النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

بقيّة نهاره تأديبا ، وعليه القضاء. وإن لم يكن قد فعل شيئا ممّا يفسد الصّيام ، أمسك بقيّة يومه ، وقد تمَّ صومه ، وليس عليه القضاء.

باب حكم المسافر في شهر رمضان وصيام النذر

يكره للإنسان الخروج إلى السّفر في شهر رمضان إلّا عند الضّرورة الدّاعية له إلى ذلك من حجّ أو عمرة أو الخوف من تلف مال أو هلاك أخ أو ما يجري مجراه. فاذا مضى ثلاث وعشرون من الشّهر ، جاز له الخروج إلى حيث شاء. ومتى خرج إلى السّفر ، وكان سفره ممّا يجب عليه فيه التقصير في الصّلاة ، وجب عليه الإفطار. وكلّ سفر لا يجوز له فيه التقصير في الصّلاة ، لم يجز له التقصير في الصّوم. ومتى كان سفره أربعة فراسخ ، ولم يرد الرّجوع فيه ، لم يجز له الإفطار ، وهو مخيّر في التقصير في الصّلاة حسب ما قدّمناه.

ومن صام في سفر ، يجب عليه فيه الإفطار ، وكان عالما بوجوب ذلك عليه ، كان عليه الإعادة ، ولم يجزه الصّوم. وان لم يكن عالما به ، كان صومه ماضيا. وإذا خرج الرّجل إلى السّفر بعد طلوع الفجر أيّ وقت كان من النّهار ، وكان قد بيّت نيّته من اللّيل للسّفر ، وجب عليه الإفطار. وان لم يكن

١٦١

قد بيّت نيّته من اللّيل ، ثمَّ خرج بعد طلوع الفجر ، كان عليه إتمام ذلك اليوم ، وليس عليه قضاؤه. وإن خرج قبل طلوع الفجر ، وجب عليه الإفطار على كلّ حال ، وكان عليه القضاء. ومتى بيّت نيّته للسّفر من اللّيل ، ولم يتّفق له الخروج إلّا بعد الزّوال ، كان عليه أن يمسك بقيّة النّهار ، وعليه القضاء.

وإذا خرج الإنسان إلى السّفر ، فلا يتناول شيئا من الطّعام أو الشّراب ، الى أن يغيب عنه أذان مصره أو يتوارى عنه بلده. ولا ينبغي له أن يتملأ من الطّعام ، ولا ان يتروّى من الشّراب. ولا يجوز له أن يقرب الجماع بالنّهار إلا عند الحاجة الشّديدة الى ذلك.

ويكره صيام النّوافل في السّفر على كلّ حال. وقد وردت رواية في جواز ذلك. فمن عمل بها لم يكن مأثوما ، إلّا أن الأحوط ما قدّمناه.

وصيام الثلاثة أيام في الحجّ واجب في السّفر ، كما قال الله تعالى : ( فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ ) وقد وردت الرّغبة في صيام ثلاثة أيام بالمدينة لصلاة الحاجة.

ومن كان عليه صيام فريضة : إمّا قضاء شهر رمضان ، أو كفّارة ظهار. أو كفّارة قتل الخطإ ، أو غيره من وجوه الصّيام المفروضة ، لم يجز له أن يصومه في السّفر. فإن فعل

١٦٢

في السّفر شيئا يلزمه به الصّيام ، انتظر قدومه إلى بلده ، ولا يصوم في السّفر.

فإن أقام في بلد عشرة أيام فصاعدا ، جاز له الصّيام.

وأمّا صيام النّذور ، فإن كان النّاذر قد نذر أن يصوم أيّاما بأعيانها ، أو يوما بعينه ، ووافق ذلك اليوم أو الأيّام أن يكون مسافرا ، وجب عليه الإفطار ، وكان عليه القضاء. وكذلك إن اتّفق أن يكون ذلك اليوم يوم عيد ، وجب عليه الإفطار ، وعليه القضاء لذلك اليوم. وإن كان النّاذر نذر أن يصوم ذلك اليوم أو الأيّام على كلّ حال مسافرا كان أو حاضرا ، فإنه يجب عليه الصّيام في حال السّفر.

