النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

يصلّي ركعتي الغداة ، ثمَّ يقضي الثّماني ركعات. وإن كان قد صلّى أربع ركعات من صلاة اللّيل ، ثمَّ طلع الفجر ، تمّم ما بقي عليه ، وخفّفها ، ثمَّ صلّى الفرض. وقد رويت رواية في جواز صلاة اللّيل بعد طلوع الفجر قبل الفرض ، وهي رخصة في جواز فعل النافلة في وقت الفريضة ، إذا كان ذلك في أوّل وقته. فإذا تضيّق الوقت لم يجز ذلك. ومع هذا فلا ينبغي أن يكون ذلك عادة. والأحوط ما قدّمناه.

ومن نسي ركعتين من صلاة اللّيل ، ثمَّ ذكر بعد أن أوتر ، قضاهما وأعاد الوتر. ومن نسي التّشهّد في النّافلة ، ثمَّ ذكر بعد أن ركع أنّه لم يتشهّد ، أسقط الرّكوع ، وجلس ، فتشهّد.

وإذا فرغ من صلاة الليل ، قام فصلّى ركعتي الفجر ، وإن لم يكن قد طلع الفجر بعد. ويستحبّ أن يضطجع ويقول في حال اضطجاعه الدّعاء المعروف في ذلك. وإن جعل مكان الضّجعة سجدة ، كان ذلك جائزا.

ولا بأس أن يصلّي الإنسان النّوافل جالسا ، إذا لم يتمكّن من الصّلاة قائما. فإن تمكّن منها قائما ، وأراد أن يصلّيها جالسا ، صلّى لكلّ ركعة ركعتين. فإن صلّى لكلّ ركعة ركعة والحال ما وصفناه ، كان تاركا للفضل.

ومن كان في دعاء الوتر ، ولم يرد قطعه. ولحقه عطش ، وبين يديه ماء ، جاز له أن يتقدّم خطا فشرب الماء ، ثمَّ يرجع

١٢١

إلى مكانه فيتمّم صلاته من غير أن يستدبر القبلة.

باب الصلاة في السفر

التّقصير واجب في السّفر ، إذا كانت المسافة ثمانية فراسخ فإن كانت المسافة أربعة فراسخ ، وأراد الرّجوع من يومه ، وجب أيضا التّقصير. فإن لم يرد الرّجوع ، فهو بالخيار في التّقصير والإتمام.

ولا يجوز التّقصير ، الا لمن كان سفره طاعة لله ، أو في سفر مباح. فإن كان سفره معصية أو اتّباعا لسلطان جائز ، لم يجز له التّقصير. وكذلك إن كان سفره إلى صيد لهو أو بطر ، لم يجز له التّقصير. وإن كان الصيد لقوته وقوت عياله ، وجب أيضا التّقصير. وإن كان صيده للتّجارة ، وجب عليه التّمام في الصلاة ، والتّقصير في الصوم. ولا يجوز التّقصير للمكاري وللملّاح والرّاعي والبدويّ إذا طلب القطر والنّبت ، والذي يدور في جبايته ، والذي يدور في إمارته ، ومن يدور في التّجارة من سوق إلى سوق ، ومن كان سفره أكثر من حضره ، هؤلاء كلّهم لا يجوز لهم التقصير ما لم يكن لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام. فإن كان لهم في بلدهم مقام عشرة أيّام ، وجب عليهم التّقصير. وإن كان مقامهم في بلدهم خمسة أيّام ،

١٢٢

قصّروا بالنّهار ، وتمّموا الصّلاة باللّيل.

ولا يجوز التقصير للمسافر ، إلّا إذا توارى عنه جدران بلده وخفي عليه أذان مصره. فإن خرج بنيّة السّفر ، ثمَّ بدا له وكان قد صلّى على التّقصير ، فليس عليه شي‌ء. فإن لم يكن قد صلّى ، أو كان في الصّلاة وبدا له من السّفر ، تمّم صلاته. فإن خرج من منزله ، وقد دخل الوقت ، وجب عليه التّمام ، إذا كان قد بقي من الوقت مقدار ما يصلّي فيه على التّمام. فإن تضيّق الوقت ، قصّر ولم يتمّم. وإن دخل من سفره بعد دخول الوقت ، وكان قد بقي من الوقت مقدار ما يتمكّن فيه من أداء الصّلاة على التّمام ، فليصلّ ، وليتمّم. وإن لم يكن قد بقي مقدار ذلك ، قصّر. ومن ذكر أنّ عليه صلاة فاتته في حال السّفر ، قضاها على التّقصير. وكذلك من ذكر أنّ عليه صلاة فاتته في الحضر ، وهو في السّفر ، قضاها على التّمام.

