوف عنه.

وإذا حجّ الإنسان عن غيره من أخ له أو أب أو ذي قرابة أو مؤمن ، فإن ثواب ذلك يصل الى من حجّ عنه من غير أن ينقض من ثوابه شي‌ء. وإذا حجّ الإنسان عمّن يجب عليه الحجّ بعد موته تطوّعا منه بذلك ، فإنّه يسقط عن الميّت بذلك فرض الحجّ.

ومن كان عنده وديعة ، فمات صاحبها ، وله ورثة ، ولم يكن قد حجّ حجّة الإسلام ، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يحجّ عنه ، ويردّ الباقي على ورثته ، إذا غلب على ظنّه أنّ ورثته لا يقضون عنه حجّة الإسلام. فإن غلب على ظنّه أنّهم يتولّون القضاء عنه ، فلا يجوز له أن يأخذ منها شيئا إلّا بأمرهم.

ولا بأس أن تحجّ المرأة عن الرّجل إذا كانت قد حجّت

٢٧٩

حجّة الإسلام ، وكانت عارفة. وإذا لم تكن حجّت حجّة الإسلام ، وكانت صرورة ، لم يجز لها أن تحجّ عن غيرها على حال.

ولا يجوز لأحد أن يحجّ عن غيره إذا كان مخالفا له في الاعتقاد ، اللهمّ إلّا أن يكون أباه ، فإنّه يجوز له أن يحجّ عنه.

باب العمرة المفردة

العمرة فريضة مثل الحجّ ، لا يجوز تركها. ومن تمتّع بالعمرة إلى الحجّ ، سقط عنه فرضها. وإن لم يتمتّع ، كان عليه أن يعتمر بعد انقضاء الحجّ ، إن أراد ، بعد انقضاء أيّام التّشريق ، وإن شاء أخّرها إلى استقبال المحرّم. ومن دخل مكّة بالعمرة المفردة في غير أشهر الحجّ ، لم يجز له أن يتمتّع بها الى الحجّ. فإن أراد التّمتّع كان عليه تجديد عمرة في أشهر الحجّ. وإن دخل مكّة بالعمرة المفردة في أشهر الحجّ ، جاز له أن يقضيها ، ويخرج الى بلده أو أيّ موضع شاء. والأفضل له أن يقيم حتى يحجّ ، ويجعلها متعة. وإذا دخلها بنيّة التّمتّع ، لم يجز له أن يجعلها مفردة ، وأن يخرج من مكّة ، لأنّه صار مرتبطا بالحجّ. وأفضل العمرة ما كانت في رجب ، وهي تلي الحجّ في الفضل.

٢٨٠