النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

اليه منه ، كان له حبسه. فإن ذكر إعسارا ، كشف عن حاله : فإن كان على ما قال ، أنظر ولم يحبس ، وإن لم يكن كذلك ، ألزم الخروج إلى خصمه من حقّه.

ومتى بدأ الخصم باليمين من غير أن يحلّفه الحاكم ، لم يبرءه ذلك من الدّعوى ، وكان متكلّفا.

وإن أقرّ المدّعى عليه بما ادّعاه خصمه ، وقال : أريد أن ينظرني حتّى أتمحّله ، قال الحاكم لخصمه : ما عندك فيما يقول؟ فإن سكت ، ولم يجب بشي‌ء ، توقّف عليه القاضي هنيهة ، ثمَّ قال له : قل : ما عندك؟ فإن لم يقل شيئا ، إقامة ، ونظر في أمر غيره. وإن قال : أنظره ، فذاك له. وإن أبى لم يكن للحاكم أن يشفع اليه فيه ، ولا يشير عليه بالإنظار ولا غيره ، ولكن يبتّ الحكم فيما بينهما بما ذكرناه.

وإن ظهر للحاكم أنّ المقرّ عبد أو محجور عليه لسفه ، أبطل إقراره. وإن كان تبيّنه لذلك بعد دفعه ما أقرّ به الى خصمه ، ألزم الآخذ له ردّه ، وتقدّم بحفظه على المحجور عليه ، ويردّ ذلك على مولى المقرّ.

وإذا أقرّ إنسان لغيره بمال عند الحاكم ، فسأل المقرّ له الحاكم أن يثبت إقراره عنده ، لم يجز له ذلك ، إلّا أن يكون عارفا بالمقرّ بعينه واسمه ونسبه أو يأتي المقرّ له بيّنة عادلة على أنّ الذي أقرّ هو فلان بن فلان بعينه واسمه ونسبه ، لأنّه لا يأمن

٣٤١

أن يكون نفسان قد تواطيا على انتحال اسم إنسان غائب واسم أبيه والانتساب إلى آبائه ، ليقرّ أحدهما لصاحبه بما ليس له أصل. فإذا أثبت الحاكم على ذلك على غير بصيرة ، كان مخطئا مغرّرا.

وإذا ادّعى إنسان على أخرس شيئا ، توصّل الحاكم إلى إفهامه الدّعوى ومعرفة ما عنده فيها من إقرار أو إنكار. فإن أقرّ بالإشارة ، أو أنكر ، حكم عليه بذلك ، وإن كان يتساكت عن خصمه ، وهو صحيح قادر على الكلام ، وإنّما يعاند بالسّكوت ، أمر بحبسه حتّى يقرّ أو ينكر ، إلّا أن يعفو الخصم عن حقّه عليه. وكذلك إن أقرّ بشي‌ء ، ولم يبيّنه ، كأنّه يقول : له عليّ شي‌ء ، ولا يذكر ما هو ، ألزمه الحاكم بيان ما أقرّ به. فإن لم يفعل حبسه حتى يبيّن.

باب سماع البينات وكيفية الحكم بها وأحكام القرعة

إذا شهد عند الحاكم شاهدان ، وكانا عدلين ، وشهدا في مكان واحد على وجه واحد ، ووافق شهادتهما لدعوى المدّعي ، وجب على الحاكم الحكم بشهادتهما. وإذا شهد عنده من لا يعرفهما بعدالة ولا جرح ، سمع شهادتهما ، وأثبتها عنده ، ثمَّ استكشف أحوالهما واثبتهما. فإن وحدهما مرضيين جائزي الشّهادة ، حكم بشهادتهما. وإن وجدهما على غير ذلك ، طرح

٣٤٢

شهادتهما. وإذا شهد عنده من يتتعتع في شهادته أو يتلعثم ، فلا يسدّده ، ولا يترك أحدا يلقّنه ، بل يتمهّل حتى يفرغ من شهادته. فإذا فرغ ، فإن كانت شهادته موافقة للدّعوى ، قبلها ، وإلّا طرحها.

