النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

إلّا ما اشتراه في سهمه وموضعه ، إن شاء الله.

٢ ـ وكتب إليه في رجل اشترى حجرة أو مسكنا في دار بجميع حقوقها ، وفوقها بيوت ومسكن آخر ، هل يدخل البيوت الأعلى والمسكن الأعلى في حقوق هذه الحجرة والمسكن الأسفل الذي اشتراه ، أم لا؟ فوقّع : ليس له من ذلك إلّا الحقّ الذي اشتراه ، إن شاء الله.

٣ ـ وكتب إليه في رجل قال لرجلين : اشهدا أنّ جميع الدّار التي له في موضع كذا وكذا بجميع حدودها كلّها لفلان بن فلان وجميع ماله في الدّار من المتاع ، والبيّنة لا تعرف المتاع : أيّ شي‌ء هو. فوقّع ، عليه‌السلام : يصلح إذا أحاط الشّراء بجميع ذلك ، إن شاء الله.

٤ ـ وكتب إليه رجل كانت له قطاع أرضين في قرية ، وأشهد الشّهود : أنّه قد باع هذه القرية بجميع حدودها ، فهل يصلح ذلك أم لا؟ فوقّع ، عليه‌السلام : لا يجوز بيع ما ليس يملك ، وقد وجب الشّراء من البائع على ما يملك.

٥ ـ وروى السّكونيّ بإسناده عن النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله : أنّه قال : من غرس شجرا أو حفر واديا بدئا لم يسبقه إليه أحد ، أو أحيا أرضا ميتة ، فهي له ، قضاء من الله ورسوله.

٦ ـ وروي عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام : أنّه سئل عن النّزول على أهل الخراج ، فقال : ثلاثة أيام. روي ذلك عن

٤٢١

النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله.

٧ ـ وروى إسماعيل بن الفضل : قال سألت أبا عبد الله عليه‌السلام : عن السّخرة في القرى ، وما يؤخذ من العلوج والأكراد إذا نزلوا القرى ، فقال : تشترط عليهم ذلك. فما اشترطت عليهم من الدّراهم والسّخرة وما سوى ذلك ، فيجوز لك ، وليس لك أن تأخذ منهم شيئا حتى تشارطه ، وإن كان كالمستيقن : أن من نزل تلك الأرض أو القرية ، أخذ منه ذلك. قال : وسألته عن أرض الخراج ، اشترى الرّجل منها أرضا فبنى فيها أو لم يبن ، غير أن أناسا من أهل الذّمّة نزلوها ، إله أن يأخذ منهم أجر البيوت إذا أدّوا جزية رءوسهم؟ فقال : يشارطهم ، فما أخذه منهم بعد الشّرط فهو حلال.

٨ ـ وكتب محمّد بن الحسن الصفار إلى أبي محمد ، عليه‌السلام : في رجل اشترى من رجل أرضا بحدودها الأربعة ، فيها الزّرع والنّخل وغيرهما من الشّجر ، ولم يذكر النّخل ولا الزّرع ولا الشّجر في كتابه ، وذكر فيه أنّه قد اشتراها بجميع حقوقها الدّاخلة فيها والخارجة عنها ، أيدخل النّخل والأشجار والزّرع في حقوق الأرض أم لا؟ فوقّع ، عليه‌السلام ، إذا ابتاع الأرض بحدودها وما أغلق عليها بابه فله جميع ما فيها إن شاء الله.

٩ ـ وروى صفوان بن يحيى عن أبي بردة بن رجاء قال

٤٢٢

قلت لأبي عبد الله ، عليه‌السلام : كيف ترى في شراء أرض الخراج؟ قال : ومن يبيع ذلك؟ هي أرض المسلمين! قال : قلت : يبيعها الذي هي في يده. قال : ويصنع بخراج المسلمين ما ذا؟ ثمَّ قال : لا بأس ، اشتر حقّه منها ، وتحوّل حقّ المسلمين عليه. ولعلّه يكون أقوى عليها وأملى بخراجهم منه.

ولا يجوز أن يأخذ الإنسان من طريق المسلمين شيئا ولو قدر شبر. ولا يجوز له أيضا بيعه ولا شراء شي‌ء يعلم أنّ فيه شيئا من الطّريق. فإن اشترى دارا أو أرضا ، ثمَّ علم بعد ذلك : أنّه كان صاحبه قد أخذ شيئا من الطّريق فيها ، لم يكن عليه شي‌ء ، إذا لم يتميّز له الطّريق. فإذا تميّز له ، وجب عليه ردّه إليها ، وكان له الرّجوع على البائع بالدّرك.

