المفهومية المردّدة بين المتباينين ، وقد تقدّم منه قدسسره (١) عدم جواز التمسّك بالعموم فيها ولزوم الرجوع في ذلك إلى الأصول العملية ، والأصل في مثل ذلك هو التخيير ، لأنّه من الدوران بين المحذورين في كلّ من الطرفين. وهل يلزمه إكرام أحدهما وترك الآخر مخيّرا فرارا عن المخالفة القطعية في ترك كلّ منهما وفي إكرام كلّ منهما ، أم يجوز له ذلك؟ محلّ تأمّل وإشكال ، وإن كان الظاهر هو تعيّن الأوّل أعني التبعيض. هذا لو كان مفاد التخصيص هو الحرمة ، ولو كان مفاده هو مجرّد عدم الوجوب لزم الاحتياط باكرامهما معا ، للعلم الاجمالي بوجوب إكرام أحدهما.
الصورة الثانية : ما يكون مردّدا بين عالمين والشبهة مصداقية ـ وهو ما نذكره فيما سيأتي من مثال الشبهة المصداقية المردّدة بين المتباينين ـ بأن لا يكون لنا إلاّ زيد واحد هو عالم ، لكن لبعض العوارض اشتبه بشخصين عالمين لم نعلم أنّ أيّهما هو المسمّى بزيد. وسيأتي إن شاء الله تعالى (٢) أنّه لا يجوز الرجوع إلى العام في مثل ذلك ، لا للعلم الاجمالي بتنجّز التحريم في كلّ منهما ، لأنّه لا يتأتّى فيما لو كان مفاد التخصيص هو مجرّد عدم الوجوب. ولا لتعارض أصالة العموم في كلّ منهما ، لأنّه لا يتأتّى فيما لو كان قد مات أحدهما ، بل لأنّ هذه الشبهة بنفسها مسقطة للعموم ، كما تسقطه لو كانت مصداقية مردّدة بين الأقلّ والأكثر.
ثمّ بعد الفراغ عن عدم جريان العموم فيها لا بدّ من الرجوع إلى الأصول العملية ، وهي التخيير لو كان مفاد الدليل هو التحريم ، والاحتياط باكرامهما لو كان مفاده هو مجرّد عدم الوجوب ، على حذو ما تقدّم في الصورة الأولى.
__________________
(١) أجود التقريرات ٢ : ٣١٥.
(٢) في الحاشية الآتية في الصفحة : ١٣٩ وما بعدها.