النّهاية

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]

النّهاية

المؤلف:

أبي جعفر محمّد بن الحسن بن علي بن الحسن الطّوسي [ شيخ الطائفة ]


الموضوع : الفقه
الناشر: دار الكتاب العربي ـ بيروت
الطبعة: ١
الصفحات: ٧٨٩

به حاجة إلى ذلك ، لم يجز له شرب لبنها ولا لبن أولادها ولا أكل لحومهنّ. فإن أكل أو شرب مع ارتفاع الحاجة ، كانت عليه الكفّارة. وإن كان قد شرب ذلك لحاجة به ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن أودع عند إنسان مالا ، وذكر : أنّه لإنسان بعينه ، ثمَّ مات ، فجاء ورثته يطالبونه بالوديعة ، فإن كان الموصي ثقة عنده ، جاز له أن يحلف : بأنّ ليس عنده شي‌ء ، ويوصل الوديعة إلى صاحبها ، وإن لم يكن ثقة عنده ، وجب عليه أن يردّ الوديعة على ورثته.

ومن حلف ألّا يمسّ جارية غيره أبدا ، ثمَّ ملكها بعد ذلك ، جاز له وطؤها ، لأنه إنّما حلف ألّا يمسّها حراما. فإذا ملكها ، فقد زال ذلك عنه. ومن حلف على مال لغيره ليقتطعه ارتكب بذلك كبيرة موبقة ، غير أنّه لم يجب عليه الكفّارة ، بل كفّارته أن يردّ على صاحب الحقّ حقّه من غير نقصان.

واما الضّرب الآخر من الأيمان التي تجب فيه الكفّارة ، فهو أن يحلف ألّا يخلّ بواجب ، أو لا يفعل قبيحا. فمتى أخلّ بما وجب عليه ، أو ارتكب قبيحا ، وجب عليه فيه الكفّارة. ومتى حلف : أن يفعل ما قد وجب عليه فعله ، أو ما الأولى به فعله في دينه أو دنياه ، ثمَّ لم يفعل ما وجب عليه ، أو أخلّ بما الأولى به فعله ، كان عليه الكفّارة. ومن حلف

٥٦١

أن يفعل فعلا من الافعال ، كان فعله وتركه على حدّ واحد ، ولم يكن لأحدهما على الآخر مزيّة ، فمتى لم يفعله ، كان عليه الكفّارة. وكذلك إن حلف : ألّا يفعل فعلا ، كان فعله مثل تركه. فمتى فعله ، وجبت عليه الكفّارة.

باب ماهية النذور والعهود

النّذر هو أن يقول الإنسان : إن كان كذا وكذا ، فلله عليّ كذا وكذا ، من صيام أو صدقة أو حجّ أو صلاة ، وغير ذلك من أفعال البر.

فمتى كان ما نذر عليه وحصل ، وجب عليه الوفاء بما نذر فيه ، ولم يسغ له تركه. وإن قال : إن كان كذا وكذا ، فعليّ كذا ، ولم يقل : لله ، لم يكن ذلك نذرا واجبا ، بل يكون مخيّرا في الوفاء به وتركه. والأفضل له الوفاء به على كلّ حال.

ومتى اعتقد : أنّه متى كان شي‌ء ، فلله عليه كذا وكذا ، وجب عليه الوفاء به عند حصول ذلك الشي‌ء ، وجرى ذلك مجرى أن يقول : لله عليّ كذا وكذا. وإن جعل في اعتقاده : أنّه متى كان شي‌ء ، كان عليه كذا ، ولم يعتقده لله ، كان مخيّرا في ذلك أيضا حسب ما قدّمناه في القول.

ومن نذر لله تعالى : أنّه متى حصل أمر ، كان عليه شي‌ء ،

٥٦٢

ولم يعيّنه ولم يميّزه ، كان بالخيار : ان شاء صام يوما ، وإن شاء تصدّق بشي‌ء ، قلّ أم كثر ، وإن شاء صلّى ركعتين ، أو فعل قربة من القربات. ومتى قال : متى كان كذا وكذا ، فلله عليّ المشي إلى بيت الله ، أو إهداء بدنة اليه ، فمتى كان ذلك الشّي‌ء ، وجب عليه الوفاء به. فإن قال : متى كان كذا ، فلله عليّ أن أهدي هذا الطّعام إلى بيته ، لم يلزمه ذلك ، لأنّ الإهداء لا يكون إلّا في البدن خاصّة أو ما يجري مجراها من البقر والغنم ، ولا يكون بالطّعام.