وإذا كان الإنسان في يده دار أو أرض ورثها عن أبيه عن جدّه ، غير أنّه يعلم أنّها لم تكن ملكا لهم ، وإنّما كانت للغير ولا يعرف المالك ، لم يجز له بيعها ، بل ينبغي أن يتركها بحالها. فإن أراد بيعها ، فليبع تصرفه ، ولا يبع أصلها على حال.

باب الشفعة وأحكامها

كلّ شي‌ء كان بين شريكين من ضياع أو عقار أو حيوان أو متاع ، ثمَّ باع أحدهما نصيبه ، كان لشريكه المطالبة

٤٢٣

بالشّفعة ، ووجب عليه مثل ثمنه الذي بيع به من غير زيادة ولا نقصان. وإذا زاد الشّركاء على اثنين ، بطلت الشّفعة. وكذلك إذا تحيّزت الحقوق وتميّزت وتحدّدت بالقسمة ، فلا شفعة فيها.

وتثبت الشّفعة بالاشتراك في الطّريق والنّهر والسّاقية ، كما تثبت بالاشتراك في نفس الملك. وإذا كانت الشّفعة بالاشتراك في الطّريق ، وأراد المبتاع ترك ذلك الطريق ، وتحويل الباب في طريق آخر ، بطلت أيضا الشّفعة ، وكان الملك ثابتا في الطّريق للبائع. فإن باع المالك الطّريق مع الملك ، واشتراهما المبتاع ، كانت الشّفعة ثابتة ، وإن أراد تحويل الباب. ولا شفعة فيما لا يصحّ قسمته مثل الحمّام والأرحية وما أشبههما.

والشّفعة تثبت للغائب كما تثبت للحاضر ، وتثبت للصّغير كما تثبت للكبير. وللمتولّي النّاظر في أمر اليتيم أن يطالب بالشّفعة إذا رأى ذلك صلاحا له. ولا شفعة للكافر على المسلم. وتثبت الشّفعة للمسلم على الكافر.

وإذا علم الشّريك بالبيع ، ولم يطالبه بالشّفعة ، أو شهد على البيع ، أو بارك للبائع فيما باع ، أو للمشتري فيما ابتاع ، لم يكن له بعد ذلك المطالبة بالشّفعة. ومتى طالب بالشفعة فيما له فيه المطالبة بها ، وجب عليه من الثّمن مثل الذي انعقد عليه البيع من غير زيادة ولا نقصان. فان كان الشّي‌ء بيع نقدا

٤٢٤

وجب عليه الثّمن نقدا. فإن دافع ومطل أو عجز عنه ، بطلت شفعته. فإن ذكر غيبة المال عنه ، أجل ثلاثة أيّام. فإن أحضر الثّمن ، وإلّا بطلت شفعته. فإن قال : إنّ ماله في بلد آخر ، أجّل بمقدار ما يمكن وصول ذلك المال إليه ، ما لم يؤدّ إلى ضرر على البائع. فإن أدّى إلى ضرره ، بطلت شفعته.

وإن بيع الشّي‌ء نسيئة ، كان عليه الثّمن كذلك ، إذا كان مليّا. فإن لم يكن مليّا وجب عليه إقامة كفيل بالمال. ومتى بيع الشّي‌ء نسيئة ووزن صاحب الشّفعة في الحال ، كان البائع بالخيار في قبضه وتأخيره إلى وقت حلول الأجل. ومتى عرض البائع الشّي‌ء على صاحب الشّفعة بثمن معلوم ، فلم يرده ، فباعه من غيره بذلك الثّمن أو زائدا عليه ، لم يكن لصاحب الشّفعة المطالبة بها. وإن باع بأقلّ من الذي عرض عليه ، كان له المطالبة بها.

ولا شفعة في هبة ولا في إقرار بتمليك ولا معاوضة ولا صدقة ولا فيما يجعله الإنسان مهرا لزوجته. وإنّما تثبت الشّفعة فيما يباع بثمن معلوم.

وإذا اختلف المتبايعان والشفيع في ثمن الملك ، كان القول قول المبتاع مع يمينه بالله تعالى.

والشّفعة للشّريك على المبتاع ، ويكتب عليه الدّرك بالملك ، ويكتب المبتاع على بائعه بمثل ذلك. ولا يصحّ أن تورث

٤٢٥

الشّفعة كما يورث الأموال.

