النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

واللّصّ أيضا محارب. فإذا دخل اللّصّ على إنسان ، جاز له أن يقاتله ويدفعه عن نفسه. فإن أدّى ذلك إلى قتل اللّصّ ، لم يكن على قاتله شي‌ء من قود ولا دية ، وكان دمه هدرا.

وإذا قطع جماعة الطّريق ، فأقرّوا بذلك ، كان حكمهم ما قد ذكرناه. فإن لم يقرّوا ، وقامت عليهم بذلك بيّنة ، كان الحكم أيضا مثل ذلك سواء. فإن شهد اللّصوص بعضهم على بعض ، لم تقبل شهادتهم. وكذلك إن شهد الّذين أخذت أموالهم بعضهم لبعض ، لم تقبل شهادتهم. وإنّما تقبل شهادة غيرهم لهم.

والمصلوب لا يترك على خشبته أكثر من ثلاثة أيّام ، ثمَّ ينزل بعد ذلك ، ويصلى عليه ، ويدفن.

والخنّاق يجب عليه القتل ، ويسترجع منه ما أخذ ، فيردّ على صاحبه. فإن لم يوجد بعينه أغرم قيمته أو أرش ما لعلّه نقص من ثمنه إلّا أن يعفو صاحبه عنه.

ومن بنّج غيره ، أو أسكره بشي‌ء احتال عليه في شربه أو أكله ، ثمَّ أخذ ماله ، عوقب على فعله ذلك بما يراه الإمام ، واسترجع عنه ما أخذ. فإن جنى البنج أو الإسكار عليه جناية ، كان المبنّج ضامنا لما جناه.

والمحتال على أموال النّاس بالمكر والخديعة وتزوير الكتب والشّهادات الزّور والرّسالات الكاذبة وغير ذلك ، يجب عليه

٧٢١

التّأديب والعقاب ، وأن يغرّم ما أخذ بذلك على الكمال ، وينبغي للسّلطان أن يشهّره بالعقوبة لكي يرتدع غيره عن فعل مثله في مستقبل الأوقات.

والمختلس هو الّذي يستلب الشي‌ء ظاهرا من الطّرقات والشّوارع ، ولا يجب عليه قطع ، بل يجب عليه عقاب مردع حسب ما يراه الإمام أو من نصبه.

ومن سرق حرّا فباعه ، وجب عليه القطع ، لأنّه من المفسدين في الأرض.

ومن نبش قبرا ، وسلب الميّت كفنه ، وجب عليه القطع كما يجب على السّارق سواء. فإن نبش ، ولم يأخذ شيئا ، أدّب بغليظ العقوبة ، ولم يكن عليه قطع على حال. فإن تكرّر منه الفعل وفات الإمام تأديبه ، كان له قتله ، كي يرتدع غيره عن إيقاع مثله في مستقبل الأوقات.

باب الحد في الفرية وما يوجب التعزير

إذا قال الرّجل أو المرأة ، كافرين كانا أو مسلمين ، حرّين أو عبدين ، بعد أن يكونا بالغين ، لغيره من المسلمين البالغين الأحرار : « يا زاني » أو « يا لائط » أو « يا منكوحا في دبره » أو « قد زنيت » أو « لطت » أو « نكحت » ، أو ما معناه معنى هذا الكلام ، بأي لغة كانت ، بعد أن يكون عارفا بها

٧٢٢

وبموضوعها وبفائدة اللّفظة ، وجب عليه الحدّ ثمانون جلدة ، وهو حدّ القاذف.

فإن قال له شيئا من ذلك ، وكان غير بالغ ، أو المقول له كان غير بالغ ، لم يكن عليه حدّ ، وكان عليه التّعزير.

فإن قال له شيئا من ذلك ، وهو لا يعلم فائدة تلك اللّغة ولا موضوع اللّفظة ، لم يكن عليه شي‌ء.

وكذلك إذا قال لامرأة : « أنت زانية » أو « قد زنيت » أو « يا زانية » ، كان عليه أيضا مثل ذلك ، لا يختلف الحكم فيه.