ومن تمّم في السّفر ، وقد تليت عليه آية التّقصير ، وعلم وجوبه ، وجب عليه إعادة الصّلاة. فإن لم يكن علم ذلك ، فليس عليه شي‌ء. فإن كان قد علم ، غير أنّه قد نسي في حال الصلاة ، فإن كان في الوقت ، أعاد الصّلاة ، وإن كان قد مضى وقتها ، فليس عليه شي‌ء. وقد روي أنّه إن ذكر في ذلك اليوم أنّه صلّى على التّمام ، وجبت عليه الإعادة. والأول أحوط.

وإذا عزم المسافر على مقام عشرة أيّام في بلد ، وجب عليه

١٢٣

التّمام. فإن عزم عشرة أيّام وصلّى صلاة واحدة أو أكثر على التّمام ، ثمَّ بدا له في المقام ، فليس له أن يقصّر إلّا بعد خروجه من البلد. وإن لم يكن قد صلّى شيئا من الصّلوات على التّمام ، فعليه التّقصير ، إذا غيّر نيّته عن المقام عشرة أيّام ما بينه وبين ثلاثين يوما. فإذا مضت ثلاثون ، ولم يكن قد خرج ، وجب عليه التّمام ولو صلاة واحدة. ومن خرج إلى ضيعة له ، وكان له فيها موضع ينزله ويستوطنه ، وجب عليه التّمام. فإن لم يكن له فيها مسكن ، وجب عليه التّقصير.

ويستحبّ الإتمام في أربعة مواطن : في السفر بمكّة ، والمدينة ، ومسجد الكوفة ، والحائر ، على ساكنه السلام. وقد رويت رواية بلفظة أخرى ، وهو أن يتمّم الصّلاة في حرم الله ، وفي حرم رسوله ، وفي حرم أمير المؤمنين ، وفي حرم الحسين ، عليهم أجمعين السّلام. فعلى هذه الرّواية ، جاز التّمام خارج المسجد بالكوفة. وعلى الرّواية الأولى ، لم يجز إلّا في نفس المسجد. ولو أن إنسانا قصّر في هذه المواطن كلّها ، لم يكن عليه شي‌ء ، إلّا أنّ الأفضل ما قدمناه.

وليس على المسافر صلاة الجمعة ولا صلاة العيدين. والمشيع لأخيه المؤمن يجب أيضا عليه التقصير ، والمسافر في طاعة إذا مال إلى الصّيد لهوا ، وجب عليه التّمام. فإذا رجع إلى السّفر ، عاد إلى التّقصير. وإذا خرج قوم إلى السّفر ، وساروا

١٢٤

أربعة فراسخ ، وقصّروا من الصّلاة ، ثمَّ أقاموا ينتظرون رفقة لهم في السّفر ، فعليهم التّقصير إلى أن يتيسّر لهم العزم على المقام ، فيرجعون إلى التّمام ، ما لم يتجاوز ثلاثين يوما على ما قدّمناه. وإن كان مسيرهم أقلّ من أربعة فراسخ ، وجب عليهم التّمام إلى أن يسيروا. فإذا ساروا ، رجعوا إلى التقصير.

ويستحب للمسافر أن يقول عقيب كلّ صلاة ثلاثين مرّة « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر » فإنّ ذلك جبران للصّلاة. ولا بأس أن يجمع الإنسان بين الظّهر والعصر وبين المغرب والعشاء الآخرة في حال السّفر.

وكذلك لا بأس أن يجمع بينهما في الحضر. إلّا أنّه إذا جمع بينهما ، لا يجعل بينهما شيئا من النّوافل. وليس على المسافر شي‌ء من نوافل النّهار. فإذا سافر بعد زوال الشّمس قبل أن يصلّي نوافل الزّوال ، فليقضها في السفر باللّيل أو بالنّهار. وعليه نوافل اللّيل كلّها حسب ما قدّمناه.