والغائب إذا قدم وطالب بالشّفعة ، كان له ذلك ، وقد وجب عليه أن يردّ مثل ما وزن من غير زيادة ولا نقصان. فإن كان المبيع قد هلك بآفة من جهة الله تعالى ، أو جهة غير جهة المشتري ، أو هلك بعضه بشي‌ء من ذلك ، لم يكن له أن ينقص من الثّمن بمقدار ما هلك من المبيع ، ولزمه توفية الثّمن على الكمال. فإن امتنع من ذلك ، بطلت شفعته.

باب الشركة والمضاربة

الشّركة لا تكون إلّا في الأموال ، ولا تصحّ بالأبدان والاعمال. فمتى اشترك نفسان أو أكثر منهما بمال ، صحّت شركتهما. فإن كان رأس مالهما سواء ، كان الرّبح بينهما بالسّويّة. وإن كان رأس مالهما مختلفا ، كان الرّبح بينهما بمقدار ما يصيب كلّ واحد منهما من رأس المال. وكذلك إن خسرا ، كان الخسران بينهما على أصل المال بالسّويّة.

ومتى اشترطا أن يكون المتولّي للمال والمتصرّف فيه أحدهما لم يجز للآخر التّصرّف فيه إلّا بإذنه. وإن اشترطا أن يكونا جميعا متصرّفين على الاجتماع ، لم يكن لأحدهما التصرّف فيه على الانفراد. ومتى اشترطا أن يكون لكلّ واحد منهما التصرّف فيه على الاجتماع وعلى الانفراد ، كان تصرّفها

٤٢٦

صحيحا على كلّ حال. ومتى اشترط أحد الشّريكين على صاحبه ألّا يبيع بنسيئة ، أو لا يحمل المال إلى بلد آخر من غير إذنه ، أو لا يشتري إلّا متاعا بعينه ، فخالفه شريكه في شي‌ء من ذلك ، كان ضامنا للمال إن هلك. ومتى جعل الأمر إليه في البيع والشّراء والنّقد والنّسيئة على ما يراه مصلحة لهما وصوابا ، كان جميع ما يعمله صحيحا ماضيا.

ومتى حصل بالمال المشترك المتاع ، ثمَّ أرادا أن يتقاسما ، لم يكن لأحدهما المطالبة بالمال ، بل له من المتاع بمقدار ماله من المال. وكذلك إن حصل من أصل المال نسيئة ، لم يكن له المطالبة به نقدا. فإن رضي أحدهما بأن يأخذ رأس ماله ويترك الرّبح والنّقصان والنّقد والنّسيئة ، ورضي صاحبه بذلك ، كان ذلك جائزا. فإن تقاسما بالنّقد والنّسيئة ، وأخذ كلّ واحد منهما بمقدار ما يصيبه من النّقد والنّسيئة ، ثمَّ قبض أحدهما مال النّسيئة ، ووصل إليه ، ولم يصل إلى الآخر ، كان من وصل إليه المال يلزمه أن يقاسم صاحبه ، ويكون ما هلك عليهما جميعا.

والشّركة بالتأجيل باطلة. ومتى مات أحد الشّريكين ، بطلت الشّركة. ومتى اشترك نفسان في عمل شي‌ء من الأشياء من صناعة أو غيرها ، لم ينعقد بينهما الشّركة. وكان لكلّ واحد منهما أجر ما يعمله. فإن كانا متساويين في العمل ، تساويا في

٤٢٧

الأجرة. وإن تفاضلا ، كانت أجرتهما على مقدار عملهما.

وإذا أعطى الإنسان غيره مالا ، وجعل بعضه دينا عليه ، ثمَّ تعاقدا الشّركة ، كان ذلك جائزا ، وصحّت الشركة. وإن لم يجعله دينا عليه ، وأعطاه المال ليضارب له به ، كان للمضارب أجرة المثل ، وكان الرّبح لصاحب المال والخسران عليه. وقد روي : أنّه يكون للمضارب من الرّبح بمقدار ما وقع الشّرط عليه من نصف أو ربع أو أقلّ أو أكثر. وإن كان خسرانا فعلى صاحب المال.

