الايجاب والسلب ، كقوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ ) وكقولك أكرم خدّام العلماء ، حيث إنّ الأوّل يدلّ على حرمة الضرب والإيذاء الذي يكون أشدّ من قول أف ، والثاني يدلّ على وجوب إكرام العلماء ، ودلالتهما على ذلك إنّما تكون بمقدّمة عقلية قطعية وهي أولوية حرمة الضرب من حرمة قول أف ، وأولوية إكرام العلماء من إكرام خدّامهم. بل يمكن أن يكون ذكر أف في الآية المباركة من باب ذكر الخاص للتنبيه على العام ، وذكر الفرد الخفي للتنبيه على الفرد الجلي ، فتكون دلالة الآية على حرمة الإيذاء الشديد من المداليل الالتزامية اللفظية لا من المداليل الالتزامية العقلية. نعم ، في مثل أكرم خدّام العلماء تكون الدلالة عقلية لمكان الأولوية القطعية.
والحاصل : أنّ المفهوم الموافق يختلف بحسب الموارد ، فتارة يكون استفادة المفهوم من باب المقدّمة العقلية القطعية ، وأخرى يكون من باب دلالة نفس اللفظ ، وذلك في كلّ مورد يكون ذلك المنطوق للتنبيه به على العام ، الخ (١).
وقال المرحوم الشيخ موسى فيما حرّره عنه قدسسره : ثمّ وجه الأولوية قد يكون لحكم العقل بها ، أو لدلالة اللفظ عليها ، وأولوية حرمة إيذاء الوالدين بالضرب المستفادة من قوله تعالى : ( فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍ ) يمكن أن يكون على كلا الوجهين ، لأنّ العقل يحكم بعد أن علم بحرمة الأف أنّ الضرب محرّم بطريق أولى ، فهذه الأولوية من الأحكام العقلية الملازمية ، واللفظ أيضا دالّ عليها بالدلالة السياقية ، لأنّه يفهم من هذا الكلام أنّه من قبيل التنبيه على العام بذكر الخاص ، فإنّه بصدد بيان أوّل درجة من الإيذاء وأدناه ، فحرمة أعلى درجته تستفاد من سوق الكلام ، انتهى.
__________________
(١) فوائد الأصول ١ ـ ٢ : ٥٥٥.