يمكن أن يقال : إنّ التصرّف لا بدّ منه حتّى لو لم نقل بالمفهوم ، إذ لا أقل من كون ذلك من قبيل الحكم الواحد مع فرض اختلاف موضوعه بالتباين ، أو العموم من وجه أو العموم والخصوص المطلق ، فلاحظ. وهذا نظير ما ذكره المصنّف قدسسره (١) في ردّ استدلال القائلين بمفهوم الوصف بالاتّفاق على حمل المطلق مثل أعتق رقبة على المقيّد (٢) مثل أعتق رقبة مؤمنة ، فإنّ هذا الحمل كاشف عن التنافي ، وهو لا يكون إلاّ من جهة المفهوم ، فأجاب عنه بأنّ التنافي من جهة ضيق الموضوع وسعته مع فرض وحدة الحكم.
ولعلّ المراد هو أنّه بعد أن أخرجنا المتباينين اللذين لا يجتمعان معا ولا في السبق واللحوق ، مثل إن جاء مسافرك أوّل النهار فتصدّق وإن جاء في آخر النهار فتصدّق ، فهذا ومثله خارج لأنّ المتعيّن فيه هو مفاد أو ، ولا يتأتّى الجمع فيه بمفاد الواو. ثمّ بعد أن أخرجنا الخاص والعام وتعيّن الجمع فيه بمفاد الواو ، لم يبق إلاّ العامان من وجه مفهوما أو موردا ، مثل إن سافرت فقصّر وإن خفت من العدو فقصّر ، ولا ريب في عدم التنافي بينهما عند الاجتماع بأن تحقّق السفر والخوف ، فإنّه يلزمه التقصير على كلّ حال. أمّا لو انفرد السفر عن الخوف أو انفرد الخوف عن السفر فلا تعارض حينئذ ، إذ لا منافاة بين وجوب التقصير عند الخوف وحده ووجوبه أيضا عند السفر وحده ، وإنّما تتأتّى المنافاة بين مثل هذين الدليلين لو قلنا بالدلالة على الانحصار وتمامية العلّة ـ أعني الموضوع الذي هو السفر أو الخوف ـ ولأجل ذلك أفاد في الكفاية أنّه بناء على الدلالة على المفهوم تتحقّق المنافاة بينهما.
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٠٦.
(٢) [ في الأصل : المطلق ، والصحيح ما أثبتناه ].