باب قضاء ما فات من الصلوات

من فاتته صلاة فريضة ، فليقضها حين يذكرها أيّ وقت كان ، ما لم يكن وقت صلاة فريضة حاضرة قد تضيّق وقتها. فإن حضر وقت صلاة ، ودخل فيها في أوّل وقتها ، ثمَّ ذكر أنّ

١٢٥

عليه صلاة ، عدل بنيّته إلى ما فاتته من الصّلاة ، ثمَّ استأنف الحاضرة.

مثال ذلك أنّه إذا فاتته صلاة الظّهر ، فإنّه يصلّيها ما دام يبقى من النّهار بمقدار ما يصلّي فيه الظّهر والعصر ، يبدأ بالظّهر ، ثمَّ يعقّبه بالعصر. فإن لم يبق من النّهار إلّا مقدار ما يصلّي فيه العصر ، بدأ به ، ثمَّ قضى الظّهر. فإن كان قد دخل في العصر ما بينه وبين الوقت الذي ذكرناه ، فليعدل بنيّته إلى الظّهر ، ثمَّ يصلّي بعده العصر.

ومتى دخل وقت المغرب ، وعليه صلاة ، فليصلّ ما فاته ما بينه وبين أن يبقى إلى سقوط الشّفق مقدار ما يصلّي فيه ثلاث ركعات. فان بدأ بالمغرب قبل ذلك ، فليعدل بنيّته إلى الصّلاة التي فاتته ، ثمَّ ليستأنف المغرب.

وإذا دخل وقت العشاء الآخرة ، وعليه صلاة ، فليصلّ الفائتة ما بينه وبين نصف اللّيل ، ثمَّ يصلّي بعدها العشاء الآخرة. فإن انتصف اللّيل ، بدأ بالعشاء الآخرة ، ثمَّ صلّى الفائتة. وإذا طلع الفجر وعليه صلاة ، فليصلّها ما بينه وبين أن يبقى إلى طلوع الشّمس مقدار ما يصلّي فيه ركعتي الغداة. فان بدأ بهما ، فليعدل بنيّته إلى التي فاتته من الصّلاة ، ثمَّ يصلّي بعدها الغداة.

ومن دخل في صلاة نافلة ، ثمَّ ذكر أن عليه فريضة قبل

١٢٦

أن يفرغ منها ، استأنف التي فاتته ، ثمَّ عاد إلى النّافلة.

ومن فاتته صلاة ، ولم يدر أيّها هي ، فليصلّ أربعا وثلاثا وركعتين ، وقد برئت ذمّته ، فإن فاتته صلاة مرّات كثيرة ، وهو يعلمها بعينها ، غير أنه لا يعلم كم دفعة فاتته ، فليصلّ من تلك الصّلاة إلى أن يغلب على ظنّه أنّه قضى ما فاته ، أو زاد عليه. فإن لم يعلم الصّلاة بعينها ، فليصلّ في كلّ وقت ثلاثا وأربعا وثنتين ، إلى أن يغلب على ظنّه قضى ما عليه.

ومن فاتته صلاة فريضة بمرض ، لزمه قضاؤها حسب ما فاتته ، إذا كان المرض ممّا لا يزيل العقل. فان كان ممّا يزيل العقل مثل الاغماء وما يجري مجراه ، لم يلزمه قضاء شي‌ء ممّا فاته على جهة الوجوب ، ويستحبّ له أن يقضيه على طريق النّدب. فإن لم يتمكن من قضاء ذلك أجمع ، قضى صلاة يومه الذي أفاق فيه. ويجب عليه قضاء الصّلاة التي يفيق في وقتها على كلّ حال.

ومن فاته شي‌ء من النّوافل ، قضاه أيّ وقت ذكره ، ما لم يكن وقت فريضة. فإن فاته شي‌ء كثير منها ، فليصلّ منها إلى أن يغلب على ظنّه أنّه قضاها. فإن لم يتمكّن من ذلك ، جاز له أن يتصدّق عن كلّ ركعتين بمدّ من طعام. فان لم يتمكّن ، فعن كلّ يوم بمد منه. فإن لم يمكنه ذلك ، فلا شي‌ء عليه. ومن فاته شي‌ء من النّوافل بمرض ، فليس عليه قضاؤه.

١٢٧

ويستحب أن يقضي نوافل النّهار باللّيل ونوافل اللّيل بالنّهار.

ومن فاتته صلاة اللّيل ، فليصلّها أيّ وقت شاء ، وإن كان بعد الغداة أو بعد العصر. ومتى قضاها ، ليس عليه الّا ركعة مكان ركعة. ولا بأس أن يقضي الإنسان وترا جماعة في ليلة واحدة.

