نعم ، يمكن أن يتوجّه هذا الاعتراض على عدم التداخل في المسبّبات ، بأن يكون المتحصّل منه هو أنّا بعد الفراغ عن تعدّد الأسباب وعدم التداخل فيها لا بدّ لنا من الالتزام بأحد هذه الأمور الثلاثة ، أعني إخراج القضية عن الدلالة على الحدوث وجعلها لمجرّد الثبوت عند الثبوت ، أو جعل الفعل الواحد المنطبق عليه العنوانان كافيا في مقام الامتثال ، أو جعل ما يحدث بالشرط الثاني هو التأكّد.
قوله قدسسره في هذا المبحث : قلت انطباق عنوانين واجبين على واحد لا يستلزم اتّصافه بوجوبين ... الخ (١).
لا يخفى أنّ الوجه الثاني لا يتمّ ، لأنّ التركّب اتّحادي والقائلون بالجواز لا يقولون به ، مع أنّه قدسسره (٢) قائل بالامتناع ، فكيف يصحّ عنده هذا الجواب.
أمّا الوجه الأوّل فكأنّه راجع إلى أنّ الانطباق على الفرد جهة تعليلية لكونه متّصفا بالوجوب لا جهة تقييدية ، وهو لو صحّ فلا يتأتّى في مثل المثال أعني الاكرام بالضيافة ، لوضوح أنّ ذلك ليس من قبيل الجهات التعليلية. وبالجملة : أنّ انطباق عنوان الواجب على الفرد لا يعقل كونه جهة تعليلية لاتّصافه بالوجوب ، وإنّما ذلك من الجهات التقييدية ، ويكون عروض الوجوب على ذلك الفرد بواسطة كون الكلّي المنطبق عليه متّصفا بالوجوب ، فهو من الواسطة في العروض لا الواسطة في الثبوت ، وإنّما الذي يكون واسطة في الثبوت بمعنى أنّه علّة في تعلّق الايجاب بالشيء هو المصالح والمفاسد التي تكون علّة لتشريع الأحكام فتأمّل ، أو الشرائط التي جعل التكليف على تقدير وجودها مثل كون الدلوك علّة لوجوب الصلاة ، بمعنى تحقّق الوجوب عند تحقّق الدلوك لا أنّه علّة له حقيقة ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٠٣.
(٢) كفاية الأصول : ١٥٨.