فإن قال لكافر أو كافرة أو أمة شيئا من ذلك ، لم يكن عليه الحدّ ، ويعزّر ، لئلّا يؤذي أهل الذّمّة والمماليك.

وإذا قال لغيره : « يا بن الزانية » أو « يا بن الزّاني » أو « قد زنت بك أمّك » أو « ولدت من الزّنا » ، وجب أيضا عليه الحدّ ، وكان المطالبة في ذلك إلى أمّه. فإن عفت عنه ، جاز عفوها ، ولا يجوز عفو غيرها مع كونها حيّة. فإن كانت ميّتة ، ولم يكن لها ولي غير المقذوف ، كان إليه المطالبة والعفو. فان كان لها وليّان أو أكثر من ذلك ، وعفا بعضهم أو أكثرهم ، كان لمن بقي منهم المطالبة بإقامة الحدّ عليه على الكمال. ومن كان له العفو فعفا في شي‌ء من الحدود ، لم يكن له بعد ذلك المطالبة ولا الرّجوع فيه.

فإن قال له : « يا بن الزّاني » أو « زنا بك أبوك » أو « لاط »

٧٢٣

كان عليه الحدّ لأبيه. فإن كان حيّا كان له المطالبة والعفو. وإن كان ميّتا ، كان لأوليائه ذلك حسب ما ذكرناه في الأمّ سواء. فإن قال له : « يا بن الزّانيين » أو « أبواك زانيان » أو « زنى بك أبواك » ، كان عليه حدّان : حدّ للأب وحدّ للأمّ. فإن كانا حيّين ، كان لهما المطالبة والعفو. وإن كانا ميّتين ، كان لأوليائهما ذلك حسب ما قدّمناه.

وإن قال له : « أختك زانية » أو « أخوك زان » ، كان عليه الحدّ لأخيه أو أخته ، إذا كانا حيّين. فإن كانا ميّتين ، كان لأوليائهما ذلك على ما رتّبناه.

وحكم العمّ والعمّة والخال والخالة وسائر ذوي الأرحام ، حكم الأخ والأخت في أنّ الأولى بهم يقوم بمطالبة الحدّ ، ويكون له العفو على ما بيّنّاه.

فإن قال : « ابنك زان أو لائط » أو « بنتك زانية » أو « قد زنت » ، كان عليه الحدّ ، وللمقذوف المطالبة بإقامة الحدّ عليه ، سواء كان ابنه أو بنته حيّين أو ميّتين ، وكان إليه أيضا العفو ، إلّا أن يسبقه الابن أو البنت إلى العفو. فإن سبقا إلى ذلك ، كان عفوهما جائزا.

فإن قال لغيره : « يا زاني » ، فأقيم عليه الحدّ ، ثمَّ قال له ثانيا : « يا زاني » ، كان عليه حدّان. فإن قال له : « إنّ الّذي قلته لك ، كان صحيحا » ، لم يكن عليه حدّ ، وكان عليه

٧٢٤

التّعزير ، وإن قال له : « يا زاني » دفعة بعد أخرى مرّات كثيرة ولم يقم عليه فيما بينها الحدّ لشي‌ء من ذلك ، لم يكن عليه أكثر من حدّ واحد.

ومن أقيم عليه الحدّ في القذف ثلاث دفعات ، قتل في الرّابعة.

وإذا قال لجماعة رجال ونساء ، أو رجال أو نساء : « هؤلاء زناة » أو « قد زنوا » أو « يا زناة » ، فإن جاؤا به مجتمعين ، كان عليه حدّ واحد ، وإن جاؤا به متفرّقين كان عليه لكلّ واحد منهم حد.

ومن قال لغيره من الكفّار أو المماليك : « يا بن الزّاني » أو « يا بن الزّانية » ، وكان أبواه مسلمين أو حرّين ، كان عليه الحدّ كاملا ، لأنّ الحدّ لمن لو واجهه بالقذف ، لكان له الحدّ تامّا.

وكذلك إن قال لمسلم : « أمّك زانية » أو « يا بن الزّانية » ، وكانت أمّه كافرة أو أمة ، كان عليه الحدّ تامّا لحرمة ولدها المسلم الحرّ.