باب قضاء شهر رمضان ومن أفطر فيه على العمد أو النسيان

من فاته شي‌ء من شهر رمضان لمرض أو سفر أو أحد الأسباب التي توجب الإفطار ، فليقضه أيّ وقت تمكّن منه ، ولا يقضه في سفر. ولا يبتدي بصوم تطوّع ، وعليه شي‌ء من صيام شهر رمضان ، حتّى يقضيه.

وإذا أراد قضاء ما فاته من شهر رمضان ، فالأفضل أن يقضيه متتابعا. وإن فرّقه كان أيضا جائزا. فإن لم يتمكّن من سرده ، قضى ستّة أيّام متواليات ، ثمَّ قضى ما بقي عليه متفرّقا. وإن لم يتمكّن وفرّق جميعه ، لم يكن به بأس ، غير أن الأفضل ما قدّمناه. ولا بأس أن يقضي ما فاته من شهر رمضان في أيّ شهر

١٦٣

كان. فإن اتّفق أن يكون مسافرا انتظر وصوله إلى بلده أو المقام في بلد أكثر من عشرة أيام. ثمَّ يقضيه إن شاء.

ومن أكل ، أو شرب ، أو فعل ما ينقض الصّيام ، في يوم يقضيه من شهر رمضان ، ناسيا ، تمّم صيامه ، وليس عليه شي‌ء. فإن فعله متعمّدا ، وكان قبل الزّوال ، أفطر يومه ذلك ، ثمَّ ليقضه ، وليس عليه شي‌ء. وإن فعل ذلك بعد الزّوال ، قضى ذلك اليوم ، وكان عليه إطعام عشرة مساكين. فإن لم يتمكّن ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام بدلا من الكفّارة. وقد رويت رواية : « أنّ عليه مثل ما على من أفطر يوما من شهر رمضان » والعمل ما قدّمناه. ويمكن أن يكون الوجه في هذه الرّواية : من أفطر هذا اليوم بعد الزّوال استخفافا بالفرض وتهاونا به ، فلزمته هذه الكفّارة عقوبة وتغليظا ، ومن أفطر على غير ذلك الوجه ، فليس عليه إلّا الأوّل. وقد وردت رواية أخرى : « أنّه ليس عليه شي‌ء » ويمكن أن يكون الوجه فيها : من لم يتمكّن من الإطعام ولا من صيام ثلاثة أيّام ، فليس عليه شي‌ء. ومتى أصبح الرّجل جنبا ، وقد طلع الفجر عامدا كان أو ناسيا ، فليفطر ذلك اليوم ولا يصمه ويصوم غيره من الأيّام.

ومن أصبح صائما متطوّعا ، جاز له أن يفطر أيّ وقت شاء. فإذا صار بعد الزّوال ، فالأفضل له أن يصوم ذلك اليوم ، إلّا أن يدعوه أخ له مؤمن ، فإن الأفضل له الإفطار.

١٦٤

ومن أصبح بنيّة الإفطار ، جاز له أن يجدّد النيّة لقضاء شهر رمضان أو لصيام التطوع ما بينه وبين نصف النّهار. فإذا زالت الشّمس ، لم يجز له تجديد النيّة.

والحائض يجب عليها قضاء ما فاتها من الأيّام من شهر رمضان. فإن كانت مستحاضة في شهر رمضان ، صامت إلّا الأيّام التي كانت عادتها فيها الحيض. ثمَّ تقضي تلك الأيّام. ومتى أصبحت المرأة صائمة ، ثمَّ رأت الدّم ، فقد أفطرت. وإن كان ذلك بعد العصر أو قبل غيبوبة الشّمس بقليل ، أمسكت ، وعليها قضاء ذلك اليوم. ومتى أصبحت بنيّة الإفطار ، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها ، أمسكت ما بقي من النّهار ، وكان عليها القضاء. ومتى طهرت المرأة من الحيض أو النّفاس ، ثمَّ استحاضت ، وصامت ، ولم تفعل ما تفعله المستحاضة ، كان عليها قضاء الصّوم.