ومتى تعدّى المضارب ما رسمه صاحب المال ، مثل أن يكون أمره أن يصير إلى بلد بعينه فمضى إلى غيره من البلاد ، أمره أن يشتري متاعا بعينه فاشترى غيره ، أو أمره أن يبيع نقدا فباع نسيئة ، كان ضامنا للمال : إن خسر كان عليه ، وإن ربح كان بينهما على ما وقع الشّرط عليه. ومتى جعل صاحب المال الأمر إلى المضارب فيما يبيع ويشتري ويسافر به ويبيع بالنّقد والنّسيئة ، كان جميع ما يعمله ماضيا ، ولم يلزمه ضمان ما هلك من المتاع.

وإذا أعطى الإنسان غيره ثوبا أو متاعا ، وأمره أن يبيع : فإن ربح كان بينهما ، وإن نقص ثمنه عمّا اشتراه لم يلزمه شي‌ء ، ثمَّ باع ، فخسر ، لم يكن عليه شي‌ء. وكان له أجرة المثل ، وإن ربح ، كان صاحب المتاع بالخيار : بين أن يعطيه

٤٢٨

ما وافقه عليه ، وبين أن يعطيه أجرة المثل.

ومتى اختلف الشّريكان أو المضارب وصاحب المال في شي‌ء من الأشياء ، كانت البيّنة على المدّعي ، واليمين على المدّعى عليه ، مثل الدّعاوي في سائر الأحكام.

وليس لأحد الشّريكين مقاسمة شريكه على وجه يضرّ به ، مثل أن يكون بينهما متاع أو سلعة أو عقار إن قسمت هلكت مثل الحمّامات والأرحية أو الحيوان والرّقيق أو السلع المثمّنة من اللئالي والدّرر وما أشبه ذلك. فمتى طالبه بذلك ، كان متعدّيا ، ولم يلزم صاحبه إجابته إلى ذلك ، بل ينبغي أن تباع السّلعة بما تسوى ، ويتقاسم بالثّمن ، أو تقوّم ، ويأخذ أحدهما بما قوّم ، ويؤدّي إلى صاحبه ما يصيبه.

وصاحب المال متى أراد أن يأخذ ماله من مضاربه ، كان له ذلك ، ولم يكن للمضارب الامتناع عليه من ذلك ، وكان له أجرة المثل إلى ذلك الوقت.

وإن اشترى المضارب بالمال المتاع ، لم يكن لصاحب المال مطالبته بالمال. وإن كان قد اشترى المتاع ، ونقد من عنده الثّمن على من ضاربه ، لم يلزم صاحب المال ذلك ، وكان من مال المضارب : فإن ربح ، كان له ، وإن خسر ، كان عليه.

ويكره مشاركة سائر الكفّار من اليهود والنصارى وغيرهم ، وكذلك مضاربتهم ومخالطتهم ، وليس ذلك بمحظور.

٤٢٩

ومتى عثر أحد الشّريكين على صاحبه بخيانة ، فلا يدخل هو في مثلها اقتصاصا منه ، بل يقاسمه الشّركة إن شاء. ومتى ضمّن صاحب المال المضارب رأس المال ، لم يكن له من الرّبح شي‌ء ، وكان للمضارب دونه ، وكذلك الخسران يكون عليه. ومتى اشترى المضارب مملوكا ، فكان أباه أو ولده ، فإنّه يقوّم عليه. فإن زاد ثمنه على ما اشتراه ، انعتق منه بحساب ما يصيبه من الرّبح ، ويستسعى فيما يبقى من المال لصاحب المال ، وإن نقص عنه أو كان على رأس المال ، بقي رقّا كما كان. ومن أعطى مال اليتيم إلى غيره مضاربة ، فإن ربح ، كان بينهما على ما يتّفقان عليه ، وإن خسر ، كان ضمانه على من أعطى المال. ولا يجوز للمضارب أن يشتري جارية يطأها ، إلا أن يأذن له صاحب المال في ذلك.

وكلّ ما يلزم المضارب في سفره من المؤنة والنّفقة من غير إسراف ، كان على صاحب المال. فإذا ورد إلى البلد الذي فيه صاحب المال ، كان نفقته من نصيبه.

ومتى كان له على غيره مال دينا ، لم يجز له أن يجعله شركة أو مضاربة ، إلّا بعد أن يقبضه ، ثمَّ يعطيه إيّاه إن شاء. ومن كان عنده أموال للنّاس مضاربة ، فمات ، فإن عيّن ما عنده أنّه لبعضهم ، كان على ما عيّن في وصيّته ، وإن لم يعيّن ، كان بينهم بالسّويّة على ما تقتضيه رؤوس الأموال.

