الدليل الدالّ على الوجوب لو خلي وحده لكان مقتضى إطلاقه هو وجوب القصر ، سواء سافر أو لم يسافر ، وسواء خاف العدو أو لم يخفه. لكن لمّا قيّده بقوله : ( إذا سافرت فقصّر ) التجأنا إلى تقييد إطلاق ذلك الوجوب بالسفر. أمّا الخوف فكان إطلاق الوجوب بالقياس إليه باقيا بحاله ، بمعنى أنّ الوجوب في قوله : ( إن سافرت وجب عليك القصر ) يكون بالقياس إلى الخوف باقيا على إطلاقه ، ولا ترفع اليد عن إطلاق دليل ذلك الوجوب إلاّ بالنسبة إلى السفر دون الخوف ، وحينئذ يكون مقتضى إطلاق الوجوب بالنسبة إلى الخوف بعد تقييده بالسفر أنّ وجوب القصر يتحقّق بمجرّد تحقّق السفر ، سواء انضمّ إليه الخوف أو لم ينضمّ إليه ، وذلك عبارة أخرى عن أنّ السفر يؤثّر وحده في وجوب القصر من دون أن نضمّ إليه الخوف ، فيكون هذا الاطلاق في ناحية الوجوب بالنسبة إلى الخوف نافيا لاحتمال عطف الخوف على السفر بالواو ، فيكون هذان الطريقان متوافقين في أخذ هذه النتيجة أعني طرد احتمال عطف الخوف على السفر بالواو.
وحيث إنّ جميع ما حرّرناه في القضية الأولى ـ أعني قوله : إذا سافرت فقصّر ـ متأتّ بعينه في القضية الثانية ، أعني قوله : إذا خفت العدو فقصّر ، وحينئذ يقع التدافع بين إطلاق الأولى وإطلاق الثانية من الجهتين ، أعني من جهة الاطلاق الطارد لاحتمال العطف بأو ، والاطلاق الطارد لاحتمال العطف بالواو ، وإن شئت فقل : إنّ ظاهر الاطلاق في القضية الأولى أنّ السفر في علّيته وتأثيره في وجوب القصر منحصر ، لا يقوم غيره الذي هو الخوف مقامه ، وأنّه مستقل في ذلك لا يحتاج إلى ضمّ غيره إليه في ذلك ، وهكذا الحال في الثانية. وكما أنّ إطلاق الأولى في إثبات انحصار الشرط بالسفر يعارض إطلاق الثانية في إثبات انحصار الشرط