ومن أجنب في أوّل الشّهر ، ونسي أن يغتسل ، وصام الشّهر كلّه ، وصلّى ، وجب عليه الاغتسال ، وقضاء الصّوم والصّلاة. والمغمى عليه إذا كان مفيقا في أوّل الشّهر. ونوى الصّوم ، ثمَّ أغمي عليه ، واستمرّ به أيّاما ، لم يلزمه قضاء شي‌ء فاته ، لأنّه بحكم الصّائم. وإن لم يمكن مفيقا في أوّل الشّهر ، بل كان مغمى عليه ، وجب عليه القضاء على قول بعض أصحابنا. وعندي أنّه لا قضاء عليه أصلا.

١٦٥

باب ما يجري مجرى شهر رمضان في وجوب الصوم وحكم من أفطر فيه على العمد والنسيان

الذي يجري مجرى ذلك : صيام شهرين متتابعين فيمن قتل خطأ إذا لم يجد العتق ، وصيام شهرين متتابعين في كفّارة الظّهار على من لم يجد عتق رقبة ، وصيام شهرين متتابعين على من أفطر يوما من شهر رمضان متعمّدا إذا لم يعتق ولم يطعم. فمن وجب عليه شي‌ء من هذا الصّيام ، وجب عليه أن يصومه متتابعا. فإن لم يتمكّن من صيامه متتابعا ، صام الشّهر الأوّل ومن الشّهر الثّاني شيئا ، ثمَّ فرّق ما بقي عليه. فإن أفطر في الشّهر الأوّل أو الثّاني قبل أن يصوم منه شيئا ، كان عليه الاستيناف. اللهمّ إلّا أن يكون سبب إفطاره المرض أو شيئا من قبل الله تعالى ، فإنّه يبني عليه على كلّ حال.

وليس على من وجب عليه صوم هذه الأشياء أن يصومه في السّفر ، ولا أن يصوم أيّام العيدين ولا أيّام التّشريق إذا كان بمنى. فإن وافق صومه أحد هذه الأيّام ، وجب عليه أن يفطر ، ثمَّ ليقض يوما مكانه ، إلّا أن يكون الذي وجب عليه الصّيام القابل في أشهر الحرم ، فإنه يجب عليه صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم ، وإن دخل فيها صيام يوم العيد وأيّام التّشريق. والمرأة إذا حاضت ، وهي تصوم شهرين متتابعين ، أفطرت أيّام

١٦٦

حيضها ، ثمَّ لتقضها بعد انقضاء حيضها.

ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في أوّل شعبان ، فليتركه إلى انقضاء شهر رمضان ، ثمَّ يصوم شهرين متتابعين. فإن صام شعبان ورمضان ، لم يجزئه ، إلّا أن يكون قد صام مع شعبان شيئا ممّا تقدّم من الأيّام ، فيكون قد زاد على الشّهر ، فيجوز له البناء عليه ، ويتمّم شهرين.

ومن نذر أن يصوم شهرا متتابعا ، فصام خمسة عشر يوما ، وعرض له ما يفطر فيه ، وجب عليه صيام ما بقي من الشّهر. وإن كان صومه أقلّ من خمسة عشر يوما كان عليه الاستيناف.

فأما صيام النّذر فقد بيّنّا حكمه فيما تقدّم. فمن أفطر في يوم قد نذر صومه متعمّدا ، وجب عليه ما يجب على من أفطر يوما من شهر رمضان : عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا. فان لم يتمكّن ، صام ثمانية عشر يوما ، أو تصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يستطع ، استغفر الله ، وليس عليه شي‌ء.

ومن نذر أن يصوم حينا من الزّمان ، وجب عليه أن يصوم ستّة أشهر. فإن نذر أن يصوم زمانا ، كان عليه أن يصوم خمسة أشهر.

ومن نذر أن يصوم بمكّة أو بالمدينة أو أحد المواضع المعيّنة شهرا بعينه ، فحضره ، وصام بعضه ، ولم يتمكّن من المقام ،

١٦٧

جاز له أن يخرج. فاذا رجع الى بلده ، قضاه على التّمام.

ومتى عجز الإنسان عن صيام ما نذر فيه ، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام.

وصوم كفّارة اليمين واجب أيضا. وهو ثلاثة أيام متتابعات. ولا يجوز الفصل بينهما بالإفطار. فمن فعل ذلك ، استأنف الصّيام.