وإذا تقاذف أهل الذّمّة أو العبيد أو الصّبيان بعضهم في بعض ، لم يكن عليهم حدّ ، وكان عليهم التّعزير.

وإذا قال لغيره : « قد زنيت بفلانة » ، وكانت المرأة ممّن يجب لها الحدّ كاملا ، وجب عليه حدّان ، حدّ للرّجل

٧٢٥

وحدّ للمرأة. وكذلك إن قال : « لطت بفلان » ، كان عليه حدّان : حدّ للمواجه ، وحدّ لمن نسبه إليه. فإن كانت المرأة أو الرّجل غير بالغين ، أو مع كونهما بالغين لم يكونا حرّين أو لم يكونا مسلمين ، كان عليه الحدّ تامّا لقذفه إيّاه ، ويجب مع ذلك عليه التّعزير لنسبته له إلى هؤلاء.

وإذا قال له : « زنت زوجتك » أو « يا زوج الزّانية » ، وجب عليه الحدّ لزوجته ، وكان إليها المطالبة والعفو. فإن كانت ميّتة ، كان ذلك لأوليائها.

ولا يرث الزّوج من الحدّ شيئا.

ومن قال لولد الملاعنة : « يا بن الزّانية » أو « زنت بك أمّك » كان عليه الحدّ لأمّه تامّا.

فإن قال لولد الزّنا الّذي أقيم على أمّه الحدّ بالزّنا : « يا ولد الزّنا » أو « زنت بك أمّك » ، لم يكن عليه الحدّ تامّا ، وكان عليه التّعزير. فإن قال له : « يا بن الزّانية » ، وكانت أمّه قد تابت ، وأظهرت التّوبة ، كان عليه الحدّ تامّا.

ويثبت الحدّ بالقذف. بشهادة شاهدين عدلين مسلمين ، أو إقرار القاذف على نفسه مرّتين بأنّه قد قذف. فإذا ثبت ذلك ، أقيم عليه الحدّ. ولا يكون الحدّ فيه ، كما هو في شرب الخمر والزّنا في الشدة ، بل يكون دون ذلك.

ويجلد القاذف من فوق الثّياب ، ولا يجرّد على حال.

٧٢٦

وليس للإمام أن يعفو عن القاذف على حال ، بل ذلك إلى المقذوف على ما بيّنّاه ، سواء كان أقرّ على نفسه أو قد قامت به عليه بيّنة ، أو تاب القاذف أو لم يتب. فإنّ العفو في جميع هذه الأحوال إلى المقذوف.

ومن قذف محصنا أو محصنة ، لم تقبل شهادته بعد ذلك ، إلّا أن يتوب ويرجع. وحدّ التّوبة والرّجوع عمّا قذف هو أن يكذّب نفسه في ملأ من النّاس في المكان الّذي قذف فيه فيما قاله. فإن لم يفعل ذلك ، لم يجز قبول شهادته بعد ذلك.

ومن قذف مكاتبا ، ضرب بحساب ما عتق منه حدّ الحرّ ، ويعزّر بالباقي الّذي كان رقّا.

وإذا قال الرّجل لامرأة : « يا زانية ، أنا زنيت بك » ، كان عليه حدّ القاذف لقذفه إيّاها ، ولم يكن عليه لإضافته الزّنا إلى نفسه شي‌ء ، إلّا أن يقرّ أربع مرّات. فإن أقرّ أربع مرّات ، كان عليه حدّ الزّنا مع ذلك على ما بيّنّاه.

وإذا قال الرّجل لولده : « يا زاني » أو « قد زنيت » ، لم يكن عليه حدّ. فإن قال له : « يا بن الزّانية » ، ولم ينتف منه ، كان عليه الحدّ لزوجته أمّ المقذوف ، إن كانت حيّة. فإن كانت ميّتة ، وكان وليّها أولاده ، لم يكن لهم المطالبة بالحدّ. فإن كان لها أولاد من غيره أو قرابة ، كان لهم المطالبة بالحد.