ومتى أراد الاحتياط والأخذ بالحزم في قبول الشّهادة ، ينبغي له أن يفرّق بين الشّهود ، ويستدعي واحدا واحدا ، ويسمع شهادته ، ويثبتها عنده ، ويقيمه ، ويحضر الآخر ، فيسمع شهادته ويثبتها ، ثمَّ يقابل بين الشّهادات. فإن اتّفقت ، قابلها مع دعوى المدّعي : فإن وافقتها ، حكم بها ، وإن اختلفت طرحها ، ولم يلتفت إليها. وكذلك إن اتّفقت ، غير أنّها لم توافق الدّعوى ، طرحها أيضا ، ولم يعمل بها. وهذا حكم سائر في جميع الاحكام والحقوق من الدّيون والأملاك والعقود والدّماء والفروج والقصاص والشّجاج. فإنّ الأحوط فيها أجمع أن يفرّق بين الشّهود. وإن جمع بينهم ، وسمع شهادتهم ، لم يمكن ذلك ممّا يوجب ردّ شهادتهم ، ولا موجبا للحكم بخلافها ، غير أنّ الأحوط ما قدّمناه.

ومن شهد عنده شاهدان عدلان على : أنّ حقّا ما لزيد ، وجاء آخران فشهدا : أنّ ذلك الحقّ لعمرو ، فإن كانت أيديهما خارجتين منه ، فينبغي للحاكم أن يحكم لأعدلهما شهودا. فإن تساويا في العدالة ، كان الحكم لأكثرهما شهودا مع يمينه

٣٤٣

بالله تعالى : أنّ الحقّ له. فإن تساويا في العدد ، أقرع بينهم : فمن خرج عليه حلّف ، وكان الحكم له فإن امتنع من خرج اسمه في القرعة من اليمين ، حلّف الآخر وكان الحكم له. فإن امتنعا جميعا من اليمين ، كان الحقّ بينهما نصفين.

ومتى كان مع واحد منهما يد متصرّفة ، فإن كانت البيّنة تشهد بأنّ الحقّ ملك له فقط ، وتشهد للآخر بالملك أيضا ، انتزع الحقّ من اليد المتصرّفة ، وأعطي اليد الخارجة. وإن شهدت البيّنة لليد المتصرّفة بسبب الملك من بيع أو هبة أو معاوضة ، كانت أولى من اليد الخارجة.

ومتى شهد نفسان على امرأة : أنّها زوجة لزيد ، وجاء آخران فشهدا : أنّها زوجة عمرو ، حكم لأعدلهما شهودا. فإن تساويا في العدالة ، أقرع بينهما : فمن خرج اسمه ، كانت زوجته ، وكان أحق بها.

ومتى كانت جارية مع رجل وامرأة ، فادّعى الرّجل أنّها مملوكته ، وادّعت المرأة أنّها بنتها ، وهي حرّة ، وأنكرت الجارية الدّعويين جميعا ، كان على الرّجل البيّنة بأنّ هذه الجارية مملوكته ولم يعتقها. فإن أقام بيّنة بذلك ، سلّمت اليه. وكذلك إن أقرّت الجارية بأنّها مملوكته ، وكانت بالغة ، سلّمت اليه. وإن لم يقم بيّنة ، ولا تكون هي بالغة ، أو تكون بالغة غير أنّها لا تقرّ ، انتزعت من يده. فإن أقامت المرأة البيّنة : أنّها ابنتها ،

٣٤٤

سلّمت إليها. وإن لم تكن لها بيّنة ، تركت الجارية تمضي حيث شاءت.

ومتى كانت جارية بين شركاء ، فوطئوها كلّهم في طهر واحد ، وحملت وولدت ، فادّعى كلّ واحد منهم أنّ الولد له ، أقرع بينهم : فمن خرج اسمه ، ألحق الولد به ، وغرّم للباقين قيمة الولد على قدر ما لهم من الجارية ، وردّ مع ذلك أيضا ثمن الجارية على قدر حصصهم.

ومتى سقط بيت على قوم ، فماتوا ، وبقي منهم صبيّان ، أحدهما مملوك والآخر حرّ ، والمملوك عبد لذلك الحرّ ، ولم يتميّز أحدهما من الآخر ، أقرع بينهما : فمن خرج اسمه ، فهو الحرّ ، وكان الآخر مملوكا له.

وإذا قال الرّجل : أوّل مملوك أملكه فهو حرّ ، وجعل ذلك نذرا ، ثمَّ ملك جماعة في وقت واحد ، أقرع بينهم : فمن خرج اسمه ، أعتق.

وإذا أوصى إنسان بعتق ثلث عبيده ، ولم يعيّنهم ، أقرع بينهم ، وأعتق من خرج اسمه.