٤٣٠

باب الرهون وأحكامها

إذا كان لإنسان على غيره مال ، فلا بأس أن يستوثق من ماله بأن يأخذ منه رهنا. ولا يدخل الشي‌ء في أن يكون رهنا إلّا بعد قبض المرتهن له وتمكّنه منه. ولا بأس أن يكون الرّهن أكثر قيمة من المال الذي عليه. وكذلك لا بأس أن يكون أقلّ ثمنا منه. ومتى هلك الرّهن من عند المرتهن من غير تفريط من جهته ، كان له أن يرجع بالمال على الرّاهن ، ويكون ضياع الرّهن من مال الرّاهن دون المرتهن. ومتى هلك بتفريط من جهته أو تضييع منه ، كان ضامنا لثمن الرّهن في وقت هلاكه وترادّ الفضل. فإن كان ثمن الرّهن أكثر من الذي كان عليه ، قاصّه بما له ، وردّ عليه الباقي. وإن نقص من ذلك ، كان على الرّاهن أن يوفيه تمام ما عليه ، وأن تساوى الرّهن والمال ، لم يكن لأحدهما على صاحبه سبيل.

ومتى اختلف الرّاهن والمرتهن في تضييع الرّهن ، كان القول قول المرتهن مع يمينه بالله. فإن أقام الرّاهن بيّنة أنّ المرتهن ضيّعه أو فرّط فيه ، لزمه ضمانه ، ولم يقنع منه باليمين. وإن اختلفا في قيمة الرّهن ، كان القول قول صاحب الرّهن مع يمينه بالله بقيمته يوم هلك دون يوم رهن الرّهن. فإن اختلفا في مقدار ما على الرّهن من المال ، كان على المرتهن البيّنة.

٤٣١

فإن لم يكن معه بيّنة ، فعلى صاحب الرّهن اليمين. وقد روي : أنّ القول قول المرتهن مع يمينه ، لأنّه أمينه. والبيّنة على الرّاهن ما لم يستغرق الرّهن ثمنه. ومتى اختلفا في متاع ، فقال الذي عنده : إنّه رهن ، وقال صاحب المتاع : أنّه وديعة ، كان القول قول صاحب المتاع مع يمينه ، وعلى المدّعي لكونه رهنا البيّنة بأنه رهن عنده. وقد روي أنّ القول قول من عنده مع يمينه ، إلّا أن يأتي صاحبه ببيّنة أنّه وديعة.

وإذا كان الرّهن ممّا له غلّة ، مثل أن يكون دارا أو أرضا ، كانت الغلة والأجرة لصاحب الرّهن ، وعلى المرتهن أن يقاصّه بذلك من ماله عليه. ومتى جعل صاحب الرّهن المرتهن في حلّ من التّصرّف في الرّهن ، كان ذلك حلالا له ، سواء كان ذلك دارا أو ضياعا أو حيوانا أو متاعا أو غير ذلك. ومتى لم يجعله من ذلك في حلّ ، وتصرّف فيه ، كان ضامنا له ولما يحدث فيه من الحوادث. ومتى سكن الدّار وزرع الأرض ، كان عليه أجرة المثل للدار وطسق الأرض. ولا يجوز للمرتهن أن يبيع الرّهن إلّا بإذن صاحبه. فإن غاب عنه ، صبر عليه إلى أن يجي‌ء ، أو يأذن له في بيعه.

وإن كان شرط المرتهن على الرّاهن أنّه إذا حلّ أجل ماله عليه ، كان وكيلا له في بيع الرّهن وأخذ ماله من جملته ، كان ذلك جائزا. فإذا حلّ الأجل ، ولم يوفّه المال ، باع الرهن

٤٣٢

فإن فضل منه شي‌ء ، ردّه على صاحبه ، وإن نقص ، طالبه به على الكمال ، وإن تساويا ، لم يكن له ولا عليه شي‌ء.

وإذا كان عند الإنسان رهن ولا يدري لمن هو ، صبر إلى أن يجي‌ء صاحبه. فإن لم يجي‌ء ، باعه ، وأخذ ماله ، وتصدّق عنه بالباقي. وإذا مات من عنده الرّهن ، ولم يعلم الورثة الرّهن ، كان ذلك كسبيل ماله. فإن علموه بعينه ، وجب عليهم ردّه على صاحبه وأخذ ما عليه منه.