٧٢٧

فإن انتفى من ولده كان عليه أن يلاعن أمّه على ما بيّنّاه في باب اللّعان. فإن انتفى منه بعد أن كان أقرّ به ، وجب عليه الحدّ. وكذلك إن قذفها بعد انقضاء اللّعان ، كان عليه الحدّ. وإذا تقاذف نفسان بما يجب فيه الحدّ ، سقط عنهما الحدّ ، وكان عليهما جميعا التّعزير لئلّا يعودا إلى مثل ذلك.

وإذا قال الإنسان لغيره : « يا قرنان » أو « يا كشحان » أو « يا ديّوث » وكان متكلّما باللّغة الّتي يفيد فيها هذه اللّفظة ، وهو رمي الرّجل بزوجة أو أخت ، وكان عالما بمعنى اللّفظة عارفا بها ، كان عليه الحدّ ، كما لو صرّح بالقذف بالزّنا على ما بيّنّاه. فإن لم يكن عارفا بمعنى اللّفظة ، لم يكن عليه حدّ القاذف ، ثمَّ ينظر في عادته في استعماله هذه اللفظة. فإن كان قبيحا غير أنّه لا يفيد القذف ، أدّب وعزّر. وإن كان يفيد غير ذلك في عادته ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن قال لغيره : « يا فاسق » أو « يا خائن » أو « يا شارب خمر » ، وهو على ظاهر العدالة ، لم يكن عليه حدّ القاذف ، وكان عليه التّأديب.

وإذا قال له : « أنت ولد حرام » ، أو « حملت بك أمّك في حيضها » ، لم يكن عليه حدّ الفرية ، وكان عليه التّعزير.

وإذا قال للمسلم : « أنت خسيس » أو « وضيع » أو « رقيع » أو « خنزير » أو « كلب » أو « مسخ » وما أشبه ذلك ، كان عليه

٧٢٨

التّعزير. فإن كان المقول له كافرا مستحقّا للاستخفاف والإهانة لم يكن عليه شي‌ء.

ومن قال لغيره : « يا كافر » وهو على ظاهر الإسلام ، ضرب ضربا وجيعا. فإن كان المقول له جاحدا لفريضة عامّة معلومة في شريعة الإسلام ، لم يكن عليه شي‌ء ، بل أجر في ذلك.

وإذا واجه الإنسان غيره بكلام يحتمل السّبّ. ويحتمل غير ذلك ، عزّر وأدّب ، لئلّا يعرّض بأهل الإيمان.

ومن عيّر إنسانا بشي‌ء من بلاء الله تعالى ، مثل الجنون والجذام والبرص والعمى والعور وما أشبه ذلك ، أو أظهر عنه ما هو مستور من بلاء الله تعالى ، كان عليه بذلك التّأديب ، إلّا أن يكون المعيّر به ضالّا كافرا.

وكلّ كلام يؤذي المسلمين ، فإنّه يجب على قائله به التّعزير. وقد روي أنّ أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، عزّر إنسانا كان قد قال لغيره : « أنا احتلمت بأمّك البارحة ». وإنّما فعل ، عليه‌السلام ، ذلك ، لما فيه من أذاه له ، ومواجهته إيّاه بما يؤلمه ، لئلّا يعود اليه فيما بعد ، لا أنّ ذلك قول قبيح يوجب الحدّ أو التّعزير.

ومن نبز مسلما أو اغتابه ، وقامت عليه بذلك البيّنة ، أدّب.

وشاهدا الزّور يجب أن يؤدّبا ويشهّرا في قبيلتهما أو قومهما ،

٧٢٩

ويغرّما بما شهدا به ، إن كانا قد أتلفا بشهادتهما شيئا على ما بيّنّاه في كتاب ( تهذيب الأحكام ) لئلّا يعودا إلى مثل ذلك ، ويرتدع به غيرهما.

وإذا قال الرّجل لامرأته بعد ما دخل بها : « لم أجدك عذراء » ، كان عليه بذلك التّعزير.

ومن هجا غيره من أهل الإسلام ، كان عليه بذلك التّأديب. فأن هجا أهل الضّلال ، لم يكن عليه شي‌ء على حال.