وصيام أذى حلق الرّأس واجب ، إذا لم ينسك ، ولم يتصدّق. وصيام ثلاثة أيّام لمن لم يجد دم المتعة في الحجّ متتابعات أيضا ، وصوم جزاء الصّيد بحسب قيمة جزأيه وبحسب ما يلزمه من الصّيام.

وصوم الاعتكاف واجب أيضا ، وسنفرد له بابا إن شاء الله.

باب صيام التطوع وما يكون صاحبه فيه بالخيار وصوم التأديب والاذن وما لا يجوز صيامه

صوم ثلاثة أيّام في الشّهر مستحب مندوب اليه مرغّب فيه. وهو أوّل خميس في العشر الأوّل ، وأوّل أربعاء في العشر الثّاني ، وآخر خميس في العشر الأخير. فينبغي أن لا يتركه الإنسان مع الاختيار. فإن لم يقدر على صيام هذه الأيّام في أوقاتها ، جاز له تأخيرها من شهر إلى شهر ، ثمَّ يقضيها. وكذلك لا بأس أن يؤخرها من الصّيف الى الشّتاء ، ثمَّ يقضيها بحسب ما فاته. فان

١٦٨

عجز عن الصّيام ، جاز له أن يتصدّق عن كلّ يوم بدرهم أو بمدّ من طعام. فإن لم يقدر على ذلك ، لم يكن عليه شي‌ء.

ويستحبّ صيام الأربعة أيّام في السّنة ، وهي : يوم السّابع والعشرين من رجب ، وهو يوم مبعث النّبيّ ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، ويوم السّابع عشر من شهر ربيع الأوّل ، وهو يوم مولده ، ويوم الخامس والعشرين من ذي القعدة ، وهو يوم دحيت فيه الأرض من تحت الكعبة ، ويوم الثامن عشر من ذي الحجّة ، وهو يوم الغدير ، نصب فيه رسول الله ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، أمير المؤمنين ، عليه‌السلام ، إماما للأنام.

ويستحبّ صيام أوّل يوم من ذي الحجّة ، وهو يوم ولد فيه إبراهيم الخليل ، عليه‌السلام. ويستحبّ صيام رجب بأسره لمن تمكّن من ذلك. ومن لم يتمكّن ، صام أوّل يوم منه ، ويوم الثالث عشر منه ، وهو يوم ولد فيه أمير المؤمنين ، عليه‌السلام. ويستحبّ صيام شعبان وصلته بشهر رمضان. فمن صامه ، ووصله بشهر رمضان ، كان توبة من الله ، ومن لم يتمكّن من صومه كلّه ، صام منه ما استطاع.

والصّوم الذي يكون صاحبه فيه بالخيار ، فيوم الجمعة والخميس وأيام البيض من كلّ شهر وستّة أيام من شوّال وصوم يوم عرفة ويوم عاشوراء.

وأما صوم الإذن ، فلا تصوم المرأة تطوّعا إلا بإذن زوجها.

١٦٩

فان صامت من غير إذنه ، جاز له أن يفطرها ، ويواقعها. وإن كانت صائمة من قضاء شهر رمضان ، لم يكن له ذلك. والعبد لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مولاه. والضّيف لا يصوم تطوّعا إلا بإذن مضيفه.

وأمّا صوم التأديب ، فأن يؤخذ الصّبيّ إذا راهق بالصّوم تأديبا ، وليس بفرض. وكذلك من أفطر لمرض في أول النهار ثمَّ قوي بقيّة نهاره ، أمر بالإمساك عن الطّعام والشّراب بقيّة يومه تأديبا ، وليس بفرض وكذلك المسافر ، إذا أكل من أوّل النّهار ، ثمَّ قدم أهله ، أمسك بقيّة يومه تأديبا. وكذلك الحائض إذا أفطرت في أوّل النّهار ، ثمَّ طهرت في بقيّة يومها ، أمسكت تأديبا ، وعليها قضاؤه.