والمعاهدة أن يقول : عاهدت الله تعالى ، أو يعتقد ذلك : أنّه متى كان كذا ، فعليّ كذا. فمتى قال ذلك ، أو اعتقده ، وجب عليه الوفاء به عند حصول ما شرط حصوله ، وجرى ذلك مجرى النّذر سواء. ومتى قال : هو محرم بحجّة أو عمرة ، إن كان كذا وكذا ، لم يكن ذلك شيئا.

والنّذر والعهد معا ، إنّما يكون لهما تأثير إذا صدرا عن نيّة. فمتى تجرّدا من النّية ، لم يكن لهما تأثير على حال.

باب أقسام النذور والعهود

النّذر على ضربين : ضرب يجب الوفاء به ، وضرب يجب ذلك فيه.

٥٦٣

فالذي يجب الوفاء به ، هو أن ينذر : أنّه متى فعل واجبا أو ندبا أو مباحا ، كان عليه شي‌ء بعينه من صيام أو صدقة أو حجّ أو غير ذلك من أفعال البر. فمتى فعل ذلك ، وجب عليه الوفاء به. وكذلك من نذر : أنه متى عوفي من مرضه ، أو قدم من سفره ، أو ربح في تجارته ، أو سلم من يد ظالم ، أو كان شي‌ء من ذلك بولد له أو أخ أو مؤمن ، كان لله عليه شي‌ء معلوم ، وجب أيضا عليه الوفاء به. ومتى نذر الإنسان : أنّه إن عوفي ولد له من مرضه وهو غائب عنه ، ثمَّ سمع بصلاحه ، فإن كان برؤه بعد النّذر ، وجب عليه الوفاء به ، وإن كان برؤه قبل النّذر ، لم يجب عليه ذلك.

ومتى نذر : أنّه لا يتزوّج حتّى يحجّ ، ثمَّ تزوّج قبل الحجّ ، وجب عليه الوفاء بالنّذر ، سواء كانت حجّته حجّة الإسلام أو حجّة التّطوع ، لأنّه عدل عن طاعة إلى مباح. ومتى وجب عليه ما نذر ، فإن كان علّقه بشرط ، وأنّه يفعله في وقت معيّن ، وجب عليه الوفاء به عند حصول الشّرط أو دخول الوقت. فإن خالفه. كان عليه الكفّارة. وإن لم يكن علّقه بشرط. ولا بوقت معيّن ، كان ذلك ثابتا في ذمّته إلى أن يفي به.

ومن نذر : أن يصوم شهرا أو سنة أو أقلّ أو أكثر ، ولم يعلّقه بوقت معيّن ، وجب عليه الوفاء به أيّ وقت كان ، غير

٥٦٤

أنّ الأحوط إتيانه به على الفور. وإن أخّره ، لم تلزمه كفّارة. ومتى علّقه بوقت معيّن ، فمتى لم يصمه في ذلك الوقت ، وجب عليه القضاء والكفّارة. ومتى وجب عليه صيام نذر ، فمرض أو سافر أو اتّفق أن يكون يوم العيدين ، وجب عليه أن يفطر ذلك اليوم ، ويقضيه ، وليس عليه كفّارة. اللهمّ إلّا أن يكون قد نذر أن يصومه على كلّ حال ، سواء كان مسافرا أو حاضرا فإنّه يجب عليه الوفاء به ، وكان عليه صيامه. فأمّا صيام يوم العيدين فلا يجوز له على كلّ حال ، وإن ذكر ذلك في حال النّذر ، لأنّ ذلك نذر في معصية.

ومن نذر : أن يعتق رقبة بعينها ، لم يجزأه غيرها ، سواء كانت كافرة أو مؤمنة وعلى أيّ وجه كانت. ومن نذر أن يصوم حينا من الدّهر ، ولم يسمّ شيئا معيّنا ، كان عليه صيام ستة أشهر. ومن نذر : أن يصوم زمانا ، ولم يسمّ شيئا ، فليصم خمسة أشهر. ومن نذر : أن يعتق كلّ عبد له قديم في ملكه ، ولم يعيّن شيئا ، أعتق كلّ عبد قد مضى عليه في ملكه ستّة أشهر. ومن نذر : أن يتصدّق من ماله بمال كثير ، ولم يسمّه ، تصدّق بثمانين درهما فما زاد.