ومن سبّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أو واحدا من الأئمّة عليهم‌السلام ، صار دمه هدرا ، وحلّ لمن سمع ذلك منه قتله ، ما لم يخف في قتله على نفسه أو على غيره. فإن خاف على نفسه أو على بعض المؤمنين ضررا في الحال أو المستقبل ، فلا يتعرّض له على حال.

ومن ادّعى أنّه نبيّ ، حلّ دمه ووجب قتله.

ومن قال لا أدري : النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، صادق أو كاذب ، وأنا شاكّ في ذلك ، وجب قتله على كل حال ، إلّا أن يقرّ به.

ومن أفطر في شهر رمضان يوما متعمّدا ، وجب عليه التّعزير والعقوبة المردعة. فإن أفطر ثلاثة أيام ، سئل : « هل عليك في ذلك شي‌ء أم لا؟ » ، فإن قال : لا ، وجب قتله ، وإن قال

٧٣٠

نعم ، زيد في عقوبته بما يرتدع معه عن مثله. فإن لم يرتدع وجب قتله.

والمرتدّ عن الإسلام على ضربين :

مرتدّ كان ولد على فطرة الإسلام ، فهذا يجب قتله على كلّ حال من غير أن يستتاب.

ومرتدّ كان أسلم عن كفر ، ثمَّ ارتدّ ، وجب أن يستتاب. فإن تاب ، وإلّا ضربت عنقه.

والمرتدّة عن الإسلام لا يجب عليها القتل ، بل ينبغي أن تحبس أبدا ، ويضيّق عليها في المأكول والمشروب والملبوس ، وتضرب في أوقات الصّلوات.

ومن تزوّج بأمة على حرّة من غير إذنها ، فرّق بينهما ، وكان عليه اثنا عشر سوطا ونصف ثمن حدّ الزّاني.

ومن أتى امرأته ، وهي حائض ، كان عليه خمسة وعشرون سوطا.

ومن وطئ امرأته في شهر رمضان نهارا متعمّدا ، كان عليه خمسة وعشرون سوطا ، وعلى المرأة أيضا مثل ذلك ، إن طاوعته على ذلك. فإن كان أكرهها ، كان عليه خمسون جلدة ، وعليه كفّارة واحدة ، وعليها أيضا مثل ذلك ، إن كانت مختارة. فإن كانت مكرهة ، كان على الرّجل كفّارتان.

ومن قامت عليه البيّنة بالسّحر ، وكان مسلما ، وجب عليه

٧٣١

القتل. فإن كان كافرا ، لم يكن عليه إلّا التّأديب والعقوبة ، لأنّ ما هو عليه من الكفر أعظم من السّحر.

والّذي يضرب الحدود ، إذا زاد على المقدار الّذي وجب على المضروب ، وجب أن يستفاد منه.

والصّبيّ والمملوك إذا أخطئا ، أدّبا بخمس ضربات إلى ستّ ، ولا يزاد على ذلك. فإن ضرب إنسان عبده بما هو حدّ ، كان عليه أن يعتقه كفّارة لفعله.

ويقيم الحدود من إليه الأحكام.

٧٣٢

كتاب الديات

باب أقسام القتل وما يجب فيه من القود والدية

القتل على ثلاثة أضرب : عمد محض ، وخطأ محض ، وخطأ شبيه العمد.

فالعمد المحض هو كلّ من قتل غيره ، وكان بالغا كامل العقل ، بأيّ شي‌ء كان : بحديد أو خشب أو حجر أو مدر أو سمّ أو خنق وما أشبه ذلك ، إذا كان قاصدا بذلك القتل ، أو يكون فعله ممّا قد جرت العادة بحصول الموت عنده ، حرّا كان أو عبدا ، مسلما كان أو كافرا ، ذكرا كان أو أنثى. ويجب فيه القود والدّية على ما نبيّنه فيما بعد. ومتى كان القاتل غير بالغ ، وحدّه عشر سنين فصاعدا ، ويكون مع بلوغه زائل العقل ، إمّا أن يكون مجنونا أو مؤوفا ، فإنّ قتلهما وإن كان عمدا ، فحكمه حكم الخطأ.

والخطأ المحض هو أن يرمي الإنسان شيئا كائنا ما كان ، فيصيب غيره ، فيقتله ، فإنّه يحكم له بالخطإ ، ويجب فيه ما يجب فيه من الدّية ، ولا قود فيه على حال.