باب صلاة المريض والموتحل والعريان وغير ذلك من المضطرين

المريض يلزمه الصّلاة حسب ما يلزم الصّحيح ، ولا يسقط عنه فرضها إذا كان عقله ثابتا. فإن تمكّن من الصّلاة قائما ، لزمه كذلك. وإن لم يتمكن من القيام بنفسه ، وأمكنه أن يعتمد على حائط أو عكّاز ، فليفعل ، وليصلّ قائما. فإن لم يتمكن من ذلك ، فليصلّ جالسا ، وليقرأ. فإذا أراد الرّكوع ، قام فركع. فإن لم يقدر على ذلك ، فليركع جالسا ، وليسجد مثل ذلك. فإن لم يتمكّن من السّجود إذا صلّى جالسا ، جاز له أن يرفع خمرة أو ما يجوز السّجود عليه ، فيسجد فإن لم يتمكّن من الصّلاة جالسا ، فليصلّ مضطجعا على جانبه الأيمن ، وليسجد فإن لم يتمكّن من السّجود ، أومى إيماء. فإن لم يتمكّن من الاضطجاع ، فليستلق على قفاه ، وليصلّ موميا ، يبدأ الصّلاة بالتّكبير ، ويقرأ. فإذا أراد الرّكوع غمض عينيه. فإذا رفع

١٢٨

رأسه من الرّكوع ، فتحهما. فإذا أراد السّجود ، غمضهما. فإذا أراد رفع رأسه من السّجود فتحهما. فإذا أراد السّجود ثانيا ، غمّضهما. فإذا أراد رفع رأسه ثانيا ، فتحهما. وعلى هذا تكون صلاته.

والموتحل والغريق والسّابح إذا دخل عليهم وقت الصّلاة ، ولم يتمكنوا من موضع يصلون فيه ، فليصلّوا إيماء ويكون ركوعهم وسجودهم بالإيماء ، ويكون سجودهم أخفض من ركوعهم. ويلزمهم في هذه الأحوال كلّها استقبال القبلة مع الإمكان. فإن لم يمكنهم ، فليس عليه شي‌ء.

وإذا كان المريض مسافرا ، ويكون راكبا ، جاز له أن يصلّي الفريضة على ظهر دابّته ، ويسجد على ما يتمكّن منه. ويجزيه في النّوافل أن يومي إيماء ، وإن لم يسجد.

وحدّ المرض الّذي يبيح الصّلاة جالسا ، ما يعلمه الإنسان من حال نفسه أنّه لا يتمكّن من الصّلاة قائما ، أو لا يقدر على المشي بمقدار زمان صلاته.

والمبطون إذا صلى ، ثمَّ حدث به ما ينقض صلاته ، فليعد الوضوء ، وليبن على صلاته. ومن به سلس البول ، فلا بأس أن يصلّي كذلك بعد الاستبراء. ويستحبّ له أن يلفّ خرقة على ذكره ، لئلّا تتعدّى النّجاسة إلى بدنه وثيابه.

والمريض إذا صلّى جالسا ، فليقعد متربّعا في حال القراءة.

١٢٩

فإذا أراد الرّكوع ، ثنّى رجليه. فإن لم يتمكن من ذلك ، جلس كيف ما سهل عليه.

والممنوع بالقيد ، ومن يكون في يد المشركين ، إذا حضر وقت الصّلاة ، ولم يقدر أن يصلّي قائما ، فليصلّ على حالته إيماء ، وقد أجزأه.

والعريان ، إذا لم يكن معه ما يستتره ، وكان وحده بحيث لا يرى أحد سوأته ، فليصلّ قائما. فإن كان معه غيره ، أو يكون بحيث لا يأمن اطّلاع غيره عليه ، فليصلّ جالسا. فإن كانوا جماعة بهذه الصّفة ، وأرادوا أن يصلّوا جماعة ، فليتقدّم إمامهم بركبتيه ، وليصلّ بهم جالسا ، وهم جلوس. ويكون ركوع الإمام وسجوده إيماء ، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه ، ويركع من خلفه ، ويسجد. وإذا وجد العريان الذي معه غيره ، شيئا يستر به عورته ، من حشيش الأرض وغيره ، فليستر به عورته ، وليصلّ قائما. فإن لم يجد ، فليقتصر على الصّلاة جالسا ، حسب ما قدّمناه.