وإذا ولد مولود ليس له ما للرّجال ولا ما للنّساء ، أقرع عليه : فإن خرج سهم الرّجال ، ألحق بهم ، وورّث ميراثهم ، وإن خرج سهم النّساء ، ألحق بهنّ ، وورّث ميراثهن.

وكلّ أمر مشكل مجهول يشتبه الحكم فيه ، فينبغي أن

٣٤٥

تستعمل فيه القرعة ، لما روي عن أبي الحسن موسى ، عليه‌السلام ، وعن غيره من آبائه وأبنائه من قولهم : « كلّ مجهول ففيه القرعة ». قلت له : « إنّ القرعة تخطأ وتصيب! » فقال : « كلّ ما حكم الله به ، فليس بمخطإ ».

وقد بيّنّا في كتاب الشّهادات ما تقبل شهادة الصّبيان فيه ، وما يجب فيه القصاص فيما دون النّفس. وينبغي أن يفرّق بينهم في الشّهادة ، ويؤخذ بأوّل قولهم ، ولا يؤخذ بثانيه. ومتى اختلفوا ، لم يلتفت إلى شي‌ء من أقوالهم ولا يعتدّ أيضا بشي‌ء من أقوالهم التي يرجعون إليها من الأقوال الأوّلة.

باب كيفية الاستحلاف

قد بيّنّا في كتاب الأيمان والنّذور ما يجوز أن يحلف الإنسان به وما لا يجوز ، وما إذا حلف به كان حالفا ، وما لا يكون كذلك.

وينبغي للحاكم إذا أراد أن يحلّف الخصم أن يخوّفه بالله تعالى ، ويذكّره العقاب الذي يستحقّه على اليمين الكاذبة والوعيد عليها. فإن أنجع ذلك ، وراجع الحقّ ، حكم بما يقتضيه الحال ممّا يوجبه الشّرع. وإن أقام على الإنكار واليمين ، استحلفه بالله تعالى لا غير ، أو بشي‌ء من أسمائه.

ولا يجوز أن يحلّف بغير أسماء الله تعالى بشي‌ء من جميع الموجودات : لا بالكتب المنزلة ولا المواضع المشرّفة ولا الرّسل

٣٤٦

المعظّمة ولا الأئمّة المنتجبة. فإنّ اليمين بجميع ذلك بدعة في شريعة الإسلام. ولا يحلف بالبراءة من الله تعالى ، ولا من رسله ولا من الأئمّة ولا من الكتب ولا بالكفر ولا بالعتق ولا بالطّلاق. فإنّ ذلك كلّه غير جائز.

وإن اقتصر على أن يقول له : قل : « والله ما له قبلي حقّ » ، كان كافيا. فإن أراد الزّيادة في الرّدع والإرهاب ، قال له : قل : « والله الذي لا إله إلّا هو ، الرّحمن الرّحيم الطّالب الغالب الضّار النّافع المدرك المهلك الذي يعلم من السّر ما يعلمه من العلانية ، ما لهذا المدّعي عليّ ما ادّعاه ، ولا له قبلي حق بدعواه ». فإذا حلف ، فقد برئت ذمّته.

واستحلاف أهل الكتاب يكون أيضا بالله أو بشي‌ء من أسمائه ويجوز أيضا أن يحلفوا بما يرون هم الاستحلاف به. ويكون الأمر في ذلك الى الحاكم وما يراه أنّه أردع لهم وأعظم عليهم.

ويستحبّ أن يكون الاستحلاف في المواضع المعظّمة كالقبلة أو عند المنبر والمواضع التي ترهب من الجرأة على الله تعالى.

وإذا أراد الحاكم أن يحلّف الأخرس ، حلّفه بالإشارة وبالإيماء إلى أسماء الله ، وتوضع يده على اسم الله في المصحف وتعرف يمينه على الإنكار كما يعرف إقراره. وإن لم يحضر المصحف ، وكتب اسم الله تعالى ، ووضعت يده عليه أيضا ، جاز. وينبغي أن يحضر يمينه من له عادة بفهم أغراضه وإيمائه

٣٤٧

وإشاراته. وقد روي أنّه : يكتب نسخة اليمين في لوح ، ثمَّ يغسل ذلك اللّوح ، ويجمع ذلك الماء ، ويؤمر بشربه. فإن شرب ، كان حالفا. وإن امتنع من شربه ، ألزم الحقّ.