ومن نذر : أن يحجّ ماشيا ، أو يزور أحد المشاهد كذلك ، فعجز عن المشي ، فليركب ولا كفّارة عليه. وإن ركب من غير عجز ، كان عليه إعادة الحجّ أو الزّيارة ، يمشي ما ركب منه ،

٥٦٥

ويركب ما مشي. وإذا أراد أن يعبر ناذر المشي في زورق نهرا فليقم فيه قائما ، ولا يجلس حتّى يخرج إلى الأرض.

ومن نذر : أن يخرج شيئا من ماله في سبيل من سبل الخير ولم يسمّ شيئا ، كان بالخيار : إن شاء ، تصدّق به على فقراء المؤمنين ، وإن شاء ، جعله في حجّ أو زيارة أو وجه من وجوه البر ومصالح الإسلام. ومن جعل جاريته أو عبده أو دابّته هديا لبيت الله الحرام ، أو لمشهد من مشاهد الأئمّة ، عليهم‌السلام ، فليبع العبد أو الجارية أو الدّابّة ، ويصرف ثمنه في مصالح البيت أو المشهد أو في معونة الحاج أو الزّائرين.

ومن نذر : أن يصلّي صلاة معروفة تطوّعا في وقت مخصوص وجب عليه أن يصلّيها في ذلك الوقت ، في سفر كان أو حضر ليلا كان أو نهارا. ومن نذر : أن يتصدّق بدراهم على الفقراء أو في موضع مخصوص ، لم يجزأ عنه الانصراف إلى غيره فإن صرفها في غير ذلك الوجه ، كان عليه إعادتها. ومن نذر : أنّه متى رزق ولدا ، حجّ به أو حجّ عنه ، ثمَّ مات النّاذر ، وجب أن يحجّ بالولد ، أو عنه من صلب ماله الذي ترك.

ومتى نذر في طاعة : أنّه يتصدّق بجميع ما يملكه ، وجب عليه الوفاء به. غير أنّه إذا خاف الضّرر على نفسه في خروجه من جميع ما يملكه ، فليقوّم جميع ما يملكه على نفسه ، ثمَّ

٥٦٦

ليتصدّق معه ، ويثبته إلى أن يعلم أنّه استوفى ما كان قد وجب عليه ، وبرأت ذمّته. ومن نذر ، ولم يسمّ شيئا ، إن شاء صلّى ركعتين ، وإن شاء صام يوما ، وإن شاء تصدّق بدرهم فما فوقه أو دونه. ومن نذر : ألّا يبيع مملوكا له أبدا ، فلا يجوز له بيعه ، وإن احتاج إلى ثمنه.

ومن نذر في شي‌ء فعجز عنه ، ولم يتمكّن من الوفاء ، لم يكن عليه شي‌ء.

ومن نذر : أن يحرم بحجّة أو عمرة من موضع بعينه ، وإن كان قبل الميقات ، وجب عليه الوفاء به. وإذا حاضت المرأة في حال صيام نذرته ، وجب عليها أن تفطر ، ثمَّ تقضي ، وليس عليها شي‌ء. ومن نذر : أن يحجّ ، ولم يكن له مال ، فحجّ عن غيره ، أجزأه عمن حجّ عنه وعمّا نذر فيه.

وأمّا ما لا يجب الوفاء به من النّذور ، فهو أن ينذر : أنّه متى لم يترك واجبا أو ندبا ، كان عليه كيت وكيت ، فليفعل الواجب أو النّدب ، ولا شي‌ء عليه. وكذلك ان نذر : أنّه متى لم يفعل قبيحا ، كان عليه كيت كيت ، فليترك القبيح ، ولا شي‌ء عليه. ومن نذر شكرا لله تعالى : أنّه متى فعل قبيحا ، كان عليه كيت وكيت ، ثمَّ فعل القبيح ، لم يلزمه بما نذر به ، لأنّ هذا نذر في معصية. اللهمّ إلّا أن يجعل ذلك على نفسه على سبيل الكفّارة لما يرتكبه من القبيح ، فيجب عليه حينئذ

٥٦٧

الوفاء به. ومن نذر : أنّه متى فعل واجبا أو ندبا ، أو قدم من سفر ، أو ربح في تجارة ، أو برأ من مرض ، وما أشبه ذلك شرب خمرا ، أو ارتكب فجورا ، أو قتل مؤمنا ، أو ترك فرضا ، فعليه أن يترك الشّرّ ، ويفعل الخير ، ولا كفّارة عليه.