باب صلاة الخوف والمطاردة والمسايفة

إذا خاف الإنسان من عدوّ أو لص أو سبع ، جاز له أن يصلّي الفرائض على ظهر دابّته ، فإن لم تكن له دابّة ، وأمكنه

١٣٠

أن يصلّي بركوع وسجود على التخفيف ، صلّى كذلك. فإن خاف أن يركع ويسجد ، فليوم إيماء ، وقد أجزأه. ويكون سجوده أخفض من ركوعه.

وإذا أراد قوم أن يصلّوا جماعة عند لقائهم العدوّ ، فليفترقوا فرقتين : فرقة منهم تقف بحذاء العدوّ ، والفرقة الأخرى تقوم إلى الصّلاة. ويقوم الإمام ، فيصلّي بهم ركعة. فإذا قام الإمام إلى الثّانية ، وقف قائما ، وصلّوا هم الرّكعة الثّانية ، وتشهّدوا وسلّموا ، ويقومون إلى لقاء العدوّ ، ويجي‌ء الباقون ، فيقفون خلف الإمام ، ويفتتحون الصّلاة بالتّكبير ، ويصلّي بهم الإمام الرّكعة الثّانية له ، وهي أولة لهم. فإذا جلس الإمام في تشهّده ، قاموا هم إلى الرّكعة الثّانية لهم ، فيصلّونها. فإذا فرغوا منها ، تشهّدوا ، ثمَّ يسلّم بهم الإمام. وإن كانت الصّلاة صلاة المغرب ، فليفعل الإمام مثل ما قدّمناه : يصلّي بالطائفة الأولى ركعة ، ويقف في الثّانية. وليصلّوا هم ما بقي لهم من الرّكعتين ، ويخففوا. فإذا سلّموا ، قاموا إلى لقاء العدوّ. ويجي‌ء الباقون ، فيستفتحون الصّلاة بالتكبير ، ويصلّي بهم الإمام الثّانية له ، وهي الأولة لهم. فإذا جلس في تشهّده الأوّل ، جلسوا معه ، وذكروا الله.

فإذا قام إلى الثّالثة له ، قاموا معه ، وهي ثانية لهم ، فيصلّيها. فإذا جلس للتّشهّد الثّاني ، جلسوا معه ، وليتشهّدوا

١٣١

لهم ، وهو أوّل تشهّد لهم ، ويخفّفوا ، ثمَّ يقوموا إلى الثّالثة لهم ، فليصلّوها. فاذا جلسوا للتّشهّد الثّاني ، وتشهّدوا ، سلّم بهم الإمام.

وإذا كان الرّجل في حال القتال ، ودخل وقت الصّلاة ، فليصلّ على ظهر دابّته ، وليسجد على قربوس سرجه ، يستقبل بتكبيرة الافتتاح القبلة ، ثمَّ يصلّي كيف ما دارت به الدّابّة. فإن لم يتمكّن من السّجود صلّى موميا ، وينحني للرّكوع والسّجود.

وإذا كان في حال المسايفة ، جاز له أن يقتصر على تكبيرة واحدة لكلّ ركعة من الصّلاة التي تجب عليه ، يقول : « سبحان الله ، والحمد لله ، ولا إله إلّا الله ، والله أكبر » وذلك يجزيه عن الرّكوع والسّجود.

باب الصلاة في السفينة

لا بأس أن يصلّي الإنسان فرائضه ونوافله في السّفينة إذا لم يتمكّن من الشّطّ. فإن تمكّن منه ، فالأفضل أن يخرج اليه ، ويصلّي على الأرض. فإن لم يفعل ، وصلّى فيه ، كان جائزا ، غير أنّ الأفضل ما قدّمناه.

١٣٢

وإذا صلّى في السّفينة ، فليصلّ قائما ، وليستقبل ، إذا أمكنه ذلك. فإن لم يمكنه الصّلاة قائما ، صلّاها جالسا متوجها إلى القبلة. فإن دارت السّفينة ، فليدر معها كيف ما دارت ، ويستقبل القبلة. فإن لم يمكنه ذلك ، استقبل بأوّل تكبيرة القبلة ، ثمَّ يصلّي كيف دارت. ولا بأس أن يصلّي النّوافل إلى رأس السّفينة ، إذا لم يمكنه استقبال القبلة.