وينبغي للحاكم أن لا يحلّف أحدا إلّا في مجلس الحكم. فإن كان هناك من توجّهت عليه اليمين ، ومنعه من حضور المجلس مانع من مرض أو عجز أو غير ذلك ، جاز للحاكم أن يستحلف من ينوب عنه في المضيّ اليه ، واستحلافه على ما تقتضيه شريعة الإسلام.

والمرأة إذا وجبت عليها اليمين ، استحلفها الحاكم في مجلس الحكم ، وعظّم عليها الأيمان. فإن كانت المرأة لم تجر لها عادة بالخروج عن منزلها الى مجمع الرّجال ، أو كانت مريضة أو بها علة تمنعها من الخروج الى مجلس القضاء ، أنفذ الحاكم إليها من ينظر بينها وبين خصمها من ثقاته وعدوله. فإن توجّه عليها اليمين ، استحلفها في منزلها ، ولم يكلّفها الخروج إلى مجمع الرّجال. وإن توجّه عليها الحقّ ألزمها الخروج منه على ما يقتضيه شرع الإسلام. فإن امتنعت من ذلك ، كان له حبسها كما أنّ له حبس الرّجال.

باب جامع في القضايا والاحكام

١ ـ روى أبو شعيب المحامليّ عن الرّفاعيّ قال : سألت أبا

٣٤٨

عبد الله ، عليه‌السلام ، عن رجل يحفر له بئرا عشر قامات بعشرة دراهم ، فحفر له قامة ، ثمَّ عجز. قال : تقسم عشرة على خمسة وخمسين جزءا. فما أصاب واحدا فهو للقيامة الأولى ، والاثنين للاثنين ، والثّلاثة للثّلاثة ، وعلى هذا الحساب إلى عشرة.

٢ ـ وروى حمّاد بن عيسى عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام : أنّ أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، أتي بعبد لذمّي قد أسلم ، فقال : اذهبوا ، فبيعوه من المسلمين ، وادفعوا ثمنه الى صاحبه ، ولا تقرّوه عنده.

٣ ـ وروى حريز عن أبي عبيدة قال : قلت : لأبي جعفر محمّد وأبي عبد الله ، عليهما‌السلام : رجل دفع الى رجل ألف درهم ، فخلطها بماله ، ويتّجر بها. فلمّا طلبها منه ، قال : ذهب المال. وكان لغيره معه مثلها ، ومال كثير لغير واحد. فقال : كيف صنع أولئك؟ قال : أخذوا أموالهم. فقال : أبو جعفر وأبو عبد الله ، عليهما‌السلام جميعا : يرجع عليه بماله ، ويرجع هو على أولئك بما أخذوا.

٤ ـ وروى محمّد بن إسماعيل عن جعفر بن عيسى قال : كتبت إلى أبي الحسن ، عليه‌السلام : جعلت فداك : المرأة تموت فيدّعي أبوها أنّه أعارها بعض ما كان عندها من متاع وخدم. أيقبل دعواه بلا بيّنة ، أم لا يقبل دعواه إلّا ببيّنة؟ فكتب اليه :

٣٤٩

يجوز بلا بيّنة. قال : وكتبت اليه : إن ادّعى زوج المرأة الميّتة ، وأبو زوجها وأمّ زوجها من متاعها أو خدمها مثل الذي ادّعاه أبوها من عاريّة بعض المتاع أو الخدم ، أيكونون بمنزلة الأب في الدّعوى؟ فكتب : لا.

٥ ـ وروى محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن يزيد ابن إسحاق عن هارون بن حمزة ، قال : سألت أبا عبد الله ، عليه‌السلام ، عن رجل استأجر أجيرا ، فلم يأمن أحدهما صاحبه ، فوضع الأجير على يد رجل ، فهلك ذلك الرّجل ولم يدع وفاء ، واستهلك الأجر. فقال : المستأجر ضامن لأجرة الأجير حتى يقضي ، إلّا أن يكون الأجير دعاه الى ذلك ، فرضي بالرّجل. فإن فعل ، فحقّه حيث وضعه ورضي به.

٦ ـ وروي محمّد بن مسلم قال : سمعت أبا جعفر ، عليه‌السلام ، يقول : قضى أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، بردّ الحبيس وإنقاذ المواريث.