ومن عاهد الله : أن يفعل واجبا أو ندبا ، أو ما يكون به مطيعا ، وجب عليه الوفاء به. فإن لم يفعل ، كان عليه الكفّارة فإن عاهد على : أن لا يفعل قبيحا ، أو لا يترك واجبا أو ندبا ، ثمَّ فعل القبيح ، أو ترك الواجب أو النّدب ، وجبت عليه الكفّارة. ومن عاهد الله : أن يفعل فعلا كان الأولى إلّا يفعله في دينه أو دنياه ، أو لا يفعل فعلا الأولى أن يفعله ، فليفعل ما الأولى به فعله ، وليترك ما الأولى به تركه ، وليس عليه كفّارة.

باب الكفارات

كفّارة اليمين إمّا عتق رقبة أو إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم : أيّ هذه الثلاثة فعل ، فقد أجزأه ، مخيّر فيها. فمتى لم يقدر على واحدة منها ، وعجز عن جميعها ، وحدّ العجز عن ذلك هو ألّا يكون له ما يفضل عن قوته وقوت عياله ، كان عليه صيام ثلاثة أيّام متتابعات. فإن لم يقدر على

٥٦٨

الصّوم ، فليستغفر الله تعالى ولا يعود.

ومتى أراد أن يعتق رقبة ، فليعتق من كان ظاهره ظاهر الإسلام ، أو بحكم الإسلام ، ذكرا كان أو أنثى ، صغيرا كان أو كبيرا. ولا يجوز له أن يعتق مدبّرا ، إلّا بعد أن ينقض تدبيره. ولا أن يعتق مكاتبا له ، وقد أدّى من مكاتبته شيئا.

ولا بأس أن يعتق مملوكا قد أبق منه ، إذا لم يعرف منه الموت. ولا بأس أن يعتق أعرج أو أعور أو أشل. ولا يجوز أن يعتق أعمى ولا أجذم ولا مقعدا ، لأنّ هؤلاء ينعتقون بهذه الآفات من غير أن يعتقهم صاحبهم. ويجوز عتق أمّ الولد في الكفّارة.

وإذا أراد أن يطعم المساكين ، فليطعم لكلّ مسكين مدّين من طعام. فإن لم يقدر على ذلك ، أطعم كلّ واحد مدّا من طعام. وإن جمعهم في مكان واحد ، وأطعمهم ذلك الطّعام ، لم يكن به بأس. ويجوز أن يكون في جملتهم من هو صغير ، ولا يجوز أن يكونوا كلّهم صغارا. ومتى كانوا كلّهم صغارا ، احتسب كلّ اثنين منهم بواحد.

ولا يطعم إلّا فقراء المؤمنين أو من هو بحكمهم. ومتى لم يجد تمام العدد من المؤمنين ، ووجد بعضهم ، كرّر من الموجودين حتّى يستوفي العدد. وإن لم يجد إلّا واحدا ، أطعمه

٥٦٩

عشر مرّات يوما بعد يوم ، إلى أن يستوفي العدد.

ومتى لم يجد أحدا من المؤمنين أصلا ولا من أولادهم ، أطعم المستضعفين ممّن خالفهم. ولا يجوز أن يطعم النّاصب شيئا من ذلك.

وأرفع ما يطعمهم الخبز واللّحم ، وأوسطه الخبز والخلّ والزّيت ، وأدونه الخبز والملح.

ومتى أراد كسوتهم ، فليعط كلّ واحد منهم ثوبين يواري بهما جسده. فإن لم يقدر عليهما ، جاز أن يقتصر على ثوب واحد لكلّ واحد منهم.

وكفّارة اليمين لا تجب إلّا بعد الحنث. فإن كفّر قبل الحنث ، لم يجزأه ، وكان عليه قضاؤها بعد الحنث. ومن حلف بالبراءة من الله أو من رسوله أو من واحد من الأئمّة ، عليهم‌السلام ، كان عليه كفّارة ظهار. فإن لم يقدر على ذلك ، كان عليه كفّارة اليمين.

