نعم لقائل أن يقول : إنّ أدلّة الاصول المرخّصة منصرفة عن موارد العلم الإجمالي وناظرة إلى الشبهات البدوية أو الشبهات غير المحصورة كما عرفت في روايات الجبن.
وإستشكل المحقّق النائيني رحمهالله على الشيخ الأنصاري رحمهالله ، بأنّ اللازم في المقام البحث عن إمكان جعل الحكم الظاهري في تمام الأطراف بحسب مقام الثبوت ، لأنّه مع وجود المحذور في مقام الثبوت لا تصل النوبة إلى البحث في مقام الإثبات والاستظهار ، ثمّ ذكر لشمول أدلّة الاصول لأطراف العلم الإجمالي ثبوتاً محذورين على سبيل منع الخلو :
أحدهما : مناقضة الحكم الظاهري الناظر إلى الواقع مع العلم الوجداني ، وهى في موارد الاصول التنزيليّة كالإستصحاب حيث إنّ تنزيل الطهارة المشكوكة منزلة الطهارة الواقعيّة مثلاً بدليل الاستصحاب يناقض مع العلم الإجمالي بنجاسة أحدهما الواقعيّة.
ثانيهما : إنّ جعل الحكم الظاهري في تمام الأطراف مستلزم للترخيص في المعصية ومخالفة التكليف الواصل ، وهذا في موارد الاصول غير التنزيلية (١).
أقول : التكلّم في مقام الثبوت إنّما هو من باب المقدّمة للبحث عن مقام الإثبات ، ولا شكّ في أنّ شمول اطلاقات أدلّة الاصول لكلّ واحد من الأطراف مع قطع النظر عن سائر الأطراف لا محذور فيه ثبوتاً ، إنّما المحذور ينشأ من شموله لها جميعاً ، وهذا هو معنى التعارض كما في سائر المقامات ، ألا ترى أنّ شمول أدلّة حجّية خبر الواحد لكلّ واحد من المتعارضين مستقلاً لا محذور فيه ، ولكن شمولها لهما غير ممكن للمحذور الثبوتي ، للعلم بكذب واحد منهما ، وهذا هو العلّة في تعارضهما.
وقد أشار المحقّق الخراساني إلى هذه المسألة بغير اهتمام يليق بها ، وقال بعدم الفرق بين الشبهتين مع فعليّة التكليف المعلوم بالإجمال ، فالمدار في تنجّز العلم الإجمالي إنّما هو فعلية التكليف لا قلّة أطرافها ، نعم ربّما تكون كثرة الأطراف في مورد موجبة لعسر أو ضرر أو
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٢٤١ ، طبع مؤسسة مطبوعات ديني ؛ وفوائد الاصول : ج ٤ ، ص ٢٠ ـ ٢١ ، طبع جماعة المدرّسين.