وأمّا الذي لا يجوز صيامه على حال : فيوم الفطر ويوم الأضحى ، وثلاثة أيّام التّشريق لمن كان بمنى ، وصوم يوم الشّكّ على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه ، وصوم الوصال وهو أن يجعل عشاءه سحوره ، وصوم الصّمت ، وصوم نذر المعصية ، وصوم الدّهر.

باب الاعتكاف

الاعتكاف مستحبّ مندوب اليه مرغّب فيه. وأفضل ما يعتكف الإنسان فيه من الأوقات ، العشر الأواخر من شهر رمضان. فإن اعتكف في غيرها ، كان أيضا جائزا. وفيه فضل

١٧٠

كبير. والمواضع التي يجوز فيها الاعتكاف ، كلّ مسجد جمّع الإمام العادل فيه بالنّاس صلاة جمعة يوم الجمعة ، وهي أربعة مساجد : المسجد الحرام ، ومسجد المدينة ، ومسجد الكوفة ، ومسجد البصرة. وقد روي في بعض الأخبار مسجد المدائن. والمعوّل على المساجد الّتي ذكرناها. ولا يجوز الاعتكاف فيما عدا هذه المساجد التي قدّمنا ذكرها.

ومتى أراد الإنسان الاعتكاف ، فلا يعتكف أقلّ من ثلاثة أيّام ، فإنه لا اعتكاف أقلّ منها. ولا بدّ أن يصوم واجبا ، لأنه لا اعتكاف إلّا بصوم. فمن اعتكف ثلاثة أيّام ، كان فيما زاد عليها بالخيار : إن أراد أن يزداد ازداد ، وإن أراد أن يرجع رجع. فإن صام بعد الثّلاثة أيّام يومين آخرين ، لم يجز له الرّجوع ، وكان عليه تمام ثلاثة أيّام أخر. وان كان قد زاد يوما واحدا ، جاز له أن يفسخ الاعتكاف.

وينبغي للمعتكف أن يشترط على ربّه في حال ما يعزم على الاعتكاف كما يشترط في حال الإحرام : بأنه إن عرض له مرض وما أشبهه ، كان له الرّجوع فيه. فإنّه متى فعل ذلك ، ثمَّ عرض له مرض : جاز له أن يرجع فيه أيّ وقت شاء. فان لم يشترط ، لم يكن له الرّجوع فيه ، الّا أن يكون أقلّ من يومين. فإن مضت عليه يومان ، وجب عليه أيضا تمام ثلاثة أيّام حسب ما قدّمناه.

١٧١

وعلى المعتكف أن يجتنب جميع ما يجتنبه المحرم من النّساء والطّيب والرّياحين والكلام الفحش والمماراة والبيع والشّراء ، ولا يفعل شيئا من ذلك.

ولا يجوز له أن يخرج من المسجد الذي اعتكف فيه ، إلّا لضرورة تدعوه إلى ذلك من تشييع أخ أو جنازة أو عيادة مريض أو قضاء حاجة لا بدّ له منها. فمتى خرج لإحدى الأشياء التي ذكرناها ، فلا يقعد في موضع ، ولا يمشي تحت الظّلال.

ولا يقف فيها إلّا عند الضرورة الى أن يعود إلى المسجد. ولا يصلّي المعتكف في غير المسجد الذي اعتكف فيه ، إلا بمكّة خاصّة ، فإنه يجوز له أن يصلّي بمكّة في أيّ بيوتها شاء.

ومتى اعتلّ المعتكف جاز له أن يخرج من المسجد الى بيته. فإذا برأ قضى اعتكافه وصومه.

واعتكاف المرأة كاعتكاف الرّجل سواء ، وحكمها حكمه في جميع الأشياء. فإن طمثت ، خرجت من المسجد. فإذا طهرت ، عادت ، وقضت الاعتكاف والصّوم.

ولا يجوز للمعتكف مواقعة النّساء لا باللّيل ولا بالنّهار. فمتى واقع الرّجل امرأته ، وهو معتكف ليلا ، كان عليه ما على من أفطر يوما من شهر رمضان : عتق رقبة ، أو صيام شهرين أو إطعام ستّين مسكينا. وإن كانت مواقعته لها بالنّهار في شهر رمضان ، كان عليه كفّارتان.