ولا يختلف الحكم في أن تكون السفينة في البحار الكبار ، أو في الأنهار الصّغار في كون الصّلاة جائزة فيها على كلّ حال.

وإذا لم يجد الإنسان فيها ما يسجد عليه ، فليسجد على خشبها. فان كانت مقيّرة ، فليغطّها بثوب ، وليسجد عليه فإن لم يكن معه ثوب ، سجد على القير ، وقد أجزأه.

باب صلاة العيدين

صلاة العيدين فريضة بشرط وجود الإمام العادل ، أو وجود من نصبه الإمام للصّلاة بالنّاس ، وتلزم صلاة العيدين كلّ من تلزمه جمعة ، وتسقط عمّن تسقط عنه. ومن فاتته هذه الصّلاة فليس عليه قضاؤها. وإن تأخر عن الحضور في المصلّى لعارض ، فليصلّ في بيته ، كما يصلّيها مع الإمام سنّة وفضيلة.

ولا يجوز صلاة العيدين الا تحت السّماء في الصّحراء في

١٣٣

سائر البلاد مع القدرة والاختيار إلّا بمكّة ، فإنّه يصلّي بها في المسجد الحرام.

ويستحبّ أن لا يسجد المصلّي إلّا على الأرض. ولا أذان ولا إقامة في صلاة العيدين. بل يقول المؤذن ثلاث مرّات : « الصّلاة » ووقت هذه الصّلاة عند انبساط الشّمس.

ولا يصلّي يوم العيد قبل صلاة العيد ولا بعدها ، شيئا من النّوافل لا ابتداء ولا قضاء إلّا بعد الزّوال ، إلّا بالمدينة خاصّة ، فإنه يستحبّ أن يصلّي ركعتين في مسجد النّبي ، صلى‌الله‌عليه‌وآله ، قبل الخروج الى المصلّى. ولا بأس بقضاء الفرائض قبل الزّوال.

ويستحبّ أن يخرج الإنسان إلى المصلّى ماشيا بخضوع وسكينة ووقار والذّكر لله تعالى. والإمام يستحبّ له أن يمشي حافيا ، ويستحبّ له أن يطعم شيئا قبل الخروج إلى المصلّى في يوم الفطر. ويكره له ذلك يوم الأضحى ، إلّا بعد الرّجوع. ويستحبّ أن يكون إفطاره يوم الفطر على شي‌ء من الحلاوة ، ويوم الأضحى على شي‌ء ممّا ينحره أو يذبحه إن كان ممّن يفعل ذلك.

وإذا اجتمعت صلاة عيد وجمعة في يوم واحد ، فمن شهد صلاة العيد ، كان مخيّرا بين حضور الجمعة وبين الرّجوع

١٣٤

إلى بيته. وعلى الإمام أن يعلمهم ذلك في خطبته بعد صلاة العيد.

ويستحبّ أن يغتسل الإنسان يوم العيدين بعد طلوع الفجر ، ويتطيّب ، ويلبس أطهر ثيابه.

وصلاة العيدين ركعتان باثنتي عشرة تكبيرة سبع في الأولى. يفتتح صلاته بتكبيرة الإحرام ، ويتوجّه إن شاء. تمَّ يقرأ الحمد وسورة الأعلى ، ثمَّ يكبّر خمس تكبيرات. يقنت بين كلّ تكبيرتين منها بالدّعاء المعروف في ذلك. وإن قنت بغيره ، كان أيضا جائزا. ثمَّ يكبّر السّابعة ، ويركع بها. فإذا قام إلى الثّانية ، قام بغير تكبير ، ثمَّ يقرأ الحمد ويقرأ بعدها والشمس وضحيها ثمَّ يكبّر أربع تكبيرات ، يقنت بين كلّ تكبيرتين فيها ، ثمَّ يكبّر الخامسة ويركع بها. فإذا فرغ من الصّلاة ، قام الإمام ، فخطب بالنّاس. ولا تجوز الخطبة إلا بعد الصّلاة.

ومن حضر الصّلاة ، وصلّاها ، كان مخيّرا في سماع الخطبة وفي الرّجوع إلى منزله. وليقم الإمام حال الخطبة على شبه المنبر معمول من طين. ولا ينقل المنبر من موضعه.