٧ ـ وروى يونس بن عبد الرّحمن عن منصور بن حازم عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : قلت : عشرة كانوا جلوسا ، ووسطهم كيس فيه ألف درهم ، فسأل بعضهم بعضا : ألكم هذا الكيس؟ فقالوا كلّهم : لا. فقال واحد منهم : هو لي. فلمن هو؟ قال : للذي ادّعاه.

٨ ـ وروى محمّد بن الحسين بن أبي الخطّاب عن الحسن

٣٥٠

بن مسكين عن رفاعة النّخّاس عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : إذا طلّق الرّجل امرأته وفي بيتها متاع ، فلها ما يكون للنساء. وما يكون للرّجال وللنّساء قسّم بينهما. وإذا طلّق الرّجل المرأة ، فادّعت أن المتاع لها ، وادّعى أنّ المتاع له ، كان له ما للرّجال ، ولها ما للنّساء.

٩ ـ وروى عليّ بن محمد القاسانيّ عن القسم بن محمّد عن سليمان بن داود المنقريّ عن عبد العزيز بن محمّد الدّاراورديّ قال : سألت أبا عبد الله ، عليه‌السلام ، عمّن أخذ أرضا بغير حقّها وبنى فيها. قال : يرفع بناؤه ، ويسلّم التّربة إلى صاحبها. ليس لعرق ظالم حقّ.

١٠ ـ وروى عمرو بن شمر عن جابر عن أبي جعفر عن أبيه عن عليّ ، عليه‌السلام : أنّه قضى في رجلين اختصما في خصّ ، فقال : إنّ الخصّ للذي إليه القمط. وقالوا : القمط هو الحبل ، والخصّ : الطّنّ الذي يكون في السّواد بين الدّور. فكان من اليه الحبل هو أولى من صاحبه.

١١ ـ وروى الحسن بن عليّ بن يقطين عن أمية بن عمر وعن الشّعيري قال : سئل أبو عبد الله عن سفينة انكسرت في البحر ، فأخرج بعضها بالغوص وأخرج البحر بعض ما غرق فيها. فقال : أمّا ما أخرجه البحر ، فهو لأهله ، الله أخرجه. وأمّا ما أخرج بالغوص ، فهو لهم ، وهم أحقّ به.

٣٥١

١٢ ـ وروى ابن أبي عمير عن جميل بن درّاج عن جماعة من أصحابنا عنهما ، عليهما‌السلام : قال : الغائب يقضى عليه إذا قامت عليه البيّنة. ويباع ماله ويقضى عنه دينه وهو غائب ، ويكون الغائب على حجّته إذا قدم. قال : ولا يدفع المال إلى الذي أقام البيّنة إلّا بكفلاء.

١٣ ـ وروى محمّد بن يحيى الخزّاز عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه : أنّ عليّا ، عليه‌السلام ، كان يفلّس الرّجل إذا التوى على غرمائه ، ثمَّ يأمر به ، فيقسم ماله بينهم بالحصص. فإن أبي ، باعه ، فقسمه بينهم ، يعني : ما له.

١٤ ـ وعنه عن غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه أن عليّا ، عليه‌السلام : كان يحبس في الدّين. فإذا تبيّن له إفلاس وحاجة خلّى سبيله حتى يستفيد مالا.

١٥ ـ وروى السّكونيّ عن أبي عبد الله عن أبيه عن عليّ ، عليه‌السلام : أنّ امرأة استعدت على زوجها : أنّه لا ينفق عليها ، وكان زوجها معسرا. فأبى أن يحبسه ، وقال : إنّ من العسر يسرا.

١٦ ـ وعنه عن جعفر عن أبيه أنّ عليا ، عليه‌السلام ، كان يحبس في الدّين ، ثمَّ ينظر : فإن كان له مال ، أعطى الغرماء ، وإن لم يكن له مال ، دفعه إلى الغرماء فيقول لهم : اصنعوا به ما شئتم : إن شئتم ، فآجروه ، وإن شئتم ،

٣٥٢

استعملوه. وذكر الحديث.

١٧ ـ وروى ابن أذينة عن زرارة عن أبي جعفر ، عليه‌السلام ، قال : كان عليّ ، عليه‌السلام ، لا يحبس في السجن إلّا ثلاثة : الغاصب ، ومن أكل مال اليتيم ، ومن ائتمن على أمانة فذهب بها ، وإن وجد له شيئا ، باعه غائبا كان أو شاهدا.