وكفّارة نقض النّذور والعهود عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين أو إطعام ستّين مسكينا مخيّر فيها : أيّها شاء فعل ، فقد أجزأه. ومتى عجز عن ذلك كلّه ، كان عليه صيام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر على ذلك ، أطعم عشرة مساكين ، أو قام بكسوتهم. فإن لم يقدر على ذلك ، تصدّق بما استطاع

٥٧٠

فإن لم يستطع شيئا أصلا ، استغفر الله تعالى ولا يعود. ومن كان عليه صيام يوم قد نذر صومه ، فعجز عن صيامه ، أطعم مسكينا مدّين من طعام كفّارة لذلك اليوم ، وقد أجزأه.

وكفّارة الظهار عتق رقبة. فإن لم يجد رقبة ، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يقدر على الصّيام ، أطعم ستّين مسكينا. فإن جامع قبل أن يكفر ، كان عليه كفّارة أخرى حسب ما قدّمناه. وكلّما جامع ، كان عليه كفارة أخرى إلى أن يكفّر.

وكفّارة من أفطر يوما من شهر رمضان ، إمّا عتق رقبة ، رقبة ، أو إطعام ستّين مسكينا ، أو صيام شهرين متتابعين : أي الثّلاثة فعل ، فقد أجزأه ، وهو مخيّر فيها.

وكفّارة قتل الخطإ عتق رقبة. فإن لم يجد ، كان عليه صيام شهرين متتابعين. فإن لم يستطع ، أطعم ستّين مسكينا.

وكفّارة قتل العمد ، عتق رقبة ، وإطعام ستّين مسكينا ، وصيام شهرين متتابعين بعد رضا أولياء المقتول بالدّية أو العفو عنه.

وكفّارة من وطي زوجته في حيض ، إن كان وطؤه لها في أوّل الحيض ، كان عليه دينار ، قيمته عشرة دراهم جيادا ، وإن كان في وسطه ، نصف دينار ، وإن كان في آخره ، ربع دينار على حساب ما قدّمناه. وإن وطئ أمته في الحيض ، كان

٥٧١

عليه ثلاثة أمداد من طعام ، يفرّقها على ثلاثة مساكين.

ومن وجب عليه صيام شهرين متتابعين في شي‌ء ممّا ذكرناه من الكفّارات ، فصام شهرا ومن الثّاني شيئا ، ثمَّ أفطر من غير علّة ، كان مخطئا ، وجاز له البناء عليه. وإن صام شهرا ، ولم يكن قد صام من الثّاني شيئا ، وجب عليه الاستيناف. وإن كان إفطاره قبل الشّهر لمرض ، كان له البناء عليه على كلّ حال. ومن عجز عن صيام شهرين وجبا عليه ، صام ثمانية عشر يوما ، وقد أجزأه. وإن لم يقدر على ذلك ، تصدّق عن كلّ يوم بمدّ من طعام. فإن لم يستطع ، استغفر الله تعالى ، وليس عليه شي‌ء.

وكفّارة الإيلاء كفّارة اليمين سواء. ومن أفطر يوما قد نوى صومه قضاء لشهر رمضان بعد الزّوال ، كان عليه كفّارة يمين. فإن لم يجد ، صام ثلاثة أيّام. ومن تزوّج بامرأة في عدّتها ، فارقها ، وكفّر عن فعله بخمسة أصوع من دقيق. ومن نام عن عشاء الآخرة حتّى يمضي النّصف الأوّل من اللّيل ، صلاها حين يستيقظ ويصبح صائما كفّارة لذنبه في النّوم عنها إلى ذلك الوقت. ومن نام عن صلاة الكسوف متعمّدا ، وقد احترق القرص كلّه ، فليغتسل كفّارة لذنبه ، وليقض الصّلاة بعد الغسل. ومن سعى إلى مصلوب بعد ثلاثة أيّام ليراه ، فليستغفر الله من ذنبه ، ويغتسل كفّارة لسعيه اليه.

٥٧٢

ولا يجوز للرّجل أن يشقّ ثوبه في موت ولده ولا في موت زوجته. فإن فعل ذلك ، كان عليه كفّارة يمين. ولا بأس أن يشقّ ثوبه على أبيه وفي موت أخيه.

