ثمّ لا يخفى عليك الربط بين صدر الآية ( وأنفقوا في سبيل الله ) وذيلها ( ولا تلقوا ... ) فالمقصود منها ما أشرنا إليه في بعض الأبحاث السابقة من أنّ عدم الإنفاق وبالنتيجة إيجاد الفقر في المجتمع يوجب الفوضى واختلال النظام وهلاك جميع الأفراد حتّى الممتنع من الإنفاق ، فعدم الإنفاق في سبيل الله يوجب إلقاء أنفسكم في الهلكة ضمن إلقاء المجتمع فيها.
هذا كلّه في استدلال الأخباريين على الاحتياط بالآيات.
أمّا الروايات فهى كثيرة جمع عمدتها صاحب الوسائل في كتاب القضاء في الباب الثاني عشر من أبواب صفات القاضي ، وهى في الواقع على ثمانية طوائف.
الطائفة الاولى : ما ورد في الشبهات قبل الفحص مثل صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج قال : سألت أبا الحسن عليهالسلام عن رجلين أصابا صيداً وهما محرمان ، الجزاء بينها ، أو على كلّ واحد منهما؟ قال : « لا بل عليهما أن يجزي كلّ واحد منهما الصيد ». قلت : إنّ بعض أصحابنا سألني عن ذلك فلم أدر ما عليه فقال : « إذا أصبتم مثل هذا فلم تدروا فعليكم بالاحتياط حتّى تسألوا عنه فتعلموا » (١) وفي هذا المعنى روايات اخرى في نفس الباب كالرواية ٣ و ٢٣ و ٢٩ و ٣١ و ٤٣.
الطائفة الثانية : ما تتضمّن أنّ إجتناب الشبهات يوجب القدرة على ترك المحرّمات ، وقد علّل فيها ذلك بأنّ المعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها.
منها : ما رواه الصدوق قال : إنّ أمير المؤمنين عليهالسلام خطب الناس فقال في كلام ذكره :
« حلال بيّن وحرام بيّن ، وشبهات بين ذلك ، فمن ترك ما اشتبه عليه من الإثم فهو لما استبان له اترك ، والمعاصي حمى الله فمن يرتع حولها يوشك أن يدخلها ».
وفي هذا المعنى أيضاً روايات في نفس الباب كالرواية ٢٢ و ٣٩ و ٤٧ و ٦١.
والجواب عنها : أنّه لا إشكال في أنّها أوامر استحبابيّة إرشاديّة كما لا يخفى.
الطائفة الثالثة : ما أمر فيها بالورع :
__________________
(١) وسائل الشيعة : الباب ١٢ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١.