ويستحب أن يكبّر الإنسان ليلة الفطر بعد صلاة المغرب والعشاء الآخرة والغداة وصلاة العيد ، يقول : « الله أكبر ، الله أكبر ، لا إله إلّا الله ، والله أكبر ، الحمد لله على ما

١٣٥

هدانا ، وله الشّكر على ما أولانا ». ويكبّر في عيد الأضحى مثل ذلك عقيب خمس عشرة صلاة إذا كان بمنى. وإذا كان في غيره من الأمصار كبّر عقيب عشر صلوات ، يبدأ بالتّكبير عقيب صلاة الظّهر من يوم العيد ، ثمَّ يستوفي العدد. ويزيد في التّكبير في هذا العيد بعد قوله « وله الشّكر على ما أولانا » ، « ورزقنا من بهيمة الأنعام » وإذا أراد الإنسان الشخوص من بلد ، فلا يخرج منه بعد طلوع الفجر الّا بعد أن يشهد الصّلاة. وإن شخص قبل ذلك ، لم يكن به بأس. ولا ينبغي أن يخرج النّاس الى المصلّى بالسّلاح الا عند الخوف من العدوّ.

باب صلاة الكسوف والزلازل والرياح السود

صلاة الكسوف والزّلازل والرّياح المخوفة والظّلمة الشّديدة فرض واجب ، لا يجوز تركها على حال. ويستحبّ أن تصلّى هذه الصّلاة في جماعة. فإن صلّي فرادى ، كان جائزا.

ومن ترك هذه الصّلاة متعمّدا عند انكساف الشّمس وانخساف القمر ، وكانا قد احترقا بأجمعهما ، وجب عليه القضاء مع الغسل. فإن تركها ناسيا ، والحال ما وصفناه ، كان عليه القضاء بلا غسل. وإن كان قد احترق بعض الشّمس أو القمر ، وترك الصّلاة متعمّدا ، كان عليه القضاء بلا غسل. وإن تركها

١٣٦

ناسيا ، والحال ما وصفناه ، لم يكن عليه شي‌ء.

ووقت هذه الصّلاة ، إذا انكسفت الشّمس ، أو انخسف القمر ، إلى أن يبتدئ في الانجلاء. فإذا ابتدأ في ذلك ، فقد مضى وقتها. فإن كان وقت الكسوف وقت صلاة فريضة ، بدأ بالفريضة ، ثمَّ يصلّيها على أثرها. فان بدأ بصلاة الكسوف ، ودخل عليه وقت الفريضة ، قطعها ، وصلّى الفريضة ، ثمَّ رجع ، فتمّم صلاته. وإن كان وقت صلاة الليل ، صلّى أولا صلاة الكسوف ثمَّ صلاة الليل. فإن فاتته صلاة اللّيل ، قضاها بعد ذلك ، وليس عليه بأس.

وهذه الصلاة عشر ركعات بأربع سجدات وتشهّد واحد : يركع خمس ركعات ، ويسجد في الخامسة ، ثمَّ يقوم فيصلّي خمس ركعات ويسجد في العاشرة ، ويقرأ في أوّل ركعة سورة الحمد وسورة أخرى إن أراد. وإن أراد أن يقرأ بعضها ، كان له ذلك. فمتى أراد أن يقرأ في الثّانية بقيّة تلك السّورة ، فليقرأها. ولا يقرأ سورة الحمد ، بل يبتدي بالموضع الذي انتهى اليه. فإذا أراد أن يقرأ سورة أخرى ، قرأ الحمد ، ثمَّ قرأ بعدها سورة. وكذلك الحكم في باقي الرّكعات.

ويقنت في كلّ ركعتين قبل الرّكوع. فإن لم يفعل ، واقتصر على القنوت في العاشرة ، كان أيضا جائزا. وكلّما رفع رأسه من الرّكوع ، يقول : « الله أكبر » إلا في الخامسة

١٣٧

والعاشرة ، فإنه يقول : « سمع الله لمن حمده ».

ويستحبّ أن يكون مقدار قيام الرّجل في صلاته بمقدار زمان الكسوف. ويكون مقدار قيامه في الرّكوع مقدار قيامه في حال القراءة. ويطوّل أيضا في سجوده. ويستحبّ أن يقرأ في صلاة الكسوف السّور الطّوال مثل الكهف والأنبياء. فإن فرغ الإنسان من صلاته ، ولم يكن الكسوف قد انجلى ، يستحبّ له إعادة الصّلاة. وإن اقتصر على التّسبيح والتّحميد ، لم يكن به بأس. ولا بأس أن يصلّي الإنسان صلاة الكسوف على ظهر دابّته ، أو يصلّي وهو ماش ، إذا لم يمكنه النّزول والوقوف.

