أنّه لا أصل لهذا الأصل ، وإنّما أقصى ما عندنا هو أنّ الأصل في الضمير أن يكون مطابقا لمرجعه ، ومن الواضح أنّ ذلك لا دخل له بأنّ الأصل في المرجع أن يطابق ضميره الراجع إليه.
والحاصل : أنّ السياق والوحدة إنّما تحكم على الضمير وأنّه لا بدّ أن يكون على طبق مرجعه ، لا أنّها تحكم على المرجع وأنّه لا بدّ أن يطابق ضميره ، وحيث قد علم بالمراد بالضمير وأنّه قد خالف الظاهر من مرجعه فقد سقط فيه الأصل المزبور ولا أصل يوجب علينا أن نجعل المرجع مطابقا لضميره.
قوله : فإنّ إثبات تخصيص العام بأصالة عدم الاستخدام ليس من جهة كونه من آثاره شرعا ، بل هو من جهة ملازمته عقلا ، وبهذا الاعتبار يكون داخلا في الأصول المثبتة ، ومن الواضح أنّ إثبات لازم عقلي بأصل فرع إثبات ملزومه ، فالأصل إذا لم يمكن إثبات الملزوم به فكيف يمكن إثبات اللازم به مع أنّه فرعه وبتبعه (١).
يمكن التأمّل في ذلك ، فإنّ مبنى حجّية الأصول اللفظية في إثبات اللازم هو كونه بحسب نظر العقلاء من آثار مجرى الأصل ، فإن كانت الطولية هي السبب في التوقّف في الأصول اللفظية كانت سببا في التوقّف في الأصول فيما لو كان الأثر الشرعي أثرا ولو بألف واسطة ، وإن لم تكن الطولية موجبة للتوقّف في الأصول الشرعية ، لم تكن موجبة له في الأصول اللفظية.
والأولى أن يقال : إنّ الفارق هو وجود الاطلاق في ناحية الأصول العملية الشامل لجميع الآثار ، وأنّ الآثار الطولية لما هو مجرى الأصل آثار لنفس مجرى الأصل ، بخلاف الأصول اللفظية فإنّ الآثار الطولية فيها وإن كانت بنظر العقلاء
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣٧٢ [ المنقول هنا موافق للنسخة القديمة غير المحشاة ].