يبعد قبولها في الجملة ـ أيضاً مؤيّدتان لما ذكرنا من الدليل.
ثمّ إنّ هيهنا بيانين آخرين لا يمكن الالتزام بهما إلاّ إذا رجعا إلى البيان المزبور :
أحدهما : أنّ الاجتهاد اللاحق كالإجتهاد السابق ، ولا دليل على ترجيحه عليه حتّى يبطله. وهذا بحسب ظاهره باطل قطعاً ، لأنّ المفروض أنّ المجتهد يرى الاجتهاد السابق في الآن باطلاً ولو ظنّاً ، ويكون هذا الزمان زمان حكومة الاجتهاد الثاني ، فكأنّه ظفر لمصدر الاجتهاد السابق معارضاً لم يظفر به سابقاً.
إلاّ أن يرجع إلى أنّ دليل حجّية الاجتهاد اللاحق لا يعمّ الأعمال السابقة وهو نفس ما ذكرناه.
ثانيهما : ما ذكره في « التنقيح » من دون أن يقبله ، وحاصله : أنّ الاجتهاد الأوّل كان حجّة في ظرفه ، والاجتهاد الثاني حجّة من زمن تحقّقه ، ولا يعمّ السابق ، فكلّ حجّة في ظرفه الخاصّ به.
وبعبارة اخرى : المفروض في المقام هو ما إذا كان إنكشاف الخلاف بقيام حجّة معتبرة على الخلاف ، فلا علم وجداني بكون الاجتهاد السابق على خلاف الواقع ، وحينئذٍ كما يحتمل أن يكون الاجتهاد الثاني مطابقاً للواقع ، يحتمل أيضاً أن يكون الاجتهاد الأوّل كذلك ، فهما متساويان من هذه الجهة لأنّ الاجتهاد اللاحق لا يكشف عن عدم حجّية الاجتهاد السابق في ظرفه ، لأنّ انكشاف الخلاف في الحجّية أمر غير معقول ، بمعنى أنّ السابق يسقط عن الحجّية في ظرف الاجتهاد الثاني مع بقائه على حجّيته في ظرفه (١).
وهذا أيضاً لا يمكن المساعدة عليه بظاهره ، لأنّ الاجتهاد الثاني وإن كان زمان حجّيته حين وصوله ، ولكنّه يمكن أن يكون عاماً من حيث المحتوى والمؤدّى فيشمل الأعمال السابقة أيضاً.
فمثلاً إذا ظفر المجتهد برواية تدلّ على وجوب صلاة الجمعة فإنّها وإن صارت حجّة من زمن وصولها ولكن مضمونها ومحتواها يدلّ على وجوب صلاة الجمعة من زمن الرسول صلىاللهعليهوآله إلى يوم القيامة ، لأنّ مقتضاها ثبوت مدلولها في الشريعة المقدّسة من الابتداء ، لعدم اختصاصه
__________________
(١) راجع التنقيح في شرح العروة الوثقى : ج ١ ص ٥١ ـ ٥٤.