وهناك (١) علّقنا عليه ما مفاده التأمّل في هذه القاعدة ، وأنّ نفس ظهور نفس القرينة ليس هو عبارة عن القرينية بل ليس ظهورها إلاّ في نفس معناها ، وأنّه لو قدّمناه لكان قرينة والتقديم منحصر في الأظهرية ، مثلا لو قال رأيت أسدا يرمي فلفظ الأسد ظاهر في حدّ نفسه في الحيوان المفترس ولفظ يرمي أيضا ظاهر في رمي النبال ، فكلّ منهما لو أبقيناه على ظاهره لكان موجبا للتصرّف في الآخر ، فيكون كلّ منهما صالحا للقرينية على الآخر.
وكذلك الحال فيما نحن فيه ، فإنّ كلا من العام في دلالته على العموم ، والمنطوق في دلالته على الانحصار ، صالح للتصرّف في الآخر ، فلا يتعيّن القرينية لأحدهما على الآخر إلاّ بالأظهرية ، فلا وجه للقول بأنّ ظهور المنطوق قرينة على التصرّف في العموم ، إذ ليس هو بأولى من العكس ، خصوصا لو كان العموم وضعيا ودلالة المنطوق على المفهوم بالاطلاق ومقدّمات الحكمة كما سيأتي في الحاشية الآتية (٢) من كون العموم الوضعي مقدّما على العموم الاطلاقي.
وبالجملة : ينبغي أن يكون المدار على الأظهرية حتّى لو كان الخاصّ والعام كلاهما وضعيين ، فما لم يكن الخاص في دلالته على الخصوص أقوى من دلالة العام على العموم لا يكون مقدّما على العام ، بل ربما كان الأمر بالعكس ، هذا.
ولكن لا يخفى أنّ تقديم العام على المفهوم المفروض كونه أخصّ منه بجعل الشرط أحد الأمرين غير ممكن ، لأنّ ذلك أعني كون الشرط هو أحد الأمرين إنّما يمكن فيما لا يكون الواقع منحصرا بالأمرين المذكورين ، بل كان
__________________
(١) في المجلّد الثاني عشر في الحاشية على فوائد الأصول ٤ : ٧٢٠.
(٢) أجود التقريرات ٢ ( الهامش ) : ٣٨٨.