ولا يجوز للرّاهن أن يتصرّف فيما رهنه. فإن كان الرّهن دارا ، لم يجز له أن يسكنها ولا أن يبيعها ولا أن يؤاجرها. وإن كان أرضا ، لم يجز له زراعتها ولا بيعها ولا إجارتها. وإن كان مملوكا أو جارية ، لم يجز له استخدامها ولا وطئ الجارية. فإن وطئها ، كان مخطئا ، ولا يكون بفعله زانيا.

ومتى باع الرّهن أو تصدّق به أو وهبه أو آجره أو عارضة من غير علم المرتهن ، كان ذلك باطلا. وكذلك إن أعتق المملوك أو دبّره أو كاتبه ، كان ذلك باطلا. فإن أمضى المرتهن ما فعله الرّاهن ، كان ذلك جائزا ماضيا ، ولم يكن للمرتهن رجوع فيها أمضاه.

وإذا كان عند إنسان رهون جماعة ، فهلك بعضها ، وبقي البعض ، كان ماله فيما بقي. فإن هلك الكلّ ، كان ماله في ذمّة الرّاهن إذا لم يكن ذلك عن تفريط منه حسب ما قدّمناه. ومن

٤٣٣

عنده الرّهن ، جاز له أن يشتريه من الرّاهن بقيمته.

ومتى رهن الإنسان حيوانا حاملا ، كان حمله خارجا عن الرّهن. فإن حمل في حال الارتهان ، كان مع أمّه كهيأتها رهنا. وحكم الأرض إذا رهنت وهي مزروعة كذلك. فإنّ الزّرع يكون خارجا عن الرّهن. وكذلك حكم الشّجرة إذا كان فيها الثّمرة ، فإنّ ثمرها يكون خارجا عن الرّهن. وإن حملت الشّجرة في حال الارتهان ، كان ذلك رهنا مثل الشّجرة.

ولا بأس أن يرهن الإنسان ما هو مشاع غير مقسوم. وإذا رهن ما يملك وما لا يملك على مال معلوم ، كان المال لازما على ما يملكه ، ولم يلزم على ما لا يملك شي‌ء.

وإذا كان عند الإنسان رهن بشي‌ء مخصوص ، فمات الرّاهن وعليه دين لغيره من الغرماء ، لم يكن لأحد من الغرماء أن يطالبه بالرّهن إلّا بعد أن يستوفي المرتهن ماله على الرّهن. فإن فضل بعد ذلك شي‌ء ردّ على الورثة. وكان ذلك لباقي الغرماء. وقد روي : أنّه يكون مع غيره من الدّيّان سواء يتحاصّون بالرّهن. والأوّل أحوط. وإذا كان له على الرّاهن مال على غير هذا الرّهن ، لم يجز له أن يجعله على هذا الرّهن. ومتى مات الرّاهن ، كان المرتهن في غير ما له على الرّاهن مع غيره من الدّيّان سواء. وإذا قال الرّاهن للمرتهن : بع الرّهن قبل حلول الأجل ، فباعه ، لم يكن له أن يتصرّف في المال إلّا بعد حلول أجل ماله. فإن أذن له صاحب

٤٣٤

المال ، كان ذلك سائغا له حلالا.

وإذا كان الرّهن دابّة فركبها المرتهن ، كانت نفقتها عليه. وكذلك إن كانت شاة وشرب لبنها ، كان عليه نفقتها. وإذا كان عند إنسان دابّة أو حيوان رهنا ، فإن نفقتها. على الرّاهن دون المرتهن. وإن أنفق المرتهن عليها ، كان له ركوبها والانتفاع بها ، أو الرّجوع على الرّاهن بما أنفق.

وإذا اختلف نفسان ، فقال أحدهما : لي عندك دراهم دين ، وقال الآخر : هي وديعة عندي ، كان القول قول صاحب المال مع يمينه.

ومن كان عنده رهن ، فمات صاحبه ، وخاف إن أقرّ به طولب به ولم يعط ماله ، جاز له أن يأخذ منه بمقدار ماله عليه ، ويردّ الباقي على ورثته. فإن لم يفعل ، وأقرّ أنّ عنده رهنا ، كانت عليه البيّنة أنّه رهن. فإن لم يكن معه بيّنة ، كان على الورثة اليمين : أنّهم لا يعلمون أنّ له عليه شيئا ، ووجب عليه أن يردّ الرّهن الذي أقرّ به.