٧٣٣

والخطأ شبيه العمد هو أن يقصد الإنسان إلى تأديب ولده أو غلامه أو من له تأديبه ، بما لم تجر العادة أن يموت الإنسان بمثله ، فيموت ، أو يعالج الطبيب غيره ، بما قد جرت العادة بحصول النفع عنده ، أو يفصده ، فيؤدي ذلك إلى الموت. فإن جميع ذلك يحكم فيه بالخطإ شبيه العمد ، ويلزم فيه الدّية مغلّظة ، ولا قود فيه أيضا على حال.

وقاتل العمد إذا كان ظالما متعدّيا ، يجب عليه القود. ولا يجوز أن يستفاد منه إلا بالحديد ، وإن كان هو قد قتل صاحبه بغير الحديد من الضّرب أو الرّمي وما أشبه ذلك. ولا يمكن أيضا من التّمثيل به ولا تعذيبه ولا تقطيع أعضائه ، وإن كان هو فعل ذلك بصاحبه ، بل يؤمر بضرب رقبته ، وليس له أكثر من ذلك.

وليس في قتل العمد الدّية ، إلا أن يبذل القاتل من نفسه الدّية ، ويختار ذلك أولياء المقتول. فإن لم يبذل القاتل الدّية من نفسه ، لم يكن لأولياء المقتول المطالبة بها ، وليس لهم إلا نفسه. ومتى بذل الدّية ، ولم يأخذها أولياء المقتول ، وطلبوا القود ، كان لهم أيضا ذلك. فإن فادى القاتل نفسه بمال جزيل أضعاف أضعاف الدّية الواجبة ، ورضي به أولياء المقتول ، كان ذلك أيضا جائزا.

فإن اختلف أولياء المقتول ، فبعض يطلب القود وبعض

٧٣٤

يطلب الدّية ، كان للّذي طلب القود أن يقتل القاتل ، إذا ردّ على الّذي طلب الدّية ماله منها من ماله خاصة ، ثمَّ يقتل القاتل. وكذلك إن اختلفوا ، فبعض عفا عن القاتل ، وبعض طلب القود أو الدّية ، فإنّ الّذي طلب القود يجب عليه أن يردّ على أولياء القاتل سهم من عفا عنه ثمَّ يقتله. وان طلب الدّية ، وجب على القاتل أن يعطيه مقدار ما يصيبه من الدّية.

وأولياء المقتول هم الّذين يرثون ديته سوى الزّوج والزّوجة وقد ذكرناهم في باب المواريث ، ويكون للجميع المطالبة بالقود ، ولهم المطالبة بالدّية ، ولهم العفو على الاجتماع والانفراد ، ذكرا كان أو أنثى على التّرتيب الّذي رتّبناه. وإذا مات وليّ الدّم ، قام ولده مقامه في المطالبة بالدّم.

والزّوج والزّوجة ليس لهما غير سهمهما من الدّية ، إن قبلها أولياء المقتول ، أو العفو عنه بمقدار ما يصيبهما من الميراث ، وليس لهما المطالبة بالقود.

ومن ليس له من الدّية شي‌ء من الإخوة والأخوات من الأمّ ، ومن يتقرّب من جهتها ، فليس لهم المطالبة بالدّم ولا الدّية.

وإذا كان للمقتول أولياء صغار وأولياء كبار ، فاختار الكبار الدّية ، كان لهم حظّهم منها. فإذا بلغ الصّغار ، كان لهم مطالبة القاتل أيضا بقسطهم من الدّية ، أو المطالبة له بالقود بعد أن يردّوا عليه ما أعطي الأولياء الكبار من الدّية ، ولهم

٧٣٥

أيضا العفو عنه على كلّ حال.

ودية العمد ألف دينار جيادا إن كان القاتل من أصحاب الذّهب ، أو عشرة آلاف درهم إن كان من أصحاب الورق جيادا ، أو مائة من مسانّ الإبل إن كان من أصحاب الإبل ، أو مائتا بقرة مسنّة إن كان من أصحاب البقر ، أو ألف شاة.

