وعلى أي حال ، فقد عرفت (١) أنّ أصالة العموم حاكمة على أصالة عدم النسخ بأي مدرك كانت من هذه المدارك. هذا في صورة كون المتأخّر هو العام ، وأمّا في صورة العكس فقد عرفت (٢) أنّها لا أصل لها في المقام أصلا. ولعلّ المراد من كون الشكّ في النسخ مسبّبا عن الشكّ في بقاء عموم العام على عمومه هو ما عرفت من توجيه الحكومة ، وأنّ الشكّ في النسخ إنّما يكون بعد تنقيح المراد ، فلا يتوجّه عليه ما في الحاشية (٣) من أنّ الشكّين ناشئان عن العلم الاجمالي ولا سببية ومسبّبية بينهما ، فإنّ ما في هذه الحاشية إنّما يتمّ لو كانا في عرض واحد ، وقد عرفت الطولية بينهما ، وهي التي أوجبت كون الأصل في الأوّل حاكما على الأصل في الثاني.
وأمّا ما ذكره في الحاشية المذكورة بقوله : فالصحيح في وجه عدم الالتزام بالنسخ في هذه الموارد هو ما أفيد أوّلا من أنّ أصالة العموم في هذه الموارد غير جارية في نفسها ، وإلاّ فهي لكونها من الأصول اللفظية تتقدّم على أصالة عدم النسخ لا محالة ، فلا بدّ من الالتزام في هذه الموارد بالنسخ مع أنّه غير صحيح ، انتهى.
ففيه : أنّ هذه الدعوى أعني كون أصالة العموم لو كانت جارية لكانت متقدّمة على أصالة عدم النسخ ، إنّما كانت بناء على أنّ أصالة عدم النسخ من الأصول الحكمية ، لأنّ الأصل اللفظي حاكم على الأصل الحكمي ، وأمّا بناء على أنّها من الأصول اللفظية فنحتاج في توجيه الحكومة إلى ما عرفت من تأخّر النسخ
__________________
(١) في الصفحة : ٣٧١ وما بعدها
(٢) في الصفحة : ٣٦٨ وما بعدها.
(٣) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٤٠٢.