تعالى : ( إِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً )(١) فإنّ مفهوم تلك الجملة الشرطية هو أنّ الخبر يكون حجّة إن لم [ يكن ] المخبر فاسقا بل كان عادلا ، فهذا العموم في أمثال هذه الأمثلة لو قدّمناه على المفهوم تكون النتيجة أنّ الشرط هو أحد الأمرين من وجود الشيء الذي هو إخبار الفاسق أو كون الماء كرّا ، ونقيضه الذي هو عدم إخبار الفاسق أعني إخبار العادل ، أو هو عدم الكرّية أعني القلّة ، ومن الواضح أنّه لا معنى ولا محصّل لكون الشرط هو أحد الأمرين اللذين لا يخلو الواقع عنهما ، فإنّ القدر الجامع بين القلّة والكثرة هو مطلق الماء ، ولا معنى لقوله إنّ الماء لا ينفعل بشرط تحقّق القدر الجامع بين كونه كثيرا وكونه غير كثير ، إذ ليس القدر الجامع بينهما إلاّ مطلق الماء الذي هو عين الموضوع في القضية المتضمّنة للشرط. وكذا لا معنى لقوله إنّ خبر الواحد ليس بحجّة بشرط تحقّق أحد الأمرين من كون المخبر فاسقا أو كونه عادلا ، لأنّ مرجع ذلك إلى أنّ الشرط هو القدر الجامع بينهما ، وليس القدر الجامع بينهما إلاّ الخبر نفسه الذي هو موضوع الحكم في القضية المقيّدة بالشرط.
وبالجملة : أنّ من يريد تقديم العام في أمثال هذه الأمثلة لا يمكنه التصرّف في المنطوق بما هو مفاد لفظة أو على وجه يكون الشرط هو أحد الأمرين ، بل لا بدّ له أن يرفع اليد عن أصل مفاد الاشتراط ، وذلك في غاية البعد والركاكة. أمّا التصرّف في المنطوق بحمل الشرط على كونه قيدا في الموضوع بحيث يكون المتحصّل أنّ الماء الكرّ لا ينفعل ، أو الخبر الذي يكون مخبره فاسقا لا يقبل ، فهذا أيضا موجب للغوية التقييد ، إذ لو كان وجوده مساويا لعدمه لكان ذكره لغوا ، ولسنا نريد أنّ تقييد الموضوع يفيد الانتفاء عند الانتفاء ، بل نريد أنّ تقييد الماء
__________________
(١) النجم ٥٣ : ٢٨.