وقد روي : ألف كبش إن كان من أصحاب الغنم ، أو مائتا حلّة إن كان من أصحاب الحلل.

ويلزم دية العمد في مال القاتل خاصّة ، ولا تؤخذ من غيره إلّا أن يتبرع إنسان بها عنه. فإن لم يكن له مال ، فليس لأولياء المقتول إلا نفسه : فإما أن يقيدوه بصاحبهم ، أو يعفوا عنه ، أو يمهلوه إلى أن يوسّع الله عليه.

ومتى هرب القاتل عمدا ، ولم يقدر عليه إلى أن مات ، أخذت الدّية من ماله. فإن لم يكن له مال ، أخذت من الأقرب فالأقرب من أوليائه الّذين يرثون ديته ، ولا يجوز مؤاخذتهم بها مع وجود القاتل.

ويجب على قاتل العمد أن يتوب إلى الله تعالى ممّا فعله. وحدّ التّوبة أن يسلّم نفسه إلى أولياء المقتول. فإمّا أن يستقيدوا منه ، أو يعفوا ، أو يقبلوا الدّية ، أو يصالحهم على شي‌ء يرضون به عنه ، ثمَّ يعزم بعد ذلك على ألّا يعود إلى مثل ما فعل في المستقبل ، ويعتق بعد ذلك رقبة ، ويصوم شهرين

٧٣٦

متتابعين ، ويطعم ستّين مسكينا ، فإذا فعل ذلك ، كان تائبا.

وأمّا دية قتل الخطإ ، فإنّها تلزم العاقلة الّذين يرثون دية القاتل إن لو قتل ، ولا يلزم من لا يرث من ديته شيئا على حال.

وقال بعض أصحابنا : « أن العاقلة يرجع بها على القاتل إن كان له مال. فإن لم يكن له مال ، فلا شي‌ء للعاقلة عليه ».

ومتى كان للقاتل مال ، ولم يكن للعاقلة شي‌ء ، ألزم في ماله خاصّة الدّية.

ومتى لم يكن للقاتل خطأ عاقلة ولا من يضمن جريرته من مولى نعمة أو مولى تضمن جريرة ، ولا له مال ، وجبت الدّية على بيت مال المسلمين.

ولا يلزم العاقلة من دية الخطإ إلّا ما قامت به البيّنة. فأمّا ما يقرّ به القاتل ، أو يصالح عليه ، فليس عليهم منه شي‌ء ، ويلزم القاتل ذلك في ماله خاصّة.

وحكم الجراح وكسر الأعضاء مثل قتل النّفس ، سواء في أنّ ما كان منه عمدا ، كان فيه إمّا القصاص أو الدّية في مال الجارح خاصّة. وما كان منه خطأ ، فإنّه يكون على العاقلة ، غير أنّه لا يحمل في الجراح على العاقلة ، إلا الموضحة فصاعدا. فأمّا ما كان دون ذلك ، فإنّه على الجارح نفسه. وما كان منه شبيه العمد ، فيلزم من يلزمه دية القتل شبيه العمد على ما نبيّنه فيما بعد إن شاء الله.

٧٣٧

والدّية في قتل الخطإ مائة من الإبل : عشرون منها بنت مخاض وعشرون منها ابن لبون ذكر ، وثلاثون منها بنت لبون وثلاثون منها حقّة.

وقد روي : « أنّ خمسا وعشرين منها بنت مخاض ، وخمسا وعشرين منها بنت لبون ، وخمسا وعشرين منها حقّة ، وخمسا وعشرين منها جذعة ». أو ألف من الشّاة أو مائتان من البقر أو ألف دينار أو عشرة آلاف درهم أو مائتا حلّة كما ذكرناه في قتل العمد سواء.

وتستأدى دية العمد في سنة واحدة ، ودية الخطإ في ثلاث سنين. وأمّا دية قتل الخطإ شبيه العمد ، فإنّها تلزم القاتل نفسه في ماله خاصّة. فإن لم يكن له مال ، استسعي فيها ، أو يكون في ذمّته الى أن يوسّع الله عليه.