١٧٢

كتاب الزكاة

الزّكاة على ضربين : مفروض ومسنون. وكلّ واحد منهما ينقسم قسمين : فقسم منهما زكاة الأموال ، والثاني زكاة الرّءوس.

فأمّا زكاة الأموال ، فيحتاج في معرفتها إلى ستّة أشياء : أحدها معرفة وجوب الزّكاة. والثّاني معرفة من تجب عليه ، ومن لا تجب عليه. والثّالث معرفة ما تجب فيه ، وما لا تجب والرّابع معرفة المقدار الذي تجب فيه ، ومعرفة مقدار ما لا تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس معرفة من يستحقّ ذلك ومقدار ما يعطى من أقلّ أو أكثر.

وأمّا زكاة الرّءوس فيحتاج فيها أيضا إلى معرفة ستّة أشياء : أحدها معرفة وجوبها. والثّاني معرفة من تجب عليه. والثّالث معرفة ما يجوز إخراجه وما لا يجوز. والرّابع معرفة مقدار ما تجب. والخامس معرفة الوقت الذي تجب فيه. والسّادس من المستحقّ له ، وكم أقلّ ما يعطى وأكثر. وليس

١٧٣

يخرج من هذه الأقسام شي‌ء ممّا يتعلّق بأبواب الزّكاة. ونحن نبيّن قسما قسما من ذلك ، ونستوفيه على حقّه إن شاء الله.

باب وجوب الزكاة ومعرفة من تجب عليه

الزّكاة المفروضة في شريعة الإسلام ، واجبة على كلّ مكلّف حرّ بالغ ، رجلا كان أو امرأة. وهم ينقسمون قسمين : قسم منهم إذا لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة ، كان ثابتا في ذمّتهم. وهم جميع من كان على ظاهر الإسلام. والباقون هم الذين متى لم يخرجوا ما يجب عليهم من الزّكاة ، لم يلزمهم قضاؤه. وهم جميع من خالف الإسلام. فإن الزّكاة ، وإن كانت واجبة عليهم بشرط الإسلام ، ولم يخرجوها لكفرهم ، فمتى أسلموا لم يلزمهم إعادتها.

وأمّا المجانين ، ومن ليس بكامل العقل ، فلا تجب عليهم الزّكاة في أموالهم المودعة. وتجب فيما يحصل لهم من الغلّات والمواشي. وحكم الأطفال حكم من ليس بعاقل من المجانين أو غيرهم. فإنه لا تجب في أموالهم الصّامتة زكاة.

فإن اتّجر متّجر بأموالهم نظرا لهم ، يستحبّ له أن يخرج من أموالهم الزّكاة ، وجاز له أن يأخذ من الرّبح بقدر ما يحتاج اليه على قدر الكفاية. وإن اتّجر لنفسه دونهم ، وكان في الحال متمكّنا من ضمان ذلك المال ، كانت الزّكاة عليه ،

١٧٤

والرّبح له. وإن لم يكن متمكّنا في الحال من مقدار ما يضمن به مال الطّفل ، وتصرّف فيه لنفسه من غير وصيّة ولا ولاية ، لزمه ضمانه ، وكان الرّبح لليتيم ، ويخرج منه الزّكاة.

فأما ما عدا الأموال الصّامتة من الغلّات والمواشي ، فإنّه يجب على من سمّيناه الزّكاة في أموالهم ، وعلى أوليائهم أن يخرجوها ويسلّموها إلى مستحقّيها.

باب ما تجب فيه الزكاة وما لا تجب وما يستحب فيه الزكاة

الذي تجب فيه الزّكاة فرضا لازما تسعة أشياء :

الذهب والفضّة ، إذا كانا مضروبين دنانير ودراهم منقوشين. فإذا كانا سبائك أو حليّا ، فلا تجب فيهما الزّكاة ، إلا أن يقصد صاحبهما الفرار به من الزّكاة. فمتى فعل ذلك حال وجوب الزّكاة ، استحبّ له أن يخرج منهما الزّكاة. وإن جعله كذلك بعد دخول الوقت ، لزمته الزّكاة على كلّ حال.

والحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب والإبل والبقر والغنم.

وكلّ ما عدا هذه التسعة أشياء ، فإنه لا تجب فيه الزّكاة.