قال الشّيخ أبو جعفر بن الحسن المصنّف ، رضي‌الله‌عنه : هذا الخبر محمول على أنّه عليه‌السلام ، ما كان يحبس أحدا على جهة العقوبة لهم إلّا الثّلاثة المذكورين ، أو ما كان يحبس الحبس المخصوص إلّا المذكورين. فأمّا غير هؤلاء من الغرماء وغيرهم ، فإنه كان يحبسهم على غير ذلك الوجه.

١٨ ـ وروى أبو بصير عن أبي جعفر ، عليه‌السلام ، قال : إنّ الحاكم إذا أتاه أهل التّوراة وأهل الإنجيل يتحاكمون اليه ، كان ذلك اليه : إن شاء حكم بينهم ، وإن شاء تركهم.

١٩ ـ وروى طلحة بن زيد والسّكونيّ جميعا عن جعفر عن أبيه عن عليّ ، عليه‌السلام : أنه كان لا يجيز كتاب قاض إلى قاض في حدّ ولا غيره ، حتى وليت بنو أمية ، فأجازوا بالبيّنات.

٢٠ ـ وروى هارون بن حمزة عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، قال : قلت : رجلان من أهل الكتاب نصرانيّان أو يهوديان كان بينهما خصومة فقضى بينهما حاكم من حكّامهما بجور ، فأبى

٣٥٣

الذي قضي عليه أن يقبل ، وسأل أن يردّه إلى حكم المسلمين؟ قال : يردّ إلى حكم المسلمين.

٢١ ـ وروى حريز عن محمّد بن مسلم وزرارة عنهما جميعا قالا : لا يحلّف أحد عند قبر النّبيّ ، عليه‌السلام ، على أقل ممّا يجب فيه القطع.

٢٢ ـ وروى عاصم بن حميد عن أبي حمزة الثّمالي عن أبي جعفر ، عليه‌السلام ، قال : قلت له : جعلت فداك! في كم تجري الأحكام على الصبيان؟ قال : في ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة. قلت : فإنّه لم يحتلم فيها. قال : وإن لم يحتلم ، فإنّ الأحكام تجري عليه.

٢٣ ـ وروى أبو بصير : قال : سألت أبا عبد الله ، عليه‌السلام ، عن رجل دبّر غلامه ، وعليه دين ، فرارا من الدّين. قال : لا تدبير له. وإن كان دبّره في صحة منه وسلامة ، فلا سبيل للدّيّان عليه.

٢٤ ـ وروى غياث بن كلّوب عن إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه : أنّ عليا ، عليه‌السلام ، كان يقول : لا ضمان على صاحب الحمّام فيما ذهب من الثّياب ، لأنّه إنّما أخذ الجعل على الحمّام ولم يأخذ على الثّياب.

٢٥ ـ وروى عبد الرّحمن بن سيابة عن أبي عبد الله ، عليه‌السلام ، أنّه قال : على الإمام أن يخرج المحبسين في الدّين

٣٥٤

يوم الجمعة إلى الجمعة ويوم العيد إلى العيد فيرسل معهم. فإذا قضوا الصّلاة والعيد ، ردّهم إلى السّجن.

٢٦ ـ وروى ابن أبي عمير عن حمّاد عن محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا عبد الله ، عليه‌السلام ، عن الأخرس كيف يحلّف ، إذا ادّعي عليه دين ولم يكن للمدعي بيّنة؟ فقال : إنّ أمير المؤمنين عليه‌السلام ، أتي بأخرس ، وادّعي عليه دين فأنكر ، ولم يكن للمدّعي بيّنة؟ فقال أمير المؤمنين عليه‌السلام : الحمد لله الذي يخرجني من الدّنيا حتى بيّنت للأمّة جميع ما تحتاج اليه. ثمَّ قال : ايتوني بمصحف! فأتي به. فقال للأخرس : ما هذا؟ فرفع رأسه إلى السّماء وأشار به : أنّه كتاب الله. ثمَّ قال : ايتوني بوليّه فأتي بأخ له. فأقعده إلى جنبه ، ثمَّ قال : يا قنبر! عليّ بدواة وكتف! فأتاه بهما. ثمَّ قال لأخ الأخرس : قل : لأخيك هذا بينك وبينه ، إنّه عليّ. فتقدم إليه بذلك. ثمَّ كتب أمير المؤمنين : « والله الذي لا إله إلّا هو عالم الغيب والشّهادة الرّحمن الرّحيم الطّالب الغالب الضّار النّافع المدرك المهلك الذي يعلم السّر والعلانية ، أنّ فلان بن فلان المدّعي ليس له قبل فلان بن فلان أعني الأخرس حقّ ولا طلبة بوجه من الوجوه ولا سبب من الأسباب » ثمَّ غسله ، وأمر الأخرس أن يشربه فامتنع ، فألزمه الدّين.