فإن مات أو هرب ، أخذ أولى النّاس اليه بها ممّن يرث ديته. فإن لم يكن له أحد ، أخذت من بيت المال.

والدّية في ذلك مغلّظة مائة من الإبل : ثلاث وثلاثون منها بنت لبون ، وثلاث وثلاثون منها حقّه ، واربع وثلاثون منها خلفة ، كلّها طروقة الفحل.

وقد روي : « أنّها تكون أثلاثا : ثلاثون منها بنت مخاض ، وثلاثون منها بنت لبون ، وأربعون خلفة ، كلّها طروقة الفحل » أو مائتان من البقر كذلك أثلاثا ، أو ألف شاة مثل ذلك ، أو ألف

٧٣٨

دينار ، أو عشرة آلاف درهم ، أو مائتا حلّة ، لا يختلف الحكم فيه.

وقال بعض أصحابنا : إن هذه الدّية تستأدى في سنتين.

وعلى قاتل الخطإ المحض والخطإ شبيه العمد بعد إعطائه الدّية كفارة عتق رقبة مؤمنة. فإن لم يجد ، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع ، أطعم ستّين مسكينا. فإن لم يقدر على ذلك أيضا ، تصدّق بما استطاع ، أو صام ما قدر عليه.

ومن قتل عمدا ، وليس له ولي ، كان الإمام وليّ دمه : إن شاء ، قتل قاتله ، وإن شاء ، أخذ الدّية ، فتركها في بيت المال. وليس له أن يعفو ، لأنّ ديته لبيت المال ، كما أنّ جنايته على بيت المال.

ومن قتل خطأ أو شبيه عمد ، ولم يكن له أحد ، كان للإمام أخذ ديته ، وليس له أكثر من ذلك.

ومن عفا عن الدّم ، فليس له بعد ذلك المطالبة به. فإن قتل بعد ذلك القاتل ، كان ظالما متعدّيا. ومن قبل الدّية ، ثمَّ قتل القاتل ، كان كذلك ، وكان عليه القود.

وإذا قتل الأب ولده خطأ ، كانت ديته على عاقلته ، يأخذها منهم الورثة دون الأب القاتل ، لأنّا قد بيّنّا : أن القاتل إن كان عمدا ، فإنّه لا يرث من التّركة شيئا ، وإن كان خطأ ، فإنّه لا يرث من الدّية شيئا على ما بيّنّاه. ومتى لم يكن له وارث غير الأب ، فلا دية له على العاقلة على حال.

٧٣٩

وإن قتله عمدا أو شبيه عمد ، كانت الدّية عليه في ماله خاصّة ، ولا يقتل به على وجه ، وتكون الدّية لورثته خاصّة.

فإن لم يكن له وارث غير الأب القاتل كانت الدّية عليه لبيت المال.

وإذا قتل الابن أباه عمدا ، قتل به. وإن قتله خطأ ، كانت الدّية على عاقلته ، ولم يكن له منها شي‌ء على ما بيّنّاه.

وإذا قتل الولد أمّه ، أو قتلت الأمّ ولدها عمدا ، قتل كلّ واحد منهما بصاحبه. وإن قتلها خطأ ، كانت الدّية على عاقلته على ما بيّنّاه. ولا يرث شيئا من الدية على ما بيّنّا القول فيه وشرحناه.

باب البينات على القتل وعلى قطع الأعضاء

الحكم في القتل يثبت بشيئين : أحدهما قيام البيّنة على القاتل بأنّه قتل ، والثّاني إقراره على نفسه بذلك ، سواء كان القتل عمدا أو خطأ أو شبيه عمد.

والبيّنة نفسان مسلمان عدلان ، يشهدان على القاتل بأنّه قتل صاحبهم. فإن لم يكن لأولياء المقتول نفسان يشهدان بذلك ، كان عليهم القسامة : خمسون رجلا منهم يقسمون بالله تعالى أنّ المدّعى عليه قتل صاحبهم ، إن كان القتل عمدا. وإن كان خطأ ، فخمسة وعشرون رجلا يقسمون مثل ذلك.

فأمّا إذا قامت البيّنة بشهادة غيرهم ، فليس فيه أكثر من

٧٤٠