ورابعا : أنّه لا معنى للفرار من اجتماع المتنافيين باقتراح طرد أحدهما بلا موجب ، بل إنّ الفرار من اجتماعهما إنّما يكون بسدّ باب الدليل على كلّ منهما أو سدّ باب دليل أحدهما ، فكان اللازم هنا أن نسدّ باب كون المورد محكوما بحكم العام بأن نقول إنّ دليل العام لا يشمله ، ونعمل الحيلة في وجه عدم شموله له ، لا أنّا نسلّم شمول الدليل له ونسلّم أيضا احتمال كونه محكوما بحكم الخاصّ ثمّ نقترح على حكم العام بالارتفاع دفعا لاحتمال اجتماع المتنافيين ، فإنّ هذا ليس بأولى بأن نقول يلزمنا أن نقطع بأنّ المورد ليس محكوما بحكم الخاصّ دفعا لاحتمال اجتماع المتنافيين.
وخامسا : أنّ الأحكام الظاهرية على تقدير كونها أحكاما حقيقية لمّا كانت منوطة بالحجة الفعلية كان تحقّقها تابعا لتحقّق الحجّية بالعلم بها ووصولها إلى المكلّف ، فإن تحقّقت الحجّية ووصلت تلك الحجّة إلى المكلّف كان الحكم الظاهري الناشئ عنها مقطوعا به ، وإن لم تتحقّق الحجّية كان الحكم الناشئ عنها مقطوع العدم. وحينئذ نقول إن فرضنا أنّ الحجّة الفعلية في المقام أعني مورد الشكّ المزبور هي عموم العام دون دليل الخاصّ كما هو المفروض ، كان الحكم الظاهري الناشئ عن حجّية العام مقطوعا به. وأمّا الحكم الظاهري الناشئ عن حجّية الخاصّ فلا يكون إلاّ مقطوع العدم.
وبالجملة : الحكم الظاهري لا يكون له وجود واقعي كي يكون قابلا لتعلّق الظنّ والشكّ به بل هو تابع للعلم بالحجّية ، فلا يكون إلاّ مقطوع الوجود أو مقطوع العدم كنفس الحجّية ، فلا محصّل لكون المورد من قبيل احتمال اجتماع المتناقضين ، فإنّا على تقدير كون المورد محكوما فعلا بحكم العام وإن كنّا نحتمل أن يكون مشمولا لدليل الخاصّ ، لكن هذا الاحتمال لا يولّد لنا احتمال كونه