وبالجملة : أنّ الأسباب الموجبة لكون الكلام في مقام الاهمال لا في مقام البيان إذا فرض انحصارها في أمرين ، وحصل القطع بعدم تحقّق شيء منهما في الكلام الفلاني ، كان ذلك موجبا للقطع بأنّ ذلك الكلام مسوق في مقام البيان ، وإن حصل الشكّ في تحقّق شيء منهما كان ذلك موجبا للشكّ في كون الكلام مسوقا في مقام [ البيان ] فيكون موردا للأصل المذكور.
نعم ، قد يقال إنّ سبب الاهمال غير منحصر في هذين الوجهين ، لامكان أن يكون الاهمال والاجمال لأجل مصلحة أو مفسدة تقتضي عدم البيان ، اللهمّ إلاّ أن يقال إنّ ذلك راجع أيضا إلى الوجه الأوّل وهو كون الكلام مسوقا لبيان أصل التشريع لا لبيان تمام ما له الدخل في الحكم.
هذا ما كنت حرّرته سابقا أصلا وتعليقا. ولكن يمكن التأمّل في النحو الثاني ، فإنّ وجوب غسل موضع العض بمعنى كونه شرطا في حلّية الأكل من جهة حرمة أكل النجس ، يمكن أن يكون من طوارئ حلية الأكل ، لكن لم يكن حلّية الأكل مسوقا إلاّ لأصل تشريع حلّية أكل الصيد من دون تعرّض لما يعتبر في كيفية ذلك الأكل ، وإلاّ لكان هذا الاطلاق دالا على الحلّية فيما وجد فيه الحياة المستقرّة ثمّ مات بعد ذلك من دون تذكية ، لدخوله في إطلاق قوله تعالى : ( فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ )(١) فتأمّل.
قوله : وقد بيّنا سابقا أنّ مراتب الدلالة ثلاثة : الأولى الدلالة التصوّرية الناشئة من سماع اللفظ ... الخ (٢).
قد تقدّم الكلام على أقسام الدلالة في مباحث العموم في الحاشية على ما
__________________
(١) المائدة ٥ : ٤.
(٢) أجود التقريرات ٢ : ٤٣١.