باب الوديعة والعارية

إذا كان عند إنسان وديعة ، وطلبها صاحبها ، وهو متمكّن من ردّها ، وليس عليه في ردّها ولا على غيره ضرر لا يمكن تلافيه من الخوف على النفس وعلى المال ، وجب عليه ردّها ، سواء كان

٤٣٥

المودع كافرا أو مسلما أو مؤمنا أو فاسقا وعلى كل حال. وإذا كان المودع ظالما ، وما أودعه يكون مغصوبا ، لم يجز للمودع ردّه عليه ، إلّا أن يخاف على نفسه أو ماله أو على بعض المؤمنين من ذلك ، وعليه أن يردّها إلى أربابها إن عرفهم. فإن لم يعرفهم عرّفها حولا كما يعرّف اللّقطة. فإن جاء صاحبها ، وإلّا تصدّق بها عنه.

ومتى طالب صاحب الوديعة الظّالم المودع بردّها عليه ، وطالبه باليمين ، جاز له أن يحلف : أن ليس له عنده شي‌ء ، ولم يلزمه إثم ولا كفّارة. وكذلك إن مات المودع ، لم يجز له ردّها على ورثته. وله أن يحلف أنّ أباهم ما أودعه شيئا ، ويوصل الوديعة إلى صاحبها. ومتى كان المال المغصوب مختلطا بغيره من مال المودع ، لم يجز للمودع منعه من شي‌ء من ذلك ، ووجب عليه ردّها عليه بأجمعها ، لأنّه لا يتميّز له المغصوب من غيره.

والمودع مؤتمن على الوديعة ، وقوله مقبول فيها. فإن ضاعت الوديعة ، لم يلزمه شي‌ء ، إلّا أن يكون قد فرّط في حفظها أو تعدّى فيها. فإن فعل شيئا من ذلك ، كان عليه ضمانها. ولا يمين على المودع ، بل قوله مقبول. فإن ادّعى المستودع أنّ المودع ، قد فرّط أو ضيّع ، كان عليه البيّنة. فإن لم يكن معه بيّنة ، كان على المودع اليمين.

وإذا اختلف نفسان في مال ، فقال الذي عنده المال : إنّه

٤٣٦

وديعة ، وقال الآخر ، إنّه دين عليك ، كان القول قول صاحب المال ، وعلى الذي عنده المال البيّنة : أنّه وديعة. فإن لم يكن له بيّنة ، وجب عليه ردّ المال. فإن هلك ، كان ضامنا. فإن طالب صاحب المال باليمين : أنّه لم يودعه ذلك المال ، كان له.

ومتى تصرّف المودع في الوديعة ، كان متعدّيا ، وضمن المال. فإن ردّ مثلها الى المكان من غير علم صاحبها ، لم تبرأ بذلك ذمّته ، وكان ضامنا لها ، إلّا أن يردّها على صاحبها أو يجعلها عنده وديعة من الرأس. وإذا قال المودع للمودع : اترك هذه الوديعة في موضع بعينه ، فتركها فيه ، ثمَّ هلكت ، كانت من مال المستودع. فإن نقلها من موضعها الى غير ذلك الموضع من غير خوف ولا مضرّة عليها ، كان ضامنا لها. ومتى قال له : احفظ هذه الوديعة ، وجب عليه حفظها كما يحفظ مال نفسه. فإن نقل ماله ، نقلها معه. فإن هلكت في حال النّقلة ، والحال ما وصفناه ، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى لم يجعلها مع ماله ، ولم يحفظها كحفظه ملكه ، كان ضامنا لها. وإذا اختلف المودع والمودع في قيمة الوديعة ، كان القول قول صاحبها مع يمينه بالله تعالى.

ومتى تصرّف المودع في الوديعة ، كان ضامنا لها حسب ما قدّمناه. فإن ربح ، كان الرّبح لصاحب الوديعة. وإن خسر ، كان على المودع. ومتى مات المستودع ، وجب ردّ الوديعة إلى ورثته.

٤٣٧

فإن كان واحدا سلّمها اليه. وإن كانوا جماعة ، لم يسلّمها إلّا الى جماعتهم ، أو إلى واحد منهم يتّفقون على تسليمها اليه ، أو يعطي كلّ ذي حقّ حقّه. فإن سلّمها الى واحد منهم بغير رضا الباقين ، كان ضامنا لحصّة الباقين على الكمال.

والعارية على ضربين : ضرب منها تكون مضمونة على كلّ حال : اشترط ذلك ، أو لم يشترط. وهو كلّ ما كان ذهبا أو فضّة. ويلحق بذلك من استعار من غيره ما لا يملكه ، فإنّه يكون ضامنا له ، وإن لم يشترط للمعير ، ويكون المعير ضامنا لصاحب الشي‌ء.