ولا يجوز للمرأة أن تلطم وجهها في مصاب ، ولا تخدشه ، ولا تجزّ شعرها. فإن جزّته ، كان عليها كفّارة قتل الخطإ : عتق رقبة ، أو إطعام ستّين مسكينا ، أو صيام شهرين متتابعين فإن خدشت وجهها ، حتى تدميه ، وجب عليها كفّارة اليمين. فإن لطمت وجهها ، استغفرت الله تعالى ، ولا كفّارة عليها أكثر من الاستغفار.

ومن وجبت عليه كفّارة مرتّبة ، فعجز عن الرّقبة ، فانتقل إلى الصّوم ، فصام شيئا ، ثمَّ وجد الرّقبة ، لم يلزمه الرّجوع إليها ، وجاز له البناء على الصّوم. وإن رجع إلى الرّقبة ، كان ذلك أفضل له.

ومن ضرب مملوكا له فوق الحدّ ، كانت كفّارة أن يعتقه. فإن قتله ، كان عليه عتق رقبة ، أو صيام شهرين متتابعين ، أو إطعام ستّين مسكينا ، وعليه التّوبة ممّا فعل.

٥٧٣

كتاب الصيد والذبائح

باب ما يستباح أكله من سائر أجناس الحيوان وما لا يستباح

الحيوان على ضروب : منها ما يكون في الحضر خاصّة ، ومنها ما يكون في البرّ ، ومنها ما يكون في البحر. وكلّ واحد من هذه الأجناس ينقسم أقساما ثلاثة ، قسم منها مباح طلق ، وقسم مكروه ، وقسم محظور.

فأمّا حيوان الحضر ، فالإبل والبقر والغنم وما ولد منها ، فإنها أجمع مباحة ، ويجوز استعمالها على كلّ حال ، إلّا ما كان منه جلّالا ، فإنّه محظور لا يجوز أكله.

وحدّ الجلّال الذي لا يجوز أكله إلّا بعد الاستبراء ، هو أن يكون غذاؤه أجمع عذرة الإنسان لا يخلطها بغيرها. فإذا كان مخلّطا بأكل العذرة وغيرها ، فإن لحمها مكروه ، وليس بمحظور. ويستبرأ الجلّال : الإبل منه بأربعين يوما ، يربط ويعلف حتّى يزول عنه حكم الجلل ، والبقر بعشرين يوما كذلك ، والشّاة بعشرة أيّام.

٥٧٤

وإذا شرب شي‌ء من هذه الأجناس خمرا ، ثمَّ ذبح ، جاز أكل لحمه بعد أن يغسل بالماء. ولا يجوز أكل شي‌ء ممّا في بطنه ولا استعماله.

وإذا رضع شي‌ء من هذه الأجناس من خنزيرة ، حتّى اشتدّ على ذلك ، لم يجز أكل لحمه ، ولا ما كان من نسله. فإن شرب من خنزيرة دفعة أو دفعتين ، كان أكل لحمه مكروها غير محظور ، إلّا أنّه يستبرأ بسبعة أيّام : إن كان ممّا يأكل العلف : كسبا وغيره ، أطعم ذلك ، وإن لم يأكل ، سقي من لبن ما يجوز شرب لبنه سبعة أيّام.

وإذا شرب شي‌ء من هذا الحيوان بولا ، ثمَّ ذبح ، لم يؤكل ما في بطنه ، إلّا بعد غسله بالماء.

ومتى شرب شي‌ء من هذه الأجناس من لبن امرأة ، واشتدّ ، كره أكل لحمه ، ولم يكن محظورا.

وأمّا الخيل والبغال والحمير ، فإن لحومها مكروهة ، وليست بمحظورة ، وإن كان بعضها أشدّ كراهة من بعض ، لأن لحم البغل أشدّ كراهة من لحم الحمار ، ولحم الحمار أشدّ كراهة من لحم الخيل ، ولحم الخيل أدونهنّ كراهة. ولا يجوز أكل لحم الفيل.

ومتى وطئ شيئا من هذه الأجناس التي يحلّ أكل لحومها حرّم ذلك لحومها ولحم ما يكون من نسلها بعد ذلك ، ووجب

٥٧٥

إحراقها بالنار. فإن اختلطت بغيرها ، واشتبهت ، استخرجت بالقرعة : بأن يقسم القطيع قسمين ، ويقرع على كلّ واحد منهما ، ثمَّ يقسم كذلك أبدا ، إلى أن لا يبقى إلّا واحدة.