ولا زكاة على مال غائب ، إلّا إذا كان صاحبه متمكّنا منه أيّ وقت شاء. فإن كان متمكّنا منه لزمته الزّكاة. فإن لم يكن

١٧٥

متمكّنا ، وغاب منه سنين ، ثمَّ حصل عنده ، يخرج منه زكاة سنة واحدة.

ومن ورث مالا ، ولا يصل اليه إلّا بعد أن يحول عليه حول أو أحوال ، فليس عليه زكاة ، إلا أن يصل إليه ويحول عليه حول.

ومال القرض ليس فيه زكاة على صاحبه ، بل تجب على المستقرض الزّكاة ، إن تركه بحاله حتّى يحول عليه الحول. وإن تصرّف فيه بتجارة وما أشبهها ، لزمته الزّكاة استحبابا.

وكلّ ما يملكه الإنسان مما عدا التّسعة أشياء التي ذكرناها ، فإنّه يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة.

فإن كان معه مال يديره في التّجارة ، استحبّ له إخراج الزّكاة منه ، إذا دخل وقتها ، وكان رأس المال حاصلا ، أو يكون معه الرّبح. فإن كان قد نقص ماله ، أو كان ما اشتراه طلب بأقلّ من رأس المال ، فليس عليه فيه شي‌ء ، فإن بقي عنده على هذا الوجه أحوالا ، ثمَّ باعه ، أخرج منه الزّكاة لسنة واحدة.

وكلّ ما يدخل فيه المكيال والميزان من الحبوب وغيرها مثل الجاورس والذرّة والسّلت والأرزّ والباقلا والسّمسم والكتّان وما أشبه ذلك ، يستحبّ له أن يخرج منه الزّكاة سنّة مؤكّدة.

وأمّا الخضروات مثل القضب والباذنجان والبقول كلّها وما

١٧٦

أشبهها ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، وإن بلغ ثمنه شيئا كثيرا ، إلّا أن يباع ويحول على ثمنه الحول.

وأمّا الإبل والبقر والغنم ، فليس في شي‌ء منها زكاة ، إلّا إذا كانت سائمة ، ويكون قد حال عليه الحول فصاعدا.

فإمّا المعلوفة منها فليس في شي‌ء منها زكاة على حال.

وحكم الجواميس حكم البقر في وجوب الزّكاة عليها.

وأمّا الخيل. ففيها الزّكاة مستحبّة ، إذا كانت إناثا سائمة فإن كانت معلوفة ، فليس فيها شي‌ء.

وليس على الإنسان زكاة فيما يملكه من خادم يخدمه أو دار يسكنها ، إلّا أن تكون دار غلّة. فإن كان كذلك ، يستحبّ أن يخرج منها الزّكاة. فأما زكاة الحليّ ، فإعارته لمن يحتاج إليه إذا كان مأمونا.

باب المقادير التي تجب فيها الزكاة وكمية ما تجب

أمّا الذّهب فليس في شي‌ء منه زكاة ، ما لم يبلغ عشرين مثقالا فإذا بلغ ذلك ، كان فيه نصف دينار. ثمَّ ليس فيه شي‌ء ما لم تزد عليه أربعة دنانير. فإذا زاد ذلك ، كان فيه ستّة أعشار. ثمَّ على هذا الحساب كلّما زادت أربعة دنانير ، كان فيها زيادة عشر دينار بالغا ما بلغ. وليس فيما دون ذلك شي‌ء.

١٧٧

وأمّا زكاة الفضّة ، فليس فيها شي‌ء ما لم تبلغ مائتي درهم. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها خمسة دراهم. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تزيد أربعون درهما. فإذا زاد ذلك ، كان فيها ستّة دراهم. ثمَّ على هذا الحساب ، كلّما زادت أربعون درهما ، كان فيها زيادة درهم بالغا ما بلغ. وليس فيما دون الأربعين بعد المأتين شي‌ء من الزّكاة.

وإذا خلّف الرّجل دراهم أو دنانير نفقة لعياله ، لسنة أو سنتين أو أكثر من ذلك ، مقدار ما تجب فيه الزّكاة ، وكان الرّجل غالبا ، لم تجب فيها زكاة. فإن كان حاضرا ، وجبت عليه الزّكاة.