٣٥٥

كتاب المكاسب

باب عمل السلطان وأخذ جوائزهم

تولّي الأمر من قبل السّلطان العادل الآمر بالمعروف والنّاهي عن المنكر الواضع الأشياء مواضعها ، جائز مرغّب فيه. وربّما بلغ حدّ الوجوب ، لما في ذلك من التمكّن من الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر ، ووضع الأشياء مواضعها.

وأمّا سلطان الجور ، فمتى علم الإنسان أو غلب على ظنّه : أنّه متى تولى الأمر من قبله ، أمكنه التّوصّل إلى إقامة الحدود والأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر وقسم الأخماس والصّدقات في أربابها وصلة الإخوان ، ولا يكون في جميع ذلك مخلّا بواجب ولا فاعلا لقبيح ، فإنّه يستحبّ له أن يتعرّض لتولّي الأمر من قبلهم.

ومتى علم أو غلب على ظنّه : أنّه لا يتمكّن من جميع ذلك ، وأنّه لا بدّ من أن يلحقه ضرب من التّفريط في القيام بالواجبات أو يحتاج إلى ارتكاب شي‌ء من المقبّحات ، فلا يجوز له التعرّض له على حال. فإن ألزم الولاية إلزاما لا يبلغ تركه إلى الخوف

٣٥٦

على النّفس وسلب الأموال ، غير أنّه يلحقه بعض الضّرر وتحمّل بعض الأثقال ، فالأولى له أن يتحمّل ذلك ، ولا يتعرّض لعمل السّلطان.

فإن خاف من الامتناع من ذلك على النّفس أو على الأهل أو على المال أو على بعض المؤمنين في ذلك ، جاز له أن يتولّى الأمر ، ويجتهد أن يضع الأشياء مواضعها. فإن لم يتمكّن من الجميع ، فما يتمكّن منه يجتهد في القيام به. وإن لم يمكنه ذلك ظاهرا ، فعله سرّا وإخفاتا ، وخاصة ما يتعلّق بقضاء حقوق الإخوان والتّخفيف عنهم فيما يلزمهم من جهة السّلاطين الجوزة من الخراج وغيره. فإن لم يتمكّن من إقامة حقّ على وجه ، والحال وصفناه في التّقيّة ، جاز له أن يتّقي في جميع الأحكام والأمور ، ما لم يبلغ ذلك إلى سفك الدّماء المحرّمة ، فإنّه لا تقيّة له في سفكها على حال.

ومتى ما تولّى شيئا من أمور السّلطان من الإمارة والجباية والقضاء وغير ذلك من أنواع الولايات ، فلا بأس أن يقبل على ذلك الأرزاق والجوائز والصّلات. فإن كان ذلك من جهة سلطان عادل ، كان ذلك حلالا له طلقا. وإن كان من جهة سلطان الجور ، فقد رخّص له في قبول ذلك من جهتهم ، لأن له حقا في بيت المال.

ويجتهد أن يخرج من جميع ما يحصل له من جهتهم

٣٥٧

الخمس ، ويضعه في أربابه ، والباقي يواسي منه إخوانه من المؤمنين ، ويصلهم ببعضه وينتفع هو بالبعض. ولا يجوز له أن يقبل من جوائزهم وصلاتهم ما يعلمه ظلما وغصبا ، ويتعيّن له. فإن لم يتعيّن له ذلك ، وإن علم : أن المجيز له ظالم ، لم يكن به بأس بقبول جوائزه ، ويكون مباحا له ، والإثم على ظالمه.

وإذا تمكّن الإنسان من ترك معاملة الظالمين في التّجارات والمعاملات والمبايعات ، فالأولى تركها. فإن لم يمكنه ذلك ، ولا يجد سبيلا إلى العدول عنه ، جاز له مبايعتهم ومعاملتهم ، ولا يشتري منه مغصوبا يعلمه كذلك ، ولا يقبل منهم ما هو محظور في شريعة الإسلام. فإن خاف من ردّ جوائزهم التي يعلمها غصبا على نفسه وماله ، فليقبلها. فإن أمكنه أن يردّها إلى أربابها ، فعل. وإن لم يتمكّن من ذلك ، تصدّق بها عن صاحبها.