وأمّا حيوان البحر ، فلا يستباح أكل شي‌ء منه ، إلّا السّمك خاصة. والسّمك يؤكل منه ما كان له فلس ، ويجتنب ما ليس له فلس. والجرّيّ لا يجوز أكله على حال ، وكذلك الطّافي ، وهو الذي يموت في الماء فيطفو عليه. وأمّا المارماهي والزّمّار والزّهو ، فإنّه مكروه شديد الكراهية ، وإن لم يكن محظورا. ولا بأس بالكنعت ، ولا بأس بالربيثا.

ولا يؤكل من السّمك ما كان جلّالا ، إلّا بعد أن يستبرأ يوما إلى اللّيلة في ماء طاهر يطعم شيئا طاهرا. ولا يجوز أكل ما نضب عنه الماء من السّمك. وإذا شقّ جوف سمكة ، فوجد فيها سمكة ، جاز أكلها إذا كانت من جنس ما يحل أكلها. فإن شقّ جوف حيّة فوجد فيها سمكة ، فإن كانت على هيئتها لم تتسلّخ ، لم يكن بأس بأكلها ، وإن كانت قد تسلّخت ، لم يجز أكلها على حال.

وإذا وثبت سمكة من الماء ، فماتت ، فإن أدركها الإنسان وهي تضطرب ، جاز له أكلها ، وإن لم يدركها كذلك ، تركها ، ولم يجز له أكلها.

ولا بأس بالطّمر والطّبرانيّ والإبلاميّ من أجناس السّمك.

٥٧٦

وأمّا حيوان البرّ ، فإنّه يجوز أكل شي‌ء من السّباع ، سواء كان ذا ناب أو غير ذي ناب ، مثل السّبع والفهد والنّمر والكلب والخنزير والثّعلب والأرنب والدّب والذّئب ، وما أشبه ذلك من السّباع والمسوخ. ولا بأس بأكل لحم الظّبي والغزال والبقر الوحشي والحمار الوحشيّ ، وإن كان لحم الحمار مكروها.

والقرد والسّنّور لا يجوز أكلهما. ولا يجوز أكل السّلحفاة والضّبّ واليربوع والفأر والحيّات والعقارب والضّفادع والسّرطان والخنافس وبنات وردان والزّنابير. ولا يجوز أكل لحم الخزّ والسّمور والسّنجاب والفنك وما أشبهها.

وأمّا الطّير ، فيؤكل منه ما دفّ ، ويترك منه كلّ ما يصفّ فإن كان طيرا يدفّ ويصفّ ، يعتبر : فإن كان دفيفه أكثر من صفيفه ، أكل ، وإن كان صفيفه أكثر من دفيفه ، اجتنب. فإن لم يكن هناك طريق إلى اعتباره ، بأن يوجد مذبوحا ، أكل منه ما كانت له قانصة أو حوصلة أو صيصية ، ويجتنب ما لم يكن له شي‌ء من ذلك.

ولا يجوز أكل شي‌ء من سباع الطّير مثل النّسر والعقاب والرّخمة والحدأة ، وما كان له مخلب يأكل اللّحم. ويكره أكل الغربان والقنابر والهدهد. ولا يجوز أكل الخطّاف والخشّاف. ويكره لحم الحبارى ، وليس بمحظور.

٥٧٧

ولا بأس بأكل طير الماء ، وإن كان ممّا يأكل السّمك ، إذا اعتبر بما ذكرناه. ولا يجوز أكل لحم الطّواويس. ويكره أكل لحم الصّرد والصّوام والشّقراق. والطّير إذا كان جلّالا ، لم يجز أكله إلّا بعد استبرائه وحبسه من ذلك. وتستبرأ البطّة وما أشبهها بخمسة أيّام ، والدّجاجة وما أشبهها بثلاثة أيّام.

باب الصيد وأحكامه

صيد السّمك ، أخذه وإخراجه من الماء حيّا ، على أيّ وجه كان ، سواء كان من أخرجه مسلما أو كافرا ، من أيّ أجناس الكفّار كان ، لأنّه لا يراعى في صيده وجوب التّسمية ، وإن كانت التّسمية أفضل ، إلّا أن ما يصيده غير المسلم ، لا يجوز أكله ، إلّا إذا شوهد إخراجه من الماء حيّا ، ولا يوثق بقوله في ذلك.

