نعم ، لو كانت العلّة هي إسكار الخمر كما في التغيير الذي هو علّة لنجاسة الماء فإنّها خاصّة بالماء ، ففي مثل ذلك لا تكون العلّة مطردة فلا يكون له مفهوم موافقة ، لكنّها منعكسة فيتولّد منها مفهوم المخالفة ، ويكون الحال في ذلك كما هو الحال في مثل إن كان الماء كرّا لم يتنجّس في أنّه لا يستفاد منه مفهوم الموافقة ، إذ لا تكون الكرّية مانعة من النجاسة في غير الماء المطلق. نعم يكون له مفهوم المخالفة ، وهو أنّ الماء إن لم يكن كرّا تنجّس بالملاقاة. أمّا حكمة التشريع فلا مفهوم له إذ ليست هي مطردة ولا منعكسة.
ثمّ لا يخفى أنّ المفهوم إذا كان في قبال العموم المخالف له لا بدّ أن يكون المنطوق مخالفا لذلك العام حتّى في مثل « إذا بلغ الماء كرّا لم ينجّسه شيء » (١) في قبال « خلق الله الماء طهورا » (٢) ، وحتّى في مثل احترم بيوت العلماء الذي يكون مفهومه احترام العلماء في قبال لا تكرم الفسّاق ، ومن الواضح أنّ المفهوم هو في الرتبة الثانية من المنطوق ، ولا يمكن الأخذ بالمنطوق في الرتبة الأولى مع وجود مخالفه الذي هو العموم ، فلا بدّ أوّلا من الإصلاح بين المنطوق وذلك العام المخالف ، ثمّ بعد استراحة المنطوق من معارضه يتسنّى لنا الأخذ بمفهومه ، وحينئذ فالعملية تجري أوّلا بين المنطوق ومخالفه من إعمال قواعد التعارض ، وأنّ النسبة بين ذلك المنطوق وذلك المخالف له هل هي العموم المطلق أو العموم من وجه أو التباين ، وإجراء الجمع بينهما بالطرق المقرّرة.
وبالجملة : أنّ فرض كون المفهوم معارضا للعموم فرض صوري لا واقعية له ، وإن شئت [ فقل ] إنّ فرض وجود المفهوم كدليل مستقلّ فرض صوري ،
__________________
(١) وسائل الشيعة ١ : ١٥٨ / أبواب الماء المطلق ب ٩ ح ١ ، ٤ ، ٦ ( وفيه : إذا كان ... ).
(٢) وسائل الشيعة ١ : ١٣٥ / أبواب الماء المطلق ب ١ ح ٩.