ولا بأس بشراء الأطعمة وسائر الحبوب والغلّات على اختلاف أجناسها من سلاطين الجور ، وإن علم من أحوالهم : أنّهم يأخذون ما لا يستحقّون ، ويغصبون ما ليس لهم ، ما لم يعلم في ذلك شيئا بعينه غصبا. فإن علمه كذلك فلا يتعرّض لذلك. فأمّا ما يأخذونه من الخراج والصّدقات ، وإن كانوا غير مستحقّين لها ، جاز له شراؤها منهم.

٣٥٨

ومتى غصب ظالم إنسانا شيئا ، ثمَّ تمكّن بعد ذلك المظلوم من ارتجاعه ، أو أخذ عوضه من ماله بذلك القدر ، جاز له أن يأخذه من غير زيادة عليه. وإن تركه ، كان أفضل له وأكثر ثوابا.

فإن أودعه الظّالم وديعة وائتمنه منها ، لم يجز له حبسها ، ووجب عليه ردّها ، ولا يخونه فيها. وإن أودعه شيئا يعلم أنّه غصب ، ويعرف صاحبه ، لم يجز له ردّه على مودعه ، وينبغي له أن يردّه على صاحبه. وإن علم أنّه غصب ، ولم يعرف صاحبه ، حبسه عنده إلى أن يعرف صاحبه. فإن لم يتبيّن له صاحبا ، تصدّق به عنه ، ولا يردّه على الظّالم على حال.

باب ما يجوز للرجل أن يأخذ من مال ولده ، وما للمرأة من مال زوجها ، ومن يجبر الإنسان على نفقته

لا يجوز للولد أن يأخذ من مال والده شيئا على حال ، إلّا بإذنه ، قلّ ذلك أم كثر ، لا مختارا ولا مضطرا. فإن اضطرّ ضرورة شديدة ، حتى يخاف تلف النّفس ، أخذ من ماله ما يمسك به رمقه ، كما يتناول من الميتة والدّم.

والوالد ، فما دام الولد ينفق عليه مقدار ما يقوم بأوده وسدّ خلّته من الكسوة والطعام بالمعروف ، فليس لوالده أن يأخذ من ماله شيئا. فإن لم يكن الولد ممّن ينفق عليه ، وكان

٣٥٩

الوالد مستغنيا عن ماله ، فلا يجوز له أيضا أن يأخذ من ماله شيئا على حال. فإن احتاج إلى ذلك ، أخذ من ماله قدر ما يحتاج إليه من غير إسراف ، بل على طريق القصد. وإذا كان للولد مال ، ولم يكن لوالده ، جاز له أن يأخذ منه ما يحجّ به حجّة الإسلام. فأمّا حجّة التّطوّع ، فلا يجوز له أن يأخذ نفقتها من ماله إلّا بإذنه. وإذا كان للولد جارية لم يكن وطئها ولا مسّها بشهوة ، جاز للوالد أن يأخذها ، ويطأها بعد أن يقوّمها على نفسه قيمة عادلة ، ويضمن قيمتها في ذمته.

ومن كان له ولد صغار ، فلا يجوز له أن يأخذ شيئا من أموالهم إلّا قرضا على نفسه.

والوالدة لا يجوز لها أن تأخذ من مال ولدها شيئا إلّا على سبيل القرض على نفسها.

ولا يجوز للمرأة أن تأخذ من بيت زوجها من غير أمره وإذنه ، إلّا المأدوم فقط ، فإنّ ذلك مباح لها أن تتصرّف فيه وتهب لمن تشاء ، ما لم يؤدّ ذلك إلى الإسراف والضّرر بزوجها. فإن أدّى ذلك إلى ضرره ، لم يجز لها أخذ شي‌ء منه على حال.

ويجبر الرّجل على نفقة ولده ووالديه وجدّه وجدّته وزوجته ولا يجبر على نفقة أحد غير من سمّيناه ، وإن كانوا من ذوي أرحامه. وقد روي : أنّه يجبر على نفقة أقرب ذوي أرحامه إليه ، إذا كان ممّن يرثه ، ولم يكن له وارث غيره. وذلك

٣٦٠