وأمّا زكاة الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب ، فعلى حدّ سواء. وليس في شي‌ء من هذه الأجناس زكاة ما لم يبلغ خمسة أوسق بعد مقاسمة السلطان وإخراج المؤن عنها. كلّ وسق ستّون صاعا كلّ صاع تسعة أرطال بالعراقيّ ، يكون مبلغه ألفين وسبعمائة رطل. فإذا بلغ ذلك ، كان فيه العشر ، إن كان سقي سيحا أو شرب بعلا. وإن كان ممّا قد سقي بالغرب والدّوالي والنّواضح وما أشبه ذلك ، كان فيه نصف العشر. وإن كان ممّا قد سقي سيحا وغير سيح ، اعتبر الأغلب في سقيه. فإن كان سقيه سيحا أكثر ، كان حكمه حكمه ، يؤخذ منه العشر. وإن كان

١٧٨

سقيه بالغرب والدّوالي وما أشبههما أكثر ، كان حكمه حكمه ، يؤخذ منه نصف العشر فإن استويا في ذلك ، يؤخذ منه من نصفه بحساب العشر ، ومن النّصف الآخر بحساب نصف العشر. وما زاد على خمسة أوسق ، كان حكمه حكم الخمسة أوسق في أن يؤخذ منه العشر أو نصف العشر ، قليلا كان أو كثيرا.

وأمّا زكاة الإبل ، فليس في شي‌ء منها زكاة الى أن تبلغ خمسا. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها شاة. وليس فيما يزيد عليها شي‌ء الى أن تبلغ عشرا. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها شاتان. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى ان تبلغ خمس عشرة. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها ثلاث شياه. ثمَّ كذلك ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ عشرين. فاذا بلغت ذلك ، كان فيها أربع شياه. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى ان تبلغ خمسا وعشرين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها خمس شياه. فإن زادت على خمس وعشرين واحدة ، كان فيها بنت مخاض. وليس فيها شي‌ء بعد ذلك الى أن تبلغ خمسا وثلاثين ، وتزيد واحدة. فإذا بلغت ، كان فيها بنت لبون. وليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وأربعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها حقّة. وليس فيما زاد عليها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وستّين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها جذعة ، ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ ستّا وسبعين. فإذا

١٧٩

بلغت ذلك ، كان فيها بنتا لبون. ثمَّ ليس فيها شي‌ء الى أن تبلغ إحدى وتسعين. فإذا بلغت ذلك ، كان فيها حقّتان. ثمَّ ليس فيها شي‌ء إلى أن تبلغ مائة وإحدى وعشرين. فاذا بلغت ذلك ، تركت هذه العبرة ، وأخذت من كلّ خمسين حقّة ، ومن كلّ أربعين بنت لبون.

فإن كان الذي تجب عليه زكاة الإبل ليس معه عين ما يجب عليه ، جاز أن يؤخذ منه قيمته. فإن لم تكن معه القيمة وكان معه من غير السّنّ الذي وجب عليه ، جاز أن يؤخذ منه. فإن كان دون ما يستحقّ عليه ، أخذ منه مع ذلك ، ما يكون تماما للذي وجب عليه. وإن كان فوق الّذي يجب عليه ، أخذ منه ، وردّ عليه ما فضل له. مثال ذلك أنّه إذا وجبت عليه بنت مخاض ، وليست عنده ، وعنده ابن لبون ذكر ، أخذ منه ذلك وليس عليه شي‌ء. فإن كان عنده بنت لبون ، وقد وجبت عليه بنت مخاض ، أخذت منه ، وأعطاه المصدّق شاتين أو عشرين درهما. فإن كان قد وجبت عليه بنت لبون ، وعنده بنت مخاض ، أخذت منه ، وأخذ معها شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه حقّة ، وليست عنده ، وعنده بنت لبون ، أخذت منه ، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. وإن كان قد وجبت عليه بنت لبون وعنده حقّة ، أخذت منه ، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما. وإذا وجبت عليه جذعة ، وليست عنده ،

١٨٠