المسبّبات بمعنى تعدّد الواجبات والاكتفاء في مقام الامتثال ببعضها ، هذا.
ولكن تداخل الوجوبات وتأكّد بعضها ببعض لا يخلو عن تأمّل ، تعرّضنا له فيما علّقناه على المباحث المتعلّقة بعبادية الطهارات الثلاث (١) ، ونزيده توضيحا في هذا المقام فنقول بعونه تعالى :
إنّ أظهر ما يمكن أن يقال فيه بالاندكاك ما لو وجب على الشخص صوم أوّل كلّ شهر ووجب عليه صوم كلّ جمعة مثلا ، واتّفق أن كان أوّل شهر يوم جمعة ، فلا إشكال في أنّه يلزمه صوم ذلك اليوم ، لكنّه ليس بخارج عن العموم الأوّل ولا عن العموم الثاني ، وحينئذ يجتمع الوجوبان في صوم ذلك اليوم ، فإن قلنا إنّه يندك أحدهما بالآخر ويتولّد منهما وجوب مؤكّد ، كان اللازم أنّه واجب بوجوب ثالث خارج عن كلّ من العمومين. مضافا إلى أنّه لا معنى لتأكّد الوجوب ، إذ هو غير قابل للشدّة والضعف.
وبناء على ذلك لا بدّ لنا من الالتزام بأنّه ليس في البين إلاّ ذانك الوجوبان ، ويكون كلّ واحد منهما موجودا بذاته. لكن يرد عليه إشكال اجتماع المثلين بناء على أنّه محال كاجتماع الضدّين ، فإن أمكن الاختلاف في المتعلّق ولو بنحو التقييد بعلّة الوجوب كان عليه التكرار ، ولمّا لم يكن الفعل قابلا للتكرار كان حكم العقل بالاطاعة مقصورا على هذا المقدار الذي يتمكّن منه المكلّف ، وهو إيقاع الصوم بداعي الجهتين.
مضافا إلى أنّه من الممكن أن يقال : إنّ ذلك هو مقتضى العمومين ، حيث إنّ الشارع العالم بأنّهما ربما اجتمعا ولم يخرج مورد الاجتماع عن أحدهما ولا
__________________
(١) راجع الحاشية المذكورة في الصفحة : ٢١٨ وما بعدها من المجلّد الثاني من هذا الكتاب.