تطابق عالم الثبوت لعالم الاثبات (١).
ولكن تفريع الانحصار بالمقدّمتين على هذا الشرح لا يخلو من تأمّل ، لأنّ عدم اقتران الكلام بما يحتمل القرينية ممّا لا بدّ منه حينئذ في المقدّمات ، فلا بدّ أن تكون المقدّمات ثلاثا : كونه في مقام البيان ، ولم يبيّن ، ولم يكن في البين ما يحتمل البيانية.
اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّ المقدّمة الثانية أعني عدم البيان كافية عن المقدّمة الثالثة فتأمّل ، بتقريب أنّ بيان التقييد تارة يكون مقطوع العدم وأخرى يكون مشكوكا ، فينفى بأصالة العدم ، والجامع هو أنّه لم يبيّن ، وحاصل المقدّمة الثانية : هو إحراز عدم البيان ، ومن المعلوم أنّه مع الشكّ في قرينية الموجود لا يكون عدم البيان محرزا لا وجدانا وهو واضح ، ولا بالأصل لعدم جريان أصالة عدم القرينة مع احتمال قرينية الموجود ، فيكون الحاصل أنّه إنّما تتمّ المقدّمات عند إحراز عدم البيان ، ومع الشكّ في البيانية لا تتمّ المقدّمات ، فلا يكون ذلك مقدّمة ثالثة ، فتأمّل.
وبالجملة : أنّ صاحب الكفاية (٢) أخذ البيان بمعنى مجرّد إيصال المراد إلى المكلّفين ، فلو وصل إليهم مراده بمثل كونه موردا للمطلق كان ذلك كافيا ، وحينئذ لا يمكن التمسّك بعدم ذكر القيد على إرادة المطلق ، لأنّه يجوز أن يكون مراده هو المقيّد وقد اكتفى ببيانه واعتمد فيه على كونه موردا لذلك المطلق ، فإنّ كون المطلق واردا في ذلك المورد كاف في تفهيمهم مراده وإن لم يفهموا أنّه على نحو الانحصار.
__________________
(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٧٦.
(٢) كفاية الأصول : ٢٤٧ ـ ٢٤٨.