والضّرب الآخر لا يكون المستعير ضامنا إلّا أن يشترط المعير عليه. فإن شرط عليه ضمانه ، ضمنه على كلّ حال. وإن لم يشرط ، لم يكن عليه إذا هلك ضمانه ، إلّا أن يفرّط فيها ، أو يتعدّى ، فإنّه يلزمه ضمانها.

وإذا اختلف المستعير والمعير في قيمة العاريّة ، كان القول قول صاحبها مع يمينه. فإن اختلفا في التّفريط والتّضييع ، كان على المعير البيّنة بأنّ الذي استعار ، فرّط أو ضيّع. فإن لم يكن معه بيّنة ، كان على المستعير اليمين. ومن استعار شيئا ورهنه ، كان لصاحبه أن يأخذه من عند المرتهن. ولم يكن له منعه منه ، وكان له أن يرجع على الرّاهن بما له عليه من المال.

٤٣٨

باب المزارعة والمساقاة

لا بأس بالمزارعة بالثلث أو الربع أو أقلّ أو أكثر. ويكره أن يزارع الإنسان بالحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب ، وليس ذلك بمحظور. فإن زارع بشي‌ء من ذلك ، فليجعله من غير ما يخرج من تلك الأرض ممّا يزرعه في المستقبل ، بل يجعل ذلك في ذمة المزارع. ولا بأس أن يواجر الإنسان الأرض بالدّراهم والدّنانير. فإن زارع الأرض على أن يكون المزارع يتولّى زراعتها بنفسه ، لم يجز له أن يعطيها لغيره. وكذلك إن شرط عليه أن يزرع شيئا بعينه ، لم يجز له خلافه. ولا بأس أن يشارك المزارع غيره ، ولم يكن لصاحب الأرض خلافه.

ومن آجر غيره أرضا ، كان للمستأجر أن يقيم في الأرض من ينوب عنه ويقوم مقامه. ومن استأجر أرضا بالنّصف أو الثّلث أو الرّبع ، جاز له أن يوجرها غيره بأكثر من ذلك وأقل. وإن استأجرها بالدّراهم والدّنانير ، لم يجز له أن يوجرها بأكثر من ذلك ، إلّا أن يحدث فيها حدثا من حفر نهر أو كري ساقية وما أشبههما. ومتى استأجرها بالحنطة والشّعير ، جاز له أن يوجرها بالدّراهم والدّنانير بما شاء.

والمزارع إذا شرط على صاحب الأرض شرطا ، وجب عليهما جميعا الوفاء به. فإن شرط صاحب الأرض على المزارع جميع

٤٣٩

مئونة الأرض من عمارة وبذر وكري نهر وحفر ساقية ، كان عليه القيام بذلك أجمع ، ثمَّ المقاسمة على ما اتّفقا عليه. فإن كان شرط المزارع أن يأخذ بذره قبل القسمة ، كان له ذلك. وإن لم يكن شرط ، كان البذر عليه على ما شرط. وإن شرط أيضا عليه خراج الأرض ومئونة السّلطان ، كان عليه ذلك ، دون صاحب الأرض. فإن شرط ذلك ، وكان قدرا معلوما ، ثمَّ زاد السّلطان على الأرض المئونة ، كانت الزّيادة على صاحب الأرض دون المزارع ومتى شرط المزارع على صاحب الأرض جميع المئونة من البذر وكري النهر وغير ذلك ، ويكون من جهته القيام بها وبزراعتها وعمارتها ، كان ذلك صحيحا ، ولم يلزمه شي‌ء من مئونة السّلطان ولا خراج الأرض ولا غير ذلك ، ويكون له المقاسمة على ما يقع الشّرط عليه.

ومن استأجر أيضا مدّة معلومة ، وجب عليه مال الإجارة ، وكانت له المدّة المعلومة ، سواء زرع فيها أو لم يزرع. فإن منعه صاحب الأرض من التّصرف فيها ، ثمَّ انقضت المدّة ، لم يكن يكن عليه شي‌ء. ومتى منعه من التّصرّف فيها ظالم ، لم يكن على صاحب الأرض شي‌ء. فإن غرقت الأرض ، ولم يتمكّن المستأجر من التّصرّف فيها ، لم يلزمه شي‌ء من مال الإجارة ، إلّا أن يكون تصرّف فيها بعض تلك المدّة ، فيلزمه بمقدار ما تصرّف فيها ، وليس عليه أكثر من ذلك.

٤٤٠