وإذا نصب الإنسان شبكة في الماء يوما وليلة أو ما زاد على ذلك ، ثمَّ قلعها ، وقد اجتمع فيها سمك كثير ، جاز له أكل جميعه ، وإن كان يغلب على ظنّه : أنّ بعضه مات في الماء ، لأنّه لا طريق له إلى تمييزه من غيره. فإن كان له طريق إلى تمييز ما مات في الماء ممّا لم يمت فيه ، لم يجز له أكل ما مات فيه. وكذلك ما يصاد في الحظائر ويجتمع فيه ، جاز أكل جميعه مع فقد الطّريق إلى تمييز الميّت من الحيّ. وإذا صيد

٥٧٨

سمك ، وجعل في شي‌ء ، وأعيد في الماء ، فمات فيه ، لم يجز أكله.

ويكره صيد السّمك يوم الجمعة قبل الصّلاة. ويكره صيد الوحش والطّير باللّيل ، وليس ذلك بمحظور. ويكره أخذ الفراخ من أعشاشهنّ. والطّير إذا كان مالكا جناحيه ، لا بأس بصيده بسائر أنواع الصّيد ما لم يعرف له صاحب. فإن عرف له صاحب ، وجب ردّه عليه. والمقصوص الجناح لا يجوز أخذه ، لأن ذلك لا يكون إلا لمالك.

ولا يؤكل من الطّير ما يصاد بسائر أنواع آلات الصيد إلّا ما أدرك ذكاته ، إلّا ما يقتله السّهم ، ويكون مرسله قد سمّى عند إرساله. فإن لم يكن صاحبه سمّى ، أو صيد بالبندق أو المعراض أو الحجارة وما أشبه ذلك ، فمات فيه ، لم يجز أكله. وإذا رمى إنسان طيرا بسهم ، فأصابه ، وأصاب فرخا لم ينهض بعد ، فقتلهما ، جاز أكل الطّير ، ولم يجز أكل الفرخ ، لأنّ الفرخ ليس بصيد بعد. وإنّما يكون صيدا ، إذا نهض وملك جناحيه.

وكلّ ما تصيده الجوارح من الطّير مثل البازي والصّقر والعقاب ، فلا يجوز أكله ، إلّا إذا أدرك ذكاته. فما لم تلحق ذكاته ، لم يجز له أكله على حال. وأدنى ما يكون معه لحاق الذّكاة أن يجده وعينه تطرف أو ذنبه يتحرّك أو رجله تركض.

٥٧٩

وإذا قتل الصّيد بسهم يصيبه ، ولا تكون فيه حديدة ، لم يجز أكله. وإن كان فيه حديدة ، غير أنّه أصابه معترضا ، فقتله ، جاز أكله. ولا يجوز أن يرمى الصّيد بشي‌ء أكبر منه. فإن رمي بشي‌ء أكبر منه ، فقتله ، لم يجز أكله. وإذا لم يكن مع الصّائد سهم فيه حديدة ، ومعه سهم حادّ ينفذ ويخرّق ، جاز أكل ما يصيده به ، إذا خرّق. فإذا لم يخرّق ، لم يجز أكله.

وصيد الوحش يجوز بسائر أنواع آلات الصيد من الجوارح والشّباك والمصائد والحبالات ، إلّا أنّه لا يجوز أكل شي‌ء من ذلك ، إلّا ما أدرك الإنسان ذكاته ، إلّا ما يقتله الكلب خاصة. فإن ما يقتله الكلب ، جاز أكله ، إذا سمّى صاحبه عند إرساله فإن لم يسمّ صاحبه عند إرساله ، لم يجز أكله. وإذا سمّى عند إرساله ، فقتله ، وأكل منه الكلب ، فإن كان معتاد الأكل ما يصيده ، لم يجز أكل ما بقي ، وإن لم يكن معتادا ، وكان ذلك شاذا منه ، جاز أكله. وإذا أرسل الإنسان كلبا ، وسمّى وشاركه كلب آخر لم يسمّ صاحبه عند إرساله ، لم يجز أكل ما قتله. ولا يجوز أن يؤكل ما قتله الفهد وغيره من السّباع ، إلّا ما أدرك ذكاته.

وأدنى ما تلحق معه الذّكاة أن يجده تطرف عينه أو يتحرّك يده أو رجله. وكلّ كلب لا يكون معلّما ، فلا يجوز أكل صيده ، إلّا ما أدرك ذكاته. وإذا أخذ الكلب المعلّم صيدا ، فأدركه

٥٨٠