باب صلاة الاستسقاء

إذا أجدبت البلاد ، وقلّت الأمطار ، يستحبّ أن يصلّي صلاة الاستسقاء : يتقدّم الإمام ، أو من نصبه الإمام إلى النّاس ، بأن يصوموا ثلاثة أيّام ، ثمَّ يخرجون اليوم الثّالث إلى الصّحراء ويستحبّ أن يكون ذلك يوم الاثنين. ولا يصلّوا في المساجد في البلدان كلّها إلّا بمكّة خاصّة. ويقدم المؤذّنين كما يفعل في صلاة العيدين.

ويخرج الإمام على أثرهم بسكينة ووقار. فإذا انتهى إلى الصّحراء ، قام ، فصلّى ركعتين من غير أذان ولا إقامة ، يقرأ فيهما ما شاء من السّور. ويكون ترتيب الرّكعتين كترتيب

١٣٨

صلاة العيدين باثنتي عشرة تكبيرة : سبع في الأولى ، وخمس في الثّانية. ويقدّم القراءة على التّكبير في الرّكعتين معا ، كما يفعل في صلاة العيدين.

فإذا فرغ منهما ، استقبل القبلة ، ويكبّر الله مائة تكبيرة ، يرفع بها صوته. ويكبّر من حضر معه ، ثمَّ يلتفت عن يمينه فيسبّح الله مائة مرّة ، يرفع بها صوته ويسبّح معه من حضر. ثمَّ يلتفت عن يساره فيهلّل الله مائة مرّة. يرفع بها صوته ، ويقول ذلك معه من حضره. ثمَّ يستقبل النّاس بوجهه ، ويحمد الله مائة مرّة ، يرفع بها صوته ويقول مثل ذلك من حضر معه.

ثمَّ ليدع وليخطب بخطبة الاستسقاء المرويّة عن أمير المؤمنين عليه‌السلام. فإن لم يتمكّن اقتصر على الدّعاء.

باب نوافل شهر رمضان وغيرها من الصلوات المرغبة فيها

يستحبّ أن يصلّي الإنسان في شهر رمضان من أوّل ليلة فيه إلى آخر الشّهر زيادة ألف ركعة على نوافله في سائر الشّهور. يصلّي في تسع عشرة ليلة منه في كلّ ليلة عشرين ركعة : ثماني ركعات بعد المغرب ، واثنتي عشرة ركعة بعد العشاء

١٣٩

الآخرة قبل الوتيرة ، ويختم الصّلاة بالوتيرة. وفي ليلة تسع عشرة مائة ركعة ، وفي ليلة إحدى وعشرين أيضا مثل ذلك ، وفي ليلة ثلاث وعشرين أيضا مثل ذلك. ويصلّي في ثمان ليال من العشر الأواخر في كلّ ليلة ثلاثين ركعة : يصلّي بعد المغرب ثماني ركعات واثنتين وعشرين ركعة بعد العشاء الآخرة. وإن أراد أن يصلّي بعد المغرب اثنتي عشرة ركعة ، وبعد العشاء الآخرة ثمان عشرة ركعة ، كان أيضا جائزا. فهذه تسعمائة وعشرون ركعة.

ويصلّي في كلّ يوم جمعة من شهر رمضان أربع ركعات لأمير المؤمنين ، وركعتين صلاة فاطمة عليها‌السلام ، وأربع ركعات صلاة جعفر بن أبي طالب ، رحمة الله عليه. ويصلّي في ليلة آخر جمعة من الشّهر عشرين ركعة صلاة أمير المؤمنين ، وفي عشيّة تلك الجمعة عشرين ركعة صلاة فاطمة ، عليها‌السلام. فهذه تمام ألف ركعة.

ويستحبّ أيضا أن يصلّي ليلة النّصف مائة ركعة : يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرة وقل هو الله أحد عشرين مرّة. ويستحبّ أن يصلّي ليلة الفطر ركعتان : يقرأ في أوّل ركعة منهما الحمد مرّة وألف مرّة قل هو الله احد ، وفي الثّانية الحمد مرة وقل هو الله أحد مرّة واحدة.

فأمّا صلاة أمير المؤمنين ، فإنها أربع ركعات بتسليمتين :

١٤٠